صحيفة “المسيرة” تلتقي عدداً من الناجين في مجزرة العدوان بحق أهالي حي الرقاص

المسيرة | عباس القاعدي

في الوقت الذي بات فيه الجميعُ نائمين، كانت طائراتُ العدوان السعودي الأمريكي تملأ سماءَ العاصمة صنعاءَ ترتقبُ المدنيين الآمنين المطمئنين في منازلهم في حارة الرقاص بأمانة العاصمة، لترتكبَ واحدةً من أكبر الجرائم بحق المدنيين اليمنيين، بغارتين شنتها على منازلهم التي دمّــرت، وَألحقت بها أضراراً كبيرة، وأصيب معظمُ ساكنيها بجروح متفاوتة، ومَن لم يصب بجروح في جسده أُصيب منزلُه.

إنها جريمة وحشية بكل المقاييس وبكل ما تعنيه الكلمة من معانٍ ودلالات، أطفال أصابهم الخوفُ والهلعُ وأطفال شهداء وآخرون جرحى ومنازل دُمرت وتضررت وأسر شردت وأصبحت بلا مأوى جعلها العدوان تكابدُ الحزنَ والقهرَ؛ نتيجة ما حدث لها من قبل العدوان، كما أن صمت المنظمات الدولية على هذه الجريمة دليلٌ على أنها شريكة فيها.

وفي هذه الجريمة الشنيعة سلطت صحيفة المسيرة الضوءَ على ضحايا هذه المجزرة المروّعة، والتقت بعددٍ منهم للإدلاء بمظلوميتهم وما حل بهم بفعل غدر العدوان الأمريكي الصهيوني، وخرجت بالتقرير التالي:

 

نمت في منزلي وصحوت في المستشفى

يقول المواطن أحمد أحمد شرف السلمي -أحد الناجين من المجزرة- بعد أن فقد كُـــلّ أولاده: “كنا نائمين في غرفة أنا وزوجتي وطفلي خالد الذي هو نائم بجوار أمه وَاستشهد، وأولادي الثلاثة كانوا في الغرفة الثانية، والحمد لله استشهدوا جميعاً، نمت في منزلي الشعبي المتواضع والمجاور لمنزل الأُستاذ عبدالله صبري الذي أراد العدوان قتلَه؛ لأَنَّه مناهض لهم، والذين أرادوا أن يطفو قلمه الصحفي ولكن الله يأبى إلّا أن يتم نوره، بأمان الله وصحوت وَأَنَا في المستشفى ولم أعرف ما الذي حدث لنا وَلمنزلي، إلّا بعد خروجي من المستشفى؛ لأَنَّهم أخرجوني من بين الركام وَأَنَا فاقد الوعي”.

ويوضح المواطن السلمي في تصريح لصحيفة “المسيرة”: “إنها جريمة ارتكبها العدوان أدّت إلى استشهاد وإصابة أَكْثَـــر من 60 مواطناً؛ ولهذا ومن بين ركام منزلي أقول للعدوان: والله لو دُمّرت منازلنا واستشهدَ كُـــلّ أولادنا ما زادنا إلّا قوة وصمودا وصبرا ولن نخضع ولن نستسلم”.

 

العدوان دمّــر حياتي وقتل أطفالي

ويضيف السلمي الذي كان يتحدث باكياً تملأ عينيه الدموع وبنبرة صوت حزين: العدوان السعودي الأمريكي دمّــر حياتي وأخذ مني كُـــلّ ما أملك، دمّــر منزلي الشعبي الذي قضيت أَكْثَـــر من عشر سنوات أجاهد على بنائه حتى اكتمل وخسرت فيه أَكْثَـــرَ من عشرة ملايين، ولدي فيه أثاث تصل قيمته ثلاثة ملايين، وكذلك قتل أولادي وقتل أحلامهم”.

وأتبع “ابنتي الوحيدة سِهام التي تبلغ من العمر 16 عَاماً والتي نجحت من الصف الثاني الثانوي إلى الثالث الثانوي، قتلها العدوان وقتل حلمَها كانت تقولُ دائما: أبي أمنيتي أن أدرس الطب وأكون دكتورة، وكذلك وسيم الذي نجح إلى الصف السابع والطفل عبدالرحمن الذي نجح إلى الصف الثاني الابتدائي، ولم ينجُ معي سوى أسامة من جريمة العدوان والذي ما زال في حالة يرثى لها، مستطرداً “العدوان لم يترك لي شيئاً، وأصبحت أجلس على الرصيف في شارع الزرعة، مع ابني الوحيد وزوجتي عند أحد الأقارب تئن وتتوجع وآلامها تزدد كُـــلّ يوم وحالتها تسوء”.

