5 سنوات على توشكا صافر.. المحرقة الكبرى للإماراتيين في اليمن

الضربة أكّـدت للعدوان الأمريكي السعودي أن اليمن مقبرة للغزاة

 

المسيرة- خاص

لا يزالُ النظامُ الإماراتي يتذكَّرُ بأسىً الضربةَ الموجعةَ التي تلقاها الجنودُ المرتزِقة الإماراتيون في معسكر صافر قبل خمسة أعوام.

في مطلع سبتمبر 2015، كان الجنود الإماراتيون قد وصلوا إلى صافر وهم على متن مدرعاتٍ وحاملات جنود، وأسلحة حديثة متطورة وناقلات إسعاف، وطائرات أباتشي، وعدد من طائرات الاستطلاع، وكانت خطتهم تقضي بالتقدم صوب صنعاء من بوابة مأرب، معتقدين أن الطريقَ ستكون سالكةً لهم وأن السيطرة على صنعاء ستتم خلال أسابيع تماماً كما حدث في مدينة عدن، لكن اليقظةَ العالية لأبطال الجيش واللجان الشعبيّة كانت لهم بالمرصاد، والرصد الدقيق لتحَرّكات هؤلاء المرتزِقة سهل للجيش إطلاق صاروخ “توشكا” في الرابع من سبتمبر أيلول 2020، والجنود في نومهم العميق، ليتحول المعسكر الذي وصلوا إليه إلى جحيم تحترق فيه الأشلاء، وتختلطُ دماءُ المرتزِقة بدماء الجنود الإماراتيين المغرورين وقادتهم الذين جاءوا لاحتلال اليمن.

الحصيلة النهائية لهذه الضربة اشتملت على مقتل “189”، بينهم 67 إماراتياً، و42 سعودياً و16 بحرينياً، و12 أردنياً، بالإضافة إلى 52 مرتزِقاً.

ومن حيث الخسائر المادية، دمّـرت تلك الضربة عدداً من العربات الحاملة صواريخ من نوع مانستير، وقاطرات وقود، وناقلات إسعاف، وطائرتَي أباتشي، وعدداً من طائرات الاستطلاع، بالإضافةِ إلى إحراقِ العشرات من الآليات العسكرية ما بين دبابة ومدرعة.

وأجبرت هذه الضربةُ الشهيرة النظامَ الإماراتي على إعلان الحداد وتنكيس أَعلامه لمدة 3 أَيَّـام، كما كان لها صدىً واسعٌ على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، ونشرت وسائلُ إعلامية دولية جثامينَ الجنود الإماراتيين عند وصولهم إلى مطار أبو ظبي، وأظهرت عدساتُ الكاميرا الدموع تنهار من خدود الإماراتيين، التي شعروا بمدى وجع هذه الضربة.

ويرى الخبير والمحلل السياسي عبدُالقوي السباعي أن الخسائرَ الكبيرة التي مُنيت الإمارات تعد تطوراً مفاجئاً في الاستراتيجية اليمنية، إذ لم تكن الرؤيةُ الاستراتيجية العسكرية اليمنية واضحةً منذُ بدء العدوان في مارس من العام 2015م تجاه الموقف العام مما يجري على الساحة، حيث رأى كثيرون في دوائر صنع القرار اليمني أن على القوات اليمنية عدمَ الاندفاع المباشر في خوضِ معاركَ خاسرةٍ في الوقت الراهن من جهة، مع تقويض عوامل استمرار حالة الاستنزاف للبنية التحتية العسكرية والمدنية من قبل طائرات تحالف العدوان، وتأمين متطلبات استراتيجية الدفاع من جهة أُخرى.

ويضيف السباعي أن التحَرّكاتِ اليمنية اقتصرت خلال هذه الفترة على التنسيق مع مختلف صنوف القوات المسلحة اليمنية التي كانت قد تعرضت للتخريب الممنهج والتدمير المنظَّم، وخَاصَّةً في فترة تواجد الفارّ هادي في السلطة؛ بغية توحيدها وإعادة تنظيمها والتأثير على مواقفها بما يُحقّق الاستراتيجية الدفاعية المتصدية للعدوان، في ظل توسيع عمليات الاستنزاف والاستهداف لها من قبل قوى التحالف بغرض إسقاطها وإخراجها نهائياً عن التأثير في مسرح العمليات، وهو ما لم يحصل أبداً.

