السيد عبدالملك الحوثي في المحاضرة الـ3 بذكرى الهجرة:

الإسلامُ يملكُ عناصرَ القوة التي تمكّنه من التغلب على كل المشاكل والتحديات

  • {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} كانت قاعدةَ انطلاق رسول الله في حركته بالرسالة الإلهية
  • عندما نعودُ للإسلام في مشروعه العظيم والصحيح سننتصر
  • الأنصارُ هم من استقبل النبي واستعدوا لنُصرته وحمل راية الإسلام
  • التوحيد لله والتوكلُ عليه والثقةُ به كان أساساً لاستقلال الأمة
  • مضمونُ الرسالة الإلهية (الهدى، ودين الحق) وإذا تمسكّت به الأمةُ فهو موعودٌ بالظهور
  • تميز الأنصارُ بأهم المواصفات (يكثرون حينَ الفزع ويقلّون عند الطمع)
  • كانت مكةُ خارجَ النفوذ والسيطرة للقوى الكبرى في ذلك الزمن
  • كان لأبي طالب الدورُ الكبيرُ والمواقفُ الثابتةُ في الدفاع عن رسول الله
  • ليلةَ الخروج من مكة بات الفدائي الأولُ الإمام علي على فراش النبي

 

أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَـلِكُ الحَـقُّ المُبِيْن، وأشهَدُ أن سَيِّـدَنا مُحَمَّــدًا عَبْـدُه ورَسُــوْلُه خَاتَمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إِنَّـــكَ حَمِيْــدٌ مَجِيْــدٌ. وَارْضَ اللَّهُم برِضَاكَ عن أَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ المنتجَبِين وَعَـــنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّـالِحِين.

أَيُّهَـا الإِخْـوَةُ والأخوات:

السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.

نختتمُ في محاضَرةِ اليومِ الحديثَ عن بعضٍ من الدروسِ والعِبَــرِ المفيدةِ من ذكرى الهجرة النبوية الشريفة، وفيها الكثير من الدروس، إلَّا أننا نركِّز على بعضٍ منها، ونركِّز أَيْـضاً عليها؛ باعتبارِنا في هذه المرحلة كأُمَّةٍ مسلمةٍ -تواجه التحديات وتعيش الكثير من المشاكل في واقعها الداخلي- في أمسِّ الحاجة إلى هذه الدروس.

نستكمل الحديثَ في هذه المحاضرة من خلال محورين أَسَاسيين:

المحور الأول: نستكملُ فيه الحديثَ عن المرحلة المكيَّة.

والمحور الثاني: ندخلُ من خلاله إلى المرحلة المدنيَّة.

مرَّت بنا البعضُ من العوامل المهيِّأة لمَكَّـةَ المُكَـرَّمة أَنْ تكونَ منطلقاً للدعوة، ومنطلقاً للحركة بالرسالة الإلهية، وكيف هيَّأها اللهُ -سُبْحَـانَــهُ وَتَعَالَى- وأعدَّها لهذا الدور، وفعلاً تحقّق هذا الدورُ فيها على النحو المطلوب، وعلى النحو المأمول، والذي تعثَّر في مَكَّـةَ هو أن تنهضَ مجتمعاتُ مَكَّـةَ بشرف حمل الرسالة الإلهية، وأَنْ تكونَ حاضنةً للمشروع الإلهي، تؤمن به، تتبعه، تتمسك به، وتتبع الرسول -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ-، القليل هم الذين آمنوا في مَكَّـةَ، والكثير كفروا، واتَّبعوا الملأ المستكبر، ووقفوا في صفه، وسنأتي لاستكمال بعضٍ من العوامل الإيجابية، ثم ما واجهه الرسول -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ- من تحديات وصولاً إلى الهجرة.

كان من أَهَــمّ العوامل الإيجابية التي ساعدت بأَنْ تكونَ مَكَّـةُ منطلقاً مناسباً للرسالة الإلهية، وأن تبدأَ فيها حركةُ الرسول -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ- بالرسالة: أنَّها كانت خارجَ النفوذ والسيطرة للقوى الكبرى في ذلك الزمن، كان هناك الروم دولة كبيرة، ودولة عظمى آنذاك، ونفوذها واسع، وسيطرتها قوية على كثيرٍ من المناطق، وتأثيرها العالمي واسع، وكان هناك أَيْـضاً الفُرس، ولهم كذلك دولتُهم القوية، ونفوذُهم الواسع، وتأثيرُهم الكبير، ولكنَّ مَكَّـةَ كانت خارجَ السيطرة لهذه القوى الكبرى آنذاك، وقد فشلت حملةُ أبرهة الذي هو امتدادٌ للروم، وضمن دائرة نفوذهم، ومن الموالين لهم، والمرتبطين بهم، فشلت في السيطرة على مَكَّـةَ، وكانت تهدف -من خلال تلك السيطرة- إلى تغيير الوضع في مَكَّـةَ، من حيث كونِها مركَزاً دينياً ترتبط به العرب قاطبةً، أَو كذلك -وهي نقطة رئيسية- التصدي لما يعتبرونه بالنسبة لهم خطراً قادماً، وهم كانوا من خلال ما لديهم من آثار، وما لديهم من كتب يقدِّرون تلك المرحلة بأنها مرحلة قدوم ومولد النَّبِيّ محمد -صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ-، وأنه سيولد وينشأ ويبدأ حركته بالرسالة الإلهية من تلك المنطقة، فجعل الله كيدهم في تضليل، وأتت العقوبة الإلهية الكبيرة المنكِّلة بجيش أبرهة، كما ذكر اللهُ ذلك -جَــلَّ شَأْنُــهُ- في القُــرْآن الكريم في سورة الفيل: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ}[الفيل: 1-5]، دمَّر اللهُ ذلك الجيشَ بشكلٍ كامل، وفشلت تلك المحاولةُ في السيطرة على مَكَّـةَ، وهذه الحادثة الكبيرة والمهمة والعجيبة عززت حالة الاستقلال في وضعية مَكَّـةَ، وأن تبقى خارج نفوذِ أَي طرف من تلك الأطراف والقوى الكبرى المعاصرة في ذلك الزمن، فهذا كان عاملاً إيجابياً يساعدُ على انطلاقة الرسالة الإلهية، وضمن التدبير الإلهي، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ}[يوسف: من الآية21]، الله -سُبْحَـانَــهُ وَتَعَالَى- هو الذي يُهيئ الظروفُ المناسبة.

