الهويةُ اليمنية.. بين الاستعمار “والرهان على الوعي الوطني” .. بقلم/ منذر محمد المقطري

يُفترَضُ بالهُويَّة الوطنية الجامعة أن تكونَ المرجعيةَ الأساسية التي تنصهرُ فيها جميعُ الهُويات الثانوية والفرعية في أي بلد، خَاصَّـةً عندما يتعرَّضُ لعدوان خارجي، وهذه الهُويَّةُ التي كانت ولا تزالُ تتعرضُ لتشويه ممهنج يستهدفُ الوعي الوطني بفعل الترسانة الإعلامية العملاقة لدول العدوان التي تعملُ على تمييع الهُويَّة الوطنية، وتكريس الانقسامات لتحرِفَ القضيةَ اليمنية الجمعية إلى قضية هُويَّة لها أبعادُها (المناطقية، المذهبية، العرقية،… إلخ).

يعملُ العدوانُ السعوديّ الأمريكي على استنهاضِ هُويات فرعية موجودة في النسيج الاجتماعي اليمني، وهذه الهُوياتُ لم تكن وليدةَ اللحظة، فهي نتاجُ جُملةٍ من التناقضات السياسيّة والاجتماعية والاقتصادية على مدى عقود مضت، بالإضَافَـة إلى أخطاء وتراكمات ارتكبها النظامُ السابقُ إبان حرب الجنوب وحروب صعدة الست، ما ساهم وبشكل كبير في توسيع الهُوة بين المواطن وبين هُويته الوطنية.

 

  • الاستعمار ومشروعُه القديم في تقسيم اليمن:

إن الاستعمارَ الخارجي وأدواته في الداخل من أنْظمة عميلة وأذرعها الاستخباراتية تعتبرُ من أهمّ العوامل والإشكاليات التي تسببت في انقسام الهُويَّة الوطنية، فقد أَدَّى الاستعمار البريطاني في الجنوب إلى ترويج تسمية “الجنوب العربي” وعمل على خلق بيئة مختلفة عن بيئة الشمال، وهو ما ساهم في بالتالي في إيجاد تباعدات ثقافية واجتماعية واقتصادية أوجدت بالتالي تفاوتاً في التطور الاقتصادي والثقافي والسياسيّ، هذا التفاوتُ ولّد حالةً من الشعور بالمناطقية، حَيْــثُ أصبح كُــلٌّ يتخندق خلف هُويته الفرعية في ظل غياب دولةٍ حقيقية في وقتها تستطيعُ الإمساكَ بالبلد ككتلة واحدة وتعبّر عن مصالح الموطنين كافة والمنتمين إلى مختلف المناطق اليمنية، حَيْــثُ كان هذا المطلبُ (إيجاد دولة المواطَنة المتساوية) أحد أهمّ مطالب وتطلعات ثورة الشعب في الـ 21 سبتمبر 2014م.

 

  • السعوديّة أَدَاة الامبريالية العالمية في المنطقة واليمن:

مملكةُ الفوضى تصدر الفوضى إلى اليمن كامتداد لسياسة الامبريالية العالمية ومشروعها الكلونيالي في المنطقة، فقد ظلت المملكة طيلة العقود الماضية تلعبُ دوراً استخباراتياً قذراً عبر تدخلاتها في اليمن وسعيها الحثيث لزعزعة الاستقرار في البلاد وضرب الهُويَّة الوطنية عبر استنهاض هُويات اجتماعية صغيرة وفرعية موجودة في عمق التركيبة الاجتماعية اليمنية.

من جانبٍ آخر، تسعى أمريكا عبر أداتها في المنطقة “السعوديّة” لتحويل الإرْهَــاب من هُويَّة دخيلة ومستحدثة إلى هُويَّة أصيلة ودمجها ضمن مكونات النسيج الاجتماعي اليمني مع مرور الوقت.

ولأن الهُويَّةَ الوطنية الجامعة مرتبطةٌ بعلاقات اجتماعية واقتصادية ومرتبطة بالتوزيع العادل للثروة ووجود دولة حقيقية تحقّقُ “المواطَنة المتساوية”، خرجت جماهيرُ الشعب مطلع فبراير سنة 2011م في حراك ثوري عفوي حقيقي؛ بُغيةَ تغيير النظام ويطالب بنظام يحقّق مصالحَ الطبقات الاجتماعية المسحوقة، وهو ما تعتبرُهُ السعوديّةُ خطراً عليها؛ لأَنَّ تغييرَ التركيبة الاقتصادية للبلد وعلاقات الإنتاج الاجتماعي وإعَادَة توزيع الثروة تعكس تغييراً في التوجه السياسيّ لنظام الدولة بشكل عام، ما يهيئ الأرضيةَ للتحرّر من التبعية للسعوديّة واستقلال القرار السياسيّ.

السعوديّةُ تدرك جيِّداً أن أي تحالُفٍ طبقي بين طبقات المجتمع المسحوقة، سيخلقُ اصطفافاً وطنياً حقيقياً يليه حراكٌ شعبي عارم كما حدث في ثورتَي فبراير وسبتمبر، فهي تعمل دَائماً من أجل إفراغ أي مشروع وطني من محتواه وأهدافه وثوابته الوطنية التحرّرية.

لذا سعت المملكةُ في بداية الثورة الشبابية لدعم النظام الذي عزّز عواملَ الانقسام الوطني نتيجةَ تناقضاته “أي النظام” وتراكمات أخطائه التي اختزلت الفقر في قرار سياسيّ مرهون بالتبعية للخارج.

إنَّ المعركةَ التي نخوضُها اليومَ على طول البلاد وعرضها هي امتدادٌ لحالة الوعي والاصطفاف الوطني التي حدثت في ثورة فبراير 2011م وتبعها ثورة 21 سبتمبر، فمهما انقسمت الهُويات والتبعاتُ للخارج في بعض المناطق بفعل قوة السلاح واستثمار العدوان لمجمل التناقضات الطبقية والمناطقية والمذهبية المتراكمة على مدى العقود الماضية إلا أن الرهانَ اليوم سيكونُ على وعي المواطن نتيجةَ المعاناة التي يتعرضُ لها من دول العدوان التي لا تفرّق بين عميل وثائر، هذا الوعيُ كفيلٌ بتوحيد الصف الوطني حتّى وإن تأخر.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com