برنامج رجال الله ملزمة (معرفة الله الثقة بالله) الجزء الأول:

المسيرة/ بشرى المحطوري

تحدَّثَ الشهيدُ القائدُ -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ- في محاضرة ــ ملزمة ــ (معرفة الله ــ الثقة بالله) عن العوامل التي جعلت المسلمين يعيشون أزمة الثقة بالله، مشيراً إلى أن أهمِّ مصدر لمعرفة الله هو القُــرْآن الكريم، وتطرق إلى الآثار السلبية من التعامل مع القُــرْآن الكريم ببرودة، وقد هدف من خلالها إلى تعزيز ثقة الأُمَّــة بخالقها، فلا تخاف إلا منه، ولا ترجو إلا هو، ولا ترغب إلا فيه، ولا تعتصم إلا به.. فكانت بحق من أروع المحاضرات وأجملها..

 

عاملان أساسيان جعلا المسلمين يعيشون أزمة ثقة بالله!!

ابتدأ الشهيدُ القائدُ -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ- محاضرتَه بذكر عاملين أساسيين أدّيا بالأمة إلى حالة الذل والمهانة التي تعيشها، حيث قال: [إذا تأمّل الإنْسَانُ في واقع الناس يجد أننا ضحية عقائد باطلة، وثقافة مغلوطة جاءتنا من خارج الثقلين: كتاب الله، وعترة رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله)، هذا شيء. الشيء الآخر – وهو الأهم – أننا لم نثق بالله كما ينبغي، المسلمون يعيشون أزمةَ ثقة بالله.. لماذا؟ أليس في القُــرْآن الكريم ما يمكنُ أن يعزّزَ ثقتَنا بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟ بلى. القُــرْآن الكريم هو الذي قال الله عنه: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا القُــرْآن عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (الحشر:21) قلة معرفة بالله، انعدام ثقة بالله، هي التي جعلت المسلمين يتصرفون بعيداً عن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فلم يهتدوا بهديه، لو وثقنا بالله كما ينبغي لانطلق الناس لا يخشون أحداً إلا الله]..

 

القُــرْآنُ يُخوّفُ الناسَ من أن يصيروا كبني إسرائيل:ــ

ونوّه -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ- إلى أن اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لم يُقصّر مع الأُمَّــة، وحذّرها من التصرّفات التي تُبعِدُها عن الله، حيث قال: [الخطابُ القُــرْآني يتجددُ دائماً يقول للناس: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ}(الحديد: من الآية16) ألم يأن، يعني: ما قدو وقت – بتعبيرنا نحن – ما قدو وقت أن الناس تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق من القُــرْآن الكريم؟ {وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ}(الحديد: من الآية16) تخويف من أن يصير الناس إلى ما صار إليه بنو إسرائيل، الذين طال عليهم الأمد يسمعون مواعظ، ويقرؤون كتباً، ولكن ببرودة لا يتفاعلون معها، وتتكرر المواعظ وتتكرر النبوات، وهكذا، {فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} حتى فسق أكثرهم، وحتى استبدل الله بهم غيرهم، وحتى جردهم من كُــلّ ما كان قد منحهم إياه: النبوة، وراثة الكتاب، الملك، الحكمة. نحن المسلمين نتعرض لمثل هذه الحالة فكتاب الله يتردد على مسامعنا كثيراً، والمواعظ تتردد على مسامعنا كثيراً، والعلماء بين أظهرنا يتحدثون معنا كثيراً، ولكن نتلقى الكلام، نتلقى آيات القُــرْآن ببرودة لا نتفاعل معها، أَصْبَـح تقريباً مجرد روتين استماع القُــرْآن الكريم، واستماع المواعظ، وحضور المناسبات، لكن دون أن نرجع إلى أنفسنا فنجعلها تتعامل مع كُــلّ ما تسمع بجدية، وتتفاعل معه بمصداقية. نتعامل ببرودة مع كُــلّ ما نسمع، ولم ننطلق بجد وصدق لنطبق، لنلتزم، لنثق].

 

التعامُلُ مع القُــرْآن ببرود.. يؤدي إلى قسوة القلوب:ــ

وحذّر -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ- أشدَّ التحذير من الابتعاد عن تعاليم الله، وتجاهلها، وأن هذا يؤدي إلى شيء فظيع جداً، وهو قسوة القلب، حيث قال: [ستقسو قلوبنا – ونعوذ بالله من قسوة القلوب – متى ما قست القلوب يصبح هذا القُــرْآن الكريم الذي لو أنزله الله على الجبال من الصخرات الصماء لتصدعت من خشية الله، لكن القلب متى ما قسي يصبح أقسى من الحجارة، فلا يؤثر فيه شيء. قال الله عن بني إسرائيل الذين حكى بأنهم طال عليهم الأمد فقست قلوبهم قال عنهم: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}(البقرة: من الآية74)، من بعد ماذا؟ من بعد المواعظ، من بعد الآيات الباهرات التي لم يتفاعلوا معها، ولم يعتبروا بها، ولم يتذكروا بها فقست قلوبهم، هكذا طبع الله القلب. القلب إذَا لم تحاول أن تجعله يلين مما يسمع، يلين لذكر الله، يوجل إذَا سمع ذكر الله، يزداد إيْمَـاناً إذَا تليت عليه آيات الله إذَا لم تتعامل معه على هذا النحو فبطبيعته هو يقسو، يقسو، يقسو.. ومتى ما قسي قلبك سيطرت عليك الغفلة والنسيان لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، إذَا ما نسيت الله نسيت نفسك، فتأتي يوم القيامة فتكون منسياً عما كنت ترجوه من الخير، أو تأمله من الخير والنجاة، والفوز يوم القيامة {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}(التوبة: من الآية67) {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (الحشر:19).

