لائحةٌ جديدةٌ لحكومة الإنقاذ الوطني.. هل تنصف المستأجر بعد عقود من الظلم؟

 

تحقيق: محمد الحسني

تسيطر على أيِّ باحث أَو متناول لقضايا المستأجرين ومعاناتهم والعشوائية في تحديد إيجارات البيوت الحيرة؛ كونه لا توجد جهة معنية بهذه القضية، على الرغم من أهميتها، فقد جعلها النظامُ السابق والحكومات المتعاقبة في اليمن ومنذ عقود كالقتيل المتفرق دمُه بين القبائل.

وبالعودة إلى الدستور اليمني، يوجد قانون صدر في العام 2006م تم تفصيله على مقاسات المؤجر ومصلحته أولاً وأخيرًا، ولا عجب في ذلك، فقد كان مجلس النواب مُتخماً بالمؤجرين.

حدّد القانون البلديات العامة والإسكان –الأشغال العامة حَـاليًّا- جهة معنية بالموضوع، لكن عند زيارتك لمكتب الأشغال بأمانة العاصمة؛ باعتبَاره من يقوم بمهام البلديات حَـاليًّا، يرد عليك المعنيون هناك بأنهم لا يعلمون بأن ذلك من مسؤولياتهم.

خلال السنوات الماضية، لم يكن في ميزان حسنات الجهات المعنية غير تعميم صدر من وزير العدل في العام 2017 بمراعاة ظروف المستأجرين لا يُعمل به في الغالب، وكل مسؤول يجتهد في شرح المشكلة دون أن يضع الحل.

حَـاليًّا القضية ما تزال بدون حَـلّ، وازداد لهيب النار التي يكتوي بها المستأجرون للمساكن، وكل ما استجد هي تعميمات صدرت هذا العام من رئاسة مجلس السياسي الأعلى والحكومة ومن وزارة الداخلية وجهات حكومية أُخرى بمراعاة ظروف المستأجرين، غير أنها لم تمثل شيئاً في كف بطش المؤجرين والمغالاة في الإيجارات.

ما الذي يمنع الجهات المعنية، والحكومة في مقدمتها، في تحديد آلية لرسوم الإيجارات تتناسب مع وضع المواطن، وظروفه المعيشية الصعبة التي خلفها العدوان والحصار؟

نفرد سطور هذا التحقيق ضمن حلقة برنامج من الواقع على قناة المسيرة لقضية ارتفاع إيجارات المساكن وشحتها في العاصمة صنعاء، هذه القضية التي باتت تُؤرق المواطنين، وتقصم ظهورهم وَفي الوقت ذاته، أكثر القضايا ابتعاداً عن اهتمام الجهات المعنية.

 

البحثُ عن أفضل سعر

يقول عبدالجبار الخامري -دلال عقارات-: “ارتفعت إيجارات البيوت والشقق بشكل جنوني، حَـاليًّا غالبية الشقق من 100 ألف، من 120 ألفاً، أقل شيء من 80 ألفاً، ومع كُـلّ هذا الارتفاع تكاد تكون البيوت المعروضة للإيجار معدومة”.

ويضيف الخامري “أنه في منطقة الصافية كان إيجار الشقة من (30) إلى (40) ألفاً مثلاً، والآن بــ(80) و(70) ألفاً، ثلاثة غرف، وحمامين ومطبخ، والغالب هناك مرابحة في الإيجارات والمؤجر يبحث عن أفضل سعر حتى لو أخرج المستأجر إلى الشارع”.

من جهته، يقول محمد الوصابي -وهو بائع متجول-: “إن أصحاب البيوت ما بيخافوا الله، استغلوا الأزمة هذه، وخلوا البيوت في السماء، فالغرفتان اللتان كانتا بثلاثين ألفاً، الآن بستين ألفاً، وهي شعبية ما تستاهل حتى عشرين ألفاً”.

ويتابع الوصابي قائلاً: “أنا مستأجر في شارع تعز ولي خمس سنوات، والآن اتصل صاحب البيت قبل رمضان وقال: يا أخي بيتي بخمسة وثلاثين، الآن أنا أشتي ثمانين ألفاً، هكذا فجأة، تدفع وإلا خرجت من بيتي، وعاد أخذنا إلى قسم الشرطة”.

