تفاصيلُ ليلة الرعب.. المسيرةُ تتقصى كارثة السيول في حي السد بنقم

المواطن عبد الله العاقل يروي قصةَ وفاة أطفاله الثلاثة غرقاً بعد أن داهمهم السيل وهم نيام

 

المسيرة: محمد الكامل

لا يزال المواطنُ سعيد التويتي من أبناء حي السد بمنطقة نقم بأمانة العاصمة، يعيش تحت وطأة المعاناة جراء سيول الأمطار التي هطلت مؤخّراً وما لحق بأهالي الحي من خسائرَ كبيرة.

ويقول التويتي لصحيفة “المسيرة”: “إن بداية الكارثة أَو المأساة حين هطلت الأمطار الغزيرة المصحوبة بالرياح القوية، والتي جاء بعدها سيول كبيرة أغرقت الكثير من البيوت في الحارة”.

ويضيف قائلاً: “المطر نعمة من الله، لكن ما حدث كان فوق المتوقع ولأول مرة يحدث لنا هذا، فالمياه كانت تملأُ المنازل، وجميع أثاثي وأجهزتي أغرقتها المياه، وأين ما تذهب تجد الماء أمامك، وفي بعض الأماكن يكون منسوب المياه خفيفاً والبعض الآخر يكون إلى المنتصف.. أما بيتي فقد امتلأ بماء السيل ولا زلنا إلى الآن مشردين”.

يتوقف سعيد قليلاً عن الكلام بعد أن أطلق تنهيدة أسى، والدموع تكاد أن تتساقط من عينيه ويقول: أين المسؤولون؟!، ولماذا لا يتم إنقاذنا ونحن المحاصرون بالسيول منذ أَيَّـام؟! ولماذا لا يلتفت أحد إلى معاناتنا؟!

 

وفاة 3 أطفال غرقاً

ولم يكن سعيد التويتي هو الوحيد المتضرر من كارثة السيول في هذا الحي، فقد التقينا بمواطنين آخرين، حيث عبّروا بآلامهم عن هول الكارثة ومطالبين بالتدخل لإنقاذهم ومساعدتهم.

ومن بين هؤلاء الضحايا المواطن عبد الله العاقل، وهو أب لثلاثة أطفال، ويقول عن تلك الليلة المحزنة التي هطلت فيها الأمطار: “نتقبّل أمرَ الله الذي حكم علينا بقدره، وما حدث أن الأطفال كانوا نياماً داخل البيت مع أمهم، وأنا حينها لم أكن موجوداً، وبعدها جاء سيل كبير وجرف جميع السيارات التي كانت على السائلة ومنها باص معطل كان واقفاً منذ سنوات على بعد أمتار من بيتي، وقد جرفه السيل بكل ما فيه من مخلفات وقمامة إلى زاوية جدار السائلة، فارتطم الباص بجدار السائلة، وتوقف ليصبح كحاجز أمام ممر السيل، ليتحول مجرى السيل بعد ذلك إلى البيوت ويغرقها، فكان منزلي أول البيوت، وداخله أطفالي وزوجتي”.

ويضيف العاقل لصحيفة “المسيرة” بقوله: “كانت زوجتي تصرخ بأعلى صوتها لطلب النجدة والمساعدة، وفي ثوانٍ كان البيت مليئاً بالمياه، فقام الجيران بإخراج زوجتي من البيت، في حين توفي أطفالي غرقاً وهم (يوسف وسليم) الذين تم إخراجهم بعد ساعات، أما بنتي خلود فلم نجدها إلا في اليوم الثاني وقد توفيت”.

نُقل عبدالله العاقل وزوجته بعد ذلك إلى مدرسة غمدان الموجودة في نفس الحي، وتم إعطاؤهم بعض الأثاث من فرش وبطانيات، وصرفت لهم سلال غذائية، لكن الرجل لا يزال يعيش هول الصدمة ولا يصدق أنه فقد أبناءَه ومنزله في طرفة عين.

 

سلوكيات خاطئة

من جهته، يحكي “للمسيرة” عبدالعزيز الأهدل جزءاً من تفاصل المأساة التي حضرها من بدايتها.

