عن ٢١ سبتمبر ومبادرة الثورة المضادة!!

 

 المحامي/ عبدالعزيز البغدادي

منذُ بدء العُـدْوَان على الـيَـمَـن لم تفارقني آثارُ الصدمة الناجمة عن سلوكيات بعض شخصيات تتسول الموت من أسوأ جار ابتلي به الـيَـمَـن!.

لقد كان الـيَـمَـنيون في فبراير2011م على موعد مع ثورة حقيقية ضد نظام دام فساده قرابة ثلاثة عقود ونصف أو هكذا ظننا حينها!.

ومهما قيل عن ما أسمي بـ “الربيع العربي” وجزيرته* فإن من المؤكد أن الأنظمة التي تلاحق اندلاعها ضمن تلك الموجة الربيعية أو ما وُصفت بالثورات كانت أوضاعها تستدعي التغيير!.

صحيح أن هناك أكثرَ من علامة استفهام حول تمكين بعض أحزاب الإسلام المرتهن للسياسة في تلك البلدان التي شملتها الموجة وعدم امتداد ذلك الربيع إلى دول أكثر استبداداً وتخلفاً وظلماً ورجعية وفساداً وبالتالي أكثر حاجة للثورة مثل السعودية التي تحولت بين ليلة وضحاها ملاذاً لبعض المحسوبين على القومية والتقدمية وبقية دول الخليج!!!.

إلا أن مستوى الفساد في الأقطار التي خرجت شعوبها مطالبة بإسقاط أنظمتها من منظور الحالة المعيشية فوق احتمال البشر وكذا توجه التدخل الأمريكي في شئون المنطقة في ظل تصورها لمصالحها، إذ وقف من هذا المنظور ضد أية ثورة حقيقية بل وسخر الدول المعروفة برجعيتها لتكون الداعم لبعض هذه الثورات مثل قطر التي دعمت بسخاء المحسوبين ثواراً في كُلٍّ من مصر والـيَـمَـن وليبيا ووظفت كَثيراً من المنظمات والجوائز لتكون ضمن الداعمين لهذه الثورات مثل مؤسسة (جائزة نوبل المبجلة)!.

وقد بينت الأحداث حقيقة أن قطر والسعودية كانتا ممولتين رئيسيتين لمشروع أمريكي هدفه إجهاض الثورات وتشويهها في البلدان التي أشعلت فيها وتم سرقتها من أيدي الثوار الحقيقيين الذين لم تكن لديهم اليقظة اللازمة والبرنامج الواضح لإنجاح ثورة أو لنقل لوضع عجلة قطار الثورة في بداية السكة، مما مكن قوى الثورة المضادة من بعض التنظيمات الإرهابية منها مثل الإصلاح في الـيَـمَـن والإخوان في مصر ومن تحالف معها!.

لذلك فقد كان التغيير في الإطار المرسوم لخدمة الأجندة الأمريكية الممول خليجياً وبالذات من السعودية وقطر والإمارات كما أسلفنا.

من هنا يمكن قراءة المبادرة السعودية المسماة (بالخليجية) التي روج لها مع الأسف من هم محسوبون ضمن مكونات الثورة هذه المبادرة كانت بمثابة وثيقة الثورة المضادة التي صُمِّمَت لاغتيال ثورة 11فبراير 2011م في مهدها!!.

ولذلك رأينا كيف صيغت تلك المبادرة الغريبة وكيف جرى تعديل صياغتها لأكثر من ست مرات لتلبي رغبات الحاكم الفرد الذي يفترض أن الثورة قد قامت لإسقاطه ولتكون مدخلاً جديداً علمنا بعض العباقرة من خلاله أن الثورة الناجحة هي التي تنتهي بمبادرة يمليها النظام الذي قامت الثورة لإسقاطه!!!!!!!!!!.

لذلك رأينا كيف أنه بدلاً عن إسقاط النظام سقطت الثورة بين براثن النظام وشركائه من متسلقي وأدعياء الثورة.

ولعل أكثر فصول المبادرة مدعاة للاستغراب بل الدهشة والذهول ما يسمى بقانون الحصانة الذي تضمن تحصين عناصر الفساد والإرهاب وتم بموجبه تمكينهم من السلطة من جديد أي إعادة إنتاج النظام، ذلك القانون المسخ الذي انبنى على أساس تطويع المبادئ القانونية للسياسة بصورة فجة وبما يخالف كُلّ مبادئ وقواعد القانون الوطني والدولي والإنساني؛ لأن جوهر ذلك القانون يعني فيما يعنيه تحصين أربعة وثلاثين عاماً من الفساد والإرهاب والاستبداد!!!، والدخول في عملية محاصصة وقحة بين قيادات أحزاب ليس لها وجود شعبي في المجتمع وإذا وجد فلا يتعدى نسبة ١٠٪ من الشَّعْـب الـيَـمَـني، الأمر الذي يجعل الحديث عن أي نظام شرعي في البلاد ضرباً من السخف والسخرية من المواطن والوطن معاً!!.