كان أَيْـضاً من العوامل المساعدة والإيجابية والمفيدة، التي أفادت وساهمت وساعدت في حركة الإسلام في مرحلته المكية هو: الدور الإيجابي والكبير والمهم لأبي طالب، عمِّ النَّبِيِّ -صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ-، ومعه بنو هاشم؛ لأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ- في بدء حركته بالرسالة لم يكن قد كوَّنَ أُمَّــةً تحملُ هذه الرسالة وتناصرها، وكان لا بدَّ له من أن يقف إلى جانبه من يساعده في الحماية له، في الدفاع عنه، في مواجهة الخطر الذي قد يستهدفه، أبو طالب هو عم النَّبِيّ -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ-، وهو كافلُه منذ الطفولة، ومربيه، والحامي له في كُـلّ المراحل التي مضى بها منذ طفولته إلى أن توفي أبو طالب.

النَّبِيُّ -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ- نشأ يتيماً، توفي والدُه (عبدُالله بنُ عبدِالمطلب) وهو لا يزال -كما في بعض الأخبار والروايات- في مرحلة حمل والدته، وفي بعضها بعد الولادة بفترة وجيزة، البعض يقدِّرها بأشهر، البعض يقدِّرها بسنوات، والمجمع عليه أنَّه -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ- نشأ يتيماً، كما أشار اللهُ إلى ذلك في القُــرْآن الكريم، وذكر ذلك في سورة الضحى، نشأ يتيماً، توفي والده مبكِّراً، وتوفيت والدته في وقتٍ مبكِّر، ثم توفي أَيْـضاً جده عبد المطلب في وقتٍ مبكِّر، فقام بكفالته والعناية به عمه أبو طالب.

أبو طالب قام بدورٍ مهم وإيجابي وكبير، وسطَّره التاريخ: كيف كانت مواقفه الثابتة التي لم يتزحزح عنها في الدفاع عن الرسول -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ-، وفي حماية الرسول -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ-، وكان له ثقلُه ونفوذُه وتأثيرُه، ووقف معه بنو هاشم (عشيرة النَّبِيّ -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ-) في ذلك.

بعد وفاة أبي طالب زادت المخاطرُ على رسول الله -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ-، ومع استمرار النَّبِيّ -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ- بحركته بالرسالة الإلهية، وتحَرّكه الواسع والقوي والمؤثِّر، كانت الحساسياتُ تزداد، وكانت المشكلة مع المشركين في ذلك المجتمع المكي تكبرُ يوماً بعد يوم، وكان التوترُ يزداد، كلما استمرت الحركة وكلما زاد التأثير، كلما زاد انزعاجهم من الإسلام، ومن حركة النَّبِيّ “صلوات الله عليه على آله” به؛ ولذلك نظَّم الملأ من قريش حملةً للتصدي للرسول -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ-، ولمحاربته بأساليبَ متعددة، منها:

العملُ من خلال الدعايات المشوّهة للنبيّ -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ-؛ بهَدفِ التأثير على الناس، وإبعادهم عن التقبّل منه، وعن الاستماع له، وعن الاستجابة له، وجَّهوا دعايات؛ بهَدفِ التشويهِ لشخصية النَّبِيِّ -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ-، مع أنَّه معروفٌ بين ذلك المجتمع بكماله الإنساني والأخلاقي، برُشده، معروفٌ بشكل كبير في ذلك المجتمع، ولكن مع ذلك حاولوا أن يشّنوا عليه دعاياتٍ: دعاية أنه مجنون، وحاولوا الترويجَ لهذه الدعاية، وحاولوا أن يقنعوا بها الناس، ثم الترويج لدعايةٍ أُخرى بعد أن فشلت هذه الدعاية ولم تلق القبول في أوساط المجتمع؛ لأَنَّها كانت دعاية مكشوفة في أنها كاذبة لا أَسَاس لها من الصحة، يأتون إلى أرشدِ إنسان في البشرية ليتهموه بالجنون! ففشلت هذه الدعاية وسقطت، وجّهوا إليه دعايةً أُخرى بأنه ساحر، طبعاً هناك الكثير من الدعايات التي أطلقوها عليه: شاعر، ثم لم تنفق هذه الدعاية؛ لأَنَّه كان من الواضح أنَّ القُــرْآنَ الكريم ليس شعراً، وليس بأوزانِ الشعر، والعربُ يعرفون كيف هو الشعر، وكيف هي أوزانُه، ثم فشلت تلك الدعايات، في الأخيرة كانت الدعاية الرئيسيةُ التي ركَّزوا عليها بشكلٍ كبير هي: ساحر، والدعاية على القُــرْآن الكريم كذلك، التي تستهدف القُــرْآن، وتحاول أن تبعد الناس عن التأثر بالقُــرْآن؛ لأَنَّ العرب انبهروا بالقُــرْآن الكريم، كان العرب لا يزالون بلغاءَ، لا يزالون على أَوَجِّ ما هم فيه من القُدرة البلاغية والكلامية، ولُغتُهم هي أرقى لغة في العالم، فكانوا يدركون بلاغةَ القُــرْآن الكريم وفصاحته، وكانوا ينبهرون به، فحاولوا أن يشنوا دعاياتٍ ضد القُــرْآن الكريم، أن يصفوه بالأساطير، قالوا عنه: {أَسَاطِيرُ الأولينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}[الفرقان: من الآية5]، شكّكوا بقدر ما يستطيعون في أنَّه من الله، يزعمون أنَّه افتراه، يزعمون أنَّه تلقَّاه من أشخاص آخرين، {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ}[النحل: من الآية103]… وهكذا كانوا في كُـلّ فترة يطلقون دعاية معينة ضد القُــرْآن، دعايةً أُخرى ضد رسول الله -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ-، ويروِّجون لها في المجتمع، ويحرِّكون من ينشط لبث تلك الدعاية أَو تلك بين أوساط الناس، حتى في مواسم الحج كانوا يفعلون ذلك، وحاربوه بالدعايات وبالحرب الإعلامية لفترة طويلة، ثم عندما فشلوا -وكان تأثيره يستمر وحركته مستمرة- ازداد قلقهم، دخلوا في مساومات، ومساومات حاولوا فيها أَنْ تكونَ مغرية، عرضوا عليه الكثير، عرضوا عليه أن يملِّكوه عليهم، قالوا: [إذا كنت تريد ملكاً ملَّكناك علينا، جعلناك الملك علينا، ولكن تقبل وتستمر معنا على ما نحن عليه، تترك هذه الرسالة، هذا المشروع الذي جئت به تتركه، وتكون ملكاً وفق الحالة التي نحن عليها]، وحاولوا أن يعرضوا عليه مساومات مالية: [أنهم يستعدون أن يقدِّموا له من المال ما يكون به أثرى رجلٍ فيهم]، وحاولوا أن يقدِّموا إليه إغراءاتٍ أُخرى، الكلام يطول عنها. فرفضها بشدة، ومن حقه -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ- أن يرفُضَها، ومن الطبيعي جِـدًّا أن يرفُضَها؛ لأَنَّه لم يكن يسعى لكل ذلك الذي كانوا يتوهَّمون أنه قد يكونُ ساعياً له، أَو أنه قد يتقبل به ليتركَ رسالتَه -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ-.