 

ما المطلوبُ من القلوب؟

وأشار -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ- إلى أهمية أن تتربى القلوبُ التربية الصالحة، حيثُ قال: [قلوبنا إذَا لم نحاول أن نتعامل معها من منطلق الخوف أن تصل إلى هذه الحالة السيئة: القسوة، فتصبح أقسى من الحجارة، فحينئذ لا ينفع فيك شيء، لا ينفع فيك كتاب الله، ولا ينفع فيك رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، ولا ينفع فيك أية عظة تمُرُّ بك في هذه الدنيا. والمطلوب من القلوب هو أن تخشع لذكر الله، هو أن تلين، هو أن تصدِّق، أن تثق، أن تمتلئ بالخشية من الله، أن تمتلئ حباً لله، معرفة قوية بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.. متى ما صلح القلب صلح الإنْسَان بكله، وانطلق ليصلح الحياة بكلها، وانطلق بإيْمَـان، بثقة، بإخلاص، بصدق، بتوجه حكيم في كُــلّ ما يريد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى منه].

 

من أين جاءت أزمة الثقة بالله؟!

وتساءل -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ- سؤالاً وجيهاً جداً، ومؤلماً في نفس الوقت، حيث قال: [من أين جاءت أزمة الثقة بالله حتى أَصْبَـحت وعوده تلك الوعود القاطعة المؤكدة وكأنها وعود من لا يملك شيئاً؟! وكأنها وعود من لا علاقة لنا به، ولا علاقة له بنا.. كيف نعمل؟. نعود إلى معرفة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. نحن في الدرس السابق تحدثنا عن ما عرضه القُــرْآن الكريم عن أولياء الله، كيف يكونون، كيف يكون أولياؤه، بعد أن تعرفه ستثق به، فمعنى أنك أَصْبَـحت من أوليائه أنك جعلته ولياً لأمرك، لكل أمورك، تهتدي به، تسترشد به، تثق به، تتوكل عليه، تصدِّق بما وعدك به، تلتجئ إليه في كُــلّ المهمات].

 

أهمُّ مصدر لمعرفة الله.. هو القُــرْآن الكريم:ــ

ولفت -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ- إلى الطريقة الصحيحة التي نعرفُ بها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، بدون زيف، أو تضليل، وذلك من خلال القُــرْآن الكريم حيث قال: [وأهم مصدر لمعرفة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو القُــرْآن الكريم، القُــرْآن الكريم الذي يعطي معرفة واسعة، معرفة متكاملة، من غير القُــرْآن الكريم لا يمكنُ أن نحصلَ على المعرفة بالشكل الذي ينبغي أن نكون عليها، حتى تكون معرفة تدفعنا إلى الثقة بالله أكثر فأكثر. فالإنْسَان إذَا تأمل القُــرْآن الكريم فعلاً يستحي، يستحي من الله أنه كيف لا نثق به، ونحن نسمع آياته، ونحن نقرؤها، ونحن نؤمن بأن هذا الكتاب الكريم هو من عنده.. فلماذا.. لماذا.. لماذا لا نثق؟ لماذا نبحث عن هذا الطرف أو هذا الطرف لنتولاه، ثم لا نتولى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. الآيات التي نحصل من خلالها على معرفة لله بالشكل المطلوب هي آيات كثيرة جداً، جداً في القُــرْآن الكريم، تلك الآيات التي تتحدث عن ألوهية الله، وملكه، وعظمته، تلك الآيات التي تتحدث عن عظيم نعمه علينا، تلك الآيات التي تتحدث بأن له ملك السموات والأرض، التي تتحدث بأنه مالك السموات والأرض وما بينهما، وهو من يملك اليوم الآخر، وبيده مصيرنا، هو من يملك الجنة، من يملك النار، هو من يعلم الغيب والشهادة، هو العزيز، هو الحكيم، هو السميع، هو البصير، هو الرؤوف، هو الرحيم. تلك الآيات التي تتحدث عنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بأنه جديرٌ بأن يثقَ به عبادُه، وأن يخافَ منه عبادُه، وأن يلتجئَ إليه أولياؤه].

