الحسينُ في وعي الشعوب

 

سند الصيادي

من راقب بعناية أصداءَ ذكرى استشهاد الإمَام الحُسَين بن علي في يوم العاشر من محرم على الصعيدين العربي والإسلامي، ليس على مستوى الأنظمة والمواقف الرسمية، وإنما على مستوى شعوب هذه الدول، سيفهم أن هذا اليوم لم يكن إحياؤه مُجَـرّد طقوس أَو مراسم تفردت بها فئة أَو طائفة أَو عرق أَو مذهب، وَإنما كان موروثاً جامعاً وشاملاً لدى جميع أبناء الأُمَّــة الإسلامية، فيما لا تزال شعوبُها حتى اليوم تكافح في إحيائه وتتوارثه للأجيال التي تليها بدوافع عفوية ذاتية تجسّد حالة الإيمان بهذه الثورة وَبقائدها وَحججها ومظلوميتها، رغم كُـلِّ الظروف الممانعة لهذا الإرث، والضخ الثقافي و”الوهَّـابي” الكبير والمضلل الذي تتعرّض له، وَرغم كُـلّ أنواع الاستقصاد والاستهداف عبر كُـلّ المراحل من قبل نسخ “يزيد” المتناسل نهجه في شخصيات وَأنظمة الحكم بمختلف مسمياتها وأشكالها عبر العصور.

وليس بخفيَّةٍ تلك المظاهرُ الإحيائية لهذه الذكرى التي تناقلها الإعلام -غير المتصهين- من دول عربية، مثل مصر وَدول المغرب العربي وَأُخرى إسلامية مثل باكستان وتركيا وإندونيسيا وَماليزيا، وَالطوائف وَالجاليات الإسلامية في دول أُخرى، كلٌّ بطريقته وَموروثه المتبع في الاحتفاء، دلالة كافية على وَاحدية القدوة وَالمبادئ التي يؤمن بها المسلمون وَيلتفون حولها ومعهم كُـلُّ شعوب العالم التواقة للفضيلة.

هنا نفهم مدى حرص الأُمَّــة على بقاء ارتباطها بنبيها وَحبها وإجلالها لآل بيته الأطهار الذين يمثلون عملياً امتداداً لهذا النور الالهي، كما نفهم وعي شعوب الأُمَّــة بقدسية القضية التي حارب لأجلها الحسين وَضحّى لأجل نصرتها، وَبما يدلل على أن حالة التنكر لهذه المبادئ ليست قضية الشعوب التي لطالما كانت تستجدي فضائلها، وإنما شغل الطغاة وَالجائرين الشاغل؛ لكونها تتعارض مع نزواتهم وَأطماعهم القائمة على الاستعباد والاستئثار وَالظلم، وتفشي النزاعات والاقتتال، واستمرار حالة الانهيار البنيوي للأُمَّـة الذي يقودها طائعةً إلى براثن الشيطان المتمثل بأمريكا وإسرائيل.

إن هذه الحالةَ الروحانية لدى شعوب الأُمَّــة لا تجدي لوحدِها دونَ حراك عملي جادٍّ؛ لترجمة هذه القناعات وإسقاط دروسها على واقعها المعاش؛ لنيل مكرماتها والانتصار لمثلها، وكما للشعوب الدورُ الأكبرُ في هذه المعركة بين الحق والباطل؛ باعتبَارها أدوات الصراع وشوكة الميزان، فإن الوعي الكامل بحقيقة وجوهر هذا الصراع هو من يحصنها وَيحرك مفاعيلها باتّجاه الانتصار للحق الذي يندرج في إطاره كُـلُّ مصالحها كشعوب مسلمة، من عزة وكرامة وَتحقيق للعدالة وَنهاية للظلم والامتهان، وَاستشراف للمستقبل الذي تنعم فيه أجيالُها بنعمة الأمن والاستقرار وَالحياة الكريمة، وانعدام للهيمنة والاستكبار، ناهيك عن نتائجها العظيمة الموعودة في الأُخرى.

وَفيما يخُصُّ واقعنَا اليمني، فإن هذا الاحتفاءَ الكبيرَ وَالمتزايدَ شعبيًّا والمنسجمَ مع توجُّـهِ قيادتنا المؤمنة والوطنية، يمثّل صحوةً وانطلاقة يمكن بها مجابهة كُـلِّ التحديات والمخاطر المحدقة بنا، وَهو من أبرز أسرار صمودنا وثباتنا في وجه العدوان الصهيوأمريكي المستمر على بلادنا منذ ست سنوات.

والخلاصة أنه وَفي ظل هذا الواقع الأليم الذي ترزَحُ تحته الأُمَّــة بمختلف مؤثراته، فإن ارتباطها الثقافي والديني بهذه الأعلام الربانية يُبْقي فُرَصَ النجاة حاضرة إن هي أحسنت توظيفها وَتوليها الصادق، متجاوزة أخطاءَها وعثراتِها التي أجلت خلاصَها وَأطالت معاناتها وضياعها، وَإلا فإن المصير سيكون مشابهاً لما حدث بعد استشهاد الحسين، نزفاً للمراحل وَضياعاً في الوجود.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com