عندما فشلوا في الدعايات، وفشلوا في المساومات، اتّجهوا أَيْـضاً إلى وسيلة الضغط والاستهداف، حاولوا أن يعذِّبوا كُـلّ الذين يؤمنون به ممن ليس لهم حماية اجتماعية من خلال قبائلهم، وحاولوا أن يلاحقوا البعض منهم بالتعذيب، ثم تآمروا على النَّبِيّ -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ- لاستهدافه بشكلٍ مباشر، وعندما توفي أبو طالب ازدادت هذه المؤامراتُ وهذه الأخطارُ على حياته -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ-، في الوقت الذي كان اللهُ يهيِّئ له الهجرةَ، ويهيِّئ له مجتمعاً بديلاً عن ذلك المجتمع؛ ليكونَ مجتمعاً حاضناً وحاملاً للمشروع الإلهي، وللرسالة الإلهية، ولراية الإسلام، كما ذكرنا بالأمس التقى النَّبِيُّ -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ- ضمن نشاطه الذي كان يقوم به في موسم الحج ويلتقي من خلاله بالقبائل، يعرض عليها الإسلامَ، ويعرض عليها هذا المشروعَ الإلهي العظيم، فالتقى بمجموعةٍ من الخزرج من المدينة، عرض عليهم الإسلام، أسلموا وآمنوا وقبلوا، ثم في الموسم الثاني أتت مجموعةٌ أكبرُ، وكانت فيها بيعةُ العقبة الأولى، في الموسم الثالث أتت مجموعة أكبر كذلك، وكانت بيعة العقبة الثانية، والتي هي كانت قريبة من وقت الهجرة.

ثم النَّبِيُّ -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ- بدأ يدفعُ بأصحابه للخروج من مَكَّـةَ والالتحاق بالمدينة، الكثير منهم ممن قد يتعرَّضون للخطر فيما لو هاجر قبلهم، قدَّمهم قبله ليهاجروا إلى المدينة، ثم تحَرّك أولئك وقد أحسوا بالخطورة -بالنسبة للمشركين- وعقدوا مؤتمراً يتدارسون فيه الموقف الحاسم والنهائي ضد رسول الله -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ-، اجتمعوا في دار الندوة التي يجتمعون فيها ليناقشوا كُـلّ المواضيع المهمة المتعلِّقة بهم، وناقشوا خطةً للحسم مع رسول الله -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ-، ولإنهاء الأمر معه، وسطَّر القُــرْآنُ الكريم مؤامرتِهم تلك بقول الله -جَــلَّ شَأْنُــهُ-: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا}[الأنفال: من الآية30]، فهم اجتمعوا للمكر برسول الله -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ- والتآمر عليه، {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا}، وكان مكرهم يتلخَّص في دراسة ثلاثة خيارات: هي كما قال الله -جَــلَّ شَأْنُــهُ-: {لِيُثْبِتُوكَ أَو يَقْتُلُوكَ أَو يُخْرِجُوكَ}[الأنفال: من الآية30]، درسوا كُـلّ هذه الخيارات: خيار {لِيُثْبِتُوكَ}، يعني: الاعتقال للنبي -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ- والسجن له، {أَوْ يَقْتُلُوكَ}: التخلص منه بطريقة القتل، {أَوْ يُخْرِجُوكَ}: الطرد من مَكَّـةَ والإخراج من مَكَّـةَ، {وَيَمْكُرُونَ}: قاموا بكل تدابيرهم وفق الخيار الذي اختاروه وهو خيار القتل، اجتمع رأيهم على خيار القتل، فدرسوا الخطة لتنفيذ هذا الخيار، {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[الأنفال: من الآية30]، الرسالة الإلهية مشروعٌ مرتبطٌ بالله -سُبْحَـانَــهُ وَتَعَالَى-، بتدبيره، برعايته، بتأييده وبنصره، فالله -سُبْحَـانَــهُ وَتَعَالَى- كان يعلم ماذا يمكرون، وفي نفس الوقت كان في تدبيره -جَــلَّ شَأْنُــهُ- يبطل كُـلّ مكرهم، ويحوله لصالح النَّبِيّ -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ-.

