نطاقُ اختصاص محكمة الجنايات الدولية إزاء ما يُرتكَبُ من جرائمَ وحشية في اليمن

عبدُالوهاب الوشلي

كما هو عليه الحالُ في أيٍّ من المحاكم الدولية عموماً، يستندُ انعقادُ ممارسة اختصاص محكمة الجنايات الدولية إزاء الجرائم المحدّدة في إطَار النظام الأساسي للمحكمة على أساس موافقة الدول الأطراف. ولمعرفة مدى قدرة المحكمة على ممارسة الاختصاص حيال أشخاص متهمين بارتكاب جرائم ذات طابع دولي خاص نصت عليها الاتّفاقية الدولية المنشئة للمحكمة الجنائية، يجب النظر في قواعد عدة نص عليها النظام لتحديد مدى توافر تلك الشروط اللازمة لممارسة الاختصاص من عدمه، ويمكن ذلك من خلال إمعان النظر في الجوانب التالية:

أولاً: ممارسة اختصاص المحكمة من زاوية موضوعية لتحديد الجرائم الدولية التي تندرج ضمن اختصاص المحكمة.

ثانياً: ممارسة اختصاص محكمة الجنايات الدولية من زاوية زمنية لتحديد النطاق الزمني لممارسة الاختصاص.

ثالثاً: شروط ممارسة اختصاص محكمة الجنايات الدولية من زاوية خَاصَّــة لتحديد مكان ارتكاب الجرائم كأساس قانوني لانعقاد الاختصاص، ومن زاوية أُخْـرَى شخصية لتحديد الأشخاص الذين يجوز للمحكمة ممارسة الاختصاص تجاه ما يرتكبونه من جرائم تندرج في إطَار ولايتها.

إضَافَة ًإلي ذلك، تمارس المحكمة الجنائية اختصاصها في التحقيق والمحاكمة إزاء ما يُرتكب من جرائم دولية محدّدة في إطَار نظام روما لمحكمة الجنايات الدولية على أساس مبدأ تكميلي.

من ناحية أُخْـرَى، يمكن أن يمتدَّ نطاق اختصاص المحكمة الجنائية الدولية وفقاً لقرار يتخذه مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع، كما أن ممارسة اختصاص المحكمة يمكن إرجائه أيضاً من قبل المجلس لمدة 12 شهر عبر قرار قابل للتجديد، بموجب الفصل السابع من ميثاق الأُمَـم المتحدة.

وبالنظر في جميع تلك الأبعاد المختلفة ذات الصلة باختصاص محكمة الجنايات الدولية، الموضوعي، الزمني، المكاني، والشخصي، يمكن الوقوف على صورة واضحة لتحديد مدى إمْكَانية أن تمارس المحكمة الجنائية اختصاصها حيال الجرائم المرتكبة في اليمن من قبل أشخاص ينتمون لدول العدوان، حَيْــثُ يمكن استناداً إلى هذا التحليل استخلاص نتيجة واضحة يتمحور مفادها في تأكيد القول بإمْكَانية ممارسة المحكمة لاختصاصها تجاه ما يُرتكب من جرائمَ بشعة في اليمن من عدمه في سياق زمني محدّد بلحظة كتابة هذا المقال.

يروم هذا المقال بشكلٍ خاص تحقيق غاية محدّدة تتمثل في تقديم قراءة قانونية موجزة لمعرفة مدى إمْكَانية الاستفادة من دور محكمة الجنايات الدولية حيال ما يرتكب من جرائم دولية بشعة في اليمن من قبل دول تحالف العدوان، إذ تندرج بشكلٍ عام في إطَار ولاية المحكمة تلك الجرائم الدولية الجسيمة المماثلة لما يحدث اليوم في اليمن.

