خطابُ “فرض الشروط”: رسائلُ قائد الثورة في افتتاح العام السادس للمواجهة

توضيح لملامح المرحلة القادمة وإنذار عسكري هو الأقوى منذُ بدء الحرب

لا بديلَ عن “الاستقلال” ولا “سلام” إلّا بقرار صريح وتنفيذ عملي من العدوان

المسيرة | ضرار الطيب

حمل خطابُ قائد الثورة السيّد عبد الملك بدر الدين الحوثي الأخير، بمناسبة اليوم الوطني للصمود، العديدَ من الرسائلِ السياسية والعسكرية المهمة التي وجهها للداخل والخارج على حَدٍّ سواء، لكن تلك الموجهة لدول تحالف العدوان بالذات، برهنت على التحوّل الاستراتيجي الكبير الذي استطاع اليمنُ أن يصنعَه في مختلف المجالات، إذ يطرح اليوم “الاستقلال التام” كشرط أَسَاسي لأية عملية سلام جادة، ويطالب دولَ العدوان بقرار صريح وعملي لوقف العدوان والحصار، وإلا فعليها الاستعدادُ لـ”مفاجئات لم تكن بالحسبان”.

وإذ يؤكّـد قائد الثورة بذلك على إمساك اليمن بزمام المعركة، في الوقت الذي فقدت فيه دولُ العدوان كُـلَّ خياراتها وباتت تلجأ إلى المراوغات لحفظ ماء وجهها، فإنه يوجه للنظام السعودي بشكل خاص مبادرته التاريخية بخصوصِ الإفراج عن المختطفين من حركة حماس، مبرهناً من خلالها بشكل عملي على موقف اليمن المبدئي من القضية الفلسطينية، بينما تتلقى الرياض هذه المبادرة كصفعة مباغتة تضعها بين فضيحتين تكشفان ارتهانها المخزي للكيان الصهيوني.

 

كل رهانات العدوّ خاسرة:

يقدّم قائدُ الثورة في هذا الخطاب، عرضاً موجزاً لحالة الصمود التي قطع بها اليمن مشوارَ خمسة أعوام من العدوان والحصار، مذكراً بأن الكثيرَ من متطلبات هذا الصمود، كالقدرات العسكرية، كانت متوقفةً عند نقطة الصفر مند بداية العدوان، وهو الأمرُ الذي جعل العدوّ يراهن على الحسم في بضعة أسابيع، لكن الأمرَ سار بشكل مخالف لجميع التوقعات، وبدأت مجالاتُ العمل في إطار المواجهة تمضي في مسار تصاعدي يتغلب على كُـلِّ الظروف الصعبة والاستثنائية، حتى وصلت إلى تصنيع الأسلحة الدقيقة والفعالة، وتحقيق تماسك داخلي جعل مهمةَ العدوّ أكثرَ صعوبة.

وبهذا التلخيص يؤكّـد قائدُ الثورة على أن مسيرة تغلب اليمن على العدوان تمضي في طريق واضح نحو النصر، وأن الإنجازاتِ التي تم تحقيقُها في جميع المجالات لم تكن نتيجة صدفة أَو مؤثرات خارجية، بل نتيجة جهود متكاملة ومستمرة وتوظيف فعال لكلِّ الخبرات الممكنة، بما يهمش التأثير السلبي للظروف الصعبة المفروضة إلى أقصى حدٍّ ممكن، ووفقاً لذلك، فإن المشهدَ الذي يقدّمه قائدُ الثورة هنا يرسل رسالة واضحة بأن رهانَ العدوان على عامل الزمن أَو على انهيار جانب البناء والتطوير، رهان خاسر لا محالة، بل إن مرور المزيد من الوقت لن يعنيَ إلّا تعاظم القدرات اليمنية، وبالتالي تعاظم كلفة استمرار العدوان.