اللهُ -جَــلَّ شَأْنُــهُ- أخبر نبيَّه -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ- بواسطة الوحي بمؤامرة الأعداء، وأنهم قد عزموا على قتله، وقد أعدوا خطةً لتنفيذ ذلك، وبات الوقت ملحاً لخروجه -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ- وهجرته، وكان لا بدَّ أَيْـضاً من خطة للهجرة نفسها، لعملية الخروج: كيف يكون خروجاً سرياً لا يرصده الأعداء؛ لأَنَّهم سيعملون على منعه من الخروج واستهدافه؛ لأَنَّ خيارَهم أصبح هو القتل، فالرسولُ -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ- أعدَّ خطتَه للتمويه عليهم، والخروجِ بدون أن يدركوا وأن يشعروا، وكانت تلك الليلةُ (ليلة الخروج من مَكَّـة) هي ليلة المبيت، التي بات فيها الفدائي الأول للإسلام والمسلمين الإمامُ عليٌّ -عَلَيْهِ السَّـلَامُ- على فراش النَّبِيّ -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ-، كان ذلك من ضمن الخطة التي رتبها النَّبِيّ -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ- للخروج، ثم خرج دون أن يشعر أولئك؛ لأَنَّ المكانَ الذي كان ينام فيه كان واضحاً أمامهم، وكان الإمام عليٌّ -عَلَيْهِ السَّـلَامُ- باقياً في فراش النَّبِيّ، يظنون أن النَّبِيّ -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ- متواجد، يظنونه متواجداً هناك، خرج النَّبِيّ بدون أن يشعروا بألطاف الله، وبرعايةٍ من الله -سُبْحَـانَــهُ وَتَعَالَى-، واتّجه اتّجاهاً معاكساً للطريق إلى المدينة، خرج باتّجاهٍ آخرَ، غير الاتّجاه الذي يمكنُ أن يخرُجَ الإنسانُ من خلاله إلى المدينة، ضمن خطته التي أعدَّها للخروج المنظَّم وبأسلوب صحيح من مَكَّـةَ، واتجه إلى الغار (غار ثور)، في ذلك الغار بقي فيه النَّبِيُّ -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ-؛ لأَنَّ أولئك المشركين عندما فشلوا في عملية الاغتيال، ووصلوا في الفجر دخلوا إلى المنزل، واكتشفوا أنَّ علياً -عَلَيْهِ السَّـلَامُ- هو المتواجدُ على فراش النَّبِيّ -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ-، وأنَّ النَّبِيَّ قد خرج، انتشروا على نحوٍ واسعٍ، وباتوا يبحثون عن النَّبِيّ -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ- في كُـلِّ محيط مَكَّـةَ، ويعلنون الجوائز المغرية بالعدد الكبير من الإبل كمكافئة لمن يَـدُلُّ على النَّبِيّ -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ-، ويكشفُ لهم عن مكانه، أَو يَـدُلُّهم عليه، واستمروا في عملية البحث في كُـلّ محيط مَكَّـةَ، وكانت اللحظة الخطرة والحسَّاسة عندما وصلوا إلى قرب الغار، وكانت من أخطر اللحظات على حياة النَّبِيّ -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ-، وقد ذكر اللهُ ذلك في القُــرْآن الكريم عندما قال -جَــلَّ شَأْنُــهُ-: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[التوبة: الآية40]، في تلك اللحظة لم يكن بجانبه جيشٌ يقفُ لحمايته، ولا حتى حراسة قوية. شخص واحد فقط يقف بجانبه، شَعَرَ بالحَزَن والقلق الشديد في تلك اللحظة الحساسة والخطرة، والنَّبِيُّ -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ- كان يطمئنُه بهذه العبارة المهمة: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}، وهذه العبارة -بنفسها- تقدِّم لنا صورةً مهمة عن رسول الله -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ- فيما كان عليه من الثقة بالله -جَــلَّ شَأْنُــهُ-، الثقة العظيمة بالله -سُبْحَـانَــهُ وَتَعَالَى-، وهو في أخطر لحظة، في لحظة خطرة، وهو المستهدَف، في تلك اللحظة هو المستهدف، والتركيز عليه، والهدف هو قتله، وفي تلك اللحظة الحسَّاسة والخطرة جِـدًّا كان على هذا القدر من الثقة بالله -سُبْحَـانَــهُ وَتَعَالَى-، والاطمئنان التام، {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}، كان يشعر بأنه مع الله والله معه، كان يشعر بهذه المعية، وماذا تعنيه هذه المعية: أنه في موقع الحماية الإلهية، النصر من الله -سُبْحَـانَــهُ وَتَعَالَى-، التأييد من الله -سُبْحَـانَــهُ وَتَعَالَى-، الحفظ من الله -سُبْحَـانَــهُ وَتَعَالَى-.

{إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} وهذه هي كانت القاعدة الأَسَاسية التي انطلق منها من أول يومٍ في حركته بالرسالة الإلهية، هو كان ينطلق بثقة بالله -سُبْحَـانَــهُ وَتَعَالَى-، وتوكل على الله، واعتماد على الله -سُبْحَـانَــهُ وَتَعَالَى-، لم يكن يمتلك الإمْكَانات المادية، وكانت هذه من المشاكل التي يتذرَّع بها الكثير من الناس حين رفضوا الإيمان به: [أنك لا تمتلك إمْكَاناتٍ ماديةً، ولا تمتلك أَيْـضاً قدرة بشرية كبيرة، ليس لك جيش، وليس لديك ميزانياتٌ مالية ضخمة؛ بينما تأتي بمشروع كبير]، وكانت هذه من الدلائل المهمة جِـدًّا على عظمة الرسالة الإلهية، على عظمة المنهج الإلهي، على عظمة الإسلام كمشروع عظيم وناجح، عندما يتحَرّك به من لا يمتلكون حتى الإمْكَاناتِ الماديةَ، فإذا بهم ينجحون، هو كان ينطلق من هذا المنطلق: {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}، وفعلاً في تلك اللحظة الحرجة والحسَّاسة والخطيرة جِـدًّا، الخطيرة جِـدًّا، هم متجهون للدخول إلى الغار، وهو في ذلك الغار، {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ}: المَدَدَ المعنوي الذي يساعده في التماسك الكبير في تلك اللحظة الحسَّاسة والحرجة، {وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا}: أنزل الله جنوداً من عنده أَيْـضاً لحمايته -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ-، {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى}، ورجعوا في القصة المشهورة التي ذكرها أصحاب السِّير والمؤرِّخون.

النَّبِيُّ -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ- خرج من مَكَّـةَ مهاجراً بالرغم من قدسية مَكَّـةَ، وفيها البيت الحرام والمقدّس، وفيها مشاعر الحج، لكنها لم تعد بيئةً صالحةً لِأَنْ تكونَ حاضنة للمشروع الإلهي، ومؤمنة بهذه الرسالة، وتقدِّم النموذج في أوساط الأُمَّــة، وفي أوساط المجتمعات الأُخرى، هي كانت مناسبة كمنطلق، لكن لم تعد مناسبة كحامل وحاضن لهذا المشروع العظيم، فتركها بالرغم من قدسيتها عندما فقدت الصلاحية لحمل هذا المشروع العظيم؛ نتيجةً لتلك العوائق التي أشرنا إلى بعضٍ منها: مجتمع مادي، طمَّاع، يركِّز على الماديات، يرتبط بأصحاب السلطة والثروة، يرتبط بأولئك الملأ الطغاة المستكِبرين، يتأثر بهم، يتأثر بكُلٍّ من: أبي سفيان، وأبي جهل، وأبي لهب، ويترك رسول الله محمد بن عبد الله -صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ-.

انتقل النَّبِيُّ -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ-، وكان وصولُه إلى المدينة يعبِّرُ عن مرحلة جديدة، ويؤسّسُ لمرحلة جديدة ومهمة جِـدًّا، وانفراجة كبيرة، وكانت هي المرحلة التي ابتنت فيها الأُمَّــةُ، وتأسست فيها الأُمَّــةُ ككيان عظيم بدءًا من تلك النواة الصغيرة والمحدودة، هنا أَيْـضاً نسلِّط الضوء في هذا المحور على بعضٍ من النقاط للاستكمال في هذه المحاضرة فيما يتعلَّق بموضوع الدروس والعِبَــرِ من هذه المحطة التاريخية المهمة.

المجتمعُ الذي استقبل الرسول -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ- وآمن به، واستعد لنُصرته، واستجاب له، وحمل راية الإسلام: هو مجتمعُ الأنصار، قرأنا بالأمس النصَّ القُــرْآنيَّ العظيمَ قولَ الله -سُبْحَـانَــهُ وَتَعَالَى-: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الحشر: الآية9]، وكرّرنا في كثيرٍ من المحاضرات قول النَّبِيّ -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ- المروي عنه: (إنَّكم ما علمتم- وهو يخاطبُ الأنصارَ- إنَّكم ما علمتم تكثرون حين الفزع، وتقلِّون عند الطمع)، هذه المواصفات من أَهَــمّ المواصفات على الإطلاق للمجتمعات التي تمتلك الصلاحية للنهوض بالمشاريع المهمة والعظيمة، وبمشروع بهذا المستوى: رسالة الله -سُبْحَـانَــهُ وَتَعَالَى- ومنهجه العظيم، مواصفات يجبُ أن نركِّزَ عليها.

عندما يكونُ المجتمعُ مجتمعاً معطاءً، وليس مجتمعاً طامعاً، وليس مجتمعاً مادياً يعبد المال، يمثِّلُ المالُ بالنسبة له والأطماعُ المادية بالنسبة له صَنَماً يجعلُه فوق كُـلّ شيء. لا، مجتمع متحرّر من كُـلّ ذلك، مجتمعٌ يؤثر القيم ومكارم الأخلاق، والمبادئ عنده أغلى من كُـلّ الدنيا، على هذا المستوى من العطاء، هذا المجتمع يمكن أَنْ يكونَ نواةً لمجتمع كبير؛ لأَنَّه مجتمع قابل، لا يعيشُ الأنانيةَ، لا يعيشُ الطمعَ، وهو مجتمعٌ معطاءٌ وصبور، يواجه التحدياتِ والصعوباتِ، عنده تحمل، عنده صبر، ليس مجتمعاً بمجرد أن يعيش ظروفاً صعبة، أَو مشاكل معينة، أَو أزمات معينة؛ ينهار، يستسلم، يخنع، وليس مجتمعاً طامعاً، بمجرد أن يرى المال هنا أَو هناك، أَو الاغراءات المادية هنا أَو هناك؛ فيبيع كُـلّ شيء في مقابل ذلك، ويتبنى المواقف الباطلة. لا، على العكس من ذلك، {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ}، إلى هذا المستوى من العطاء والتضحية والتقدمة، {وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}، حتى في الظروف الصعبة، كذلك عبارة: (تكثرون حين الفزع، وتقلِّون عند الطمع) من أعظم العبارات، من أعظم الأوصاف على الإطلاق، مجتمع كهذا مجتمع عظيم، مجتمع مهم.

