السيد عبدالملك الحوثي في خطاب “الإيمان يمان” في لقاء مع شخصيات علمائية واجتماعية ومسؤولين في الدولة بالجامع الكبير:

 

سنواجهُ التحدياتِ بقوة الإيمان وبكل ثبات والانتماء الإيماني هو أعظمُ حصن لنا

بمجرد عدم وجود المناعة الثقافية عند الشاب سيتأثر تلقائياً، فما بالكم بالعمل المنظم عليه؟!

مواقفنا كانت قوية بقوة إيماننا وصمود شبابنا في كُـلّ الجبهات كان بهذه الروح الإيمانية المعنوية

صدقُ الانتماء الإيماني هو بالالتزام العملي، وعلينا أن نعيَ أن لا شيء سيحفظ وجودنا مثل صدق الانتماء

نواجهُ الآن حربًا ثقافية وفكرية ويحاولُ العدوّ التأثيرَ علينا بأشياءَ خارجةٍ عن هُـوِيَّتنا

حالةُ الفراغ الثقافي ستسمحُ للعدو أن ينجحَ في الغزو الثقافي؛ لأن الفرد سيكونُ بدون مناعة للمواجهة

الأعداء يسعون لتجريدنا من هُـوِيَّتنا الإيمانية كي يضمنوا السيطرة التامة علينا

إذا لم يسيطر العدوّ على فكرنا وروحنا وثقافتنا وإرادتنا فإنه لن يستطيعَ أن يسيطرَ على أرضنا وسيادتنا واستقلالنا

العدوّ لا يصدّر لنا سوى الأوبئة ولا يصدّر لنا الحضارة ولا العلم وهذا ما رأيناه في العراق حين قتلت أمريكا علماءه

الأعداء يريدون أن يصدّروا لنا المفاسدَ؛ كي نصبحَ أمةً مائعةً وهزيلة وضائعة تفتقر للإرادة والقوة والموقف

لو فسد الإنسانُ وأصبح مائعاً تافهاً فهو لن يكون عنصرًا قويًّا وصاحبَ إرادة في أمته

نحن أمام حرب استخدموا فيها كُـلّ الوسائل العسكرية والاقتصادية للسيطرة علينا وفشلوا فيها

رجالنا الأبطال اعتلوا الدبابات الأمريكية المحطمة بأحذيتهم انطلاقا من قوة إيمانهم

لن نتنكرَ لنعمة الله، وانتماؤنا اليماني الإيماني انتماءٌ عظيم ومشرف ولن نتنكرَ له

الرجلُ من أبناء شعبنا يقفُ في الميدان والأعداء يأتون بكل إمْكَاناتهم الحديثة ولا يتزحزح من مكانه

النبي الأعظم فضّل اليمن بعبارة “الإيمان يمان” والتي لها من الدلالات والعمق الكثير من المعاني أكثر من لو أنه قال “الشعب اليمني شعب مؤمن”

اللهُ تعالى وعد الذين يتصفون بصفة الإيمان بالنصر والتوفيق حين قال “إن الله يدافع عن الذين آمنوا”

الأعداء فشلوا في السيطرة علينا كشعب يمني؛ لأننا نمتلك الرصيد الأخلاقي والمعنوي؛ ولأننا قوم توكلنا على الله ووثقنا به وبوعده بالنصر

 

حيّاكم اللهُ، أهلاً وسهلاً ومرحباً..

أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَـلِكُ الحَـقُّ المُبِيْن، وأشهَدُ أن سَيِّـدَنا مُحَمَّــدًا عَبْـدُه ورَسُــوْلُه خَاتَمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إِنَّـــكَ حَمِيْــدٌ مَجِيْــدٌ، وَارْضَ اللَّهُم برِضَاكَ عن أَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ المنتجَبِين وَعَـــنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّـالِحِين.

أيُّها الحضورُ الكرامُ، الآباءُ العلماءُ، الإِخْـوَةُ الحاضرون جميعاً:

السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ..

في هذا الاجتماعِ المباركِ بحضورِه المباركِ منكم أنتم أَيُّـهَـا الأعزاء، وفي مقدِّمتكم العلماء الكرام، والشخصيات الاجتماعية، والبعض من المسؤولين في الدولة، من كُـلّ فئات مجتمعنا اليمني، في هذا الاجتماع المبارك في موضوعه المبارك المهم أيضاً: موضوع الهُـوِيَّة الإيْمَـانية لشعبنا اليمني المسلم، في هذا المكان المبارك أَيْـضاً، في الجامع الكبير، الذي هو من المعالم الإسلامية البارزة، والآثار المهمة المرتبطة بالإيْمَـان وبالانتماء للإسلام العظيم، أحييكم جميعاً في الاجتماع، ونَسْأَلُ اللهَ -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- أن يباركَ لنا في هذا الاجتماع؛ حَـتَّى نخرُجَ منه -إن شاء الله- بزيادةٍ في إيْمَـاننا ووعينا.

نحن في هذه الكلمة نذكِّر كما قال اللهُ -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- في كتابه الكريم: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}[الذاريات: الآية55]، بحمد الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-، بعظيم فضله، فإنَّ أعظم نعمةٍ أنعم الله بها علينا هي: نعمة الإيْمَـان، نعمةٌ عظيمة فوق كُـلّ النعم، شعبنا اليمني المسلم العزيز نال وسام الشرف العظيم، عندما قال النبي -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ- فيما روي عنه: (الإيْمَـانُ يمانٍ والحكمةُ يمانيةٌ)، هذا أعظم وسام شرف، وهذا النص المبارك هو يحدّدُ لنا هُـوِيَّةَ شعبنا اليمني، التي يجبُ أن نحافظَ عليها، وأن نرسِّخَها، هذه الهُـوِيَّة المباركة: هُـوِيَّة الإيْمَـان.

