عن عدن التي لم تعد موجودة إلا ما يتسع لصور سلمان

 

إبراهيم السراجي

 

كان النائب البريطاني السابق “جورج غالوي” يتحدث في برنامجه على شاشة الميادين مهاجماً الإدارة الأمريكية والحكومة البريطانية وبعض الأنظمة العربية على خلفية المؤامرة التي أداروها وتسببت بتدمير بلدان عربية كالعراق وليبيا وسوريا وانتهاءً باليمن أمام مجموعة من ضيوف البرنامج الذين يفترض أن يقدموا مداخلاتهم ويطرحوا ملاحظاتهم وأسئلتهم على النائب البريطاني السابق الذي يدير البرنامج ويقدمه.

وقد كان من بين ضيوف البرنامج رجل ليبي يعيش على نفقة الضمان الاجتماعي البريطاني ويبدو على وجهه ملامح “التبلد والغباء” لنكتشف أنه ناطق رسمي باسم أحد الأحزاب الليبية لم يستوعب حديث غالوي لسوء حظه ليصر على تقديم مداخلة انتهت بردود أقل ما يقال عنها أنها أفحمته.

 

فقد أصر ذلك الرجل أن يرد على هجوم غالوي بتوجيه الشكر لبريطانيا باسم الشعب الليبي التي قال أنها حررت ليبيا من الطاغية معمر القذافي وواصل مديحه على غرار ما يقوله مؤيدوا العدوان السعودي على اليمن لكن النائب البريطاني وبصفته من يقدم البرنامج فقد قام بالرد على ذلك الرجل بما يستحقه ويمكن اسقاط رده على كل مرتزقة البلدان العربية الذين يؤيدون تدمير بلدانهم.

ولأن الرجل المتبلد قد اسهب في سرد أوهامه حول أفضال بريطانيا على الشعب الليبي فقد بدأ غالوي الرد عليه بالقول :”لقد كنت انتظر أن تسحب قناعاً وتعلن عن نفسك كممثل كوميدي..انا لا استطيع أصدق ما قلته آنفا”.

وواصل غالوي رده قائلا:”يبدو أنك لم تكن في ليبيا منذ زمن طويل وما كان لك أن تظهر على قناة عالمية وتتحدث عن ليبيا كما لو أن ماحدث كان نجاحاً من نوع ما..صحيح أن القذافي كان ديكتاتورا ولكن هل كان الأمر يحتاج إلى عبقرية لجعل ليبيا أسوأ مما كانت عليه في عهد القذافي؟ليبيا لم تعد موجودة ليبيا أصبحت مائة ليبيا وكل المجازر ترتكب فيها ومئات الاف اللاجئين الذين يغرقون في قوارب الموت في البحر”

 

وقد اسهب غالوي أيضا في توبيخ الرجل بوصف مايحدث لليبيا من كوارث بينما هو منشغل بشكر بريطانيا أليس ما حدث بينهما ينطبق على من يسيئون لمصلح “المقاومة” عندما يتسمون باسمها؟

بالأمس لم تجد من تسمي نفسها المقاومة في عدن وهي تحتفل بثورة 14 أكتوبر لم تجد رمزاً يمنياً او جنوبياً على الأقل تجمع عليه وترفع صوره حتى راجح لبوزة لم يجد اجماعاً لديهم ولكن صورتي الملك السعودي وشيخ الإمارات وجدا الاجماع مع عبارات الشكر.

هل ما حدث يأتي نكاية بأنصار الله؟ حسناً فمن الطبيعي على أي شخص سواء من أنصار الله او يمني يتخذ موقفاً طبيعياً من التدخل الخارجي في بلده أن يشعر بالألم والخيبة من رفع صور غزاة بلدهم، ولكن هل ستتحقق أحلام “المقاومة” بمجرد شعورنا بالألم؟ حسناً مرة أخرى ها نحن نشعر بالألم فعلاً وحجم ألمنا أكبر من ان ننتهز الفرصة لنكشف حقيقتكم فالعالم اليوم يتعامل بأردأ البضائع الإنسانية وأرخصها إنما أنتم ونحن والعالم وسلمان وزايد نعلم أن عدن والعدنيين ليسوا على مايرام ولا يشعرون بالأمان ولا تحترم انسانيتهم ولا حرمة لحياتهم بل إن ما تستطيع الإمارات والسعودية أن تفعله لكم وهو اغداق الأموال عليكم لكنها لا تفعل لأنها تريد أن تجعل منكم مجرد مرتزقة يشعرون بشكل دائم بالحاجة للقليل من إحسانهم.

 

الأمر لا يحتاج للكثير من الذكاء لنثبت لكم أنه لا سلمان ولا زياد يكنون الاحترام لكم حتى أنهم يحسبون حساب خصومهم ولا يلقون لكم بالاً لأنهم لو كان يفعلون ما تجرأ الكاتب السعودي المقرب من آل سعود جمال خاشقجي وهو ينشر صور ملك بلاده التي رفعتوها بعدن ويشفي غليله وأحقاد بلاده التاريخية تجاهكم ويقول:” أيها التاريخ ماذا تفعل ؟ في نفس الساحة وقف سالمين ، عبدالفتاح اسماعيل بل حتى جورج حبش يهددون ويتوعدون السعودية”.