في ذلك المجتمع بدأ النَّبِيُّ -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ- بتأسيس أُمَّــةٍ جديدةٍ تحمِلُ المشروعَ الإلهي، ولم يدخل في حسابات الأنصار ما قد يدخل في حسابات الآخرين، وما دخل في حسابات أهل مَكَّـة: المخاوف من حمل هذا المشروع الإلهي، والإيمان به، والنصرة لرسول الله -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ-، وأنَّ هذا سيتسبّبُ في مشاكلَ كبيرةٍ، وأنَّ هذا سيتسبب لهم في أن يدخلوا في عداء مع كُـلّ محيطهم من القبائل والبلدان، وأنَّ هذه الرسالةَ ستكونُ مشروعاً تختلفُ مع كُـلّ ما هو سائد في الساحة بكلها؛ وبالتالي مشاكلُ مع القبائل الأُخرى، مع البلدان الأُخرى، مع محيطهم العربي بكله، مع محيطهم العالمي، مع الدول الكبرى. هم يدركون أنَّه سيمثلُ مشكلةً مع الجميع، لكنَّ هذه المخاوفَ لم تكن بمستوى أن تؤثِّرَ عليهم لتبعدَهم عن نيل هذا الشرف العظيم، لماذا؟؛ لأَنَّه بالقدر الذي نجد فيه كُـلّ هذه التحديات، وكل هذه الأخطار، وكل هذه المخاوف التي قد تؤثِّر على الكثير من الناس في حساباتهم وتقديراتهم للأمور، هناك عناصرُ قوة في المشروع الإلهي تتفوق وتتغلب على كُـلّ تلك التحديات، وهذا ما يغيب عن البعض، هذا ما يغيب عن البعض.

الرسالةُ الإلهيةُ: دينُ الله، مشروعُه العظيم في مبادئه، وقِيَمِه، وأخلاقه، وشرعِه، وحلاله، وحرامه، وَأَيْـضاً باعتباره صلةً مع الله -سُبْحَـانَــهُ وَتَعَالَى-، وليس منهجاً يقدَّم للناس ثم يتركون وهم وما صاروا إليه، وما كانوا عليه، وما واجهوه من تحديات وأخطار. لا، منهج معه الله، على قاعدة: {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}، {مَعَنَا} لماذا؟ هل لاعتبارات شخصية؟ أَو {مَعَنَا} لهذا الاعتبار، لهذه الرسالة، لهذه المبادئ العظيمة؟ {مَعَنَا} مثلما كان مع الرسولِ -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ-، مع من يحمل هذا المشروع، من يؤمن به، من يلتزم به كمجتمع كأمة، قاعدة مستمرة، ولهذا نجدُ أنَّ من أَهَــمِّ المسائل هو الاستيعاب لهذه النقطة؛ لأَنَّنا كأمةٍ إسلامية نواجه الكثير من المشاكل في واقعنا الداخلي، ونواجهُ الكثيرَ من التحديات والأخطار من الأعداء من خارج أمتنا، ثم لا نلتفت إلى عناصر القوة التي يمكنُ أن نستفيدَ منها، وهي حتماً، هي حتماً يمكن أَنْ تكونَ هي الأَسَاسَ الذي نعتمدُ عليه، وننطلقُ من خلاله لنغيِّرَ كُـلّ هذا الواقع الذي نعيشُه، لنعالجَ كُـلَّ هذه المشاكل في واقعنا الداخلي كأمةٍ، ولنواجهَ تلك التحديات التي نواجهها من خارج أمتنا.

الإسلامُ هو يمتلكُ عناصرَ القوة التي يمكن التغلُّبُ بها على كُـلّ ذلك، مثلاً: مجتمع الأنصار (الأوس والخزرج) قبيلتان يمانيتان كانتا تعيشان الكثير من المشاكل: الصراعات الداخلية، والاقتتال الداخلي، والحروب المستمرة ما بينهما، وتدخل اليهود- في كثيرٍ من الحالات- لاستمرار هذه المشاكل فيما بين القبيلتين، ثم كذلك مشاكل اقتصادية، مشاكل اجتماعية… مشاكل كثيرة، لكن الإسلامَ كان يمثِّلُ حَلاً لكل تلك المشاكل، ويصلح واقع الحياة كمبادئ، وقيم، وأخلاق، وشريعة، وحلال وحرام، ومواقف، الإسلام بمنظومته المتكاملة، أين مشكلتنا اليوم كأمةٍ مسلمة؟ إننا لم نعد نرتبطُ بالإسلام كمنظومة متكاملةٍ، قطَّعناه أوصالاً، وحاولنا أن نبتعدَ عن الكثير منه، عن القضايا الأَسَاسية فيه، عن الأسس المهمة جِـدًّا فيه.