ويواصل السباعي حديثَه بالقول: وفي تعديلٍ بسيطٍ في الاستراتيجية اليمنية، تبين أن دخول قوات أجنبية إلى بعض المناطق التي يسيطر عليها مرتزِقة العدوان، قد يمنحُها وأتباعها وأذنابها فرصة توسيع النفوذ في هذه المناطق وغيرها، مستفيدين من ضعف وخنوع من يتدثرون رداء الشرعية، وبما أن الارتهان الكامل لهذه الأدوات قد فتح شهية قوى العدوان وهو الأمر الذي سعت إليه السعودية وأصبح يصُبُّ في مصلحة الإمارات أَيْـضاً، مُشيراً إلى أن الاستراتيجية الدفاعية لمواجهة الاحتلال جاءت لمواجهة التمدد السعودي الإماراتي في اليمن عن طريق الضربات الاستباقية الجراحية، مؤكّـداً أن العملية النوعية التي نفذتها القوة الصاروخية اليمنية من خلال صاروخ توشكا الذي دكَّ معسكر قوى الغزو في منطقة صافر – مأرب، مكبداً العدوانَ خسائرَ فادحة في عشرات الجنود من جنسيات مختلفة (إماراتيين، بحرينيين، سعوديين)، والعشرات من المدرعات وطائرات الأباتشي، والتي تلتها العديد من العمليات المماثلة، في عملياتٍ تكتيكيةٍ هجومية تخدم أغراضَ الدفاع، وألغت ذلك الاستعراضَ الدعائي والتسويق الإعلامي الضخم لقوات وجيوش دول التحالف، كما ألغت فكرة تواجدهم في ميدان يلتهمهم في كُـلّ لحظة.

 

ضربةٌ استراتيجية

من جانبه، يؤكّـد المحللُ السياسي زيد الغرسي، أن ضربة توشكا التي استهدفت قوات الاحتلال الإماراتي بمأرب كانت ضربة استراتيجيةً من عدة نواحٍ؛ باعتبَارها أولاً مثلت عنصرَ المفاجأة للعدو التي لم يتوقعها؛ لأَنَّه كان يراهن أنه استطاع تدمير كُـلّ الصواريخ الموجودة، لذلك فإن إعادة تشغيلها وإدخَالها في المعركة كانت مفاجئة للعدو بكل المقاييس.

ويشير الغرسي في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة”، إلى العملية التي قُتل فيها أكثر من خمسين ضابطاً إماراتياً وبعض الضباط السعوديين والبحرينيين، شكلت خسارة فادحة للعدو وَكان لها وَقْعٌ أليم عليه، ومن تأثير الضربة أن انسحبت قوات الاحتلال من مأرب إلى مناطقَ أُخرى، ولم يعد يتجمعوا بل كانت تحَرّكاتهم من بعدها حذرة ومتخفية وخائفة وهذا شكل ضربة معنوية للأعداء.

ويؤكّـد الغرسي أن ضربة صافر كان لها وقعٌ كبير على أبناء الإمارات أنفسهم، حيث ساد السخط وتعالت بعض الأصوات لخروج الإمارات من التحالف وإعادة أبنائهم من اليمن لكن النظام الإماراتي استطاع اسكات تلك الأصوات.

ويبيّن الغرسي أن ضربةَ توشكا شكلت هزيمة نفسية للعدوان، حيث تعرضوا لنكسةٍ كبيرة وانهارت معنويات الإماراتيين وخسروا صيتهم أمام العالم، وما زالوا يعانون من ذكراها إلى اليوم؛ ولذلك حاولوا أن يغطوا على ذلك بإعلان ذلك اليوم “يوم الشهيد” في الإمارات للتغطية على النكسة التي حَلَّت بهم.

