التطبيع الإماراتي.. استسلامٌ وليس سلاماً

 

دينا الرميمة

مع إعلان ترامب اتّفاق السلام بين أبو ظبي والكيان الصهيوني والمقابل بصمت خيّم على الشعوب العربية وحكامهم وجامعتهم العربية والمنظمة الإسلامية، استحضرني الشاعر والفنان الفلسطيني ناجي العلي الذي كانت ريشته مشرطاً يحاول بها استئصالَ كُـلّ الأورام الخبيثة في الجسم العربي، وتميزت رسومه بالجرأة والصراحة، وملامسة هموم الناس.

واخترقت جدران الخوف التي أحاطت الأنظمةُ العربية بها شعوبَها، فرسم ساخراً من جميع الأنظمة، بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية، وكان كَثيراً ما يخشى أن تتحول الخيانة إلى وجهة نظر، وكان الخطُّ الأحمر الذي يعرفه هو خطاً أحمر واحداً: إنه ليس من حق أكبر رأس أن يوقع على اتّفاقية استسلام وتنازل عن فلسطين، فيا ليته حاضراً ليرى بعينه حال الأُمَّــة العربية والعروبة علّ ريشته تستطيع أن تعبر عن حالهم المزري وهم يتهافتون إلى الحضن الصهيوني ويتسابقون في مضمار الولاء لليهود!!

خِذلانٌ للعروبة وطعنةٌ في جسد الشعب الفلسطيني وخطأ وخيانة للقدس، هو الاتّفاق الذي أعلن عنه ترامب بين دويلة الإمارات والكيان الصهيوني في فترة يصعّد فيها الأخير عدوانه على قطاع غزة.

جاء هذا الإعلان في فترة يكون فيها الرابح منه هو ترامب الذي يسعى من خلاله لكسب أصوات اللوبي الصهيوني في أمريكا للفوز بولاية ثالثة للبيت الأبيض في نوفمبر المقبل، أما الرابح الثاني فهو رئيس حكومة الكيان الصهيوني الذي يتباهى بأن حكومته أتت بما لم تأتِ به الحكومات الأوائل من قبله.

أما الإمارات التي ادّعت أن الثمن الذي تلقته من عقد هذا الاتّفاق هو إيقاف قرار الضم سرعان ما انفضحت كذبتها بعد ساعات قليلة من تصريحها على لسان نتنياهو الذي نفى قرار الإيقاف، معتبرًا هذا القرار حلمَ كُـلّ صهيوني سيسعى لتحقيقه مهما كلفه ذلك من ثمن، كما تمنى من بقية الأنظمة العربية أن تخطو خطو أبو ظبي وتسارع في عقد علاقات التطبيع مع كيانه، وبلا شك سيسعى الكثير من الحكام العرب المنبطحين لتحقيق أمنيات نتنياهو، يظهر ذلك جليًّا من خلال حفلة وارسو التي حضرها الكثير من العرب إلى جانبه، وحتماً سنرى الكثير من الدول العربية تحذو حذو الإمارات وتنسلخ من أصلها العربي كما انسلخت الإمارات منه..

بالطبع لم يكن ما أعلنه ترامب بالأمر المستغرب، فجميعنا يعلم أن العلاقات القديمة والحميمة بين أبو ظبي والكيان الصهيوني لم تكن وليدة هذا الاتّفاق، إنما هي علاقة قديمة بدأت بسرية تامة ومن ثم بدأت تظهر للعلن رويداً رويداً عبر خطوات استباقية للتطبيع.

لعل أبرزها هو اغتيال القائد في المقاومة الفلسطينية محمود المبحُوح في دبي في العام ٢٠١٠ على يد الموساد الصهيوني، وَأَيْـضاً قيام بعض الحكام الإماراتيين بشراء البيوت والعقارات من المقدسيين الذين أغروهم بالمال وخدعوهم بإبقائهم يسكنون فيها، ليتفاجؤوا فيما بعد أنها أصبحت ملكاً للمستوطنين الصهاينة، وكذلك استقبال الوفود من الصهاينة للمشاركة في بعض الأنشطة الرياضية على الأراضي الإماراتية منذ العام ٢٠١٥، أعقبها زيارة لوزيرة السياحة الإسرائيلية لدبي وظهورها مع محمد بن زايد داخل مسجد زايد أبيهم، الذي كان يقول نفط العرب للعرب.

وأيضاً زيارة وزير الخارجية للكيان الصهيوني وظهوره هو الآخر أمام المسجد ولا ندري سر اختيار ظهورهم من أمام المسجد وربما تفسير واحد لذلك هو السخرية من مقدسات المسلمين التي تحرم دخول غير المسلمين فيها، ولكنهم اليوم أصبحوا يستعرضون أنفسهم داخلها.

أما بعد الإعلان الرسمي للتطبيع فستكون حجم العلاقات أكبرَ دبلوماسية وتجارية وتآمرية، وكلها تصبُّ في بيع القضية الفلسطينية والتخلي عن القدس وخيانة العروبة التصرف الألعن والأسوأ والأحقر.

وحدها دول محور المقاومة من جرّمت الخيانة الإماراتية، ووحدهم شعوبها وقاداتها من حملوا همَّ تحرير فلسطين وبين حدقات عيونهم جعلوا القدس، هم فقط من سيجلبون لها السلام لا الاستسلام والذل والعار الذي يريد جلبهم لها بن زايد ومن على شاكلته سيسير لتنطبق عليهم مقولة مظفر النواب:

(إن حظيرة خنزير أطهر من أطهرهم، فيا للعار)..

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com