في الذكرى الخامسة لكربلاء آل الرميمة

 

دينا الرميمة

خمس سنوات مرت ولا تزال تلك الأيّام ولحظاتها حاضرة وكأنها الساعة!!

فلقد تشبثت أحداثها بالذاكرة ببشاعة حتى أن يدَ النسيان لم تستطع أن تطالها ولو بقليلٍ من الغفوة!

ذكريات حرب لا مبرّر لها يشرعن لها كُـلّ ذلك الإجرام الذي صاحبها أَو يبيح لمرتكبيها فعلتهم الشنيعة تلك!

فأن تكونَ هاشمياً في تعز فهذا هو الذنب والعار الذي خلق معك ولن يسقط عنك هذا العار إلا أن تلعن نسبك وتتبرأ منه وتتنصل عنه وتنسب نفسك حتى ولو إلى جد يهودي.

وأن تكون وطنياً محباً لوطنك متمسكا بكرامته وكرامتك رافضاً للعدوان فهذا هو الجرم الأقبح الذي لا دية له ولا كفارة إلا أن يستباح دمك أَو ترفع يدك بالتسبيح بحمد العدوان وشكر قاداته وتنظم مع مرتزِقتهم لقتال أبناء وطنك!

كانت تلك هي ذنوب وجرائم آل الرميمة التي وجب على كُـلّ تعز ومن انظموا إليها من المرتزِقة من بقية المدن أن يتوجّـهوا لإبادتهم ومحو ذكرهم من على ظهر الأرض، سلاحهم سخره لهم العدوان الذي نيته التفريق بين المرء وزوجه والأخ وأخيه والجار وجاره فنيته زرع الفتنة بشتى أنواعها الطائفية والعرقية والمناطقية وتمزيق النسيج اليمني شر ممزق!

لعبوا بالمسميات وَتحت اسم “المقاومة” تجمعوا شعارهم الذبح والسحل لكل من ينتمي لبيت الرميمة أعلنها قائدهم بأنهم سيفعلون بزينبيات بيت الرميمة ما لا يرضاه الله ورسوله وهو الشيء الذي كان بعيدًا عنهم بعد الشمس، وبدأوها معركة غير متكافئة العتاد والعدد فالطرف الآخر ليسوا إلا ثلة رجال مؤمنين بأن الله معهم واثقين بنصرته لهم رغم قلتهم ثقتهم بالله جعلتهم اشد قوة وتمسكاً بالدفاع عن أرضهم وعرضهم وكرامتهم وعن المسيرة القرآنية ودينهم الذي يريد العدوّ سلبه منهم واستبداله بالدين الوهَّـابي الداعشي خاضوا المعركة بكل شجاعة وإباء لمدة شهر من الحرب ظنها مرتزِقة ودواعش تعز لن تستغرق إلا يوماً أَو يومين فتفاجأوا برجال لا يخافون في الله لومة لائم رغم قلتهم سقط منهم الشهيد تلو الآخر ولم يضعفوا، استهدف عدوهم النساء والأطفال قتلوا الطفلة ذات الاثني عشر ربيعاً والعجوز التي عدت الثمانين دون رحمة لم يشفع لها بصرها الكفيف ولا عجزها وكبر سنها.

وحاصروهم من لقمة عيشهم، نهبت وأحرقت البيوت التي نزح منها أهلها لقربها من أماكن تواجد المرتزِقة، أصبحت منازلهم هدف لقناصيهم يستهدف من فيها،

حاصروا الطريقَ المؤدية إلى المدينة وتركوا الجرحى من الأطفال يموتون إثر نزيف دمائهم البريئة في حين إن تمكّن المجاهدين من السيطرة عليها يفتحونها للجميع ويسعفون جرحاهم وتلك هي أخلاق كُـلّ المجاهدين القرآنية، بالمقابل رجال الله ما زالوا متمسكون بمبدأ النصر أَو الشهادة وكان هم المنتصرين في ميدان المواجهة بأخلاقهم وشجاعتهم، حتى بدأ أُولئك يرسلون الرسل برغبتهم بالصلح والسلام بعد أن أيقنوا من هزيمتهم وهنا كانت الخدعة والمكر والحقد الذي دفنوّه في قلوبهم.

