ملف العدد:قراءة في الأبعاد المدنية والأخلاقية لثورة 21 سبتمبر المجيدة ج2

صدى المسيرة:خاص

نشرت صحيفة صدى المسيرة في عددها الصادر أمس الاثنين ملفاً خاصا عن ثورة 21 سبتمبر بمناسبة الذكرى الأولى لانتصارها.

وموقع الصحيفة يعيد نشر الملف على أجزاء متتالية

 

الجزء الثاني:محمد الوريث

قراءة في الأبعاد المدنية والأخلاقية لثورة 21 سبتمبر المجيدة

ظهرت ثورةُ الـيَـمَـنيين قاطبةً في 21 من سبتمبر بأنصع صور النموذجية الثورية التي يعرفها النوعُ البشري، ويمكن لثورة سبتمبر الـيَـمَـن أن تكونَ القدوة المشرقة لوجه الثورات الشَّعْـبية المحقة لشعوب الأرض وسيأتي زمان تدرس فيها ثورة الـيَـمَـنيين في مناهج تعليم الدول الحرة كأنموذج ملهم لم يسبق له نظير في التأريخ الحديث، فالمطلعُ على ثورات الشعوب المختلفة من فرنسا إلى إيران إلى رومانيا حتى يصل إلى موجة الثورات العربية سيعرف على وجه اليقين أن تلك الثورات المشروعة والعادلة قد شهدت عند مستوى معين من مراحلها تجاوزات يمكن رصدها.

فالنموذج الفرنسي على سبيل المثال أقدم الثوار على إعدام السلطة الحاكمة التي خرجت ضدها الثورة في الميادين العامة من رأس هرم السلطة لويس السادس عشر وزوجته ماري انطوانيت” والقائمين على مفاصل الحكم آنذاك في فرنسا، كذلك أيضاً حدث في نموذج الثورة الرومانية ضد الطاغية تشاوشيسكو والذي انتهت موجة الاحتجاجات في البلاد بإعدامه ومن معه، أما في نموذج الثورة الإيرانية فقد أقصى الثوار نظام شاه شاهين الطاغي وانتهى بهم المطاف في المنافي والأمثلة على ذلك تطول مع الإشارة أن التجاوزات المحدودة في هذه النماذج الثورية لا تغيّر من قداسة وحتمية خروج الشعوب ضد جلاديهم في كُلّ زمان ومكان بغية العدالة والاستقلال والمطالبة بحياة كريمة.

ولكن النموذج الـيَـمَـني يبقى الأكثر إشراقاً وتنويراً على مستوى الثورات المعاصرة، فالإنسان الـيَـمَـني يختزل في أعماقه 7000 عام من الحضارة والمدنية، وزيادة على ذلك فالـيَـمَـنيون استلهموا قيم الإسلام الحق واختاروا لثورتهم الطريق القرآني الوضاء وامتزج في دمائهم فكر الخروج على الظالم، مقتدين في ذلك بنهج الإمام الحسين عليه السلام ومنهجية الإمام زيد عليه السلام مستندين إلى قيادة قرآنية حكيمة، فكانت ثورة الـيَـمَـنيين أنصع الثورات وأعظمها وكان أعظم ما فيها البعد المدني والأخلاقي الذي قدمته الـيَـمَـنيون ليدهش العالم فيما بعدُ. وهذا ما اضطر أمريكا وأذيالها في المنطقة من دويلات العصور الوسطى الزاخرة بالبترول لشن حرب عالمية شعواء تحالف فيها جميع أعداء الحرية وحركوا أساطيلهم المتطورة وطائراتهم النفاثة لاستهداف مكتسبات ثورة 21 من سبتمبر المجيدة وفي هذا التقرير مقتطفات موجزة لبعض الصور الأخلاقية والمدنية في ثورة الشَّعْـب الـيَـمَـني المجيدة.

الشراكة لا الإقصاء

رفع الـيَـمَـنيون منذ صفارة انطلاق ثورة سبتمبر المباركة شعار “الشراكة” كمطلب أساسي لثورتهم رافضين كُلّ أشكال الإقصاء والاستفراد بالسلطة لطرف دون آخر، ولم تقتصر مطالب الثوار بالشراكة على أنفسهم فقط، ولكن الشراكة كانت شرطاً جامعاً يجب أن تنضوي تحته كُلّ فئات ومكونات الشَّعْـب الـيَـمَـني حتى خصوم الثورة، وأشار قائدُ الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي في أكثر من خطاب خلال مرحلة الثورة إلى ضرورة إدماج كافة فئات الشَّعْـب في السلطة وإشراك الجميع بالتساوي في إدارة الدولة وصناعة القرار وعلى رأس تلك الفئات “أبناء الجنوب”، ولم يكن هذا شعاراً صورياً يرفعه الثوار دون إيمان كامل بمضمونه وهذا ما ثبت عند انتصار ثورة الكادحين والفقراء والفلاحين والمستضعفين من أبناء الـيَـمَـن، وترجمة الثورة إيمانها القاطع بالشراكة عند توقيع وثيقة السلم والشراكة” التي اعترف فيها النظام وكافة المكونات السياسية في البلد بأحقية ومشروعية مطالب الثوار وحتمية تنفيذها، ولم تسمى هذه الوثيقة بالسلم والشراكة من باب المصادفة ولكنها جاءت معبرة عن غايات ملايين الـيَـمَـنيين الذين أقصتهم السلطة طوال سنوات وانتصروا لمظلوميتهم المحقة في ثورة 21 من سبتمبر المباركة، والأهم من ذلك أن الثورة لم تعزل السلطة الحاكمة بعد أن تكللت مساعيهم بالنجاح، وكان لدى الثوار المقدرة الكاملة لعزل النظام وأركانه والاستفراد بالحُكم كعادة الثورات الأخرى ولكن هذا لم يحدث، بل صمم الثوار أن تكونَ السلطة حقاً للجميع حتى خصوم الثورة طالما أنها تقوم على أسس ومبادئ العدالة والنزاهة والشراكة، ولم يحدث في التأريخ قبل ثورة الـيَـمَـن أن يتوافد الثوار على العاصمة لحمايتها وتأمينها وتوقيع اتفاق قائم على الشراكة مع أشرس خصوم الثورة كحزب التجمع الـيَـمَـني للإصلاح وإدارة الفار عبدربه منصور هادي.