لقد تضمنت المبادرة إعادة قسمة مؤسسات الدولة وفق تلك المحاصصة بين رموز الفساد في السلطة وما يسمى بالمعارضة، وقد رأينا كيف انبرى البعض ليقدمها للمجتمع على أنها الحل الممكن والوحيد الذي يعكس الحكمة اليمانية كما قيل بل وكان عَرَّابوها على درجة من الجرأة والسفه حد التجرُّؤ على تسفيه المخالفين لهم في الرأي، ما يعني أنهم إنما هم مجرد منفذين لأجندة لا علاقة لهم بصنعها!!.

في هذا السياق تم تسويق المبادرة لسرقة الثورة بصورة فيها تهديد بأن البديل هو الحرب والفوضى، ومعنى ذلك أن على الشَّعْـب الـيَـمَـني أن لا يفكرَ مطلقاً في التغيير إلّا وفق الصورة التي يرسمها تحالف الفساد والإرهاب في الـيَـمَـن بجناحيه الداخلي والخارجي وكأنهما باتا قدٓراً محتوماً بعد أن تم تمكين الفساد من كُلّ مفاصل الدولة والسلطة وتم نشر مراكز للقاعدة والجماعات الإرهابية بعلم وتواطؤ وانصياع النظام ودعم السعودية في أكثر مناطق الـيَـمَـن حساسية في كُلٍّ من صنعاء وأرحب ودماج والجوف وعدن والبيضاء وأبين ولحج وتعز ورداع وغيرها من مناطق الـيَـمَـن وتمكين القاعدة من بعض المعسكرات والأسلحة بعد الانسحابات الممنهجة، وكان سعي السعودية الحثيث لفرض هذه المبادرة بهدف استمرار إقصاء الثوريين الحقيقيين، سواءٌ من المنتميين للأحزاب المشاركة في المبادرة (المؤامرة) أو من المستقلين أو من مكون أنصار الله!!.

بل إن أحد قياديي حزب الإصلاح المتبني الأكبر للمبادرة السعودية قد عبر وبكل صلافة في كثير من الاجتماعات والتصريحات عن رفضه المطلق لإشراك أنصار الله في الحكومة أو في الرقابة على الحكومة (أي في الأجهزة الرقابية) وكأنه وحزبه صاحب الحق في السلطة؛ لأن هدف هذه العصابة كما هو واضح هو استمرار تحالف الفساد والإرهاب الذي عم الـيَـمَـن وبشكل يريح الفاسدين أي بدون إزعاج!!!.

لذلك تلاحقت الأحداث والوقائع التي يطول إيراد تفاصيلها، إلى أن بدأت حركة 21 سبتمبر التي هدفت وبدعم شعبي كبير لإسقاط حكومة الفساد الانتقالي التي أشرنا لبعض تطلعاتها في استمرار الفساد والتسلط والتي أوجدتها محاصصة المبادرة وقد نتج عن دخول أنصار الله إلى صنعاء وسيطرة اللجان الشَّعْـبية أمنياً هروب كثير من عناصر الفساد والإرهاب المرتبطة بالسعودي بشكل قوي، ورغم أن مكون أنصار الله الذي قاد الحركة الثورية كان قد أحكم إلى حد كبير قبضته الأمنية وكان بإمكانه ملء الفراغ السياسي الذي تعمد خالد بحاح وعبدربه هادي بتوجيه الاستخبارات الأمريكية والسعودية إحداثه من خلال تعمد تزامن تقديم استقالة الحكومة للرئيس المنتهية ولايته الانتقالية ومن ثم تقديم استقالة الرئيس في نفس الوقت، وفي البداية كان بحاح وكذلك بعض وزرائه موافقين على القيام بتصريف الأعمال إلا أنه وبسبب التدخل الأمريكي السعودي الوقح وبتوجيهاتهم فقد رفضوا تسيير الأعمال، وبعض الوزراء يعرف أن قيام أية حكومة بتصريف الأعمال إلى حين تشكيل حكومة جديدة ليس فقط واجباً على الحكومة المستقيلة، بل إن الامتناع عن ذلك يعد جريمة طبقاً لقانون إنشاء مجلس الوزراء رقم (3) لسنة 2004المادة (50) والمواد 125، 128، 129، 131 من قانون العقوبات.

ومن المؤسف أن ذلك المخطط قد انطلى على كثير من الناس، من بينهم مثقفون صادقون، حيث وجدناهم يرمون باللائمة عن إحداث الفراغ السياسي على أنصار الله واللجان الثورية؛ لأنهم حسب زعمهم لم يملأوا الفراغ السياسي.