 

أولاً:- اختصاصُ محكمة الجنايات الدولية

1-      الاختصاص الموضوعي

وفقاً للمادة (5) من النظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية، ينحصر اختصاص المحكمة على تلك الجرائم الأَشَـدّ خطورة موضع اهتمام المجتمع الدولي، وتتمثل هذه الفظائع في: جرائم الإبادة، جرائم ضد الإنْسَانية، جرائم الحرب، وجرائم العدوان. والتعريف القانوني الدقيق لكل جريمة على حده نص عليه النظام في المواد (6)، (7)، و(8) على التوالي. ويُكمل تعريف تلك الجرائم، ما يسمى بـ “أركان الجريمة” التي تبنتها جمعية الدول الأطراف بموجب قرار طبقاً للمادة (9) من نظام المحكمة.

وتحديداً، تنص المادة (5) من النظام على أن يقتصر اختصاص المحكمة على أَشَـدّ الجرائم خطورة موضع اهتمام المجتمع الدولي بأسره، وللمحكمة بموجب هذا النظام الأساسي اختصاص النظر في الجرائم التالية:

‌أ-       جريمة الإبادة الجماعية

‌ب-      الجرائم ضد الإنْسَانية

‌ج-      جرائم الحرب

‌د-       جريمة العدوان

ولخصوصية جريمة العدوان، تجدر الإشارة إلى أن تعريف العدوان قد تم إضافته إلى نظام المحكمة وفقاً لتعديل بموجب قرار جمعية الدول الأطراف في العام 2010م، على أن تصادق عليه على الأقل ثلاثون دولة طرف في النظام، وعلى أن يخضع سريان ممارسة الاختصاص حيال جريمة العدوان من قبل المحكمة لقرار بأغلبية ثلثي أعضاء الدول الأطراف. وفي ديسمبر من العام 2017م، تبنت جمعية الدول الأطراف قرار بتعديل النظام على أن يسري اختصاص المحكمة إزاء جريمة العدوان بعد بدء نفاذ التعديل. لهذا ينحصر فعلياً الاختصاص الموضوعي لمحكمة الجنايات الدولية قبل تأريخ بدء نفاذ التعديل على النظام على تلك الجرائم المنصوص عليها في النظام عدا جريمة العدوان.

من جهة أُخْـرَى، حَيْــثُ ينعقد الاختصاص لمحكمة الجنايات الدولية بالنظر في ارتكاب بعض تلك الجرائم، تقتصر ممارسة الاختصاص على الحالات التي تكون فيها الجرائم ذات جسامة كافية. والافتقار إلى تلك الشدة الموصوفة يجعل من الحالة غير مقبولة، وعلى المحكمة أن تقرّر بعدم قبول الدعوى إذَا لم تكن على درجة كافية من الخطورة على النحو المشار إليه في إطَار المادة (17) من النظام الأساسي.

 

2-      الاختصاص الزمني

تمارس محكمة الجنايات الدولية الاختصاص بعد بدء نفاذ النظام الأساسي للمحكمة، أي أن الجرائم المرتكبة قبل تأريخ النفاذ المحدّد بـ 1 يوليو 2002م، لا تندرج ضمن النطاق الزمني لولاية المحكمة. والدولة التي تصبح طرفاً في النظام بعد تأريخ بدء النفاذ، لا يجوز للمحكمة أن تمارس الاختصاص المنوط بها إزاء الدولة إلا فيما يتصل بتلك الجرائم المرتكبة بعد بدء نفاذ النظام بالنسبة لتلك الدولة.