 

رفض العمالة والارتزاق والتمويل الشعبي للثورة

من أهم ما تميزت به ثورة الشَّعْـب الـيَـمَـني المباركة أنها رفضت أن يكون تمويلها من دولة خارجية أو جهة بعينها، فمن يملك المال يملك القرار وكان مطلب الـيَـمَـنيين الاستقلال ورفع الوصاية عن الـيَـمَـن، ولهذا لم تكن الثورة الشَّعْـبية السبتمبرية المجيدة مدعومة من قطر أو السعودية أو تركيا أو إيران أو أمريكا أو روسيا كما أن المواقف الدولية والعربية اصطفت مع النظام ضد الثورة، ما يجسّد استقلالية الثورة الكاملة بل أن بعض دول المنطقة بذلت جهوداً كبيرة لعرقلة مسار الثورة وإفشالها ودفعت أموالاً وجَيَّشت قنوات ومحطات وصحفاً لمهاجمة الثورة وتشويه صورتها النقية وكل ذلك باء بالفشل، فالكلمة الفصل كانت للشعب الحر الثائر في ميادين العزة والشرف الذي كتب بداية عهد جديد في يوم 21 سبتمبر 2014 بتضحيات جسيمة لا يمكن التراجع عنها.

كما أن الثورة اشترطت أن يكون تقرير مصير الـيَـمَـنيين فقط دون غيرهم، ضاربة عرض الحائط بالتصورات الأمريكية والخليجية ومحاولات مجلس الأمن والأمم المتحدة وسفراء الدول العشر لإيقاف الزخم الثوري، كما أن اتفاق السلم والشراكة كان اتفاقاً يمنياً 100% لم تشرف علية دول مجلس التعاون الخليجي أو أمريكا وتم التوافق عليه وصياغته وتوقيعه في العاصمة صنعاء ورحّبت به دول العالم ومجلس الأمن والأمم المتحدة، فكان اتفاق الشراكة الـيَـمَـنية لا المبادرة الخليجية ولم يشمل بنود تسعى لتعطيل العدالة كمنح حصانة لطرف أو آخر، وإنما اقتضى الاتفاق بتحقيق العدالة لكل المظلومين وعلى رأسهم شهداء ثورة سبتمبر المجيدة وهو ما يجسد الحالة الأخلاقية المتفوقة للثورة.

 

الدور الحضاري المتمدن للقبيلة في ثورة سبتمبر

حاولت السلطةُ طول أعوام طويلة تشويه صورة القبيلة الـيَـمَـنية وعمل المتنفذين وأعداء الشَّعْـب الـيَـمَـني على ترسيخ صورة ذهنية عن القبيلة أنها وجدت للخطف والنهب وقطع الطرق وتهميش كُلّ أخلاق القبيلة الحميدة ودورها الحضاري والمهم في تركيبة المجتمع الـيَـمَـني القبلي في الأساس، كما أن تلك الممارسات من نهب وخطف وقطع طريق لم تصدر إلا من المرتزقة الذين ثبت تورطهم بالعمالة للسعودية واعترافهم باستلام أموال من السعودية لتنفيذ مثل هذه المهام كأولاد الأحمر ومشايخ حزب الإصلاح، ولهذا فقد حاول أعداء الثورة بكل جهد ممكن تخويف الناس من القبيلة الـيَـمَـنية وإيهام الناس بأن القبيلة أن وصلت صنعاء فستنهب المساكن وتنتهك الحرمات وتحرق الأخضر واليابس وتم استخدام ورقة سلاح القبيلة لابتزاز الناس وترهيبهم.