 

مفاجأةٌ غيرُ متوقعة

من جانبه، يقول المتحدث باسم الأحزاب اليمنية المناهضة للعدوان، عارف العامري يقول: إن الضرباتِ الصاروخيةَ التي وجَّهها أبطالُ الجيش واللجان الشعبيّة على معسكرات تجمع قوات العدوّ في كافة الجبهات شكّلت آلاماً قاسية في صفوف أنظمة تحالف العدوان، مُشيراً إلى أن ضربة صاروخ توشكا كانت أهم الضربات وسببت وجعاً كَبيراً وحصدت أرواحاً كثيرةً بضربة فاجأت قوى الغزو بمعسكر صافر بمأرب وأصابته في مقتل.

ويؤكّـد العامري أن صاروخَ توشكا وضربته المباركة أصبح كابوساً يقض مضاجع الإماراتيين كُـلّ ليلة إلى جانب جميع الضربات الصاروخية والتي تعد نجاحاً باهراً في مسار العمليات العسكرية النوعية، وخَاصَّةً بعد تصريحات قائد الثورة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي حول الخيارات الاستراتيجية واستنزاف قوى العدوّ حتى انهياره.

ويشير العامري إلى أن الأمرَ الذي تجلى بوضوح خلال ستِّ سنوات من الصمود والتحول من الدفاع إلى الهجوم وإسقاط رهانات ومخطّطات العدوان، وخَاصَّةً فيما يراد تمريره من مشاريعَ تطبيعية وإخضاع المنطقة في تخطيط جديد تحت مسمى مشروع الشرق الأوسط الجديد، بواسطة صفقة القرن.

 

فاجعةٌ كبرى للإمارات

من جهته، يؤكّـدُ المحللُ السياسي والناشط الإعلامي خالد العراسي، أن ضربة توشكا في صافر التي قُتل وأُصيب فيها العشرات من قوى العدوان شكّلت مأساةً حقيقية وفاجعة كبرى للإمارات وجعلتها تراجع حساباتها فيما يخص التواجد المباشر على الأراضي اليمنية.

ويقول العراسي في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة”: إنه ومنذ تلك الضربة انسحبت القوات الإماراتية من أغلب المناطق التي كان لجيشها حضورٌ مكثّـف واكتفت بتواجد عدد قليل من الضباط مهمتهم الإدارة والاشراف على قوات المرتزِقة والجماعات الإرهابية.

ويرى العراسي، أن اعتقادَ الإمارات أن قواتِها قادرةٌ على تحقيق ما عجز المرتزِقة عن تحقيقه؛ باعتبَارها مرجعاً أكاديمياً عسكرياً لجأ إليها النظام السابق للتدريس والتأهيل العسكري لكنها لم تكن تعي الفرق بين الجانب النظري والعملي، مؤكّـداً أن ضربة توشكا أكّـدت للإماراتيين أن اليمن مقبرة للغزاة.

ويوضح العراسي أن هذا هو الدرسُ الذي تمكّنت قوتنا الصاروخية من إيصاله إليهم من خلال ضربة صافر التي أعادت إلى ذاكرتهم مقولة “اليمن مقبرة الغزاة”.

ويضيف العراسي بقوله: ولأنهم غيرُ مستعدون لخسارة المزيد وتكرار الفاجعة لجأوا إلى استخدام الجنجويد والبلاك ووتر والسنغاليين وغيرهم من مدفوعي الأجر، ورغم أنها قواتٍ لم تتواجدْ في الصفوف الأولى إلَّا أن أبطالَ جيشنا واللجان تمكّنوا من إحداثِ خسائرَ كبيرةٍ فيهم أَدَّت إلى انسحاب وفرار أغلبهم، لافتاً إلى أن ما أذهَلَ الإماراتيين في ضربة توشكا هو دقّة الإصابة الناتجة عن دقة المعلومة بتوفيق من الله عز وجل، مؤكّـداً أنها ضربةٌ موفقة جعلتهم يعرفون من هم اليمانيون، كما جعلت العدوّ يدرك تماماً أنه يواجهُ فئةً غيرَ تلك التي تعوّد خضوعَها وركوعَها منذ عقود.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com