وأردف “نامت بجوار طفلها الصغير وصحت في المستشفى ولم تجد طفلها بجوارها، وكانت تصيح وتدعو لأولادها متناسية آلامها وجراحها ولم تعرف أنهم أصبحوا شهداء”.

واختتم السلمي حديثه لصحيفة المسيرة “حالتي يرثى لها وأطلب من السيد القائد عبدالملك الحوثي، ومن حكومة الإنقاذ ومن رئيس المجلس السياسي الأعلى أن ينظروا إلينا ويعينونا على بيت وأثاث وأن لا يتركونا مشردين وأن يهتموا بنا وأن يخففوا عنا الحزنَ والقهر والدمار الذي أحله علينا العدوان ونحن نائمون، فهم خيرُ سند بعد الله سبحانه وتعالى”.

 

كان هدفُ العدوان قتلنا جميعاً

من جهته يقول أحمد محمد سعد المشرافة -أحد الضحايا المتضررين من غدر طائرات العدوان-: “كنت في الساعة 8 إلّا ربع صاحياً وأصلي صلاة الضحى وسمعتُ ضربةً لطائرة العدوان، وَتوقعت أنها في الصيانة أَو في وزارة الإعلام، وبينما كنت مستلقياً على فراشي أفكر في جرائم العدوان، إذا بطائرة العدوان ضربت المنازل التي أمام منزلي حتى أن نافذة غرفتي سقطت فوقي وأصابتني في رأسي، حينها لم أعرف ماذا حدث قمت وألقيت نظرة على زوجتي وَأولادي الذين أصَابهم الخوف والهلع ولكني لم أشاهد أحداً منهم؛ لأَنَّ الشقة كانت تملؤها الظلمة الممزوجة بتراب؛ لذلك لم نرَ بعضنا في الداخل وكنت أسمع أصوات في الخارج وَأسرع إلينا الرجالَ المنقذون وأخرجونا من منزلي الذي تكسرت أبوابه ونوافذه وذهبوا بنا إلى المستشفى، مُشيراً إلى أن المنقذين لو كانوا تخروا قليلاً ربما يموتون بسبب الاختناق، مؤكّـــداً أن العدوان استهدَف الجميع وأنه لا يفرق بين مدني أَو عسكري وأراد قتل الجميع لولا لطف الله”.

 

أحتاج أَكْثَـــرَ من 10 ملايين لتصليح المنزل

وَأَضَافَ المشرافة في تصريح لصحيفة “المسيرة”: في تلك الحظة لم أعرف أن الضربة على منزل الأُستاذ عبدالله صبري الذي يسكن في العمارة التي أمام منزلي مباشرةً، إلّا عندما أخرجونا من المنزل وبنسبة لي تضرر منزلي وتكسرت كُـــلّ الأبواب والنوافذ، وهناك أضرارٌ لحقت بالأسر المستأجرة عندي في المنزل والتي تصل إلى ست أسر، إضافةً إلى أني أسكن في المنزل مع خمس أسر من إخواني، أي كنا داخل المنزل 12 أُسرة والآن الكل مشردون بلا مأوى ولكن كُـــلّ ما يؤلمنا هو السلمي الذي استشهد عليه أربع من أولاده، أما بنسبة لنا فإن العدوان خسرنا الآن أَكْثَـــر من 10 ملايين لتصليح المنزل من جديد والذي يحتاج ترميماً داخله ويحتاج نوافذَ وَأبوابا جديدة نتيجة أضرار جريمة العدوان التي لحقت بنا.

 

الصاروخ هد المنازل فوقنا ونارُه التهمت أثاثنا

إلى ذلك يوضح وليد عبده أحمد الصالحي الذي ما زال مرتبكاً من هول جريمة العدوان التي جعلت لسانَه لا ينطق إلّا القليل مما حدث له في شقته المستأجر لها والتي يسكنها مع زوجته وأبنائه الذين كانوا الجميع نائمين في امان واطمئنان: “إن انفجار الصاروخ هزَّ الأرضَ من تحتنا وهد المنازل فوقنا وفوق جيراننا واقلع النوافذ وكسر كُـــلّ ممتلكاتنا، وأصبحنا بلا مأوى وبلا أثاث ونار الانفجار التهمت أثاثنا وملابسنا والآن ننتظر من يساعدنا على البقاء في هذه الدنيا “.