على الرغم من ذلك، للدولة التي أصبحت طرفاً في النظام بعد بدء النفاذ بالنسبة للمحكمة أن تعلن عن قبولها باختصاص المحكمة قبل تأريخ نفاذ النظام بالنسبة لها. ويتحدّد الإطَار الزمني الممكن كحدٍّ أقصى لإعلان قبول اختصاص المحكمة بتأريخ 1 يوليو 2002م. وفي العام 2015م، أعلنت فلسطين عن قبول اختصاص محكمة الجنايات الدولية ابتداءً من تأريخ 30 يونيو 2014م. وهنا مثال على امتداد نطاق اختصاص المحكمة بإعلان القبول به قبل تأريخ النفاذ بالنسبة للدول التي تصبح طرفاً في النظام بعد بدء نفاذه بالنسبة للمحكمة، وهذا ما أشارت إليه المادة (11) من النظام الأساسي، حَيْــثُ نصت على:

1-      ليس للمحكمة اختصاص إلا فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب بعد بدء نفاذ هذا النظام الأساسي.

2-      إذا أصبحت دولة من الدول طرفاً في هذا النظام الأساسي بعد بدء نفاذه، لا يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها إلا فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب بعد بدء نفاذ هذا النظام بالنسبة لتلك الدولة، ما لم تكن الدولة قد أصدرت إعلاناً بموجب الفقرة 3 من المادة (12).

وتشير الفقرة 3، المادة (12) من نظام المحكمة إلى أنه إذَا كان قبول دولة غير طرف في النظام الأساسي لازماً، جاز لتلك الدولة بموجب إعلان يودع لدى مسجل المحكمة، أن تقبل ممارسة المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بالجريمة قيد البحث. وتجدر الإشارة هنا إلى الطبيعة المؤقتة لولاية المحكمة المنعقدة على أساس إعلان قبول الاختصاص، والمقيدة بالحالة أَو الحالات المجازة من قبل الدولة لتصبح محل نظر المحكمة بنص ذلك الإعلان.

 

3-      الاختصاص الإقليمي والشخصي

للمحكمة ممارسة الاختصاص إزاء الجرائم التي ارتكبت في إقليم دولة طرف في النظام، ويمتدُّ الاختصاص إلى السفينة أَو الطائرة المسجلة في دولة طرف، كما أن للمحكمة ممارسة الاختصاص إزاء تلك الجرائم المرتكبة في إقليم دولة طرف حتى في حالة كون الشخص المتهم بالجريمة لا يتمتع بجنسية أيٍّ من الدول الأطراف في النظام الأساسي، (مبدأ الاختصاص الإقليمي).

وينعقد الاختصاص للمحكمة أيضاً إزاء الأشخاص المتهمون بالجريمة إذَا كانوا رعايا لدولة طرف في النظام، حَيْــثُ يكون للمحكمة ممارسة الاختصاص إزاء تلك الجرائم المرتكبة في إقليم الدولة من قبل مواطنيها، أَو من قبل مواطني دولة أُخْـرَى طرف في النظام، (مبدأ الاختصاص الشخصي).

وَينعقدُ اختصاص المحكمة أَيْضاً حيال مواطني الدول الأطراف متى ارتكبوا جرائم في إقليم دولة ليست طرفاً في النظام. والاستثناء الوارد على هذا المبدأ، نصت عليه المادة (15) مكرّر الفقرة (5) ذات الصلة بجريمة العدوان التي تنص على أن لا يجوز للمحكمة أن تمارس الاختصاص فيما يتعلق بعمل عدواني ترتكبه دولة غير طرف، كما نصت المادة (15) مكرّر أيضاً على جواز أن تمارس المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بجريمة العدوان التي ترتكبها دولة طرف، ما لم تكن تلك الدولة قد أصدرت إعلاناً لدى قلم التسجيل بالمحكمة بعدم قبول اختصاص المحكمة. وفي الوقت الذي تتمكن فيه المحكمة من ممارسة الاختصاص إزاء جريمة العدوان، ليس للمحكمة أن تمارس اختصاصها تجاه مواطني الدول التي ليست أطرافاً في النظام الأساسي للمحكمة حتى في حالة وقوع فعل العدوان في إقليم دولة طرف في النظام.

