حكاية بطل

 

أشواق مهدي دومان

وَهذه المرّة مغوار انطلق مع المسيرة، بل لاح مع بداياتِ فجرها نقيّاً كالفجر، وَأشرق منذُ شروقها نضراً بهيّ الرّوح، وَمنذ بدايات صباه، وَهو مجاهد صنديد، تجرّع من الابتلاءات الكبرى ما أنضجه فكراً وَرؤى وَقلباً، وَما أزهر فؤاده فهماً وَوعياً وَتمثّلاً وَعملاً بالقرآن..

كان صغيراً (في السّن) على كُـلّ تلك الحكايا التي لو كتبت في صفحات فلن تكتب إلّا بماء عسجد طهور يعبق منه زكاء دم جراحه النّازفة حين غُيّب (بداية) عن أهله في غيابة جبّ عفّاش وَأزلامه وَسجّانيه، مضى في منفاه ما يقارب الأعوام السّتة..

فكان عفّاش غبيّاً حين كان يحاول أن يقيّد ليوثاً، ظنّاً منه أن السّجن سيتعهّد له بموت ثورة أُولئك الثّلة من الأوائل الذين كبروا مع المسيرة وَفيها وَبها، غبيّ حين زعم أنّه بكبت رجال الله وَخطفهم وَسجنهم وَتعذيبهم سيقتل أُمهات مبادئهم وَقيمهم، وَسيكتم صرختهم الحسينية الحيدرية التي آمنوا بها ثورة حسينيّة تعيد المجدَ للقرآن، وَتجعله المهدي المنجي من تضاربات الرؤى الفكرية وَالصّراعات المنفعيّة وَالنظريات البشرية القاصرة العاجزة عن احتواء الإنسان كمخلوق سخّر له الله الكون بما فيه ليعمّره وَيكون خليفة فيه قائماً بالحقّ وَالعدل وَالسّلام.. هذه القيم التي كانت منذ أن علّم الله آدم الأسماء كلّها.

أحمق عفّاش حين لم يدرِ أنّ السّجون القهرية الفكرية السياسيّة هي فتيل الثّورات، وَمشعل نيرانها التي تلفح وجوه الظالمين (أمثاله) فلا تبقي لهم أثراً.

أمّا بطلنا فهو خريج من مدرسة الشّهيد القائد، وَلم يتخرّج من جامعة إلّا جامعة هي الأقوى، فالقرآن هو روح الكلم وَنهج الحقيقة وَمكمن العشق السّماوي للأرض، هو رسالة الحبّ من الخالق للمخلوقين.

تتلمذ بطلنا على يدي الشّهيد القائد وَتثقّف كعود الرّمح على أيادي رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فكان بتّاراً حين يرمي به الله أعداء الله، فيؤتي هدفه أنّى كان، وَلا تخطئه تصويباته، وَما زال لليوم معشوق البندقية، إذ بدأها بالعشق المقدّس جهاداً وَقتالاً في سبيل الله، فكانت الوفيّة حافظة العهد تنشد معه سيمفونيّة الوفاء مردّدة معه كلماتها التي حفرت في جيل المسيرة كاملة تهتف بــ: “الوفاء ما تغيّر، عهد الأحرار باقي”.

رجل ضيغم رغم صغر سنّه حين لاقى صنوف العذاب، وَأكل وَرفاقه من أوراق الشّجر درءاً للجوع القاتل، افترش الأرض وَالتحف السماء، تنقّل بين الوديان وَالصّحارى وَالسّهول وَالجبال، خاض معاركَه بعد خروجه من غياهب عفّاش الرّجيم، فكان (وما زال لليوم) ليثاً هصوراً، وَرغم جراحه وَنزف الدّماء من جراحه لم يهتم للألم، وقد منع عنه حتّى التّشافي في مشفى، فأكلت الدّودُ من جراح قدميه بينما كان يبعدها بأعواد من خشب الأشجار.

هذه حكاية واحد من أبطال هذه المسيرة الغرّاء، وَكم من الأبطال على طريقته ما يجعل الاستكبار يؤوساً، فرجال الله قد داسوا أنف أمريكا، وَمرّغوا عنجهية بني صهيون في التّراب..

أَوَ بعد رجال كهؤلاء إلّا أن ينتحر المستكبرون؟!

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com