أما علي محمد صالح –عاقل حارة الوحدة في منطقة سعوان- فيقول إنه في الوضع الراهن، فإن أصحاب البيوت ما عاد معهم عمل سوى زيادة الإيجار، فيصبح المستأجر أمام الأمر الواقع، وهذا المستأجر لا راتب له ويمرُّ الكثير منهم بظروف قاسية؛ لذا يجدون أنفسهم أمام خيارين إما القبول بالزيادة أَو الخروج إلى الشارع.

وعن سؤاله عن كيف يتعامل عاقل الحارة في مثل هذه الحالات، قال صالح: “أنا أعرف الشخص اللي هو صادق، أنا أكون معه واقعياً، وأفعل عليه ورقة إنه ما يؤجر لشخص ثانٍ غير هذا الشخص، متسائلاً هل يؤجر للناس، ويفلت ابنه؟”.

مواطن آخر التقت به المسيرة يقول: “إن المسكين المظلوم هو المستأجر، أما العاقل أَو الشيخ فهم كلهم حق زلط، يبتاعون ويشترون بالمسكين، بيع وشراء، وخُصُوصاً في صنعاء”.

مواطن آخر يعلق على التعاميم الصادرة بمراعاة ظروف المستأجر بالقول: “التعميم لا يُعمل به، عندما تفعل قانوناً، قانوناً مشرعاً تشريعاً، يُفرض على الصغير والكبير، وليس كُـلّ المؤجرين سيئين، وليس كُـلّ المستأجرين أَيْـضاً مظلومين أَو مساكين، هناك من يتعمد أن يؤذي صاحب العين المؤجرة”.

“مصائب قوم عند قوم فوائد”، ينطبق هذا البيت الشعري على السواد الأعظم من المؤجرين، الذين استغلوا نزوح ملايين المواطنين إثر استمرار العدوان والحصار على العاصمة صنعاء، فرفعوا إيجارات الشقق والبيوت، حتى الشقق التي كانت في أطراف العاصمة صنعاء، وكانت بإيجارات معقولة أصبحت غير معقولة.

يؤكّـد محمد الكبسي -أحد من يعملون في مجال دلالة تأجير البيوت-، أنه ترك العمل في مجال دلالة البيوت السكنية، وتأجير الشقق؛ لأَنَّه لم يعد من السهل الحصول عليها في العاصمة صنعاء.

 

أسباب ارتفاع إيجارات المنازل

وعن أسباب ارتفاع إيجارات البيوت والشقق السكنية يوضح الكبسي بالقول: “حصلت أزمة السكن؛ بسَببِ نزوح النازحين من صعدة، من حجّـة، من تعز، من الحديدة، من جميع المحافظات إلى العاصمة صنعاء، وهذا سبب ضغطاً على العاصمة، مما أَدَّى إلى زيادة الطلب على الإيجارات والشقق الفارغة والمفروشة، والفنادق وجميع المساكن، حتى الدكاكين زاد الطلب عليها إلى جانب أن المنظمات تدخلت في الموضوع لتسكين النازحين وكانت تدفع إيجارات بالدولار وبمبالغ لم يكن يتوقعها المؤجرون، وأغرت بعض الملاك بإيجارات أكثر ارتفاعاً، وهكذا تحول الموضوع إلى مضاربة حتى ارتفع إيجار الشقة إلى عدة أضعاف”.

أقسام الشرطة هي أول الجهات التي يلجأ إليها المستأجرون للمساكن، وهناك الكثير منهم يشتكي من جور وبطش ربما المؤجرين، وَفي نفس الوقت من عدم تفاعل أقسام الشرطة على الوجه المطلوب، وعلى ضوء التعليمات الصادرة من الجهات العليا، سألنا العقيد محمد يحيى –نائب مدير قسم شرطة الوحدة- عن طبيعة تعامل الأقسام مع مثل هذه القضايا، فأجاب: “بخصوص شكاوى المواطنين حول واقعة رفع الإيجارات، أَو محاولة إخراج المستأجرين من منازلهم، نحن نمنعهم منعاً باتاً، نمنع المؤجرين منعاً باتاً برفع الإيجارات، أَو القيام بإخراج المستأجرين؛ نظراً للظروف التي يعانون منها وبالذات خُصُوصاً الموظفين؛ نظراً لعدم وجود أية مرتبات في هذه الأيّام؛ ونظراً لظروف العدوان التي نعاني منها، نحن نمنع منعاً باتاً أي مؤجر برفع الإيجارات، أَو إخراج المستأجرين، إلا إذَا كان برضاهم، أَو بتوافق منهم”.