ولكن الواقع كان مختلفاً تماماً، فقد شاركت القبيلة بشكل حضاري ومدني أدهش العالم عندما اعتصمت سلمياً في محيط العاصمة صنعاء بكل رقي وتمدُّن دون أن تعتديَ على مواطن واحد أو تقتحم منشأة أيٍّ كانت، كما أن القبيلة بذلت بسخاء في سبيل الثورة وقدمت تبرعات كبيرة لاستمرار الحراك الثوري، وغيرَ أن القبيلة شاركت في الثورة دونَ مقابل بدافع ذاتي وتكفلت بنفقاتها إلا أنها لم تكتفِ بذلك، فقدمت قبائل الـيَـمَـن الحرة العشرات من قوافل الكرم وأنفق أبناء الريف كُلّ ما باستطاعتهم من أجل الثورة وجهزت كُلّ قبيلة في كُلّ مديرية وعزلة من مختلف مناطق الـيَـمَـن قافلة أو أكثر دعماً للثورة العادلة ومطالبها المحقة وقدمت القبيلة الغالي والنفيس من مقدراتها الشخصية دون أن تنتظر عائد مادي أو مصلحة ضيقة.

وكما شارك أبناء القبائل في عشرات المسيرات السلمية في العاصمة صنعاء ومختلف المحافظات الأخرى وكان لهم حضورُهم المميز في كُلّ فعاليات وأنشطة الثورة من بداية انطلاقتها حتى انتصارها بشكل سلمي وراقي متمدن حتى بادر النظامُ بالاعتداء على الثوار وقتلهم في مظاهراتهم واعتصاماتهم السلمية ما استوجب الثوار أن يدافعوا عن أنفسهم.

وكانت ذروة السلوك المدني والأخلاقي لأبناء الريف قد تجسّد عندما ساهمت القبيلة بشكل كبير وفعّال في إفشال مخطط الإصلاح وعبدربه بسحب القوات الأمنية من المقرات الحكومية لإدخال العاصمة في أتون الفوضى بعد 21 سبتمبر، ولكن القبيلة تولت مهام تأمين مرافق العاصمة ومنشآتها الحيوية وتأمين حياة الناس ولم تشهد العاصمة طوال تلك الفترة ولو حادثة واحدة لاقتحام أو نهب أو اختطاف مواطن كما لم تتم ملاحقة أعداء الثورة واستهدافهم أو تصفيتهم، فكانت اللجان الشَّعْـبية تحرس حتى منازل قيادات الجيش والدولة الذين ساهموا في قمع وقتل الثوار في صورة مدنية وأخلاقية أذهلت العالم.

مد يد السلام إلى للخصوم والعالم          

لم تنتهِ مفاجآتُ الثورة الـيَـمَـنية المباركة عند هذا الحد، ولكنها تجاوزت كُلّ الحدود عندما دعت قيادة الثورة وفي مناسبات متعددة أن يد الثورة ممدودة إلى الجميع للسلام والشراكة وبناء يمن جديد، وقد دعا قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي في أكثر من مناسبة حزب الإصلاح إلى الشراكة والتكاتف لبناء الـيَـمَـن ونبذ الخلافات وتقديم المصالح الوطنية على المصالح الحزبية وهو لم تستجب له قيادة الإصلاح مطلقاً، ويعتبر حزب الإصلاح أشد خصوم الثورة إلا أن الثورة لم تفكر في حل الحزب أو إقصائه من العملية السياسية في البلد ولكنها حرصت أن يكون شريكاً في كُلّ المراحل القادمة لبناء الـيَـمَـن، كما عملت قيادة الثورة على تطمين جميع دول العالم والإقليم وتبديد أية مخاوف لديهم رغم أن بعض تلك الدول كان يحارب ثورة الـيَـمَـنيين بكل ما يستطيع. والذي يعكس التفوق الأخلاقي للثورة والتي ردت كُلّ إساءة لها بإحسان وقابلة كُلّ خصم بيد ممدودة للبناء والتعاون.

إن محاولةً تغطية كافة الأبعاد الأخلاقية والمدنية لثورة 21 سبتمبر يحتاج إلى دراسات وأبحاث مطولة والشواهد تطول والحوادث أكثر من ما تسمح الصحافة الورقية لاستيعابه، ولكن الشواهد ستبقى حية لمئات السنين في ذاكرة الإنسان عن ثورة الريف والعدالة التي قادها البسطاء والفلاحين والمستضعفين في الـيَـمَـن لتكونً بعد ذلك نموذجاً خلاقاً يطمس وراءَه أعظم الثورات التي يتغنى بها التأريخ البشري ولتفتح بوابة عهد جديد تكون فيه الشعوب سيده نفسها، ولو لم تكن الثورة الـيَـمَـنية المجيدة في 21 سبتمبر 2014 حدثاً استثنائياً غيّر وجه الـيَـمَـن والمنطقة والعالم لما حشدت عشرَ دول غنية ومن خلفهم أمريكا وجيوشها وسلاحها ومالها وإعلامها للعُـدْوَان على الـيَـمَـنيين وسلب مكتسبات ثورتهم والذي يتطلب منا اليوم الدفاع بكل ما أوتينا على ثورتنا المجيدة وحراسة من كيد الطغاة.

 

لقراءة الجزء الأول اضغط على التالي:

ملف العدد :ثورة 21 سبتمبر.. من مسيرة الإنذار إلى يوم الانتصار العظيم! ج1

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com