انتصرت قيفة عسكريًّا بانتظار تفوقها ثقافيًّا

 

رأي الله الأشول

قبيلة يمنية عريقة ذائع صيتها تعد من الأكثر حضوراً وشهرة بين أكبر القبائل اليمنية نفوذاً وقوة، وأهميّة يتفرعها إرث حضاري تليد وأرض مترامية الأطراف وإنسان كريم ذو أصالة متجددة، وروح جوهرية تفيض شجاعة وكرماً وكرامةً قل نظيرها.

عدت قيفة التي تتوزع مساحتها على ثلاث مديريات ضمن لواء رداع بمحافظة البيضاء، على أنها أكبر بؤرة للتكفيريين وأهم معاقلهم والوكر المركزي لانطلاق العمليات الإرهابية المكملة للعدوان، قبل أن ينفذ الجيشُ واللجانُ وأبناء القبيلة الشرفاء عملية خاطفة خطفت أهم أوراق السعودية وقطعت اليد الأمريكية الخفية في رداع إلى غير رجعة.

وتعزى استثنائية حسم الجولة الأخيرة وسرعتها أمام التكفيريين في قيفة إلى غلبة العقيدة الإيمانية التي انعكست ملاحم قتالية عاكست المنطق العام للمعركة الذي رجح كفة العدوّ، من حيث تضاريس نطاق المواجهة وحجم التموين، إضافةً لغطاء العدوان الجوي المساند لأدواته، هذا الثبات العقائدي ساعد المجاهد في تطبيق فلسفته على الأرض واستثمار تفوق الخصم النسبي لصالحه، فقلب بذلك مسارات الاشتباك حتى أجهز على خصمه بالضربة الحيدرية القاضية.

إن قيفة تخلّصت من الكابوس الذي دام لسنوات يؤجج سكينتها ويخل بأمنها ويخدش راحة وحياة أهلها، بفظائع ناسفة تتوسم الملامح الصهيوأمريكية وبعاهات ذبح وتقطيع من طينة السيوف والمناشير السعودية، تلك الحقيقة السارة، أما ما يبعث على الأسى هي حقيقة أن ما خلفه التكفيريون وراءهم ليس بالهين، ويختزل تحدياً حقيقياً يستوجب حرباً أُخرى تحت مفهوم الوعي وكيفية تصفية ما علق به من فكر متطرف ونظرة منحرفة ورؤية مغلوطة للدين بمعايير طائفية أوجدها (نقيض الفكر) التكفيري الهجين، الذي تغلغل بسهولة ويسر وسط مجتمع بسيط وعياً وتعليماً وثقافة، وقواعد الضعف هذه أوجدها إهمال عقود طوال من عمر الأنظمة السابقة والحكومات المتلاحقة تجلّى في هضم أهم مشاريع البنية التحتية، ومنها (إنشاء وتطوير ودعم والرقابة على المؤسّسة التعليمية) التي تفتقر قيفة لأبسط خدماتها ومرافقها، فتكاد تكون منعدمة وإن وجدت فجزئياً، ولا يتعدى وجودُها الطابعَ الشكلي وإن تعدى ذلك للجانب العملي فلا يخلو من رداءة الأداء الوظيفي التعليمي وندرة طواقمه وانعدام الرقابة عليه، مما أَدَّى لارتفاع معدلات الأمية التي تعتبر بؤرة الكثير من المشكلات الاجتماعية والصراعات القبلية والتي تستحوذ قيفة على نصيب الأسد منها، كما أن ركاكة جهاز القضاء وغياب دور المحاكم فاقم من المشكلة وما حوادث القتل شبه اليومي؛ بسَببِ نزاعات شخصية والانتشار المقلق لظاهرة الثأر في تلك البقعة، إلَّا نتيجة طبيعية لغياب سلطة التجريم والعقاب، ما يثير تساؤلات عديدة.. أين غاب الدور الحكومي والمؤسّسي الرسمي في أوقات كان البلد يعيش حالةً من الاستقرار النسبي سياسيًّا واقتصاديًّا لا سِـيَّـما في عهد الرئيس الأسبق صالح؟!

وهل تم تغييبه نتيجة خطأ الإهمال أم تعمد ذلك الإهمال؟!

وإن كان كذلك فمن الذي تعمد تغييب اثنين من أهم القطاعات الحيوية والمصيرية (عن واحدة من أكثر المناطق حساسية في الجمهورية) والتي لا نقاش بتاتاً في موضوع توفيرها وضمان أدائها على نحو يضمن نفاذ الغرض المرجو منها على أكمل وجه؟!

تؤكّـد الشواهد والوقائع أَو تكاد على أن لنظام صالح والمتحكمين بخيوطه اليدَ الطولى في جعل قيفة مسرحاً مفتوحاً للصراعات والثارات وبيئة خصبة لغرس أيديولوجيات العقيدة الفكرية المنحرفة، بأن تعمد تهميشها وإهمالها حتى تاهت العدالة عنها وتاه التعليم بها وصال وجال المشروع الاستكباري عليها، ولطول الفترة التي جلس فيها على سدة الحكم (33 سنة) دلالة واضحة على ما أتاحه الزمنُ لصالح لإصلاح الأوضاع لكنه لم يفعل.

أخيرًا، ولأننا نأمل بأن تكون ملحمة قيفة هي “الحدث الفصل” وآخر ما سنرويه لأجيالنا عن غياهيب فترة الولاية الموالية للولايات والكيان والمطبعين معهما على قيفة وما جاورها، نأمل كذلك أن نعيَ جميعاً الدرس ونذاكر الأخطاء أولاً بأول، كي نستفيد منها حَــدّ تفادي السقوط بنفس الحفرة مرتين، وأن نضع في الحسبان أن تغريب قيفة وإهمالها وتغييب المؤسّسات البنيوية الحساسة عنها والتعاطي السلبي من عامة الناس ووجهائهم ونخبة السياسيين والإعلاميين لقضايا أهلها الاستثنائية والنظر بعين الذم والجبن لمشاكلهم، كلها أخطاء كارثية يجب أن نتعلم ومن اليوم كيفية تجنبها أَو على الأقل ماهية التعامل مع بعضها، لنصل للتغيير المنشود بضمان خلو المنطقة من أية أفكار سلبية وهدامة يستغلها أعداء الأُمَّــة والفكر المعتدل لتمرير مشاريعهم، وللقيادة السياسية والدائرة الثقافية لأنصار الله دور توعوي ونهج تثقيفي منظور نتمنى أن يؤتي أكله في القريب العاجل بإذن الله.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com