متشابهاتٌ كثيرة بين صنعاء وبيروت

 

د. وفيق إبراهيم*

يتماثل الوضعُ الحالي للبنان مع المشهد السياسي اليمني قبل 2014 بشكل يلعبُ فيه السفيرُ الأمريكي علناً دورَ القائد الفعلي الذي يوزِّعُ التعليماتِ على قيادات القوى السياسية المحلية علنياً.

هذا ما كان يحدث في اليمن قبل نجاح أنصار الله قبل ست سنوات بإلحاق هزيمة كبرى بالقوى اليمنية المتحالفة مع الأمريكيين والسعوديين. فتحرّرت صنعاء من هيمنة السفراء وأصبح قرارها يمنياً صرفاً برفض أُسلُـوب نثر المكرمات الخليجية والذعر من الأمريكيين.

وها هي صنعاء المتحرّرة تعمل على مجابهة الاحتلال الأمريكي السعودي الإماراتي لما تبقى من يمنها السعيد؛ بهَدفِ إنهاء أُسلُـوب هيمنة السفراء الأجانب ودحرهم من كامل بلادها.

لجهة بيروت تكاد السفيرة الأمريكية المعتمدة في لبنان شيا تعلن نفسَها متصرفةً فعلية في شؤونه وشجونه، فتنتقل يوميًّا من العاشرة صباحاً وحتى مطلع الفجر في استقبالات وزيارات تشمل معظم أنواع السياسيين اللبنانيين حتى تكاد هذه السفيرة تعرف زوايا بيروت وقرى الشوف ومعراب وبيت الوسط وبيت الكتائب والقصر الجمهوري والسرايا الحكومي.

وعندما تنتابها ضائقة فعلية تتوجّـه إلى عين التينة.

هناك جانب آخر، أصبحت السفيرة شيا ملمة به وهي التصريحات الصحافية التي تردّ فيها أحياناً على منتقدي سياسات بلادها وترسل في الوقت نفسه إشارات ليعتمدها مقلدوها من السياسيين المحليين. بالإضافة إلى تعمّدها هذا الأُسلُـوب الإعلامي لتعميم ثقة حلفائها بقوة بلادها على مهاجمة أي قوة لبنانية حتى لو كانت بمستوى حزب الله وقائده اللبناني الإقليمي السيد حسن نصرالله.

لكن هذا الأُسلُـوب ينافي الأعراف الدبلوماسية التي تفرض على الدبلوماسيين تسجيل اعتراض على منتقدي سياسات بلادهم لدى وزارة الخارجية المحلية.

فكيف تخالف شيا هذا المنطق؟ إنها طريقة أمريكية صرفة يمارسها الدبلوماسيون الأمريكيون في البلدان الخاضعة لهم والمنخرطة ضمن حركتهم الاستعمارية.

هذا ما أشار إليه القائد اليمني السيد عبد الملك الحوثي في خطابه الأخير الذي يربط فيه بين الانتصار الذي أنجزه اليمنيون في 2014.

وجاء ترجمة لمشروع يقوم على الوعي الثقافي الذي يربط بين مجابهة المستعمر ثقافياً واقتصادياً وأمنياً وبشكل شعبي عام مستحضراً أُسلُـوب السفير الأمريكي المعتمد الذي كان يحكم صنعاء السياسية في تلك المرحلة ويترك أثراً حتى في الناس العاديين الذين كانوا يجنحون لتقليد الغرب في ثقافاتهم.

وكان السفير السعودي في تلك المرحلة شيخَ مشايخ قبائل اليمن والحاكم السياسي له تنصاع لأوامره دوائر القصر الجمهوري والوزراء والأعيان، لذلك فإن تمرد أنصار الله على الهيمنة الأمريكية السعودية ذهبت نحو عصيان كامل في الثقافة والتاريخ والوعي والأعمال العسكرية فاستعاد اليمن السعيد لقبه القديم «أم العرب».

على مستوى لبنان استبق حزب الله كُـلّ الحركات الجهادية في العالم العربي بنشر ثقافة المقاومة التي هي إعلام وثقافة وحضارة وتاريخ ومقاومات عسكرية.

لقد نجحت هذه المقاومة بطرد العدوّ الإسرائيلي ودحرت الإرهاب في سورية وجبال لبنان.

لكنها تعرضت لمعوقات في مسألة نشر ثقافة الجهاد. وهذا سببه وجود ثماني عشرة طائفة لبنانية شديدة الاستقلالية سياسيًّا وتكاد تشكل محميات داخلية محمية إقليمياً وخارجياً وتاريخياً.

فيما اليمن يمنان فقط شمالي وجنوبي وتعدديته المذهبية تقتصر على مذهبين متقاربين لم يسبق لهما أن اقتتلا لأسباب دينية، لذلك كانت مهمة نشر الثقافة الجهادية في اليمن أقل صعوبة مما يعاني منه حزب الله في لبنان.

لكن الطرفين يتعرّضان للمنظومة الاستعمارية نفسها، التي تتشكل من قوى داخلية منصاعة للتحالف الأمريكي السعودي الإسرائيلي، ألم يلتق وزير خارجية منصور عبد ربه هادي في أحد المؤتمرات بوزراء إسرائيليين بشكل علني، غير آبه بالانتقادات وكاشفاً بذلك باستجابته لطلب سعودي بإعلان التحالف مع «إسرائيل» عبر هذه الطريقة.

كذلك فإن حزب الله الذي نجح بنشر ثقافته في مجالات لبنانية وسورية وإقليمية واسعة يتعرض اليوم من المحور الأمريكي – السعودي الإسرائيلي نفسه الذي يستخدم قوى داخلية طائفية مرتبطة بالمستعمر منذ القرن التاسع عشر بصفتها وريثة للصراعات الداخلية – الخارجية في تلك المرحلة.

بذلك يتبين مدى التماثل بين صنعاء وبيروت في مشاريع متشابهة تعمل في اليمن والعراق وسورية ولبنان وفلسطين على نشر ثقافة التحرّر من المستعمرين.

بما يؤسس لعصيان تاريخي يرفض تقسيمات المستعمر لمنطقة عربية رسمت خرائط بلدانها دبلوماسية بريطانية كانت تحتسي الخمر، وتسند رجليها فوق طاولة قريبة.

هذه اللحظات أنتجت معظم حدود البلدان العربية في المشرق، وتركت لدبلوماسية أُخرى رسم حدود شمال افريقيا والشرق الأوسط بالوسيلة نفسها التي لا تتفاعل مع حقائق اللغة والتاريخ والتفاعلات، بل تستند إلى مصالح المستعمرين فقط.

فهل تنجح صنعاء وبيروت بنشر ثقافة تصحيح التاريخ لصالح بناء المستقبل؟

هذا ما تفعله غزة وسورية والعراق واليمن ولبنان، هذه المناطق التي ترسل تجاربها إلى كامل العالم الإسلامي في دعوة بصوت عالٍ مع ميادين قتال مفتوح لاستعادة مناطق يسرقها المستعمر الغربي الأمريكي الإسرائيلي بتغطية خليجية وعربية وإقليمية منذ القرن التاسع عشر.

فهل بدأت المنطقة بترجمة ثقافة الجهاد في ميادينها القتالية؟

الجواب عند السيدين حسن نصرالله وعبد الملك الحوثي وجماهير المقاومة في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي.

* كاتب لبناني

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com