كُلُّ المجتمعات البشرية والأمم على هذه الأرض من بني آدم لها هُـوِيَّة، لها انتماء، لها موروث من الأفكار، والعقائد، والعادات، والتقاليد، والسلوكيات، لها نمط معين في حياتها، وطريقة معينة في حياتها، تختلف هذه باختلاف الأمم من أُمَّــةٍ إلى أُمَّــة، حَـتَّى في الوقت الراهن، مثلاً: ما عليه الحال في الصين، ما عليه الحال في اليابان، ما عليه الحال في الهند، ما عليه الحال في أوروبا بشكلٍ عام، أَو في أوروبا الشرقية وروسيا، ما عليه الحال في أمريكا، ما عليه الحال في أمريكا اللاتينية، في مختلف أمم الأرض وبلدانها، هناك هُـوِيَّة لكل أُمَّــة من الأمم، وكما قلنا: موروث معين من العقائد، من الأفكار، من العادات، من التقاليد، من السلوكيات، من طريقة معينة تسير عليها في حياتها، فما هو موروثنا نحن كشعبٍ يمني؟ وما هي هُـوِيَّتنا؟ وما هو انتماؤنا الذي نبني عليه مسيرة حياتنا وطريقة حياتنا؟ هذا الموروث وهذه الهُـوِيَّة هو ما ورد في النص النبوي الشريف: (الإيْمَـان يمان، والحكمة يمانية)، هذا ما يجب أن نعيَه، أن نفهمَه، أن نعيَ دلالاتِه الواسعةَ، وأن نرسِّخَه في واقع حياتنا؛ حَـتَّى نبنيَ مسيرةَ حياتنا على أَسَاسه، مسيرة حياتنا في كُـلّ المجالات؛ لأَنَّ الهُـوِيَّة، والانتماء، والموروث الفكري والسلوكي والأَخْــلَاقي، هو يمتد ُّفي أثره وفي طابعه إلى واقع الحياة في كُـلّ مجالاتها، في كُـلّ أنحائها.

على مدى الأجيال الماضية كان شعبُنا اليمني المسلم العزيز يمتازُ بهذه الميزة: كان للإيْمَـان أثرُه المباشرُ في الروحية، في الأَخْــلَاق، في المواقف، في العمل، في السلوكيات، في العادات، في التقاليد، حضر هذا الإيْمَـان وتُرجِم في الواقع العملي لآبائنا وأجدادنا الكرام جيلاً بعد جيل إلى عهد رسول الله -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ- وعلى نحوٍ مترسخٍ ومتميز؛ ولأَنَّه متميزٌ أتى هذا النص المعبِّر عن هذا التميز: (الإيْمَـان يمان)، هذه العبارة عبارة عظيمة، عبارة كبيرة، عبارة مهمة، عبارة جليلة؛ لأَنَّه لو قال مثلاً: [الشعب اليماني شعبٌ مؤمن]، لم تكن هذه العبارة لتصل في عُمقها ودلالتها إلى مستوى عبارة: (الإيْمَـان يمان)، وكأنَّ هذا الشعبَ منبعٌ يتدفق منه الإيْمَـان، وكأنَّ هذا الشعب بيئةٌ ينبت فيها الإيْمَـان، ينمو فيها الإيْمَـان، وهذا شرفٌ كبير؛ لأَنَّ الإيْمَـانَ -أَيُّـهَـا الإخوة، أَيُّـهَـا الآباء الكرام- هو الانتماء الراقي والعظيم للبشرية الذي يمثِّل صلةً بينها وبين الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-، وهو أعظم شرف بين كُـلّ الانتماءات، بين كُـلّ الموروثات في المجتمع البشري من العادات، والتقاليد، والعقائد، والأَخْــلَاق، الانتماء: هو صلة بين الإنسان وبين الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-، وهو شرفٌ عظيم، ويترتب عليه في الدنيا والآخرة النتائج العظيمة والمهمة.

إنَّ اللهَ -جَــلَّ شَأنُــهُ- في كتابه المبارك في سورة الصافات، وهو يتحدث عن بعض من أنبيائه العظماء والكرام، عن نبيه نوح -عليه السلام- ونبي الله نوح هو من عظماء الأنبياء، من سادة الأنبياء، من أولي العزم من الرسل، ويتحدث عن نبيه إبراهيم، ونبي الله إبراهيم هو الذي نال وساماً عظيماً بقول الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}[النساء: من الآية125]، بهذه المنزلة، هذه المرتبة العالية في علاقته بالله ومنزلته عند الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-، {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}، ثم عن نبيه إبراهيم، ونبيه وموسى، وعدد من أنبيائه، فتحدث في سورة الصافات عن هذه المجموعة من الأنبياء العظماء الكرام، وتحدث عن بعض ما كانوا عليه، عن معالم بارزة في حياتهم، في علاقتهم بالله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-، في روحيتهم، في أَخْــلَاقهم، وتحدث أَيْـضاً عن رعاية الله العظيمة لهم، عن رحمة الله بهم، عن تأييد الله لهم، عن عون الله لهم، ثم كان يعمِّد هذا كله -فيما كانوا عليه، وفيما أولاهم الله به من نعمته ومن رحمته- بعبارة مهمة، تأمَّلوها معي جَيِّدًا، ركِّزوا على هذه العبارة، يقول عن نوح ماذا؟ {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}[الصافات: الآية81]، يقول عن إبراهيم، خليله إبراهيم، ونبيه إبراهيم -عليه السلام- ماذا؟ في نهاية المطاف يختم كُـلّ ما أولاه به من رعاية، من نعمة، من رحمة، من فضل، وما كان عليه هو من روحية، من عطاء، من تسليم لأمر الله لدرجة استعداده أن يذبح ابنه إسماعيل إذَا أتى الأمر الإلهي بذلك، يختم ذلك بختامٍ مهم: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}[الصافات: الآية111]، يقول كذلك في حديثه عن موسى وهارون، وتأييده لهما بالنصر في مواجهة طاغوت من أكبر وأسوأ طواغيت الأرض، هو فرعون، {إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}[الصافات: الآية122]، هذا يبيِّن لنا شرف الإيْمَـان، ومنزلته العالية، مهما بلغ الإنسان في مراتب العلاقة مع الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-، فلا يزال السمو والارتقاء في درجات الإيْمَـان، وفي سلم الكمال الإيْمَـاني، لا يزال مفتوحاً نحو الأعلى، نحو الأعلى، يعني: قد هو نبي، نبي بكله، وهذا النبي على درجة عالية في علاقته بالله، في إيْمَـانه، في تحَرّكه وفق التعاليم الإلهية، في التزامه بها، مع ذلك يقول في نهاية المطاف مثنياً عليه: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}، هذا يَـدُلُّ على شرف الإيْمَـان، شرف الإيْمَـان وسلم كمال الإيْمَـان الذي يمكن أن يرتقي فيه الإنسان درجات عالية.

