“توازن الردع الرابعة” تثبت حتمية الهزيمة السعودية في اليمن: انسدادُ آفاق العدوان

الإعلام السعودي يقر باستحالة اعترض الطائرات المسيّرة بواسطة المنظومات الدفاعية

 

المسيرة | تقرير

ضاعفت عمليةُ “توازن الردع الرابعة” التي نفذتها القوات المسلحة، الأسبوع الماضي، ضد أهداف عسكرية وأمنية مهمة في العمق السعودي، حجمَ “الفضيحة” المخجلة التي تحيطُ بالرياض عسكريًّا وسياسيًّا في كُـلِّ ما يخُصُّ اليمنَ.

فضيحةٌ عنوانُها الفشلُ الذريعُ والسقوط المستمر لكل دعايات وحسابات المملكة و”عناصر قوتها”، إذ تقف الرياض اليوم عاجزة ومعترفة بذلك أمام صواريخ وطائرات مسيّرة يمنية الصنع تقطع مئات الكيلومترات لتدك منشآت حساسة، وتدك معها أكثر من خمس سنوات من الخطط والاستراتيجيات والدعم الدولي والتفوق المادي والتكنولوجي؛ ولتؤكّـدَ عملياً أن استمرار العدوان، لم يعد يعني سوى تعاظم “الورطة” السعودية واتساعها لتشمل كُـلّ حلفاء الرياض الذين حتى إن نجوا من التأثير المباشر للضربات، فأقل ما يمكن أن يلحق بهم هو العار الذي لا يمكن أن يمحى.

قبلَ أَيَّـام، خصّصت قناة “الحدث” السعودية مساحة لشرح “استحالة” اعتراض الطائرات المسيرة بواسطة منظومات الدفاع الجوي المعروفة، ويأتي ذلك بعد أَيَّـام من ادِّعاء الرياض أنها تمكّنت من اعتراض 8 طائرات مسيرة يمنية، في الهجوم الواسع الأخير (عملية توازن الردع الرابعة) الذي استمر لقرابة ليلة كاملة.

من الواضح أن النظام السعودي بات يعرف أن رواية “الاعتراض” التي يحرص على ترديدها بعد كُـلّ ضربة يمنية غدت مكشوفة بشكل كامل، وهذا الإقرار بالكذب والعجز عبر قناة “الحدث” يعبر عن إحباط ويأس كبير، لم يكن ليظهر على وسائل الإعلام قبل أن يتفشى في بقية الجوانب.

هو إحباط عسكري في المقام الأول، فعملية (توازن الردع الرابعة) جاءت بعد أشهر من انقطاع العمليات الكبرى ضد العمق السعودي، الأمر الذي يبدو أن الرياض كانت قد رأت فيه مخرجاً من الإحراج الذي تقع فيه دائماً عندما تصل الصواريخ والطائرات اليمنية إلى أراضيها؛ لما يقدمه ذلك من أدلة دامغة على الفشل العسكري السعودي بشكل عام، سواء من خلال ثبوت عدم جدوى الضربات الجوية المستمرة منذ سنوات والتي تقول الرياض دائماً إنها تستهدف “مخازن سلاح” أَو من خلال ثبوت إخفاق الترسانة الدفاعية الداخلية للمملكة والتي تدفع لأجلها أموالا طائلة لشركات الأسلحة الأمريكية والبريطانية (منظومات باتريوت وثاد وغيرها).

وبالتالي فإن وصول (عدد كبير من صواريخ “قدس” وَ”ذو الفقار” وطائرات “صماد3”) إلى الرياض وجيزان ونجران، وعلى امتداد ليلة كاملة، لم يحرج الرياض مجدّدًا فحسب، بل أثبت عملياً أن فشلها العسكري الذريع والفاضح بات حقيقة مشهودة، وأنه لا توجد أي معجزات ستضع حدًّا لهذا الأمر في المستقبل، سوى القبول بشروط صنعاء وقف العدوان ورفع الحصار بدون قيد أَو شرط، وهو الأمر الذي تراه الرياض فضيحة أُخرى، ويبدو أنها لشدة اليأس اختارت فضيحة الاعتراف بفشل قدراتها العسكرية على الاعتراف بالهزيمة الكاملة، مع أن الأمرين يتشابهان كَثيراً في الواقع السعودي.

وما يضاعف هذا الإحباط العسكري السعودي، أنه في نفس الوقت الذي تثبت فيه الضربات اليمنية فشل الرياض، فإنها تثبت بالمقابل تطوراً مستمراً لقدرات صنعاء الحربية، كَمًّا وكيفًا وحجمًا، وكأن الفشل السعودي يغذي في الوقت نفسه تفوقاً يمنياً مدهشاً، وبالنظر إلى نوعية وحجم أسلحة “توازن الردع الرابعة” فقد بات من الواضح أن العدوان الذي أعلن قبل خمس سنوات تدمير ترسانة الأسلحة اليمنية، تحول إلى سبب في تعاظم هذه الترسانة إلى حَــدّ غير متوقع، الأمر الذي يكشف حماقة قرار العدوان والاستمرار فيه.

