عظماءُ من البيضاء

عبدالسلام عبدالله الطالبي

والأبطالُ من رجال الجيش واللجان الشعبيّة، يحرزون انتصاراتٍ عظيمةً ترعاها عنايةُ الله وتأييدُه في محافظة البيضاء، ويطهِّرون العديدَ من جيوب وأوكار داعش ذات الصناعة الأمريكية المعد لبنائها منذ أزمنة طويلة، كما هو ظاهرٌ اليومَ في المشاهد المعروضة على وسائل الإعلام.

فإن المتابعَ قد يستغرب للوضعية الاستثنائية التي تعيشها هذه المحافظةُ في ظل وجود مثل هذه الأوكار الإجرامية والمتوحشة لداعش وأذنابها.

ويخيل للبعض بأنه من المستحيل أن يكون هناك تواجدٌ لمجاهدين يتحَرّكون في هذه المحافظة في إطار المسيرة القرآنية ومشروعها القرآني المناهض للمشاريع والحركات التكفيرية كبقية المحافظات، لماهي عليه من الأوضاع التدميرية؛ بفعل تواجد ذيول الدعوشة والارتزاق.

ورغم قساوة الوضع وعند العام ٢٠١٠م، أستذكر بعضاً من الأبطال والمجاهدين العظماء من أبناء هذه المحافظة ممن انطلقوا وجاهدوا وتحَرّكوا وثبتوا بصلابة وقوة عزيمة، متحدين للظروف القاسية والمحفوفة بالمخاطر متوكلين على الله، وكلُّهم ثقة ورجاء.

وهنا أضعكم أمام موقف بطولي لأحد المجاهدين من هذه المحافظة، والذي قد نال شرف الاستشهاد في العام ٢٠١٤م، وهو الأخ (الشهيد محمد عبدالله زبن العشي)، الملقب أبو أحمد الجوفي، الذي رفع على سطح منزله لافتة قماشية (راية) مكتوب عليها شعار الصرخة، غير مكترث بما قد يترتب على رفعها من عواقب.

وبينما هو يتسوق إذ جاءت مجموعة من التكفيريين لتقف أمام منزله تصيح وتهدّد وتعترض على رفعه للراية، فقاموا بإطلاق الأعيرة النارية على قطعة القماش حتى أحرقوها، متوعدين ومهدّدين بقطع رأس أبو أحمد الجوفي إذَا استمر في رفعها.

فعاد وتفاجأ بما حصل وغضباً لله ورسوله وإيماناً منه بسلامة موقفه، قرّر رفع رايتين فوق سطح منزله بدلاً عن الراية، وصعد إلى السطح وجهز له مترساً وألزم نفسه حراسة هاجسه الإيماني الذي لا يمكنُه التخلي عنه مهما كلفه ذلك من نتائج، متوعداً بالنيل لكلِّ من راوده الصد والاعتداء على موقفه المحق، وجعل من مترسه مقيلاً لتناول القليل من وريقات قاته وعيناه ترصد وتلتفت يميناً ويساراً صوب راياته الخفاقة بشعار الصرخة والبراء.

وعند الغروب لفت نظره إحدى الرايات وهي ترفرف فكتب قائلاً:-

رفرفي يا راية الله أكبر رفرفي

يندفن راسي وتبقي عزيزة واقفة

____________________

انتي النور الذي لا ظهر ما ينطفي

وانتي ابقى من حياة الغرور الزايفة

____________________

وانتي الميزان ذي لا حكمتي تنصفي

والمودة والإخاء والوفاء والعاطفة

____________________

لو تغير كُـلّ شيء ما تغير موقفي

لو تقطع نصف جسمي ويبقى ناصفة

___________________

غربلي عند الشدايد ونقي وانسفي

بيني من قومش الزاجية والزاحفة

_____________________

ذا شعار الحق يا الشمخ الصم اهتفي

واصرخي بالصوت من نايفة لا نايفة

____________________

قالها في تلك الأجواء الساخنة والملتهبة، لكنه عبّر فيها عن عميق ولائه المطلق لله وقناعته بانتمائه الصادق للمشروع القرآني، متأسياً بموقف الشهيد القائد -رضوان الله عليه- عند ما قالوا له علينا ضغوطات من أمريكا، فأجاب علينا ضغوطات من مالك السموات والأرض، رحمة الله عليهما وعلى كُـلِّ الشهداء العظماء.

وأنعم وأكرم بالشهيد أبو أحمد الجوفي الذي قدّم نموذجاً للصمود والاستبسال في أحلك الظروف، ليعلم كُـلُّ متابع بما يدور في البيضاء بأنها احتضنت في أنحائها رجالاً صامدين قدّموا مواقفَ مشرفة تستحقُّ أن يخلدَها التاريخُ في أنصع صفحاته المشرقة، ليتوارثَها الأجيالُ جيلاً بعد جيل.

* رئيس الهيئة العامة لرعاية أسر الشهداء

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com