عندما نعودُ إلى القُــرْآن الكريم نجد أنَّ كثيراً من الوعود الإلهية العظيمة ارتبطت بالإيْمَـان، الوعد الشامل الذي يجمع في ثناياه كُـلّ الخير وكل الفوز، عندما قال الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}[المؤمنون: الآية1]، الفلاح، الفلاح: عنوانٌ واسع يجمع في ثناياه كُـلّ الخير الذي يمكن أن يسعى الإنسان للوصول إليه، كُـلّ الفوز، النجاح الحقيقي، الوصول إلى مبتغى الإنسان من الخيرات والسعادة يدخل في عنوان الفلاح، الله -جَــلَّ شَأنُــهُ- يقول: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}.

الوعدُ بالنصر، اللهُ -جَــلَّ شَأنُــهُ- يقدِّمُ وعداً بالنصر، وعداً مؤكّـداً بصيغةٍ عجيبة، فيقول -جَــلَّ شَأنُــهُ-: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم: من الآية47]، {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}، هذا وعد عجيب، بصيغة عجيبة، فيها تأكيد عجيب، يجعل الإنسان يثقُ ثقةً مطلقةً أنَّ الإيْمَـان صلة عظيمة بالله يترتب عليها النصر.

أيضاً في آيةٍ أُخرى يقول الله -جَــلَّ شَأنُــهُ-: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}[الحج: من الآية38]، رعاية عجيبة يحظى بها عباد الله المؤمنون بإيْمَـانهم، رعاية عجيبة، يتدخل الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- للدفاع عنهم في مواجهة كُـلّ التحديات والأخطار والأعداء، ومن كان الله سيدافع عنه ألن يكون في أعظم حماية، وأعز موقع، وأمنع حصن؟ بلى، بلى، {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}.

الوعدُ بالعِـزَّة: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون: من الآية8]، {وَلِلْمُؤْمِنِينَ}، عِـزَّةٌ من الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- يهبها لعباده المؤمنين بما يمنحهم به من نصر، وتأييد، ويدفع عنهم، ويمكِّن لهم، ويؤيِّدهم، فيستنقدهم من حالة الإذلال، والقهر، والاضطهاد، والامتهان، فيكونون في موقع العِـزَّة والقوة والمنعة.

يأتي الوعدُ أَيْـضاً في القُــرْآن الكريم بالجنة، {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أكبر ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[التوبة: الآية72]، تأمَّلوا في هذه الآية المباركة، وعدٌ ممن لا يخلفُ الوعدَ، من الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-، ووعدٌ بماذا؟ بهذا النعيم العظيم الأبدي، الذي لا مثيلَ له ولا نهايةَ له، أعظم نعيم، وأرقى سعادة، وأطيب حياة، ولا نهاية لها في نفس الوقت، {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}، يأتي هذا الوعدُ مرتبطاً بماذا؟ بهذا العنوان المهم: عنوان الإيْمَـان، الإيْمَـان، {الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}، {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}، جنات يعيشون فيها في مستقبلهم الأبدي والدائم في الآخرة، هذه الدنيا حياة مؤقتة، حياة لها نهاية، الإنسان يولد فيها وله أجله المرسوم، أجله المحدّد، إلى حين يصل إلى ذلك الأجل تنتهي هذه الحياة، لكنَّ ذلك المستقبل الأبدي والدائم والعظيم الذي لا نهاية له، فيه أرقى نعيم، {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}، بكل ما أعدَّه الله في تلك الجنات من المأكولات، من المشروبات، من الفواكه، من المطاعم، من القصور، أتى قوله تعالى أَيْـضاً بعد قوله: {خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً}، مساكن في الجنة، ليس هناك في الدنيا في كُـلّ مساكن الدنيا، عندما تأتي مثلاً لتتأمل في ناطحات السحاب، في قصور الملوك والأمراء والأثرياء الكبار في هذه الدنيا، كيفما كانت قصورهم، كيفما كانت ناطحات السحاب التي يمتلكونها، كيفما كانت الفيلات والمباني التي يقطنون فيها، لا شيء منها يساوي مسكناً من تلك المساكن التي أعدَّها الله في الجنة، هذا النعيم، هذا التكريم، والذي هو أبديٌ لا ينقطع، مليارات السنين لا تعتبر حساباً له؛ لأَنَّه هناك لا زمن يحسب، الحياة أبدية، العنوان هو الخلود، {خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ}، حيث البقاء الدائم في النعيم الدائم، البقاء الدائم الأبدي، ولكن في النعيم الدائم المتجدد المبارك الذي لا ينقطع، وإنما يزيدهم الله من فضله.