إضَافَة إلى ذلك، للمحكمة ممارسة الاختصاص إزاء الأشخاص البالغين من العمر 18 سنة وقت ارتكاب الجرائم، وفقاً للمادة (26) من النظام الأساسي التي تنص على أن لا يكون للمحكمة ممارسة اختصاص على أي شخص يقل عمره عن 18 عاماً وقت ارتكاب الجريمة المنسوبة إليه.

ومن المعلوم أن الصفة الرسمية للشخص المتهم بارتكاب جرائم تندرج في إطَار ولاية محكمة الجنايات الدولية، سوا كان رئيس دولة أَو رئيس حكومة أَو غير ذلك لا اعتبار لها، ولا يعد ذلك عائقاً أمام ممارسة المحكمة لاختصاصها، طبقاً لنص المادة (27) من النظام، حَيْــثُ نصت على:

1-      يطبق هذا النظام الأساسي على جميع الأشخاص بصورة متساوية دون أي تمييز بسبب الصفة الرسمية وبوجه خاص فإن الصفة الرسمية للشخص، سواء كان رئيساً لدولة أَو حكومة أَو عضواً في حكومة أَو برلمان أَو ممثلاً منتخباً أَو موظفاً حكومياً، لا تعفيه بأي حال من الأحوال من المسئولية الجنائية بموجب هذا النظام الأساسي، كما أنها لا تشكل ي حد ذاتها، سبباً لتخفيف العقوبة.

2-      لا تحول الحصانات أَو القواعد الإجرائية الخَاصَّــة التي قد ترتبط بالصفة الرسمية للشخص سواءٌ أكانت في إطَار القانون الوطني أَو الدولي، دون ممارسة المحكمة اختصاصها على هذا الشخص.

وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أنه فيما يخص الدول غير الأطراف في النظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية، وفي إطَار التعاون فيما يتعلق بالتنازل عن الحصانة والموافقة على تقديم الطلب ينبغي التأكيد على:

1-      لا يجوز للمحكمة أن توجه طلب تقديم أَو مساعدة يقتضي من الدولة الموجه إليها الطلب أن تتصرف على نحو يتنافى مع التزاماتها بموجب القانون الدولي فيما يتعلق بحصانات الدولة أَو الحصانة الدبلوماسية لشخص، ما لم تستطيع المحكمة أن تحصل أولاً على تعاون تلك الدولة الثالثة من أجل التنازل عن الحصانة.

2-      لا يجوز للمحكمة أن توجه طلب تقديم يتطلب من الدولة الموجه إليها الطلب أن تتصرف على نحو لا يتفق مع التزاماتها بموجب اتّفاقات تقتضي موافقة الدولة المرسلة كشرط لتقديم شخص تابع لتلك الدولة إلى المحكمة.

و تمارس المحكمة اختصاصها في تلك الحالات ذات الصلة بالاختصاص الإقليمي أَو الشخصي، إما عن طريق إحالة الدول الأطراف للحالة إلى المدعي العام طبقا للمادة (14) من النظام التي تنص على:

1-      يجوز لدولة طرف أن تحيل إلى المدعي العام أية حالة يبدو فيها أن جريمة أَو أَكْثَــر من الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة قد ارتكبت وأن تطلب إلى المدعي العام التحقيق في الحالة بغرض البت فيما إذَا كان يتعين توجيه الاتهام لشخص معين أَو أَكْثَــر بارتكاب تلك الجرائم.

2-      تحدّد الحالة، قدر المستطاع، الظروف ذات الصلة وتكون مشفوعة بما هو في متناول الدولة المحيلة من مستندات مؤيدة.

أَو من خلال مبادرة المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية من تلقاء نفسه بشرط إذن الدائرة التمهيدية في المحكمة، وذلك وفقاً للمادة (15) من النظام الأساسي التي تنص في بعض فقراتها على:

1-      للمدعي العام أن يباشر التحقيقات من تلقاء نفسه على أساس المعلومات المتعلقة بجرائم تدخل في اختصاص المحكمة.