 

نظرةُ تأمل على (سورة الفاتحة):ــ

ودعا -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ- الأُمَّــة إلى أن تتأمل آيات سورة الفاتحة التي نرددها في صلاتنا أكثرَ من عشرين مرة، حيث قال: [نحن نقرأ دائماً {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الفاتحة:1-2) ألسنا نقول: رب العالمين؟ لكن لا نعرف ماذا يعني أنه رب العالمين، ما يترتب على هذا من الأشياء بالنسبة لنا!. {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة:3-5) هكذا نصفه بأنه رحمن رحيم، وأنه ملك يوم الدين، لكن مجرد عبارات نقرؤها، ونقفز عليها لا نحاول أن نفهم ماذا يعني، أنه إذَا كان هو رحمن إذاً فهو عندما ينزل القُــرْآن الكريم، ويهدينا بالقُــرْآن الكريم فهو من منطلق أنه رحيم بنا.. إذاً فكل ما في القُــرْآن الكريم من توجيهات وإرشادات وهداية هي كلها رحمة بنا. {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} إذَا كان هو من له الملك وحده في يوم القيامة فهو وحده من يجب أن نلتجئ إليه، ونرغب إليه، ونرغب فيه، ونخاف منه؛ لأنه يومٌ لا بد أن نحشر فيه إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فإذا لم يكن هناك أي مُلْكٍ، أي مشاركة لأي أطراف أخرى في ملك ذلك اليوم، وليس الملك إلا لله الواحد القهار، إذاً فهو وحدَه الذي يجب أن نخاف منه؛ لأن أعظمَ نعيم هناك في الآخرة بيده، وأشد عذاب أليم هناك في الآخرة بيده، فهو من يملك الجنة، ومن يملك النار، فهو وحده الذي يمكن أن يمنحنا الجنة، وهو وحده الذي يمكن أن يوصلك إلى قعر جهنم. لمن الملك اليوم؟؟ لله الواحد القهار. {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} نعبده ولا نعرف ماذا يعني أننا عبيد له! ماذا تعني عبوديتنا له! القُــرْآن الكريم كرر هذا بشكل كبير جداً، تقرير عبوديتنا لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وتقرير ملكه علينا، وألوهيته علينا بشكل كثير ورد في القُــرْآن الكريم].

 

اللهُ سبحانَه.. أرحمُ بك من نفسك:ــ

وأكَد -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ- على شيء مهم جداً يجبُ أن تفهمَه الأُمَّــة، وهو أن اللهَ رحيمٌ بها، وأقرب إلى المخلوق من حبل الوريد، ومهما كانت الأوامر التي تأتي من قبل الله من وجهة نظرنا شاقة، فإنما هي من منطلق الرحمة الواسعة منه تعالى بنا، حيث قال: [ولأنه رحيم فكل ما يأتي من عنده هو من منطلق الرحمة.. فعندما يتحدث، أو عندما يرشدنا، أو يأمرنا بأشياء قد نراها شاقة، قد تبدو أمامنا وكأنها شاقة فنعدل عنها فنبدو وكأننا إنما عدلنا عنها؛ لأننا رحمنا أنفسنا، ومن منطلق رحمتنا بأنفسنا لا نريد أن يحصل عليها ما يشق عليها، ما يتعبها. هذا هو ما هو حاصل عند الناس، لا ينطلقون فيما وجههم الله إليه، وفيما أمرهم به فالأشياءُ التي يرونها وكأنها ثقيلة وشاقة؛ لأنهم رحماء بأنفسهم.. لماذا لا تثق بأن الله هو أرحم بك من نفسك، هو أرحم بك من نفسك، هو أرحم بك من أمك وأبيك، هو أرحم بك من أي قريب لك، هو من يعلم الأشياء التي فيها رحمة لك إذَا ما سرت عليها، الأشياء التي إذَا ما تحققت هي رحمة لك، هو وحده الذي يعلم].

 

لا مفرَّ من الله.. إلا إليه:ــ

ونبَّه الشهيدُ القائدُ -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ- إلى مدى ضعف المخلوق أمام قوة جبار السماوات والأرض، حيث قال: [{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}، ليس هناك آلهة متعددة حتى يمكن أن تقولَ: [والله هذا الإله شاقة تعليماته يمكن أن نرجع إلى الإله الآخر] مثل ما هنا في الدنيا، الإنْسَان يقطع له بطاقة من المؤتمر، وبطاقة من الإصلاح، وبطاقة من البعث أو من أي حزب آخر؛ إذَا رأى أن هذا الحزب ليس له مصالح فيه عاد إلى الحزب الآخر، إذَا حصل من جانب هذا الحزب ما يتعبه أو يزعجه عدل عنه إلى حزب آخر، ما هكذا يحصل؟. لكن لا.. ليس هناك إلا إله واحد، ليس هناك مفر أبداً منه، لا مفر منه إلا إليه، ليس هناك من يمكن أن ينجيك من عذابه وسخطه إذَا ما سخط عليك، وحكم عليك بعقوبته، ليس هناك من يمكن أن يسلبك ما قد منحك إياه، أبداً ليس هناك أي طرف يمكن أن يكون قادراً على أن يرد الفضل الذي قد أراد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يعطيك إياه، والخير الذي أراد أن يمنحك إياه {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} (يونس: من الآية107).

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com