عندما نعودُ إلى ذلك المجتمع الذي كان نواةً للأُمَّــة، مجتمعٌ محدودٌ على المستوى الجغرافي، عدة كيلو مترات (المدينة)، ومن حيث العدد البشري بالآلاف، تبتدأ الدائرة بعددٍ بسيطٍ من الناس، بالمئات، ثم بالآلاف، وتتسع هذه الدائرة يوماً بعد يوم، على ماذا أسّس الرسولُ -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ- الأُمَّــة؟ على أُسُسٍ مهمة، كان مبدأ التوحيد أَسَاساً يبنى عليه كُـلّ شيء، التوحيدُ لله -سُبْحَـانَــهُ وَتَعَالَى-، مبدأً بُنِيَتْ عليه المبادئُ الأُخرى: القيم، الأخلاق، بُنِيَتْ عليه مسيرةُ الحياة في الالتزامات العملية، في الحلال والحرام، كنظام، كمنهج للحياة، وكذلك أَسَاساً للتوكل على الله، للثقة بالله، للاعتماد على الله -سُبْحَـانَــهُ وَتَعَالَى-، أَسَاساً للاستقلال لهذه الأُمَّــة، أن تنشأً بعيداً عن التبعية لأولئك من الأقوام الأُخرى التي هي بعيدة عن هذا المنهج العظيم، لها توجُّـهاتها، سياساتها، ثقافاتها، أفكارها مجتمعاً تخلَّى عن كُـلِّ ما كان عليه من: خرافات، وأساطيرَ، وعقائدَ ضالةٍ، وأفكارٍ خاطئةٍ، ومفاهيمَ باطلةٍ، وعاداتٍ سيئة، وتقاليدَ سيئةٍ، وسلوكياتٍ منحرفة.. يتخلَّى عن ذلك بكله، ويرتبط بهذا المنهج الإلهي؛ ليكونَ هو العقيدة، هو المبدأ، هو المنهج، هو النظام، هو الذي يعتمد عليه، ويبني حياته من جديد على أَسَاسه وعلى ضوء تعليماته، كان هذا هو الذي حدث، وذلك المجتمعُ الذي مثَّل النواةَ الأولى للأُمَّــةِ الإسلامية توجّـه أَيْـضاً حاملاً لهذه الرسالة الإلهية، مؤمناً بها، ثابتاً عليها، ومناصراً ومجاهداً، يواجه الأعداء، يواجه التحديات والأخطار، على هذا الأَسَاس، مجتمعاً اعتمد فيما بينه على الإخاء والتعاون، والولاء الإيماني الذي جعله مترابطاً على أَسَاس هذه الدعوة، على أَسَاس هذا الهدى، على أَسَاس هذا الدين، على أَسَاس هذا المنهج الإلهي العظيم، كما قال الله -سُبْحَـانَــهُ وَتَعَالَى-: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[الأنفال: من الآية72]، فتشكَّل هذا المجتمع من: المهاجرين الذين هاجروا بأموالهم وأنفسهم، وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، تركوا ديارهم، تركوا مصالحهم من خلفهم، والبعض هاجر حتى وهو لا يمتلك شيئاً، خرج وقد ترك حتى كُـلّ أمواله؛ لم يستطع أن يخرج بها، وصل إلى المدينة وبذل نفسه في سبيل الله -سُبْحَـانَــهُ وَتَعَالَى-.

ذلك المجتمعُ الذي تشكَّلَ من المهاجرين والأنصار على الإخاء، على الأُخوّة الإيمانية، على التعاون، على هذا الولاء الإيماني الذي يجعل منهم أُمَّــةً واحدةً متآخية، متعاونة، متناصرة، {وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، أُمَّــة جاهدت، جاهدت، خاضت العديد من المعارك، واجهت التحديات، {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[التوبة: الآية88]، أُمَّــة قبلت بالمبدأ الإلهي العظيم في أن تنهض بالمسؤولية، {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[التوبة: الآية71]، فمع حمل تلك الأُمَّــة وذلك المجتمع الذي كان في نطاق جغرافي محدود، منطقة واحدة هي يثرب، منطقة صغيرة مقابل محيط واسع عربي وعالمي يختلف معه، ويناصبها العداء وليس فقط يختلف معها، ويحاربها، تدخل في حروب مع اليهود، وحروب مع النصارى، وحروب مع مشركي العرب، وتواجه التحديات والحصار الاقتصادي من هنا وهناك، لكن تلك التحديات والأخطار تقلصت شيئاً فشيئاً، وتلاشت شيئاً فشيئاً، وانهارت وتهاوت، وتعاظمت هذه الأُمَّــة المؤمنة واتسعت دائرتها، واستقوت شيئاً فشيئاً، حتى تغيّرَ الواقع بكله، حتى تهاوت وانهارت تلك الكياناتُ الكبيرة المحاربة لهذه الرسالة.

مجتمعُ مَكَّـةَ الذي تحوَّل من بعد هجرت النَّبِيّ -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ- إلى مجتمعٍ محارِبٍ للإسلام، ويجعلُ من مَكَّـةَ ومقدَّساتها منطلقاً للحرب ضد الرسول -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ- وضد المسلمين، في السنة الثامنة فُتِحَتْ، وانتهى ذلك النفوذُ وتلك القوةُ التي كان يعتمدُ عليها المشركون، وفشلت كُـلُّ مؤامراتهم، ولاحظوا كم كانت خسارة قريش، وخسارة مجتمع مَكَّـةَ الذي حارب الرسولَ وحارَبَ الإسلام؟ كانت خسارتُهم فادحةً، قدَّموا الكثيرَ والكثيرَ من الأموال التي بذلوها في محاربة الإسلام، خسروا الكثيرَ من رجالهم، من قياداتهم، قتلى وجرحى وهم يحاربون رسول الله -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ- والمسلمين، ثم في الأخير كُـلُّ تلك الجهود التي بذلوها في محاربة الإسلام، من عمل دعائي، ونشاط واسع، وتسخيرٍ لعلاقاتهم ونفوذهم في القبائل العربية الأُخرى، من جهود عسكرية وحروب قاموا بها ضد الرسول والمسلمين، من أموال كثيرة أنفقوها… تحوَّلت كلها حسرةً، وباءت كُـلُّ محاولاتهم وجهودهم بالفشل.

غيرهم كذلك من القبائل الأُخرى، من الاتّجاهات الأُخرى الذين وقفوا ضد الإسلام، حتى تلك الدول الكبرى، الروم بكل إمْكَاناتهم، وهم كانوا -آنذاك- رقم واحد على مستوى الدول المتواجدة في الدنيا آنذاك، وفشلوا، في الأخير انهاروا هم أمامَ قوة الإسلام التي تعاظمت.