 

شروط السلام وكلفة استمرار العدوان:

بعد تثبيت هذه القاعدة الأَسَاسية المتماسكة، والتي تخدمها العديد من شواهد الانهيار والضعف الذي وصلت إليه دولُ العدوان، يضع قائد الثورة الطرفَ الآخر لمعادلة الصمود بما يساوى حجم الإنجازات والتضحيات، إذ يؤكّـد على أنه لا بديلَ عن “الاستقلال الكامل” لليمن، وأن “من يفكر أن يجعل الشعب اليمني أداة تحت سيطرته فهو واهم وحالم”، وهي رسالة أُخرى واضحة تفرض الشرط الأَسَاسي لعملية السلام، وتقطع الطريق تماماً أمام أية محاولات من قبل العدوان، للبحث عن مداخل ومراوغات للإبقاءِ على شيء من “الوصاية”.

وبالحديث عن السلام، يوجه قائدُ الثورة في هذا الخطاب رسائلَ مباشرة، سبق تقديمها في خطابات سابقة، إلّا أنها هنا أكثرُ وضوحاً وتفصيلاً، إذ يدعو تحالف العدوان “لوقف عدوانه ورفع الحصار بشكل واضح وقرار صريح وبشكل عملي”، ويضيف أنه “لا جدوى من إطلاقِ التصريحات مع الاستمرار في الحصار والاحتلال”.

يمكن اعتبار هذه الرسالة تقييماً واضحاً لتعاطي العدوّ مع مبادرات السلام خلال الفترة الماضية، وبالذات مبادرة الرئيس المشّاط، التي حاولت السعوديةُ الالتفافَ عليها بتصريحات خجولة وإشارات وتلميحات غير رسمية، متبعةً بذلك النهج الإماراتي في محاولة الهروب من تبعات استمرار العدوان والحصار، وبالتالي فهي رسالة تؤكّـد أن الوقتَ الذي يحاول العدوُّ كسبَه لم يعد يتسع إلّا لقرار رسمي وتنفيذ عملي.

 

إنذار عسكري:

وبعد تثبيته لشروط وتفاصيل السلام، يختتم قائدُ الثورة خطابَه برسالة الإنذار العسكري، ملوحاً بالمصير الذي ينتظر دول العدوان إذَا أصرت على التمسك بخيار الحرب والحصار والمراوغة.. مصير يلخصه بـ”مفاجآت لم تكن بحسبان العدوّ وقدرات عسكرية متطورة وانتصارات عظيمة”، تاركاً التفاصيلَ لميدان المواجهة الذي بات مليئاً بالشواهد الواضحة على حتميةِ تحقيق تلك الوعود، وبالشكل الذي لم يكن يتوقعه العدوُّ، كما لم يكن يتوقع كُـلّ الضربات الكبرى التي تلقاها طوال الفترة الماضية.

ويرى مراقبون أن هذا الإنذارَ هو الأقوى من نوعه منذُ بدء العدوان، الأمر الذي يجدّد التأكيدَ على أنه لم يعد أمام تحالف العدوان متسع من الوقت للمراوغة والرهان على الظروف.

 

مبادرة معتقلي “حماس” تحرج النظام السعودي:

ومن أبرز وأهمِّ الرسائل التي وجهها قائدُ الثورة خلال خطابه الأخير، كانت المبادرة التاريخية التي أطلقها بخصوص المختطفين من حركة المقاومة الإسلامية حماس في سجون النظام السعودي، إذ عرض السيّد عبد الملك مبادلتهم بطيار وأربعة من الجنود والضباط السعوديين الأسرى لدى الجيش واللجان.

مبادرة ترجمت بشكل عملي موقفَ اليمن المبدئي من القضية الفلسطينية، في الزمن الذي بات فيه التطبيعُ والارتهانُ للكيان الصهيوني، أمراً شائعاً لدى معظم أنظمة المنطقة، وعلى رأسها النظام السعودي.

ومن جهة أُخرى، فقد شكلت هذه المبادرة مأزقاً للسعودية التي لم يعد لديها مفر من الإقرار بخدمتها للكيان الصهيوني، سواءً بالإفراج عن المختطفين أَو بالإبقاء عليهم في سجونها.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com