مع كُـلِّ هذا النعيم المادي: الجنات، البساتين، الفواكه، المأكولات، المشروبات، الحور الحين، القصور… إلخ، مع كُـلّ هذا النعيم المادي، هناك أَيْـضاً ما يجعلُ لهذا النعيم المادي اعتباراً مهمّاً، وما هو حَـتَّى أعظمُ من هذا النعيم المادي: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أكبر}، {أكبر} تأملوا هذه، وبالفعل رضوان الله هو أكبر من النعيم المادي، بل إنه الذي يجعل للجنة قيمتها، ولذلك النعيم فيها قيمته؛ لأَنَّه نعيمٌ وعطاءٌ من محبة الله، ومن رحمة الله، ومن فضل الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-، وبتكريمٍ من الله -جَــلَّ شَأنُــهُ- {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أكبر ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}، هو الفوز الذي لا يماثله فوز، ولا أعظم منه فوز، ولا يمكن للإنسان في هذه الحياة في أي اتّجاه، وبأيِّ عمل، وبأيِّ جهد، أن يصل إلى نعيمٍ، وإلى فوزٍ، وإلى مكاسب، وإلى ربح، من مثل هذا الفوز، وهذا الربح، وهذه المكاسب العظيمة والمهمة، كُـلّ ذلك يرتبط بماذا؟ بعنوان الإيْمَـان، الإيْمَـان.

ولهذا يأتي في القُــرْآن الكريم الحديث الواسع جِـدًّا عن الإيْمَـان، على مستوى المئات من الآيات، المئات من الآيات المباركة في القُــرْآن الكريم التي تتحدث عن الإيْمَـان من كُـلّ الجوانب: عن فضل الإيْمَـان وشرفه، وما يترتب عليه في الدنيا، وما يترتب عليه في الآخرة، الآيات التي تأمر الناس وتدعوهم إلى الإيْمَـان؛ لأَنَّ به نجاتَهم، وبه فلاحَهم، وفيه الخير لهم في الدنيا وفي الآخرة أَيْـضاً، وهو الذي يرتقي بالإنسان لتتحقّقَ له إنسانيتَه الكاملة، بدون الإيْمَـان ينحط الإنسان، ينحط في روحيته، ينحط في أَخْــلَاقه، ينحط في سلوكه، يتحول في مسيرة حياته إلى حيوان لا يختلف عن سائر الحيوانات، إلَّا أنه قد يكون هو الأسوأ مقارنةً بما منحه الله من كمالات ومؤهلات، وما أعطاه من فرص للارتقاء والكمال، فخسر كُـلّ ذلك، فيكون الحال كما في بعض الآيات المباركة: {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ}[الأعراف: من الآية179]، الإيْمَـان له أثره العظيم على الإنسان في روحيته، في زكاء نفسه، في أَخْــلَاقه، في أهدافه، في اهتماماته، في فهمه للحياة، وبالتالي في مسيرته العملية في هذه الحياة، وهذا الذي يريده الله لنا بانتمائنا للإيْمَـان، ولذلك يعتبر هذا الانتماء انتماء مسؤولية، انتماء مسؤولية، والله يذكِّرنا بهذا عندما يقول في كتابه المبارك: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}[المائدة: من الآية7]، هذا الانتماء نبني عليه -كما قلنا- مسيرة حياتنا في واقعنا العملي، في التزاماتنا العملية، في سلوكياتنا، في مواقفنا، في أعمالنا، في تصرفاتنا، في علاقتنا، في مواقفنا، وهذا مهمٌ جداً.

عندما نتأمل في القُــرْآن الكريم نجد معظم التوجيهات التي تأتي من الله، وأيُّ توجيهات أعظم من توجيهات وأوامر وتعليمات مصدرها مَنْ؟ مصدرها مَنْ؟ مصدرُها الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-.

أيُّها الأعزاء: قد تجدُ الصيني مثلاً، والصين مثلاً أُمَّــةٌ كبيرة من الأمم، أكثر من مليار إنسان، وفي بعض الإحصائيات أكثر من مليار ونصف مليار، نسبة المسلمين بينهم نسبة ضئيلة، محدودة، قليلة، ومضطهدون، المسلمون بينهم يعيشون حالة الاضطهاد، والظلم، والعناء الشديد، قد تجد أولئك الوثنيون في الصين مثلاً، أَو تجد أمثالهم في الهند، أَو أمثالهم في اليابان، أَو تجد في بقية أمم الأرض من يحرص -تأمَّلوا جَيِّدًا، ركِّزوا جَيِّدًا، أصغوا جيداً- من يحرص على أن يطبِّق تعليمات معينة في حياته، وهي تعليمات شاقة، وتعليمات صعبة، وتعليمات مؤسفة وسيئة ومأساوية وكارثة في الحياة، لا تصلح بها الحياة، يطبقها بشكلٍ التزاميٍ عجيب، بشكلٍ حرفي في مستوى الالتزام، يُعنَى ويهتم ويجد في الالتزام بها أشد الالتزام، وهي تعليمات ليس مصدرها الله، توجيهات ليس مصدرها الله، قد يكون مصدرُها شخصاً معيناً، جاهلاً، طاغوتاً من طواغيت الأرض، قد يكونُ جباراً، قد يكون جاهلاً، قد يكون متفلسفاً، إنما هي رؤية وفكرة حَـتَّى خاطئة انطلقت من جانبه، لكنها أصبحت ضمن موروثهم، ضمن هُـوِيَّتهم، في حسابات انتماءاتهم، فأصبحوا يلتزمون بها، ويطبِّقونها، وأصبحت حاضرةً في حياتهم في موقع الالتزام الدقيق.