2-      يقوم المدعي العام بتحليل جدية المعلومات المتلقاة ويجوز له، لهذا الغرض، التماس معلومات إضافية من الدول، أَو أجهزة الأُمَـم لمتحدة، أَو المنظمات الدولية أَو غير الحكومية، أَو أية مصادر أُخْـرَى موثوق بها يراها ملائمة، ويجوز له تلقي الشهادة التحريرية أَو الشفوية في مقر المحكمة.

3-      إذا استنتج المدعي العام أن هناك أساساً معقولا للشروع في إجراء تحقيق، يقدم إلى الدائرة التمهيدية طلبا للإذن بإجراء تحقيق، مشفوعاً بأية مواد مؤيدة يجمعها ويجوز للمجني عليهم إجراء مرافعات لدى الدائرة التمهيدية وفقاً للقواعد الإجرائية وقواعد الإثبات.

4-      إذا رأت الدائرة التمهيدية، بعد دراستها للطلب والمواد المؤيدة، أن هناك أساساً معقولاً للشروع في إجراء تحقيق وأن الدعوى تقع على ما يبدو في إطَار اختصاص المحكمة، كان عليها أن تأذن بالبدء في إجراء التحقيق، وذلك دون المساس بما تقرّره المحكمة فيما بعد بشأن الاختصاص ومقبولية الدعوى.

5-      رفض الدائرة التمهيدية الإذن بإجراء التحقيق لا يحول دون قيام المدعى العام بتقديم طلب لاحق يستند إلى وقائع أَو أدلة جديدة تتعلق بالحالة ذاتها.

وعلى الرغم من أن ممارسة اختصاص محكمة الجنايات الدولية إزاء الجرائم المندرجة في إطَار ولايتها يستند عموما ًعلى أساس: مبدأ الاختصاص الإقليمي المتمثل بمكان وقوع الجريمة في دولة طرف كأساس لانعقاد اختصاص المحكمة، مبدأ الاختصاص الشخصي المتمثل في أن يكون الشخص المتهم بارتكاب الجريمة أحد رعايا دولة طرف، أَو إعلان قبول الاختصاص من قبل دولة ليست طرفاً في النظام، إلا أن من الممكن أن يمتدَّ نطاق اختصاص المحكمة بموجب قرار لمجلس الأمن التابع للأُمَـم المتحدة تحت الفصل السابع من الميثاق، دون مراعاة لتلك الشروط المسبقة اللازمة لممارسة الاختصاص، وفقاً للمادة (12) من النظام التي نصت في فقرتها الثانية على:

في حالة الفقرة (أ) أَو (ج) من المادة (13)، يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها إذَا كانت واحدة أَو أَكْثَــر من الدول التالية طرفاً في هذا النظام الأساسي أَو قبلت باختصاص المحكمة وفقاً للفقرة 3:-

أ‌)        الدولة التي وقع في إقليمها السلوك قيد البحث أَو دولة تسجيل السفينة أَو الطائرة إذَا كانت الجريمة قد ارتكبت على متن سفينة أَو طائرة.

ب‌)      الدولة التي يكون الشخص المتهم بالجريمة أحد رعاياها.

وتشير الفقرتان (أ) و(ج)، المادة (13) من النظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية إلى أن للمحكمة أن تمارس اختصاصها فيما يتعلق بجريمة مشار اليها في المادة (5) وفقاً لأحكام النظام الأساسي:

(أ) إذَا أحالت دولة طرف إلى المدعي العام وفقا للمادة (14) حالة يبدو فيها أن جريمة أَو أَكْثَــر من هذه الجرائم قد ارتكبت.

(ج) إذَا كان المدعي العام قد بدأ بمباشرة تحقيق فيما يتعلق بجريمة من هذه الجرائم وفقاً للمادة (15).