يومها كان المجاهدون عددهم قليل بعد أن استشهد الكثير منهم وقلت ذخيرتهم ولكن ذخيرة الإيمان لم تقل من قلوبهم أَو تنقص من ثقتهم بالله.

بدأت حشود المرتزِقة تملأ القرية واعتلوا المنابر في المساجد والمدرسة وبمكبرات الصوت نادوا أن هلموا يا بيت الرميمة فما نحن إلا أبناء أرض واحدة تقاسمنا خيرها وشربنا ماءها وكنا أهل وجيرة وما يخفونه في صدورهم كان عواصف مدمّـرة من الحقد الاسود ونوايا الذبح والسحل.

وفي تأريخ ١٦/٨/٢٠١٥ وقد ضاعفوا عددهم وعتادهم فامتلأت القرية بهم حتى لم يعد هناك موضع قدم إلَّا وفيه مرتزِق ملثم ومدجج بالسلاح ورغم ذلك كانت علامات الخوف ظاهرة على حركاتهم ونغماتهم، فبدأوا بالدخول إلى البيوت باحثين عن الرجال الذين لم يعد بأيديهم شيء سوى الرضوخ للصلح المزعوم كذباً فكانوا كلما التقوا بمجاهد رموا عليه السلام وكل كلمات الود والاحترام وتطلق السنتهم إيمان وعهود بالأمان توثقها بصمات أصابهم على وجوههم.

لتتعالى تكبيراتهم بعد قتلهم واحد تلوا الآخر غدراً ونكثاً للعهود وكل تعاليم الإسلام.

ما زالت تلك التكبيرات إلى الآن تتردد في مسامعنا وهم يعتلون منبر مسجدنا مستبشرين بنصرهم على المجوس من بيت الرميمة.

ما زالت رائحة الدخان المتصاعدة من المنازل التي نهبوها وقاموا بإحراقها عالقة في أنوفنا.

ما زالت أصوات تلك الزينبيات وهن يصرخن (اللهم إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى) ووهن يدفن جثث الشهداء في مشهد زينبي كربلائي لا يختلف عن موقف زينب الحوراء في الطف.

ما زالت تستحضرني أصوات صرخاتهن بالموت لأمريكا وإسرائيل ولعناتُهن لليهود وأتباعهم تحت وابل الرصاص والسب والتهديد بالسبي ولكن هيهات لزينب أن تخضع ليزيد العصر اليمني.

ولا لسكينة أن تخاف لتصرخ في وجوههم (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) لتنهال عليها اللعنات بعار الانتساب لفاطمة الزهراء ويتم ملاحقتها مع أختها تحت طلقات الرصاص ولكن شاء الله أن تنجوا من كيدهم لتنضم إلى قائمة الزبنبيات المشيعات للشهداء قائلات: سندفن نحن الرجال يا من لستم برجال مخلدات أول جنازة تدفنها النساء في تأريخ اليمن.

ولا زالت تتردّد في مسامعنا قرعاتُ الطبول ومشاهد النيران التي أشعلوها احتفالاً ورقصاً على جثث المظلومين.

ما زالت كُـلُّ المشاهد حاضرةً في قلب كُـلّ زينبية فقدت زوجها وابنها وأخاها وأبناء عمها في يوم واحد ولم تبقَّ ما تتسلح به إلا سلاح الصبر والدعاء لمن تبقى في أيديهم من الأسرى الذين إلى يومنا هذا ما زالت أخبارهم مجهولة أكانوا في عداد الشهداء أم ما زالوا أحياءً يتجرعون التعذيب.

نعم حياة ما عادت تعرف إلَّا الموت والقلوب التي ترجف تحسباً لأي طارئ ليبقى القدر المحتوم بمغادرة الأرض التي منحناها كُـلّ الحب والولاء ولكن شأت إلَّا تقبلنا عليها لنحط رحالنا في صنعاء السلام والأمان والمستقر لكل المظلومين.

نعم يا سادة هذا جزء من أحداث حصلت في ضواحي قريتنا المغدور بها في محافظة تعز بتوقيت يوم مذبحة بيت الرميمة..!!

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com