أمَّا نحن في حُضنِ الإيْمَـان، في جو الإيْمَـان، في بيئة الإيْمَـان، في واقع الانتماء للإيْمَـان، فنحن نتعامل مع ماذا؟ مع تعليمات مع توجيهات مصدرها مَنْ؟ الله ربنا العظيم، رب السماوات والأرض، ملك السماوات والأرض، أحكم الحاكمين، الرحمن الرحيم، عالم الغيب والشهادة، الذي يعلم السر في السماوات والأرض، الذي كُـلّ تعليماته وتوجيهاته وأوامره من منطلق رحمته، في كُـلّ كتابه الكريم من سورة الفاتحة إلى سورة الناس، يفتتح السور المباركة بآية عظيمة، آية مهمة، ما عدا سورة واحدة من كُـلّ سور القُــرْآن، ما عدا سورة واحدة، كُـلّ السور في القُــرْآن الكريم تفتتح بقوله -جَــلَّ شَأنُــهُ-: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، يأتي الحديثُ عن رحمته هنا بماذا؟ {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، ليقول لنا، ليهديَنا، ليبينَ لنا أنَّ كُـلّ تعليماته، وتوجيهاته، وأوامره، وما شرعه لنا، وما قدَّمه لنا هو من منطلق رحمته بنا، الرحمة العظيمة الواسعة؛ لأَنَّه أرحمُ الراحمين، يعني: ما هي ما بلّا رحمة كذيه رحمة عادية، أَو رحمة بسيطة، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، رحمته وسعت كُـلّ شيء، هو أرحم الراحمين، أرحم بك من كُـلّ من يمكن أن يرحموك، أفلا نثق بتوجيهاته؟! نجد معظم تلك التوجيهات يتصدرها نداء، ماذا يقول في هذا النداء؟ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، هكذا يخاطبنا، هكذا ينادينا، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، فيصدِّر معظم توجيهاته في كتابه الكريم، معظم آياته التي يخاطبنا بها في كتابه الكريم بهذا النداء المبارك، ليذكِّرنا بماذا؟ بهذه الهُـوِيَّة، وبهذا الانتماء، بهذا الانتماء، إنه ينادينا باعتبار انتمائنا للإيْمَـان؛ لأَنَّ الإيْمَـان صلةٌ بيننا وبينه؛ لأَنَّ الانتماء الإيْمَـاني هو ميثاقٌ بيننا وبين ربنا -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- على السمع والطاعة؛ لأَنَّه دخولٌ في ولاية الله ورحمته الواسعة، {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا}، هكذا يقول: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ}[البقرة: من الآية 257]، دخولٌ في رعايته الواسعة، في ولايته ورحمته التي وسعت كُـلّ شيء، ما أحرانا وما أولانا أن نهتم بتنفيذ توجيهاته وتعليماته.

إذا كنا نرى الآخرين من أمم الأرض، من شعوبها، يهتمون بالغ الاهتمام بتعليمات، بتوجيهات، بعادات، بتقاليد ورثوها أَو أخذوها بحسب انتماءاتهم المختلفة، وليس مصدرها الله، ولكنها أصبحت عندهم مسألة انتماء وهُـوِيَّة؛ فتمسكوا بها، والتزموا بها، وضبطوا مسيرة حياتهم على أَسَاسها، وحرصوا ألَّا يفرِّطوا بها، وسعوا إلى توريثها لأجيالهم جيلاً بعد جيل، أليس ذلك أولى بنا في انتمائنا للإيْمَـان؟! انتماؤنا الإيْمَـاني أليس الأولى بنا أن نحرص عليه، أن نحافظَ عليه، أن ننطلقَ من خلاله، أن نسعى لتربية أجيالنا عليه، وأن نورِّثه لأجيالنا اللاحقة والقادمة، هذا هو المفترض، إذَا كان الآخرون في هُـوِيَّتهم وانتماءاتهم المختلفة، والتي لا صلة لها بالله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-، يحافظون عليها، يحمونها من كُـلّ المؤثرات، في الصين عملوا لهم نظام خاص بمواقع التواصل الاجتماعي، قالوا: [حتى لا تؤثِّر عليهم أمريكا في هُـوِيَّة شعبهم، في ثقافاته، في أفكاره، في عاداته، في تقاليده، في سلوكياته]؛ لأَنَّ لهم نمطَ حياتهم، طريقةَ حياتهم، أفكارهم، ثقافاتهم، وهم يريدون ألَّا تتأثر بالآخرين، أَفَلَسنا الأولى؟! بلى الأولى.

القُــرْآنُ الكريمُ فيه حديثٌ واسعٌ عن الهُـوِيَّة الإيْمَـانية والتعريف بها، كم في الآيات القُــرْآنية من توصيف وتوضيح لمواصفات المؤمنين؟ نكتفي هُنا بآية واحدة، آية واحدة، يقول الله -جَــلَّ شَأنُــهُ- في كتابه المبارك: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، أُمَّــة واحدة متآخية، متعاونة، متظافرة، متكاتفة الجهود، متعاونة، متناصِرة، كتلة واحدة، موقف واحد، توجّـه واحد، للنهوض بمسؤولية واحدة، {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[التوبة: من الآية71]، آية تقدِّم عناوين عامة ومتكاملة، تشمل كُـلّ الجوانب المهمة الإيْمَـانية، تقدِّم لنا الواقع الإيْمَـاني للأُمَّــة المؤمنة واقعاً مترابطاً، وليس مفككاً، ولا متبايناً، بل ينعمون فيه بأخوة الإيْمَـان، وتجمعهم القضية الواحدة، والهم الواحد، والمسؤولية الواحدة، {يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ}، وهم من أهله، هم أهل المعروف، وهم من يلتزمون به في واقع حياتهم، وهم من يأمرون بعضهم بعضاً به، والمعروف: عنوانٌ واسع يشمل كلما أمرنا الله به، كلما وجَّهنا إليه في خير الدنيا ولخير الآخرة.

{وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}، والمنكر: عنوانٌ واسع يشمل كُـلّ المفاسد، كُـلّ المساوئ، كُـلّ الرذائل، كُـلّ المعاصي، وهم يعملون على تطهير ساحتهم من المنكر، {وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ}، التي تمثِّل عبادةً روحيةً عظيمة لتزكية الإنسان، ولتعزيز الصلة بينه وبين الله، {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}، بما يعنيه من عطاء، بما يعنيه من إخراجٍ لهذا الحق، من إقامةٍ لهذه الفريضة، من التزامٍ بهذا الركن المهم من أركان الإسلام، وما يَـدُلُّ عليه هذا العنوان في واقعهم هم أنهم ليسوا بخلاء، أنهم أهل عطاء، وسخاء، وكرم، وإنفاق، وبذل.

{وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}، ليشمل ذلك ميزتهم في الطاعة، الطاعة وما أكثر ما في القُــرْآن من حديث عن الطاعة؛ لأَنَّ الكثير من الناس كم يسمعون من آيات القُــرْآن الكريم، من تعليمات الله، من توجيهاته، من أمره ونهيه، ولكنَّ المعيار المهم هو الطاعة، هو الالتزام العملي، أمَّا أَنْ يكُـونَ الإنسان منتمياً، ثم بحسب مزاجه الشخصي، وبما تهواه نفسه، قد يلتزم ببعض الأشياء والبعض الآخر لا يريد الالتزام به، لا، الطاعة هي المعيار المهم، {أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ}، ورحمة الله واسعة، رحمة الله في الدنيا يدخل تحتها الكثير الكثير من رعايته الواسعة، من عونه، من فضله، من توفيقه، من الخير الواسع، وفي الآخرة أَيْـضاً الجنة، التي هي مستقر رحمة الله ورضوانه الأكبر، {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.

ولندركْ أنَّ اللهَ يختبرُ عبادَه في انتمائهم الإيْمَـاني، هو -جَــلَّ شَأنُــهُ- القائل: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}[العنكبوت: الآية2]، الإنسان يُفتَنُ، يُختبَرُ، يُختبَرُ في انتمائه الإيْمَـاني، هل هو انتماءٌ صادق؟ هل فيه التزام عملي أم لا؟ {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}، تأتي الاختبارات المتنوعة: الاختبارات في المواقف، الاختبارات في الالتزام العملي أمام الحلال والحرام، الاختبار الذي يدخل إلى واقع حياة الإنسان في كثيرٍ من أموره، هل سيلتزم بتوجيهات الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-؟ أم سيتصرف وفق هوى نفسه؟ {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}[العنكبوت: من الآية3]، سنَّة من سنن الله في كُـلّ الأمم الماضية، {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}[العنكبوت: من الآية3]؛ لأَنَّ الله لا يقبل بمُجَـرّد الانتماء والكلام الفارغ، لا بدَّ من الصدق مع الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-، صدق الانتماء هو بالالتزام العملي، صدق الانتماء هو بالالتزام العملي، وهذا ما يجب أن نسعى إليه، وأن نرسِّخه في واقعنا.

ثم لنعيَ جَيِّدًا أنّنا أُمَّــةٌ لن يحفظَ لنا وجودُنا إلَّا صدق الانتماء، إلَّا هذه الهُـوِيَّة إذَا رسخناها، وعززناها في واقع حياتنا، وربينا عليها أجيالنا جيلاً بعد جيل، نحن -أَيُّـهَـا الأعزاء- في عصرٍ اسمه عصر العولمة، نحن في عصر الإنترنت، في عصر الإعلام، في عصر القنوات الفضائية، في عصر الغزو الفكري والحرب الناعمة فيه، والهجمة الثقافية فيه، والتأثيرات المتنوعة فيه، والمؤثرات والعوامل السلبية فيه بأكثر من أي زمنٍ مضى، بأكثر من أي زمنٍ مضى.

اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي يمكن للشاب من شبابنا اليمنيين، أَو للشابة من شاباتنا اليمنيات، أن يأتيه من يؤثِّر عليه، سواءً من تأثر بالآخرين، أَو من هو منهم، أن تأتيه عوامل مؤثرة من أوروبا، من شرق الأرض ومن غربها، من مختلف الأقوام والفئات، هناك في عملية التأثر بالشيء الخارج عن هُـوِيَّتنا، ما يمكن أَنْ يكُـونَ تأثراً تلقائياً، تلقائياً؛ نتيجةً للفراغ؛ نتيجةً لانعدام المناعة الثقافية، المناعة الإيْمَـانية، إذَا كان شبابنا لا يمتلكون من الوعي، ولا يحظون بالتربية اللازمة التي ترسِّخ فيهم مكارم الأَخْــلَاق، وتعزز انتماءهم الإيْمَـاني، وعاشوا حالة الفراغ، ثم كانوا في حالة تلقي، وحالة ارتباط واسع، تأتيه إليه الأشياء المؤثرة من هنا وهناك، في شبكة الإنترنت، في القنوات الفضائية، في الغزو الفكري والثقافي عبر المناهج المسممة، وغير الصالحة والنظيفة، بكل الوسائل والأساليب التي تأتي من دعاة الضلال أَيْـضاً ودعاة الباطل، بمختلف الفئات التي تتحَرّك على هذه الأرض للتأثير علينا كأمةٍ مسلمة، وكشعبٍ يمنيٍ له هذه الهُـوِيَّة، وله هذا الانتماء، إذَا كان الإنسانُ وكان الشابُّ يعيش حالة الفراغ، يمكن أن يتأثرَ، أن تتبدلَ أفكارُه، أن يستقبلَ ثقافاتٍ واردةً غيرَ صحيحة، أفكاراً خاطئة، أفكاراً ضالة، قد يتأثرُ بعادات، قد يأتي إليه ما يؤثِّر على زكاء نفسه، على سلوكياته، على أَخْــلَاقه، بل يأتي حَـتَّى ما يؤثر حَـتَّى على العادات والتقاليد، ما يؤثر على طريقة الإنسان في الحياة، حَـتَّى لتصمم للشباب والشابات أنماط معينة من الحياة، ومن السلوك، يسعى الأعداء إلى جرِّهم إلى ذلك النمط، إلى تلك الطريقة، تأثيرات -لاحظوا- تمتد حَـتَّى على الزي، حَـتَّى على الملابس، حَـتَّى على قصة الشعر، حَـتَّى إلى أبسط التفاصيل، يعني: يريدون أن يؤثِّروا على الإنسان من قرنه إلى قدمه، في فكره، في نفسيته، في سلوكه، في أعماله، في مواقفه، في علاقاته، في نمط حياته حَـتَّى زيه، هناك شغل كبير.