وتعد إحالة مجلس الأمن الحالة إلى المحكمة، بمثابة استثناء من نوعٍ آخر لامتداد نطاق ممارسة اختصاص محكمة الجنايات الدولية، إذ أن للمحكمة ممارسة اختصاصها فيما يتعلق بجريمة مشار اليها في المادة (5) وفقاً لأحكام النظام الأساسي إذَا أحال مجلس الأمن، متصرفاً بموجب الفصل السابع من ميثاق الأُمَـم المتحدة، حالة إلى المدعي العام يبدو فيها أن جريمة أَو أَكْثَــر من تلك الجرائم قد ارتكبت. وهذا ما نصت عليه الفقرة (ب)، المادة (13) من النظام الأساسي.

و يجب أن يتصرف مجلس الأمن عند الإحالة إلى المحكمة على أساس الفصل السابع من الميثاق بعد أن يخلص بقرار مفاده أن الوضع المنظور لديه يشكل تهديداً للسلم الدولي، أَو خرقاً له، أَو فعلاً من أفعال العدوان. وفي هذا السياق، أحال مجلس الأمن حالات كهذه على غرار الحالة في دارفور بموجب قرار المجلس رقم 1593(2005م)، والحالة في ليبيا بموجب القرار 1970(2011م)، رغم كون السودان وليبيا ليست أطرافاً في النظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية في الحالتين المذكورتين.

أخيراً، حَيْــثُ ينعقد الاختصاص لمحكمة الجنايات الدولية، يمكن لمجلس الأمن الدولي أن يقرّر إرجاء البدء أَو المضي في التحقيق أَو المحاكمة لمدة 12 شهراً قابلة للتجديد لفترة مماثلة، وذلك بموجب قرار تحت الفصل السابع من ميثاق الأُمَـم المتحدة، طبقاً للمادة (16) من النظام الأساسي. وفي ذات الصدد، طلب مجلس الأمن بموجب القرار 1422(2002م)، وفق مقترح قدمته الولايات المتحدة، من المحكمة عدم محاكمة مواطني الدول غير الأطراف التي تشارك في عمليات عسكريّة مرخصة من قبل الأُمَـم المتحدة، وليست أطرافاً في النظام الأساسي للمحكمة، وقد تم تمديد القرار لسنة أُخْـرَى بموجب القرار 1487(2003م).

 

ثانياً:- مبدأ التكميل ومقبولية الدعوى

يخضع دائماً لمبدأ التكميل ممارسة المحكمة الجنائية الدولية للاختصاص، إذ ينعقد فقط للمحكمة ممارسة اختصاصها إزاء الجرائم الجسيمة المحدّدة بنص النظام على أساس تكميل ولاية القضاء الوطني وفقاً للمادة (1)، والفقرة العاشرة من ديباجة نظام المحكمة. وتعد الدعوى غير مقبولة للنظر من قبل المحكمة في حالة ممارسة التحقيق أَو المحاكمة من قبل دولة لها الولاية بقطع النظر عن ما إذَا كانت الدولة طرفاً في النظام أم لا. وطبقاً للمادة (17) من النظام، للمحكمة أن تمارس الاختصاص على تلك الجرائم حينما تكون الدولة غير راغبة أَو غير قادرة على القيام بالتحقيق أَو المحاكمة.

من جهة ثانية، لا يجوز محاكمة الشخص أَو الأشخاص المتهمين إذَا كان قد تم محاكمتهم من قبل محكمة وطنية لدولة لها ممارسة الاختصاص، مع الأخذ بعين الاعتبار مدى حقيقة وفعلية تلك الإجراءات الجنائية المتخذة، ومدى رغبة وقدرة الدولة التي تمارس أَو قد مارست الاختصاص حيال الجرائم المرتكبة في إطَار ولايتها.