أي أنهم يلومون من أظهروا حرصهم دائماً على التمسك بمبدأ الشراكة الوطنية ويتجاهلون من يستقوي بجار السوء وبالخارج عموماً للإبقاء على الفساد وعلى مبدأ تقاسم السلطة بين عصابات الفاسدين سواء ممن أدمنوا السلطة أو من شركائهم الذين يطلقون على أنفسهم (معارضة)!.

وتسارعت الأحداث وبدأت اللجان الثورية تتخذ خطوات ثورية لملء الفراغ السياسي طبقاً لنفس مبدئها المتمسكة به (الشراكة الوطنية) حيث صدر الإعلان الدستوري في 6 /2 /2015م.

وبتدخل ممثل الأمين العام للأمم المتحدة حينها الأستاذ جمال بن عمر فقد تمت العودة إلى طاولة المفاوضات وحين أوشك الـيَـمَـنيون، حسب آخر تقرير قدمه ممثل الأمين العام، على الوصول إلى اتفاق تدخلت السعودية، ويبدو أن مصداقية بن عمر في التقرير قد عجّلت باستبداله بإسماعيل ولد الشيخ الذي كان يعمل ضمن فريق بن عمر.

قامت السعودية وبتوجيه من أمريكا وبالتحالف مع بعض الدول العربية منها دول الخليج وبتواطؤ بل ومشاركة حقيرة من جامعة الدول العربية التي زاد دورها السلبي في قضايا الأمة وضوحاً وبتواطؤ منظمة الأمم المتحدة وكثير من المنظمات بشن أبشع عُـدْوَان على الـيَـمَـن متواصل منذ 26/ 3/ 2015م ليل نهار حتى كتابة هذا المقال وهو عُـدْوَان أكد الكثير من المراقبين أنه لم يسبق له في التأريخ مثيل فقد استهدف تدمير كُلّ البنية التحتية المدنية والعسكرية وهدمت البيوت على رؤوس ساكنيها وأعلنت مدينة بل محافظة صعدة بكاملها هدفاً عسكرياً للعُـدْوَان وهو ما لم يسبق في تأريخ الحروب واستهدفت أيضاً جميع مدن وقرى ومناطق الـيَـمَـن دون تمييز بين أهداف مدنية أو عسكرية فدمرت الجسور والمستشفيات والمدارس والمصانع وصوامع الغلال والجوامع والآثار وكل ما يخطر أولاً يخطر على البال إذ بلغت ضحايا العُـدْوَان حتى الآن حوالي ستة آلاف شهيد جلهم من الأطفال والنساء ومئات آلاف الجرحى وحوصرت الـيَـمَـن بكاملها براً وبحراً وجوا منذ اللحظات الأولى لشن العُـدْوَان ما يجعل الشَّعْـب الـيَـمَـني بكامله مهدد بالموت جوعاً أو الرضوخ لإرادة آل سعود المريضة وتأتي سرعة هذا الحصار الإجرامي البشع ليؤكد أن مسيرة الفساد في الـيَـمَـن خلال ثلاثة عقود ونصف ليست سوى جزء من مسيرة العُـدْوَان الذي يبدو أن هدفه الأساسي هو محاولة إنقاذ مؤسسة الفساد والإرهاب التي بناها النظام الـيَـمَـني بتوجيه ودعم أسوأ جار طوال كُلّ هذا الوقت،

هذه مقدمات ونتائج المبادرة التي أتيحت لمن حكم باسمها ثلاث سنوات لكي ينفذ مهام محددة فلم ينفذ منها شيء، متعمداً ذلك بغرض التمديد وتنفيذاً لسيناريوهات موضوعة منها ما رأيناه وعايشناه ومنها ما ننتظر ومن وجهة نظري بأن نظام المبادرة ونظام صالح لا يزال باقياً ولا تزال مسؤوليته قائمة؛ لأنه قد تحالف مع الفساد وعمل على ترسيخ بقائه بدلاً عن العمل على تنفيذ البرامج الانتقالية وتهيئة الأوضاع لحياة سياسية طبيعية وبدوافع أنانيته المفرطة استدعى الخارج للعُـدْوَان على وطنه وهو استدعاء ليس له أية شرعية؛ لأن أية دولة أو دول لا تمتلك الحق في العُـدْوَان على دولة أخرى أو المساس بسيادتها؛ بحجة دعم الشرعية في البلد المعتدى عليه فمبدأ التدخل إنما يعني في القانون الدولي تدخل الأمم المتحدة لفض النزاع بين الأطراف المتصارعة وليس الوقوف مع طرف ضد طرف وهذا يعد من أبجديات القانون الدولي والحروف الأولى لمعنى السيادة.

 

(*) قناة الجزيرة لما قامت به من دور تمهيدي ومواكب لأحداث الربيع العربي وهو دور حوله ما حوله من تساؤلات تَمَاماً كما أثير حول ما كان يخص بن لادن وغيره من قيادات الجماعات الإرهابية قناة الجزيرة من تصريحات بين الفترة والأخرى منذ أحداث 11سبتمبر 2001م.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com