لقد أشفى ذلك الكاتب السعودي غليل ملوكه وأمرائه ولو تسنى له لوقف عند قبر الرئيس عبدالفتاح إسماعيل وصاح بأعلى صوته لقد انتصرنا عليك بأبناء عدن ومرتزقة الإصلاح لقد جعلناهم يرفعون صور ملكنا في ذات الساحة التي توعدت بها مملكتنا لأنها كانت ترعى الخراب في بلدك ووجدتك وأمثالك يتصدون لها ولكننا اليوم نرعى الخراب والتدمير في بلدك وارضك ولكن لم نجد من يواجهنا بل وجدنا من أبناء جنسك وبلدك من يشكرون ملكنا على تدمير عدن.

هل كان ما قاله الكاتب السعودي مؤلمٌ لي ولكل من يرفضون التدخل الخارجي من عند الرئيس عبدالفتاح إسماعيل إلى أصغر يمني يعيش في ظل العدوان اليوم؟ نعم كان مؤلما جدا لنا ولكنه أيضا كان مهيناً لكم أنتم الذين رفعتم صور الملك سلمان ووقفتم على خراب عدن ليحتقركم الكاتب السعودي على الملأ. هل كان ما قاله الكاتب السعودي قابلٌ للنسيان؟ نعم ولكن حين تتطهر البلاد من رجس جنود السعودية والإمارات ولكن مهانتكم أنتم لن يمحوا مرور ألف عام.

هل الكاتب السعودي كان حالة خاصة؟حسناً أنتم من نقل لنا اتهامات الإمارات والسعودية لفصائلكم بنهب المدرعات والأموال وأنتم من نقل لنا أن طائرات سلمان وزايد قصفت مسلحيكم في أكثر من موقع في لحج وعدن ولم يحاولوا أن يعترفوا لكم بذلك أنه خطأ أو يعدونكم بتحقيق لكنهم قتلوا المئات منكم دون أن يعلقوا على ذلك بكلمة.

هل حقاً إنكم تشعرون بالسعادة والاقتناع وأنتم ترفعون صور سلمان وزايد؟ بالنسبة لي لا أظن ذلك عدا كونها نكاية بأنصار الله تعود عليكم بالعار لأن أنصارالله هم الطرف الوحيد في الكرة الأرضية الذين ما يزالون يحتفظون باحترامكم في حديثهم او تصريحاتهم أو مفاوضاتهم.

مرة أخرى لا يحتاج الأمر لكثير من العناء لنعرف أنكم تعانون في ظل الوجود السعودي الإماراتي لأن حجم ما تعانوه لا يمكن أن يكبح جماحه نكايتكم بأنصار الله حين تضطرون بما تملكون من مواقع إلكترونية لتشتكوا من انقطاع الكهرباء وانعدام المشتقات النفطية والغاز المنزلي وحين تمسون وتصبحون على عملات اغتيال واختطاف مواطنين وقتلهم ورمي جثثهم، نشعر بمعاناتكم ونحن نقرأ في مواقعكم أن الأطباء والممرضين الذين يداوون مسلحيكم لا يسعفهم الوقت لإيصال صوتهم إلى أذن بحاح وهم يطالبونه بصرف رواتبهم ويتركهم ويصعد الطائرة ليعود إلى ضيافة الرياض. لستم سعيدون لأن مئات الآلاف منكم مايزال في ملاجئ الصومال وجيبوتي ولأنكم كل يوم تصرخون من بيع ما تحصلون عليه من مساعدات في السوق السوداء.

لستم آمنون لأن نشطاءكم كل يوم يكتبون هنا وهناك عن “مقاومة” تنهب منازل وتعتدي على نساء ومواطنين وتنهب المساعدات ولا تتورع عن تقديمكم كمتسولين للخليج لا يحصلون إلا على الإهانة من ظهورهم كذلك.

 

وكما قال جورج غالوي لضيفه الليبي وهو يشكر بريطانيا نقول لكم “عما تشكرون السعودية والإمارات وترفعون صور سلمان وزايد وعدن لم تعد موجودة؟؟وعدن صارت إمارة للقاعدة وإمارة لداعش وإمارة لقطاع الطرق ونهابي المحلات ومقتحمي البنوك والمنازل وقواعد للتواجد السعودي الإماراتي فماذا جنيتم؟

إنكم وبينما كنتم ترفعون صور سلمان وزايد كانت طائراتهم ترعى طرد مسلحيكم من ابين وتمكين مسلحي القاعدة من السيطرة عليها وحين أقول طرد مسلحيكم فهو المصطلح الذي استخدمه الإعلام السعودي وهو يغطي سيطرة القاعدة على المجمع الحكومي بأبين.

 

إنكم وبينما تعانون انعدام الأمن وانعدام الخدمات والغذاء تصرف الإمارات والسعودية سيارات ومدرعات لكتائب تسمي نفسها “كتائب الموت” فما حاجتكم لمن بضاعتهم الموت في “عدن المحررة”؟ وإذا كانت عدن المحررة والمدمرة واقعاً فلماذا لا يعود إليها من يفترض أنهم حكومتكم التي حين شعرت بأول قذيفة عادت إلى فنادق الرياض وتركتكم لمصير مجهول؟

وبعد كل هذا هل تعتقدون أننا نشعر بالسعادة لما يجري لكم نكاية بأفعالكم ورد فعل لنكاياتكم؟ لا لسنا كذلك فحجم ألمنا بأن تقدموا على تلك الخطوات أكبر من ان يجعلنا نفرح بالنكاية بكم ومع علمنا أن السعودية جعلت الكلمة للسلاح والرصاص وأن صوت عدن الحقيقي لم يعد مسموحاً له أن يخرج ويسمعه الآخرون.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com