ويقول الأهدل: إن سيلاً كَبيراً جاء في لحظات، ولأول مرة يحصل بهذا الحجم والقوة منذ سنوات، حيث جرف كُـلَّ السيارات والدراجات النارية الموجودة في السائلة إلى بوابة حديقة برلين، مُشيراً إلى أن أحد الباصات الذي كان متوقفاً منذ سنوات جرفته السيول حتى ارتطم بجدار السائلة المقابلة لأحد أحفاد بلال وهو عبدالله العاقل؛ ولأَنَّ الباص كان أشبه بالهيكل وقد امتلأ بالقمامة والأحجار وغيرها، فقد حجب مرور السيل من النزول بعد وقوفه سداً أمام السيل، وتحديداً عند مداخل البيوت المتضررة كمنازل بيت السامعي والعاقل ويحيى العوامي وغيرهم.

ويواصل الأهدل حديثه قائلاً: “تجمّع السيل واشتد أكثر وأكثر ليرتفع إلى مستوى متر نصف متر، أي غطى نوافذ البيت، ومع صياح واستغاثة زوجة عبدالله التي كانت تحاول الوصول إلى أبنائها لكن دون فائدة، فالأطفال كانوا نياماً في الغرفة الأُخرى التي كان السيل قد غمرها تماماً لدرجة أن الطفلة خلود لم نجدها إلَّا اليوم الثاني في بوابة الحديقة بعد أن جرفها السيل”.

ويزيد بالقول: “كانت صرخات الأم على أطفالها مؤلمة ولن ننساها أبداً، وبصعوبة سحبناها إلى بيت أحد الجيران، وهنا وصل الأب عبدالله الذي لم يكن موجوداً في البداية، ليجد بيته غارقاً في المياه وأطفاله في الداخل لا نستطيع أن نصلَ إليهم، وأكثر من نصف ساعة كان المطر مستمرًّا، بينما السيل ظل يتدفق على مدى الساعتين التاليتين، وقد حاولنا خلاله الدخول للبيت لإخراج أطفال عبدالله الوحيدين، ولكننا لم نستطِع في البداية؛ لأَنَّ تدفق الماء كان شديداً، إلى أن تم سحب سليم ويوسف بعد أن طفت جثثهم على الماء وقد فارقوا الحياة، ولكننا لم نجد خلود”.

وبعد مرور تقريبًا ساعتين -كما يقول الأهدل- وصل فريق من الدفاع المدني بالشيول وعمليات الطوارئ بالأمانة، ومن بداية الدخول من الحديقة التي أصبحت فيها أكثر من 25 سيارة ودراجات نارية إلى جانب المياه التي أَيْـضاً وصلت للبيوت المجاورة للحديقة، وشيئاً فشيئاً بدأ الشيول يفتح الطريق وفرق الإنقاذ تخرج الأهالي واستمرت عملية الإنقاذ وإخراج المتضررين إلى الساعة الثانية بعد منتصف الليل

يقول الكثير ممن التقيناهم: إن وقوفَ السيارات على مجرى السيول كان سبباً رئيسياً في وقوع الكارثة، وأنه وبعد كُـلِّ ما حدث لا يزال البعض يوقف سيارته بنفس الطريقة السابقة بكل استهتار ولا مبالاة.

ويرى الأهدل أن المشكلة تتمثّل في عدم الوعي من قبل الأهالي الذين لا يزالون يوقفون سياراتهم في السائلة، ولولا هذا التصرف منهم ما حصلت هذه الكارثة، حيث أن السيل كان من المفروض أن يمر في مجراه، لكن السيارات وقفت عائقاً أمامه، ما أَدَّى إلى المأساة ويتحول السيل إلى بيوت المواطنين.

ويناشد الأهدل الجهات المختصة بأن تكون أكثرَ صرامة مع هؤلاء المستهترين، وأن تضع حداً لكل هذا ليس فقط في أَيَّـام السيول بل وفي الأيّام الأُخرى حتى يتمكّن المواطنون من نقل المرضى أَو إدخَال أية مواد أُخرى إلى منازلهم.

 

تقصير رسمي

ويوجه أهالي حارة السد الكثير من الانتقادات للجهات المختصة في أمانة العاصمة؛ بسَببِ التعامل مع هذه الكارثة وبعد وفاة 3 أطفال.