ويضيف يحيى: “لدينا توجيهات عليا من الأخ وزير الداخلية، والأخ مدير أمن العاصمة بمنع المؤجرين من رفع الإيجارات، فإذا قام أي مؤجر برفع الإيجارات فإننا نقوم بطلب الشخص ومنعه منعاً باتاً ونبلغه بالتوجيهات الصادرة إلينا، أن هناك توجيهات من قيادات عليا بمنع رفع الإيجارات، فإذا أصر المؤجر برفع الإيجارات فإننا نتخذ ضده إجراءات قانونية، ونحيله إلى الجهات المختصة إذَا كان مصراً على رفع الإيجارات”.

غير أن أقسام الشرطة وفقاً لأحاديث الكثير من المواطنين لا تتعامل مع قضايا المستأجرين على النحو الذي ذكره نائب مدير قسم شرطة الوحدة، والواقع أن طبيعة التعامل تعودُ إلى دافع ذاتي قد يقوم به مدير قسم ويتقاعس عنه مدير قسم آخر؛ باعتبَار أنه غير ملزم قانوناً.

ويعد إبرام عقد الإيجار بين المؤجر والمستأجر الضامن من عدم خروج هذه العلاقة إلى الخلاف والنزاع، غير أن ما يُعمل به للأسف الشديد، هو عدم لجوء المستأجر إلى هذا العقد، وتكييف المؤجر بالصورة التي يريدها، وبالتالي لا يعمل بأية من التعليمات، إلا وفقاً لقاعدة: “للمالك في ملكه ما يشاء”.

وللمزيد في توضيح ذلك، وعن تعامل النيابات مع قضايا المستأجرين، يقول القاضي ياسر الزنداني-وكيل نيابة غرب الأمانة-: “تأتي أولويات من قسم الشرطة، بعد جمع الاستدلالات من قبل مأموري الضبط القضائي، تُحال إلى النيابة، عندما تأتي إلى النيابة نحن نقوم بدراستها وننظر هل هناك جانب جنائي، من عدمه، فإذا كان هناك جانب جنائي، تُحال إلى أحد أعضاء النيابة، فيقوم عضوُ النيابة بالتحقيق في الواقعة، وسماع أقوال الشاكي، وأدلته، على صحة الفعل الذي حصل من المؤجر، ومن ثم تُحال إلى المحكمة بقرار اتّهام، إن كان هناك جانب جنائي، أَو أدلة تثبت قيام الفعل الصادر من المؤجر ضد المستأجر، وبعد أن تحال إلى المحكمة تعقد جلسات أمام المحكمة بحضور النيابة ويصدر حكم بذلك”.

وَحول تعامل النيابة هل يكون وفقاً للقانون وأولويات القضية، أم وفقاً للتعميمات التي صدرت مؤخّراً بمراعاة المستأجرين، يقول: “نحن نغض الطرف عن بعض القضايا، لكن لا نستطيع مخالفة القانون بتعميم أَو شيء يخالف نصوص القانون الموجودة على الواقع، فالمطلوب الآن هو تعديل قانوني، إذَا كان يراد نعمل بهذا الكلام، أما أننا نخالف القانون فلا نستطيع، نحن نقدر نشكل القانون، نأخذ القانون يميناً، شمالاً، لكن كسره لا نستطيع كسر القانون أَو تعطيله”.

