الشهيد القائد: إذا أنت لم تربِّ نفسك، لم تنمِّ إيمانَك ووعيك، فالمنافقون ينمُّون نفاقهم ويطورون أساليبهم

من ملزمة في ظلال دعاء مكارم الأخلاق، الدرس الأول، القسم الثالث:

 

 

المسيرة: خاص

 

– لماذا كان الإمامُ عليٌّ عليه السلام يوجّه تحذيرَه إلى جيشه وأصحابه، وليس إلى جيش معاوية؟ وما الذي جعل جيشه على هذا النحو؟

كان الإمام علي (عليه السلام) يحذِّر، وعندما كان يحذر كان يوجه تحذيره إلى جيشه، إلى أصحابه، وليس إلى أُولئك إلى جيش معاوية، يقول لأهل العراق: ((والله إني لأخشى أن يدالَ هؤلاء القومُ منكم لاجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم))، كان جيش معاوية يجتمعون تحت رايته لكن أصحاب الإمام علي كانوا يتخاذلون ويتثاقلون، والتفرق قائم بينهم، لا يتحَرّكون إلا بعد عناء وتعب شديد وتحريض مستمر.

 

– في البلاد الإسلامية على طولها وعرضها، من هو ذلك الذي يقول كلمة حق وهو لا يخاف؟

الدول الطاغوتية هكذا يكون حال الناس فيها، وهكذا يخاف الناس حتى وهم يعملون لله، أليس هذا هو ما يحصل؟ في البلاد الإسلامية على طولها وعرضها، من هو ذلك المؤمن الذي يقول كلمة حق وهو لا يخاف، يخاف أُولئك الذين هم من كان يجب أن يصدعوا بالحق، وأن يعلوا رأس هذه الأُمَّــة، وأن يرفعوا رايتها؟! لكن هكذا يصنع ضعف الإيمان، فمتى ما جاء لأهل العراق كصدام كالحجاج انقادوا وخضعوا وتجاوبوا وخرجوا بنصف كلمة، نصف كلمة يصدرها فيتجاوبون سريعًا.

 

– كانت خطب الإمام علي عليه السلام خطباً مهمة جِـدًّا، قادرة على أن تحول الرجال إلى كتل من الحديد، فلماذا لم تؤثر في أصحابه؟

لكن الإمـام عليًّا (عليه السلام) كان يقول: ((قاتلكم الله يا أهل العراق لقد ملأتم صدري قيحًا)) وكان يوبخهم ((يا أشباه الرجال ولا رجال)) يوبخهم، لا يخرجون ولا يتحَرّكون، إلا بعد الخطب البليغة، والكلمات الجزلة، والكلمات المعاتبة، والكلمات الموبخة، والكلمات المتوعدة بسخط الله، والمتوعدة بسوء العاقبة في الدنيا حتى يخرجوا، فإذا ما خرجوا خرجوا متثاقلين، لأنهم كانوا يأمنون جانبه.

وهل أن الإمام عليًّا (عليه السلام) لم يكن يعمل على أن يصنع لدى الآخرين بصيرة، بل كانت خطبه خطباً مهمة جِـدًّا، خطباً مهمة جِـدًّا قادرة على أن تحول الرجال إلى كتل من الحديد، لكنهم أُولئك الذين كانوا لا يفتحون آذانهم.

 

– توفر القيادة العظيمة لا ينتهي بنا إلى النصر على أعدائنا، فكيف ذلك؟

هذه هي مشكلة الناس، مشكلة الناس في كُـلّ زمان، في أَيَّـام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، في أَيَّـام الإمام علي (عليه السلام)، في كُـلّ زمان، الذين لا يفتحون آذانهم لا يمكن أن يؤثر فيهم أي شيء، هم الذين يعجزون القرآن، ويعجزون محمدًا، ويعجزون عليا، ويعجزون كُـلّ أولياء الله، يجعلونهم عاجزين أمامهم، الذين لا يفتحون آذانهم، أَو يفتحونها فترة ثم يضعون لأنفسهم خطًّا معيناً ويرون بأنهم قد اكتفوا، هؤلاء هم من تكثر جنايتُهم على الأُمَّــة، وعلى الدين جيلاً بعد جيل.

