قلوبُهم معك وسيوفُهم عليك

 

أمين المتوكل

للإنسان في هذه الحياة ارتباطات عديدة بالأشياء التي حوله، ولكلِّ ارتباط فلسفته الذي من خلاله تقوم الحياة وتتقوم المسارات بسلامة تلك الارتباطات، فهذه الارتباطات هي سنن إلهية أودعها الله في هذا الكون شبيهة بالقوانين في المفهوم المعاصر.

لكلِّ شيء قيمة في هذه الحياة، والإنسان يرتبط بالأشياء بما تحمل في طياتها من قيمة، فيتجه الإنسان إلى الأشياء التي تحمل القيم العظيمة؛ لأَنَّ الإنسان بفطرته ينشد نحو التكامل، فحين تكون التربة لها قيمة وتحمل عناصر التفاعل مع البذور، فإن تلك المنطقة تكون مزدهرة وتصبح محطًّا لقيام حضارات بل ولصراع قوى وممالك وإمبراطوريات، فلو سألت لماذا لا تكون هنالك صراعات في أماكن أُخرى كالصحاري؟!، سيقول لك أحدهم بأن تربة الصحراء لا قيمة لها.

الله سبحانه وتعالى أنزل كتابه الكريم وبعث نبيَّه العظيم -صلى الله عليه وآله- في سلسلة من البعثات على مر التاريخ، والأديان بطبيعتها تحمل القيم الأصيلة والنبيلة بصورة هي الأسمى والأعظم من كُـلّ القيم المادية والمعنوية، فأراد الله تعالى لهذه البشرية؛ مِن أجلِ نهضتها أن ترتبط بهذه القيم عقلاً وروحاً وسلوكاً وواقعاً ونموذجاً حياً في إطار العمل لا إطار التنظير، ولأن الكثير من البشر على مر التاريخ رفضوا الالتزام بتلك القيم وحاربوها ولم يلتزموا بها، فإن القرآن الكريم حكى لنا عن مصير تلك الأمم التي لم تهتم بالقيم.

الإمام الحسين -عليه السلام- بعد استشهاد أخيه الإمام الحسن -عليه السلام- كان أعظم قيمة وأعظم من يمثّل الدين في ذلك العصر، وكان هو الامتداد الحقيقي للرسالة المحمدية ولنور القرآن الكريم الذي أراد اللهُ للأُمَّـة أن ترتبط به ولكن ما الذي حصل.

التقى الإمام الحسين -عليه السلام- بالفرزدق في منطقة الصفاح يستخبره عن أهل الكوفة، فقال الفرزدق: (قلوبهم معك وسيوفهم عليك).

حينما يريد الله أن نلتزم بالقيم ونرتبط بها، لا يكون ذلك ارتباطاً عاطفياً ليبقى عاطفياً، فالله سبحانه وتعالى لم يُنزل الكتاب الميزان لنرتبط بمفهوم كتاب الله والميزان والعدالة عاطفياً، بل إن الله تعالى قال: (وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ).

وحين أراد الله أن يبين ماهية ارتباط الأنبياء بالكتب المنزلة، قال ليحيى -عليه السلام-: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ).

فالواقع العملي هو جوهرية الارتباط بالقيم، وحين يكون الارتباطُ عاطفياً بعيداً عن العمل والواقع هنالك تكون الانتكاسة.

فماذا ستعمل تلك القلوب التي ارتبطت بالإمام الحسين -عليه السلام- ولكن كانت قوائم سيوفها عليه؟!

ماذا كانت النتيجة؟!

هل كان لذلك الارتباط مسعىً بسيطٌ جِـدًّا في درء أقل الأضرار على الإمام الحسين -عليه السلام-؟!

بل خسرت الخسران المبين.

قد تتكرّر مثل هذه الظاهرة، وقد يأتي الزمن ليضع لها قوانين وفلسفة تجيز ذلك، ولكن لا يكون هذا إلا حين نترك تربية أبنائنا ومجتمعاتنا وأمتنا بثقافة الإمام الحسين -عليه السلام- التي تتناول كُـلَّ نقطة ومفصل حتى تتشبع أرواحنا بتلك الثقافة وذلك الاندفاع الواعي، ولنكون الأُمَّــة التي تكون مسيرتها القرآنية فكراً ووجداناً وعاطفة وفعلاً وواقعاً.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com