معنى هذا: أنَّ رسالةَ الله المتمثلةَ بالإسلام في حقيقته، وليس بالشكل المزيَّف والمحرَّف، في حقيقته التي يقدِّمها القُــرْآنُ، والتي طبَّقها الرسول -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ- وتحَرّك بها، هو يمثِّلُ عاملَ خيرٍ، ومشروعَ خيرٍ ونجاحٍ وفلاح وصلاح لحياة الناس، لحياة أية أُمَّــةٍ تتمسك به، وتلتزم به، وتتحَرّك على أَسَاسه، مشروع حرية، استقلال، كرامة، قوة؛ لأَنَّه مشروع عظيم في أصله، ولأنه مشروع يصلنا بالله -سُبْحَـانَــهُ وَتَعَالَى-، الله هو -جَــلَّ شَأْنُــهُ- الذي قال: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}[التوبة: الآية32]، (وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) يدخل تحتها: كُـلّ المساعي، والمحاولات، والمؤامرات، والمكائد، والأعمال، والجهود، التي يبذلونها لإطفاء هذا النور، يفشلون في ذلك كله، تتلاشى، تنهار كُـلّ تلك المحاولات أمام أي أُمَّــة تتمسك بهذا النور، تهتدي به، تتحَرّك به، تسير في حياتها على أَسَاسه.

{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ}، هذا مضمونُ الرسالة الإلهية (الهدى، ودين الحق)، {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}، هذا وعدٌ من الله بالظهور، ويعني ذلك ظهورَ الأُمَّــة التي تتمسكُ بهذا الهدى كما هو، بعيداً عن الزيف والضلال المحسوبِ عليه وليس منه، الأُمَّــة التي تتمسك بدين الحَـقّ، ولا تدخل فيه شيئاً من الباطل، ولا تزاحمه بباطل تستوردُه من هنا أَو هناك، أَو يأتيها من هنا أَو هناك، هذا الهدى ودين الحَـقّ إذَا تمسَّكت به أُمَّــةٌ فهو موعودٌ من الله بالظهور، وتظهر الأُمَّــة التي تتمسك به، {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}، ويدخلُ في هذا الكره كُـلّ الحروب والمحاولات التي تسعى إلى منع ظهوره، التي تحاول أن تعمل على القضاء عليه، صلة بالله -سُبْحَـانَــهُ وَتَعَالَى-، عنصر خير، عنصر قوة مهم جِـدًّا؛، ولهذا يخطئ البعض من المسلمين في هذا الزمن عندما يبحثون عن بدائل للخلاص عن هذا الواقع المليء بالمشاكل والأزمات، وتحت ضغط التحديات الخارجية، يبحثون عن بدائلَ من هُنا أَو هنا أَو هنا أَو هنا.. لا.

نحن عندما نعودُ إلى الإسلام كما هو في مشروعه العظيم، عندما نعودُ إلى القُــرْآن الكريم عودةً صحيحةً؛ للاهتداء به كما هو، من دون تزييف، من دون تضليل، ونعود إلى الرسول -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ- في حركته بهذا القُــرْآن، بهذا الهدى كما هو، بعيداً عن كُـلّ ما أتى من الزيف والتضليل المحسوب على الإسلام، المحسوب على الرسول باسم أنه من السُّنة، وهو مكذوبٌ على الرسول -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ-، عندما نأتي إلى الهدى، عندما نأتي إلى دينِ الحَـقّ، عندما نهتدي بهذا الهدى ونتحَرّك بهذا الدين الحق؛ نظهر، ننتصر، نقوى في مواجهة كُـلّ التحديات، نعالجُ الكثيرَ من مشاكلنا، يمثِّلُ الحَــلَّ لكثيرٍ من مشاكلنا التي نعيشها كأمةٍ مسلمة، هذا هو التوجّـه الصحيح.

رأينا كيف تجاوَزَ النَّبِيَّ -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ- كُـلّ تلك المخاطر، بدأ بهذا المشروع العظيم وحيداً، واتسعت دائرةُ هذه الأُمَّــةِ شيئاً فشيئاً، واجه التحدياتِ المتنوعةَ، واجه الصعوباتِ المتعددةَ، واجه الأخطارَ الكثيرة، لكنه -في النهاية- انتصر، وكانت تجربةُ العرب في تمسكهم بهذه الرسالة واستجابتهم لها في عهد النَّبِيِّ -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ-، والنجاح الهائل والكبير الذي تحقّق في غضون سنوات محدودة، من حين هاجَرَ النَّبِيُّ -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ- إلى السنة الثامنة فُتِحَت مَكَّـةُ، بعد فتح مَكَّـةَ اتسعت دائرةُ الانتشار لهذا الدين بشكلٍ عظيم، ثم في السنة الحادية عشرة -في أولها- توفي النَّبِيُّ -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ-، بعد أن كان هذا الدينُ العظيمُ قد انتشر وعَــمَّ الجزيرةَ العربيةَ بكلها، وأصبحت الأُمَّــةُ أُمَّــةً قويةً، وأصبحت ذات حضور عالمي وإقليمي عظيم، سقطت أمامَها كُـلُّ الأمم الأُخرى في مناهجها الكافرة والمستكِبرة والمنحرفة والضالة، تجربة مهمة جديرة بأن تعودَ الأُمَّــةُ إلى دراستِها بجديةٍ وبتأمُّــلٍ، والاستفادة منها كما ينبغي.

نَسْأَلُ اللهَ –سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَى- أن يوفِّقَنا وإيّاكم لما يُرضيه عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَــمَ شُهْدَاءَنا الأبرارَ، وَأَنْ يشفِــيَ جرحانا، وَأَنْ يفــرِّجَ عن أسرانا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بنصرِه.. إِنَّـهُ سَـمِيْـعُ الدُّعَـاء.

وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com