ويدلي المواطن محمد ناصر زيد المقدشي بشهادة قائلاً بأنه كان نائماً بأمان في منزله الذي بجوار منزل الأُستاذ عبدالله مباشرة مضيفا ً “ولكن صوت الصاروخ أفزعني من نومي عندما ضربت به طائرة العدوان على الإعلام، ولم أتوقع أن العدوان يستهدفنا، مضيفاً: وبينما كنت أفكر وخلال لحظة رأيت الركام فوقي والدنيا ظلام لا أرى أي شيء أمامي وحاولت الخروجَ من بين الركام وأسرعت إلى الشقة التي أمامي لفتح الأبواب ولكني وجدتها قد تطايرت مع النوافذ ولطف الله كان معنا؛ لأَنَّني استطعت الخروج من بين الركام وأخرجت عائلتي وعوائل الجيران فاجعة لن تنسى للعدوان سُجِّلت بدماء الشهداء الأطفال وبالمنازل التي دمّــرها”.

 

زياراتٌ دون تقديم المساعدات

أوسان شفيق محمد بلعيد -المصاب بجروح بالغة- أكّـــد أنه “ساكن تحت شقة الأُستاذ عبدالله تماماً وما حدث كان فاجعة لا تنسى؛ لأَنَّنا أخلدنا إلى النوم ولم أشعر إلّا وَأَنَا وزوجتي وأبنائي مدفونين تحت الركام، وَأَنَا مصاب بجروح وزوجتي مصابة بجروح وكسور أَكْثَـــر، وما زالت في مستشفى المتوكل”، مضيفاً “والآن أصبحنا مشردين في الشوارع، والمنظمات إلى الآن تأتي وتذهب ولم تفعل لنا شيئاً”.

ووجّه بلعيد رسالةً “أحتاج إلى مَن يبحَثُ لي عن شقة أُسكن فيها ومساعدة في تأثيثها وَأَنَا بعطي حق الإيجار؛ لأَنَّني لا استطيع البحث عن شقة بسبب الجروح التي أصابتني وأطلب من الجهات المعنية أن لا تتخلى عنا وأتمنى منها أن تعجِّلَ بما يلزم “.

 

أَكْثَـــرُ من خمسين أُسرة مشرّدة

من جانب آخر أكّـــد عاقلُ حارة الرقاص، عدنان أحمد العباسي بالقول: “إن العدوانَ شرَّد أَكْثَـــرَ من 50 أُسرةً من منازلهم والتي دمّــرها ولحقت بها أضراراً كبيرة وأصبحوا بلا مأوى، وأن الجريمة التي ارتكبها العدوانُ جاءت بعد سقوط كُـــلّ أوراقه في جبهات القتال، وبعد أن خسر كُـــلَّ ما راهن عليه؛ لذا بدأ عجزه وفشله يظهر في قصف الأحياء السكنية في قلب أمانة العاصمة شارع الرقاص، الذي قتل فيها الأبرياء من المدنيين والأطفال والنساء وهم نائمون في منازلهم آمنين في بداية أيّام المغفرة من شهر رمضان الكريم؛ ولهذا أدعو رئيس المجلس السياسي والجهات المعنية أن ينظروا إلى الأُسَرِ المشردة وإلى الجرحى وتقديم العناية لهم ومساعدتهم”.

وَأَضَافَ عاقل حارة الرقاص في تصريح لصحيفة “المسيرة”: أقول للعدوان السعودي الأمريكي بأنهم مهما عملوا ومهما قصفوا لن يزيدونا إلّا ثباتاً وقوة وعزما، لدعم جبهات القتال بالمال والرجال والرد عليهم في ميادين البطولة؛ لأَنَّنا مؤمنون وديننا الحنيف وقيادتنا الحكيمة لن ترضى بأن نضرِبَ منازلهم ونخيف أطفالهم ونرهِبَ نساءَهم كما يفعلون هم بنا”.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com