ولتقييم مدى رغبة الدولة في اتّخاذ الإجراءات الجنائية اللازمة ضد المتهم أَو المتهمين بارتكاب الجرائم، تنظر المحكمة إلى دافع تلك الإجراءات، وما إذَا كانت قد تمت بصورة محايدة ومستقلّة أم لا. وَإذَا ظهر أن تلك الإجراءات المتخذة غير جدية أَو أن الدولة تهدف من خلالها إلى حماية الشخص أَو الأشخاص المسئولين عن ارتكاب جرائم، فإن إجراءات الحماية تلك لا تمنع المحكمة من ممارسة اختصاصها في التحقيق والمحاكمة، وذلك على النحو المبين في المادة (17) من النظام الأساسي ذات الصلة بمسائل مقبولية الدعوى.

وَعلى أساس مبدأ تكميل ولاية القضاء الوطني، أكّــدت دائرة الاستئناف لمحكمة الجنايات الدولية على قرار الدائرة التمهيدية بالمحكمة في اكتوبر 2013م بشأن قضية “عبدالله السنوسي”، الرئيس السابق للاستخبارات الليبية، حَيْــثُ أقرت عدم قبول الدعوى على اعتبار أن الدعوى منظورة أمام القضاء الوطني الليبي، مؤكّــدةً على قدرة القضاء الليبي على القيام بالتحقيق والمحاكمة.

 

 الاستنتاجات:

1-      بمُـجَـرّد انضمام الدولة إلى نظام روما لمحكمة الجنايات الدولية، تكون الدولة بذلك قد قبلت تلقائياً باختصاص المحكمة إزاء الجرائم الدولية المشار إليها في المادة (5) من النظام.

2-      للمحكمة من حَيْــثُ النطاق الزمني أن تنظر فقط في الجرائم المرتكبة بعد نفاذ النظام بالنسبة للمحكمة، والمحدّد بتأريخ 1 يوليو 2002م، وفي حالة انضمام دولة للنظام بعد ذلك التأريخ، لا يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها إزاء تلك الدولة قبل بدء نفاذ النظام بالنسبة لتلك الدولة إلا إذَا أعلنت الدولة قبولها بذلك.

3-      في حالة الإحالة من قبل الدولة الطرف في النظام، أَو حينما يباشر المدعي العام التحقيق من تلقاء نفسه، يجوز للمحكمة ممارسة الاختصاص فقط على أساس:

أ‌)        الدولة التي وقع في إقليمها السلوك قيد البحث أَو دولة تسجيل السفينة أَو الطائرة إذَا كانت الجريمة قد ارتكبت على متن سفينة أَو طائرة.

ب‌)      الدولة التي يكون الشخص المتهم بالجريمة أحد رعاياها.

ت‌)      قبول اختصاص المحكمة من قبل الدولة التي ليست طرفاً في النظام.

4-      يجوز لمجلس الأمن الدولي أن يحل حالة ما إلى محكمة الجنايات الدولية وفقاً للفقرة (ب)، المادة (13)، ويجوز له أَيْضاً إرجاء البدء أَو المضي في التحقيق والمحاكمة لمدة 12 شهراً قابلة للتجديد، وفقاً للمادة (16) من النظام الأساسي للمحكمة.

5-      لا اعتبار للحصانات التي يتمتع بها الأشخاص المتهمون بارتكاب جرائم، أَو لتلك الإجراءات ذات الصلة بموجب القانون الوطني أَو الدولي، ولا تحيل دون قدرة المحكمة على ممارسة الاختصاص.

6-      ينعقدُ اختصاصُ محكمة الجنايات الدولية على أساس تكميل ولاية القضاء الوطني، وفي حالة التحقيق أَو المحاكمة من قبل القضاء الوطني المختص، طبقاً لتلك الاعتبارات المنصوص عليها، لا سيما في إطَار المادة (17) في النظام، حينها لا يجوزُ للمحكمة الجنائية الدولية أن تنظرَ في تلك الجرائم.

7-      اليمن ليست عضواً في نظام محكمة الجنايات الدولية.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com