في 17 سبتمبر الماضي (بعد ثلاث أَيَّـام من عملية توزان الردع الثانية) نشرت وكالة “رويترز” تقريراً، وصف القصف الذي استهدف مصافي “بقيق وخريص” بـ”الضربة المهينة” وقال إن الجيش واللجان الشعبيّة “يتحسنون في دقة الإصابة”، ولا شك أن هذا يترجم بوضوح الفشل العسكري السعودي الذي تسبب في تسليط الأضواء على تعاظم القدرات اليمنية، بالشكل الذي يمكن اعتباره “هزيمةً” لـ”التحالف” بعد أكثرَ من خمس سنوات كانت ترسانة اليمن في بدايتها متواضعة بشكل كبير.

ويرتبط بهذا السياق أَيْـضاً واقعُ جبهات المواجهة البرية، والذي يبلغ فيه حجم الإحباط واليأس السعودي ذروة غير مسبوقة، إذ باتت المملكة على وشك خسارة آخر معاقل أدواتها المحلية (حكومة المرتزِقة) بعد أن تلقت هزائمَ مدوية خلال الأشهر الماضية، وهذا ما يجعل الضرباتِ الكبرى على العمق السعودي “مهينةً” أكثر؛ كونها تثبت عملياً أن الرياض قد استنفدت جميعَ خياراتها العسكرية وفشلت فيها، فيما ما زال اليمن يصعّد ويأتي بمفاجآت وعمليات غير مسبوقة.

إجمالاً، بات الإحباطُ السعودي يمثل معطىً ثابتاً في المعادلة العسكرية بكل جوانبها، والتي يمكن تلخيصها بوضوح في أنه “كلما استمر العدوان كلما كانت السعودية أقربَ إلى الهزيمة العسكرية”، وما اعتراف الإعلام السعودي اليوم بصعوبة اعتراض الطائرات المسيرة (بعد سنوات من الإصرار على تأكيد النجاح في اعتراضها) إلا مؤشر بسيط من مؤشرات هذا الإحباط.

الجانبُ السياسي من اليأس السعودي الذي تكشفه عملية “توازن الردع الرابعة” تمكن ملاحظتُه من خلال ثبوت فشل جميع محاولات الرياض لـ”كسب الوقت” خلال الفترة الماضية، حيث لجأت الرياض بعد عملية توازن الردع الثالثة، والثانية قبلها، إلى الكثير من تلك المحاولات وأطلقت تصريحات حول “السلام” وأعلنت “هُدنة” لم تطبقها، وبدا واضحًا أن فترةَ انقطاع الضربات الكبرى بعد العملية الثالثة (منذ فبراير الماضي) قد منحت السعودية أملاً زائفاً بأنها استطاعت الالتفاف على شروط صنعاء للسلام والتي تنص على الوقف الفوري والمعلن والشامل للعدوان والحصار.

عملية “توازن الردع الرابعة” جاءت، ليس فقط لتؤكّـد للرياض أنها لم تنجح في المراوغة، بل لتوضح لها أَيْـضاً أن الاستمرار في المراوغة سيقابله تصاعد في حجم ضربات الردع، وهو الأمر الذي يضع السعودية مجدّدًا أمام الشروط نفسها، ولكن بعد أن باتت أضعف مما كانت عليه عقب الضربة السابقة، لتكون المحصلةُ هي معادلةً سياسية شبيهة بالمعادلة العسكرية: “المخرج السياسي للسعودية الوحيد هو الانسحاب” وأي مسار لا يتضمن ذلك، لن ينجح حتى في إبقاء الوضع على ما هو عليه، بل سيزيده سوءًا على المملكة.

أخيرًا، لا يمكنُ إهمالُ الوضع الداخلي السيء للمملكة، والذي يجعل تأثيرَ عملية “توازن الردع الرابعة” أكبرَ مما يمكن أن يكون عليه في أوضاع أُخرى، ويجعل هذه العملية محطةً هامةً من محطات الفشل والإحباط السعودي، حيث وصلت الصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية هذه المرة بالتزامن مع أزمة اقتصادية غير مسبوقة تعاني منها الرياض؛ بسَببِ وصول خسائرها الاقتصادية المتراكمة إلى نقطة “اللاعودة”، بحسب ما نفهم من تصريح سابق لوزير المالية السعودي، الأمر الذي يجعلها محشورةً بشكل سيء وفاضح بين إخفاقات كبرى سياسية وعسكرية واقتصادية، لن يكونَ حتى “الانسحاب من العدوان” حلاً سحرياً لها جميعاً، لكنه قد يوقفها عن التفاقم.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com