أين سأجد العرب؟!

 

عفاف البعداني

لطالما دُوّن في دفاترنا مصطلح العروبة، وحقيقة من العرب، وكم أبدع معلمنا بشرحها حين استشهدَ بعروبة أجدادنا، وحضارتهم القديمة، واستوحى من لغتهم ومناقبهم الجليلة، مقولة سديدة تقول: حيثما كنت، تقدم، وارفع رأسك فأنت عربي.

ولكن تقادم درس معلمي، وكبرنا واكتشفنا أن العروبة، مُجَـرّد استعارة مكنية على أرض الواقع، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتاريخ، والحين بريء منها تماماً فحين توسعت مداركنا وسعينا مجدين أن نبحثَ عن العروبة في أفعال وَمواقف فعلية تجسد ما نبحثُ عنه، وجدنا العرب ولم نجد العروبة.

وبقينا أقصد نحن العرب، بقينا متمسكين بالاسم فقط، وخارجين عن المسمى، فنحن عادةً نقدّس المعقول، ونتدارك السهل، ونكتفي بالأشياء المُسلم بها، ونترك الأشياء المختلف فيها، ونخاف من المستعصي، والعلة العظمى أننا نكتفي عما قيل ويُقال، ونساق نحو ظواهر الأشياء، وندع البواطن الخفية التي تحمل تفاسير جمة بحجّـة أنها أضغاث أحلام، ندعها لأصحابها المفكرين أو المفرِطين حَــدّ زعمنا، متنحين عنهم تماماً، ندعها لعنكبوت التاريخ فهو أذكى منا في عنايته بمعرفة الأشياء الخفية، وتوظيف طاقته الاستيعابية.

لذا مقتضى الضد والاختلاف والتنحي مغيب نوعًا ما عن العرب، وهو ما شكّل حائلاً في تعايش الشعوب ونشب الحروب فيما بينهم، مع أن بداية اليوم لا يمرُّ بلا شروق، ونهاية اليوم لا يمرُّ بلا غروب ولكن كما يقال: “لا حياة لمن تنادي”، وتبقى النظرةُ البُعيدة للأشياء، والتمعن العميق ببواطن المجريات، هي وحدها من ستنهج الطريقة المثلى للخلافة، وَللاستحقاق الوجودي لهذا الفكر الذي أودعه اللهُ فينا نحن البشر منذُ بداية الخلق.

ولن نرى بُدًّا أَو خلاصًا للحياة المنزوية، والأحكام المسبقة عند العرب، إلا إن نظرنا للأمور من كافة جوانبها، ولا ندع مجالاً للفكر في أن يتربع على عرش هش من التحجر المعيشي والجهة المحدّدة، والاعتقاد الروتيني، فبمرور الوقت سيتفاقم الأمر ويقوم العقل الباطن بتنصيب نفسه على مملكة سائدة تلتقي بأشباهها باليوم ألف مرة، بجهة اعتقادية واحدة، وحدث واقعي معين، وتقيد فكري مخصص ومحسوب، عما يقال وينقل اعتقاداً منه أنه خــــوارزمي زمانه، ونابليــــون عصره، لا سيدي المؤقر أنت مخطئ، وَهل تعرف أن نابليون كان متفرداً وحراً ولا يشبه أحداً، ولم يلتقِ بشبيه إلا بعد ألف عام.

والغريب فينا نحن أشباه العرب، أننا مُجَـرّد أن نرى شخصاً غير مسلم وخارجاً عن ملتنا، ترتاع الحجج، وتتزاحم الأحكام المسبقة، وربّ ملة غير مسلمة، خير من مسلمة في العمل والتصنيع.

ولو عدنا للمرجعية الحقة في كينونة الوجود، لأدركنا أن العقلَ أكبر، وأشمل، وأوسع، وأجدر، وأمكن من أن نقيّده بأرجوحة مصيرية مجملة في الكتابة، أَو أي عمل، أَو ربما برأي متفق عليه.

العقل يبقى مطلقاً وله العنان إن حرّرناه من جمل الاعتياد، وَلولا الاختلافات وَشذوذ العقل واختراقه للمألوف، لما ظهر لنا عالم ولا بدا لنا مخترع.. فبرأيكم أين سأجد العروبة ومن العرب؟!

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com