 

معالجةٌ غيرُ حقيقية

ما وجده فريق برنامج من الواقع في الميدان للأسف الشديد، هو أن الكثير من الجهات المعنية والتي لم تعقد لها اجتماعاً واحداً لا تعمل بالتعميمات المتعلقة بمراعاة قضايا المستأجرين وعدم رفع الإيجارات، وعلى رأسها هذه التعميمات التعميم الصادرة من رئيس الوزراء، وإن كان هناك استثناء فهذا الاستثناء يعود إلى سلوكٍ وتفاعل ونشاط شخصي من قبل بعض مدراء المديريات؛ باعتبَار أن هذه القضية بحاجة إلى إطار قانوني ينطلق منها لمعالجة هذه القضية، وهذا الدور تلعبه وزارة الشؤون القانونية.

عبدالله بركات -وكيل وزارة الشؤون القانونية لقطاع الإفتاء والتشريع-، يرى أن التعميمات التي صدرت من الحكومة بمراعاة ظروف المستأجرين ومنع رفع الإيجارات لا تمثل معالجة حقيقية للقضية؛ كونها تتعارض مع نص القانون، ويوضح: “المفترض يكون له مستند أَو مرجع من نص القانون، أَو نص الدستور الذي سمح في ظروفه في أوضاع معينة أنه يمكن أن يصدر قرار جمهوري أَو قرار من الحكومة يعالج هذه الإشكالية، أما أن تتبنى جهة من الجهات وتصدر قراراً بدون ما يكون هناك تنسيق، يعني مع احترامي جهة تصدر تعميماً، وجهة أُخرى تصدر تعميماً، وتلاقي مع احترامي أنه يكون هناك تناقض ما بين هذا التعميم، وهذا التعميم، المفروض يصدر قرار واحد، ومن جهة عن طريق الحكومة أَو مجلس السياسي الأعلى”.

ويؤكّـد بركات أن وزارة الشؤون القانونية، تبنت بناءً على توجيهات من المجلس السياسي الأعلى تعديل بعض الأحكام التي في القانون العلاقة بين المؤجر والمستأجر الذي صدر في العام 2006، بما يعطي الحقَّ لإصدار قرارات بما يتلاءمُ مع الوقت والظروف التي نحن فيها الآن.

وبعد أن تأكّـد أن معالجة هذه القضية هو في التعديل القانوني؛ باعتبَار أن القانون الساري المفعول حَـاليًّا لا يتناسب مع الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها المواطن؛ بسَببِ انقطاع الرواتب واستمرار العدوان والحصار على اليمن منذ أكثر من خمسة أعوام، تقرّر لقاء رئيس الوزراء الدكتور عبدالعزيز بن حبتور الذي كشف أن الحكومة بصدد إقرار لائحة لتعديل قانون العلاقة بين المؤجر والمستأجر وبما يتلاءم مع الظروف التي يعيشها المواطن بعد أن كانت اتّخذت في الفترة الماضية سلسلة من الإجراءات لم تصل إلى منفذيها، ولم يكن لها أثر ملموس في معالجة القضية.

وأوضح رئيس الوزراء في لقائه مع برنامج “من الواقع”، أن اللائحة تنظّم إيجارات المساكن وأسعارها وكل الإجراءات المتعلقة بها، وستضع حدًّا لحالة الجشع التي تؤثر على استقرار المواطنين، مُشيراً إلى أنها جاءت بتوجيهات من رئيس المجلس السياسي الأعلى لتكفل حقوق المستأجر ولا تضيع حقوق المالك أَو المؤجر.

ولفت بن حبتور إلى أن اللائحة الوزارية لا تتعارض مع القانون، وأن لدى حكومة الإنقاذ كُـلَّ الجدية في تطبيقها عبر وزارة الإدارة المحلية وأمانة العاصمة ومحافظي المحافظات.

التعميمات الصادرة من مختلف الجهات المعنية، تبقى دون المستوى المطلوب والذي ينتظره المواطن في ظل تفاقم هذه القضية، وتأثيرها على الأمن والسلم الاجتماعي.

للمعالجة ينبغي أن يصدر تعديل بالقانون الساري الذي ينظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، يتبع هذا التعديلَ قرار رئاسي بتحديد أَو إلزام المؤجر بعدم رفع الإيجار، وعدم إخراج المستأجر من منزله، إضافةً إلى تشكيل لجنة معنية بتحديد إيجارات وتقييم المساكن والبيوت والشقق المؤجرة.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com