ويقول ربيع العوامي وهو أحد المتضررين: “مشكلتنا الآن ليس السيل فقط بل أضراره التي غطت أَو سدت غرف التفتيش للصرف الصحي وَاختلاط مياه السيل بمياه المجاري، حيث تشكل لنا مشكلة كبيرة ونتخوّف من الأمراض، كما نخاف أن يسقط الأطفال في غرف التفتيش التي هي بعمق متر ونصف متر أو مترين.

ويؤكّـد العوامي أنه اتصل شخصياً بمدير المديرية وبالعاقل، ولأكثر من مرة وجّه لهم رسائل للنزول إلى الحي لتفقد الأضرار، وعمل حلولاً لغرف التفتيش وخطورتها على الأطفال، لكن لم يستجب أحد لذلك.

من جانبه، يقول المواطن زكريا العمري وهو أحد المتضررين: إنه لا يريد مساعدة من أحد، وإنما يطلب من الجهات المختصة توفير “شيول” لإخراج المياه والأتربة التي تغطي منزله والتي دخلت إلى غرفته، لافتاً إلى أنه لا يريد أن ينزح ويريد المكوث في منزله.

ويشير العمري إلى أنه ذهب عدة مرات إلى عاقل الحارة، وكلم مندوب أمانة العاصمة بتوفير شيول لإخراج المخلفات من غرفته، وهو سيقوم بتنظيف بقية منزله، لكنه حصل على وعود دون تنفيذ.

 

دورٌ مشكورٌ لهيئة الزكاة

وإزاء المأساة التي وقعت في حي نقم حارة السد جراء السيول التي راح ضحيتها 3 أطفال وتضرر الكثير من الأسر، تم نقل المتضررين إلى مدرسة غمدان التي تقع في الحي والحارة نفسها، وتم تجهيزها كمركز إيواء من قبل الهيئة العامة للزكاة وفق الإمْكَانيات المتاحة.

ويقول سكان الحي: إن الهيئة كان لها الدور والجهد الأكبر في تقديم المساعدات ومد يد العون للأسر المنكوبة ومتابعة احتياجهم وتوفيرها بقدر الإمْكَان.

ويقول صدام نشوان -مسؤول مركز الإيواء والموظف في الهيئة العامة للزكاة-: “وصلنا بلاغ عن غرق بيوت في حارة السد حي نقم جراء السيول، فقمنا بمتابعة الجهات المختصة التابعة لنا وأقصد هنا الهيئة العامة للزكاة، وتم تشكيل لجان وعلى إثرها تم تجهيز مركز الإيواء بمدرسة غمدان، وتم نقل الأهالي المتضررين إليها ومن ثم صرف عدد من البطانيات والفراشات”.

ويوضح نشوان أن ما تم نقله للمدرسة من أسر متضررة عددهم ما بين 40 إلى 50 أسرة وأغلبهم من أحفاد بلال، في حين لا يزال عدد 18 أسرة متضررة ولكنهم بقوا في بيوتهم، حيث لم يستدعِ نقلهم إلى مركز الإيواء بمدرسة غمدان.

ويتابع نشوان حديثه لصحيفة المسيرة قائلاً: “لقد تم صرف الموجود من بطانيات وفراشات بعد أن وفرتهن الهيئة العامة للزكاة بحسب الإمْكَانيات ثم في اليوم التالي نزلنا للمدرسة؛ بحثاً عن النواقص والاحتياجات لبقية الأسر، والحمد لله تم استيفاء النواقص للأسر وتغطية بقية الاحتياجات، كما تم توفير سلال غذائية واستلامها من الهيئة العامة للزكاة ومن ثم صرفها للمتواجدين داخل مركز الإيواء بمدرسة غمدان حي نقم، على أن يتم توفير بقية السلال الغذائية للأسر الـ 18 المتضررة الباقية في منازلها”.

ويؤكّـد نشوان أنهم يعانون من بعض الفوضى؛ بسَببِ قدوم بعض الأهالي من خارج المدرسة ومركز الإيواء، حيث يريدون تسجيل أسماءَهم وهم ليسوا من الأسر المتضررة عمليًّا.

ويوضح أن عمليات الصرف تعتمد على الكشف الذي تم إعداده بأسماء الأسر المتضررة في أول يوم تم نقلهم إلى المدرسة ومركز الإيواء، وبالتالي لا يصح اليوم الثالث يأتي واحد ليقولَ أنا ما استلمت شيئاً، في عملية استغفال واستغلال واضحة، فهو لا يعرف أننا حصرنا جميعَ المتضررين.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com