 

– من يضع لنفسه خطًّا في الإيمان لا يتجاوزه ويرضى به، سيكون ضحيةً للتأثر بأساليب التضليل والخداع، فكيف ذلك؟

هكذا إذَا أنت لم ترب نفسك، إذَا أنت لم تنم إيمانك ووعيك، فإن المنافقين هم من ينمون نفاقهم، هم من يطورون أساليبهم حتى يصبحوا مردة، يصبحوا خطيرين قادرين على التأثير، قادرين على ضرب النفوس، {وَمِنْ أهل الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} (التوبة: من الآية101)، من خبثهم استطاعوا أن يستروا أنفسهم حتى عن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، استطاعوا أن يستروا أنفسهم حتى عن بقية الناس، أنهم منافقون، ثم تنطلق منهم عبارات التثبيط، عبارات الخذلان فيؤثرون على هذا وعلى هذا، وعلى هذا، تأثيرا كَبيراً، هؤلاء مردة، كيف أصبحوا مردة؟

لأنهم هم من يطورون أساليب نفاقهم، من ينّمون القدرات النفاقية داخل أنفسهم، فأنت يا من أنت جندي تريد أن تكون من أنصار الله، ومن أنصار دينه في عصر بلغ فيه النفاق ذروته، بلغ فيه الضلال والإضلال قمته يجب أن تطور إيمانك، أن تعمل على الرفع من مستوى وعيك.

 

– إذَا لم يكن الناس في مستوى أن يتبخر النفاق أمامهم، أن يتبخر التضليل أمامهم فإنهم هم قبل أعدائهم من سيجنون على أنفسهم وعلى الدين، وعلى الأُمَّــة، هل لذلك شواهد من الواقع ومن التاريخ؟

فإذا لم يكن الناس إلى مستوى أن يتبخر النفاق أمامهم، أن يتبخر التضليل أمامهم فإنهم هم قبل أعدائهم من سيجنون على أنفسهم وعلى الدين، وعلى الأُمَّــة، كما فعل السابقون، كما فعل أُولئك الذين كانوا في ظل راية الإمام علي، وفي ظل راية الحسن، وفي ظل راية الحسين، وفي ظل راية زيد (عليه السلام).

 

– ليس فقط بنو أمية الذين يتحملون أوزار هذه الأُمَّــة، بل وأُولئك الذين تخاذلوا تحت راية الإمام علي عليه السلام، فلماذا؟

لكنك أنت متى تخاذلت وأنت تحت راية محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) فأنت من تهيئ الساحة لأن ينتصر الجانب الآخر جانب الكفر، فستجني على الرسالة، وتجني على البشرية كلها، أنا أعتقد أن الفساد في العالم كله، المسلمون الأوائل الذين تخاذلوا، المسلمون الأوائل الذين حرفوا، المسلمون الأوائل الذين قعدوا عن نصر دين الله هم من يتحمل جريمة البشرية كلها، لأنهم هم من حالوا دون أ ن تكون هذه الأُمَّــة بمستوى النهوض بمسؤوليتها، فتحمل الرسالة إلى كُـلّ بقاع الدنيا. هذا كان هو المطلوب من العرب. لكن أُولئك أصحاب الجباه السوداء من طول السجود تحت راية الإمام علي، الذين تحولوا إلى خوارج بجهلهم بغبائهم، لعدم وعيهم.

من الوعي أن تفهم هذه النقطة، من الوعي أن يفهم المؤمنون هذه النقطة الخطيرة: أنه فيما إذَا تخاذلت أنا سيكون تخاذلي جناية على الأُمَّــة، جناية على الأُمَّــة في الحاضر والمستقبل، وسأكون أنا من يتحمل أوزار من بعدي، أوزار كُـلّ من ضلوا، وفسادهم وضلالهم من بعدي جيلا بعد جيل، أُولئك عندما تخاذلوا عن نصرة الإمام علي لضعف وعيهم وقلة إيمانهم، مع كثرة ركوعهم وكثرة تلاوتهم للقرآن، هم من حالوا دون أن تسود دولة الإمام علي (عليه السلام) ويهزم جانب النفاق والتضليل، جانب معاوية.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com