فالواقعُ القائمُ في واقع الناس اليوم، في الواقع البشري اليوم، هو واقعٌ مؤثِّرٌ بحَدِّ ذاته، بمُجَـرّدِ أَنْ يكُـونَ الشاب أَو الناشئ أَو الإنسان لم يحظ بالمناعة الثقافية، والتحصين الثقافي، والوعي اللازم، والتربية الإيْمَـانية اللازمة، هو سيتأثر تلقائياً، ما بالك وهناك عمل منظَّم للاستهداف، يعني: يمكن أن يتأثر تلقائياً حَـتَّى لو لم يكن مستهدفاً، بمُجَـرّد أن يرى ما هناك من مظاهر، من أمور، من أشياء غريبة عليه، مطبوعة بعناوين جذَّابة ومخادعة، ومنها العناوين الحضارية، وليست هي عناوينَ صادقةً، الحضارةُ ليست في جوهرها تعبيراً عن المياعة، عن الانفلات من الالتزام الأَخْــلَاقي، عن انتشار الفساد والمنكرات، عن انتشار الرذائل، عن انفلات الإنسان من الضوابط، من القيم، لا، ليست هذه حضارة، هذه لا تعتبر حضارة أبداً، لكن قد يجد هناك عوامل مؤثِّرة عليه.

أيضاً هناك استهدافٌ، هناك استهدافٌ، هناك عملٌ منظَّم، أعداءُ الأُمَّــة الذين تحدث القُــرْآن الكريم عنهم في آياتٍ كثيرة أنهم يريدون لنا الضلال، يريدون لنا الكفر، يريدون لنا الضياع، يريدون لنا الفساد، أنهم يسعون في الأرض كما قال عنهم: {وَيَسْعَوْنَ فِي الأرض فَسَادًا}[المائدة: من الآية33]، (يَسْعَوْنَ): يعملون لنشر الفساد في الأرض، عمل منظَّم، مرتَّب، بخطط، بميزانيات، بوسائل، بأساليب، ببرامج تصل إلى حياة الناس، يسعون لإيصال الفساد ولو إلى كُـلّ منزل، ولو إلى كُـلّ أسرة، ولو إلى كُـلّ حي، ولو إلى كُـلّ بلدة، (يَسْعَوْنَ)، يعني: يعملون بشكلٍ مكثّـف وعلى نحوٍ عمليٍ واسع لنشر هذا الفساد.

يقولُ عنهم: {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}[النساء: من الآية44]، {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا}[النساء: من الآية89]، {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}[آل عمران: من الآية100]، عملية مسخ، عملية تضليل، عملية إفساد، لماذا؟ لماذا يحرص الأعداء على ذلك؟ لماذا يحرصون على أن يردونا بعد إيْمَـاننا كافرين؟ والذي يخبر بهذه الحقيقة هو الله، لماذا يريدون لنا أن نضل السبيل، وأن نضيع في كُـلّ شؤون حياتنا؟ لماذا يريدون لنا المسخ الثقافي والفكري والأَخْــلَاقي؟ لماذا يسعون لتجريدنا من هذه الهُـوِيَّة، وإبعادنا عن هذا الانتماء، والتأثير علينا في كُـلّ شيء: في أفكارنا، وثقافاتنا، وعلاقاتنا، وواقع حياتنا، وفي عاداتنا وتقاليدنا؟؛ لأَنَّهم بذلك يضمنون السيطرة التامة علينا، يضمنون السيطرة التامة علينا، إذَا هو لم يسيطر على فكرك، ولا على روحك، ولا على ثقافتك، ولا على مواقفك، ولا على إرادتك، ولا على وعيك، فهو لن يستطيع أن يسيطر لا على أرضك، ولا على ثروتك، ولا أن يصادر استقلالك؛ لأَنَّك متماسك، متماسك بثقافتك، بوعيك، بإرادتك، بقيمك، بأَخْــلَاقك.

الأُمَّةُ هي أُمَّــةٌ عندما تبقى لها ثقافتُها، روحُها، أَخْــلَاقُها، قيمُها، هنا يبقى لنا استقلالُها، لو فقدت الأُمَّــة هذه القيمَ، وتأثرت بأعدائها، وأعداؤها يأتون لها بأوبئتهم، الغرب هو يصدِّر لنا ليس الحضارة، يصدِّر لنا أوبئته، مفاسده، رذائله، ثم يسميها حضارة، هل هو يصدِّر لنا القدرات العملية؟ هل هو يصدِّر لنا ما يمكننا أن نتفوق؟ أم أنه من لاحق حَـتَّى في العراق وفي بلدان أُخرى العلماء ليقتلهم؟.

في العراق آلاف العلماء في مختلف العلوم: في الفيزياء، والكيمياء، ومختلف العلوم الحضارية، عندما دخلت أمريكا العراق كان من أولوياتها ملاحقة أولئك العلماء وقتلهم، قتل أولئك العلماء، من لم يتمكَّنوا من استقطابه؛ قتلوه، هم لا يريدون لنا أن نمتلكَ عناصرَ القوة وأسباب الحضارة الحقيقية، أَنْ نكُـونَ أُمَّــة تصنِّع، وتنتج، وتبني لها واقع حياتها على أَسَاس قويٍ ومستقل، لا، هم يريدون أن يصدِّروا إلينا الرذائل، المفاسد، الاختلاط والعلاقة الفوضوية بين الرجال والنساء، كُـلّ الأوبئة، أن ينتشر في بلداننا مرض الإيدز، وكل المفاسد والأوبئة والأمراض؛ حَـتَّى نكون أُمَّــة هزيلة، مائعة، فاسدة، ضائعة، تفقد كُـلّ عناصر القوة، وفي مقدمتها: القوة المعنوية، قوة الإرادة، قوة الموقف، ألَّا نكون أُمَّــةً غيورة، ألَّا نكون أُمَّــة تمتلك العِـزَّة والإحساس بالكرامة، لو فسد الإنسان لم يعد في نفسه أيةَ كرامة، لو فسد الإنسان وماع، أصبح إنساناً مائعاً، تافهاً، رذيلاً، يسعى وراء المنكرات والفواحش والرذائل، وأصبح إما مدمناً على الخمر، أَو مدمناً على المخدرات، هل يمكن أَنْ يكُـونَ عنصراً قوياً في أمته؟ هل يمكن أَنْ يكُـونَ عنصراً يمتلكُ القوةَ المعنوية، والإرادة القوية، والغيرة، والحمية، والإباء، والعِـزَّة، والشعور بالكرامة؟ أم أنه سيكون إنساناً تافهاً؟

