أهميّة إعداد خبراء في المجال الزراعي

 

محمد صالح حاتم

اليمنُ بلدٌ زراعي، وقامت فيه أعظمُ الحضارات الإنسانية، معتمدة على الزراعة؛ ولذلك فاليمنيون بشكل عام يشتغلون في زراعة الأرض، ولديهم خبرات زراعية وابتكروا طرقاً عديدةً في الزراعة، وحصاد المياه، ويتوارثونها جيلاً بعد جيل.

فاليمنيون يعتبرون خبراء وعلماء في مجال الزراعة، فأغلبُ المزارعين يعرفون مواسمَ الزراعة، يعرفون متى يحرثون، ومتى يسقون، ومتى يبذرون، ومتى يحصدون، وذلك عن طريق الحساب الفلكي معتمدين على النجوم، ولليمنيين نجمٌ في السماء سُهيل اليماني، فالاهتمامُ بالزراعة جعل المزارع يبحث وَيبتكر ويطوِّرُ في مجال عمله.

ولكن عندما جاءت العلومُ الحديثة والتطور والتقنية الحديثة في المجال الزراعي، وتم إدخَال الآلات الزراعية والنظرات الجديدة في الزراعة، أضعنا الزراعة، بل وابتعدنا عن الزراعة تطبيقاً لرغبات وأهداف الأعداء.

فأصبحنا شعوباً استهلاكية، وسوقاً مفتوحة لمنتجات الأعداء، ننتظر وصولَ البواخر من أمريكا وأستراليا المحملة بالحبوب، لنأكل منها، أصبحنا ننتظر وصول قوتنا الضروري من أعدائنا، والسببُ هو أننا ابتعدنا عن ديننا الذي أمرنا أن نتحَرّكَ في كُـلّ المجالات، وأن نعمل وأن نعدَّ العدة لمواجهة الأعداء، والاستعداد ليس بالسلاح فقط، بل أن نستعد أولاً بتوفير القوت الضروري، أن توفر لقمة العيش، بعدها نستعد بالسلاح.

والتحَرّك في جميع المجالات يكون كما قال الشهيد القائد في ملزمة (مديح القرآن -الدرس الأول): “حاجيات الإنسان واسعة من جانب، المسئولية التي ربطك القرآن بها تفرض عليك أن تتحَرّك في كُـلّ هذه المجالات، أن تصنِّع، أن تزرع، أن تعمل على أن يكون لديك خبراء، أن يكون لديك مهندسون، أن تهتم ببناء أُمَّـة متكاملة، أليس القرآن هدى إلى هذه؟ يكون عندك خبراء يشتغلون في كُـلِّ المجالات، ويبدعون، ومعاهد، معاهد، بحث، دراسات، تمويل للبحث؛ مِن أجلِ ماذا؟ أنك تريد أن لا يسبقك الآخرون إلى شيء، تكون أنت من تملك الخبرة، من تملك الصناعة، من تملك الاكتفاء، في زراعة، في غيرها، وتجد في كُـلِّ واحدة من هذه تلقى الله فيها، عندما يتحَرّكون في أيِّ مجال من المجالات يتلمس التأييد الإلهي، يتلمس البركة الإلهية، يتلمس البُشرى التي قال هنا: (وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)، يتلمَّسُ أَيْـضاً مظاهرَ معرفة الله، مظاهر قدرته، مظاهر رحمته، مظاهر رعايته، مظاهر تدبيره، مظاهر… إلخ، فالدينُ هو يملأُ الحياة، يملأُ الحياة بكلها، والتبيين لا يعني أن يعمل لك قائمةً تفصيلية بأسماء الأشياء بالتحديد، هو يبين لك كيف تكون، يهديك إلى كيف تكونُ هذه الأُمَّــة، ماذا ينبغي أن تعمل، ومعلوم بأنه حتى في الصناعات ألا يكون فيها ما تسمى قواعد؟ فهو يهدي إلى أبواب من المعرفة، تهدي إلى معارف من هذا النوع، تهدي إلى بناء للأُمَّـة في كُـلّ المجالات”، يعني أننا مطالبون أن نتحَرّك في كُـلّ المجالات، ومنها الزراعة، وأن يكون هذا التحَرّك وفق منهج الله سبحانه وتعالى.

فإذا أردنا أن نصلَ للاكتفاء من القوت الضروري، وبدأنا التحَرّك في مجال الزراعة، فإن علينا أن نمشيَ وفق استراتيجية محدّدة تم إعدادُها من قبل خبراء يمتلكون الخبرة والدراية والعلم والمعرفة في مجال الزراعة، بحيث يتم وضع هذه الاستراتيجية وفق قدراتنا، متوافقة ومتلائمة مع بيئتنا، وثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا، أن يتم وضعها وأهدافها ومخرجاتها بما يتناسب مع إمْكَانياتنا المادية والبشرية والبيئية، وأن لا نظل نتحدّث عن نظريات الغرب وما قاله العالم فلان والخبير فلان، فكلُّ بلاد لها خصوصياتها ولها مقوماتها، لا نريد خبراءَ يعقّدون المسألة أكثرَ مما يحلونها، نريد خبراء يوجدون حلًّا للمشكلة ويرسمون طريقاً للوصول للاكتفاء الذاتي، في زراعة الحبوب وهو أهمُّ جانب، فبلادنا ولله الحمد تمتلك من المقومات ما يجعلها بلاداً مصدراً وليس مكتفياً ذاتياً، كما نعلم أن الأعداء ومنظماتهم صنفت اليمن من أفقر البلدان، وأنه سيأتي بعد عدة سنوات والشعب لا يجد لقمةَ العيش ولا شربة ماء، ونحن صدقناهم علماء وخبراء ودكاترة جامعات، لم يتكلم أحد ويقول اليمن ليس فقيراً، والماء متوفر، علينا أن نعود إلى كتاب الله القائل: (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا)، وقوله تعالى: (أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ)، هذا كلام الله، كيف نكذّب كلامَ الله ونصدق نظريات الغرب.

أجدادُنا كانوا يزرعون اليمن ويأكلون ويصدّرون، وأقاموا أعظمَ الحضارات وأقوى الدول والإمبراطوريات، لم تكن توجدُ لديهم آلاتٌ زراعية حديثة من حراثات ومضخات وحصادات، كانوا يحرثون بالجمال والبقر والحمير، ويسقون الأرض من السدود والحواجز، ويسنون بالبقر والحمير من الآبار السطحية، ويحصدون الحبوب، فعلينا أن نتحَرّك وأن نعمل وأن يكون لدينا علماءُ وخبراءُ لديهم نظرياتُهم الخَاصَّة بهم، التي يبنونها وفقَ الطبيعة اليمنية، وفقَ المقومات التي يمتلكها اليمن وأن تكون نظرياتُنا وفق منهج القرآن الكريم.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com