لماذا صمد شعبنا خلال هذه الخمس السنوات من العدوان، وحجم هذه المعركة بشكل كبير فهي اليوم أكبر معركة قائمة على وجه الأرض، تحالفت فيها قوى الشر من الكافرين والمنافقين، بإمْكَاناتهم الهائلة، واستخدموا فيها أفتك الأسلحة، واستخدموا فيها الحرب الاقتصادية الشرسة، وكل الوسائل المتاحة التي أمكنهم أن يستخدموها لإذلال شعبنا وتحطيمه؛ بهدف السيطرة عليه، وفشلوا، هم الأثراء، الأكثر مالاً، الأكثر عدداً وعُدَّةً، الأقوى إمْكَانيات، الأكثر خبراء، وإمْكَانات متنوعة، وحشدوا لهذه المعركة من أسبابها المادية ما كان سيكفي لحسمها، لماذا فشلوا في السيطرة علينا كشعبٍ يمني؟ هل لأنه كان لدينا مال أكثر من أموالهم، إمْكَانات أكثر من إمْكَاناتهم؟ لا؛ لأَنَّنا امتلكنا هذا الرصيد الأَخْــلَاقي والمعنوي، لهذا الإيْمَـان الذي هو صلة بيننا وبين الله؛ لأَنَّنا قومٌ توكلنا على الله، ووثقنا به، والتجأنا إليه، واعتمدنا عليه، ووثقنا بوعده بالنصر، ولذلك كانت مواقفنا قوية بقوة هذا الإيْمَـان، وكان صمود شبابنا ورجالنا في كُـلّ الجبهات بهذا الانتماء الإيْمَـاني، بهذه الروح المعنوية الإيْمَـانية، يوم كان الرجل منَّا من أبناء شعبنا يقفُ في الميدان في الجبهة، سواءً في السهل، أَو في الجبل، أَو في الصحراء، أَو في الوادي، أَو في البر، أَو في البحر، والأعداء يأتون بكل إمْكَاناتهم الهائلة، بطائراتهم الحديثة، بأحدث الطائرات، بأفتك الأسلحة، فلا يتزحزح، ثابت، وصامد، ومقاتل، ومستبسل، ومتفانٍ، ويصعدُ رجالُنا الأبطالُ ليعتلوا الدباباتِ الأمريكية المحطَّمة بأحذيتهم، ويوجهوا إليها ببنادقهم، ويرفعوا عليها راياتِ الشعار، ورايات التكبير، ورايات الوطن، هذه القوة ما منبعها؟ ما أَسَاسها؟ ما سببها؟ هو الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى-، ولماذا؟ {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ}[الفتح: من الآية4]، هُـوِيَّتنا الإيْمَـانية فلاح، هُـوِيَّتنا الإيْمَـانية قوة، انتماؤنا الإيْمَـاني ثبات، وتماسك، وصلابة، وحضارة، وعِـزَّة، وكرامة، وهذا ما يجب أن نحافظ عليه، وأن نحميه؛ لأَنَّه مبادئ، ولأنه أَخْــلَاق، ولأنه قيم، ولأنه سلوكيات، ولأنه عادات، ولأنه تقاليد يجب أن نحافظ عليها، وأن نربّي عليها، وأن نتحَرّكَ في هذا المسار بكلنا: علماؤنا الأفاضل والأبرار، وكذلك مثقفونا، وكذلك الأكاديميون، في كُـلّ واقع حياتنا، أَنْ يكُـونَ لنا النشاط الواسع الذي يعزز هذا الانتماء، ويحافظ على هذا الانتماء، ويرسِّخ هذا الانتماء؛ حَـتَّى نورِّثه لجيلنا القادم؛ لأَنَّ جيلنا القادم يواجه الكثير من التحديات والمخاطر على هُـوِيَّته الإيْمَـانية.

وبهذا سنواصلُ مشوارَ حياتنا بين كُـلِّ عواصف الأخطار والتحديات مهما كانت، بكل قوة، بكل صلابة، بكل ثبات؛ لأَنَّ قوةَ الإيْمَـان لا تماثلُها قوةٌ، والانتماءُ الإيْمَـانيُّ هو أعظمُ حِصنٍ، وأعزُّ حصنٍ؛ ولذلك سنحرصُ على ذلك، ونحن نعي الشرفَ الكبير، لن نتنكرَ لنعمة الله، لن نتنكرَ ولن نجحدَ هذا الوسامَ العظيم هذا الشرفَ الكبير: (الإيْمَـانُ يمانٍ، والحكمةُ يمانيةٌ).

وبإذن الله، وبتوفيق الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى- سنلقى اللهَ يومَ القيامة، ونلقى رسولَه -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِــهِ- في ساحة المحشر ببياض الوجوه، وبهذا الإيْمَـان على الحوض، حيث يُحْـلَـؤُ الناس؛ ليتقدم أهل اليمن على ذلك الحوض، ليشربوا منه في يوم الظمأ، بإذن الله سنرد هذا المورد بإيْمَـاننا.

أكتفي بهذا المقدار..

نَسْأَلُ اللهَ –سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- أن يوفِّقَنا وإيّاكم جميعاً وشعبَنا العزيزَ للانتماء الإيماني الصادق، وَأَنْ يَرْحَــمَ شُهْدَاءَنا الأبرارَ، وَأَنْ يشفِــيَ جرحانا، وَأَنْ يفــرِّجَ عن أسرانا، وَأَنْ يَنْصُرَنا بنصره، ويُؤَيِّدَنا بتأييدِهِ.. إِنَّـهُ سَـمِيْـعُ الدُّعَـاء.

السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ..

بارك الله ُفيكم، ووفَّقنا وإياكم..

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com