من أبطالنا .. بقلم/ صالح مقبل فارع

كان دائماً مبتسماً لم أرَ وجهَه عابساً أبداً..

التواضعُ والأخلاقُ صُبّت فوقه صبًّا..

الإخلاصُ والورعُ والتقى من أهم مميزاته..

يصغرني بسنوات، ولكنه أكبر مني بقرون..

منذ أن شب وبدأ يميز بين الحلال والحرام والصواب والخطأ اختار طريقاً لنفسه..

هي طريق التجارة، ولكن تجارة من نوع آخر..

تجارة ليس فيها خسارة.. تجارة مربحة دائماً.

قرأ قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)..

فقال أبو جهاد: نعم، دُلنا يا رب!!

فقال الله: (تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ، ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ).

فقال أبو جهاد: وما المقابل في ذلك؟

فقال الله: (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ، ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا، نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ، وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ).

وما إن سمع أبو جهاد بهذا الربح الوفير وبالجنات، فسارع في عقد هذه الصفقة لئلا يسبقه إليه أحد.

فعقد صفقة مربحة مع الله عز وجل..

(أبو جهاد) باع نفسَه لله واللهُ اشترى منه ذلك.

وفي المقابل أعطاه الله الجنة..

وتمت كتابة هذا العقد في القرآن الكريم في سورة التوبة آية 111 ونصه هو: (نَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ، يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ، وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ، وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ، فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ، وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

فبعد أن تمت الصفقة بينه وبين الباري عز وجل واتفق الطرفان على البيع والشراء بشهادة القرآن الكريم والملائكة المقربين أصبح العقد نافذاً.

ولكن أين يجاهد؟ ومع من؟ وضد من؟!

رأى في المسيرة المباركة هي خير مَن تقوم بالجهاد في سبيل الله، لأنها حركة نابعة من القرآن الكريم وتتحرك بحركته، وليس في أيديولوجياتها شيء آخر غير إعلاء شريعة الله ونُصرة المستضعفين ومقاومة المستكبرين ودول الاستكبار العالمي ممثلة في أمريكا وإسرائيل.

كما رأى في المسيرة المباركة أيضا بأنها هي خير من يحتضن المجاهدين وخير من تُمثلهم.

فوجد فيها بُغيته، فالتحق بها وبقائدها تاركاً وراءه بقية الحركات.

فانطلق البطل/ عبده علي يحيى فارع ملتحقاً بالمسيرة القرآنية المباركة فحط رحاله هناك.

ولأنه يحبُّ الجهادَ في سبيل الله، فقد كنّى نفسه بـ (أبي جهاد) قبل أن يتزوج ويظهر ولده (جهاد).

انطلق في سن مبكرة قبل أن يبلغ العشرين من العمر.. وقبل العدوان بسنوات وسنوات..

 

 قبل العدوان:

شارك في عدة حروب خاضتها المسيرة هنا وهناك، وكان نصيبه فيها النصر.

وكان مشاركاً مع زملائه في إسقاط مملكة آل الأحمر من خيوان والخمري وحوث والعصيمات وحاشد، فقد أبلى بلاء حسناً في مقاتلة هؤلاء الظلمة.

وكان له دور في إسقاط القشيبي ودحره من عمران.

وكان من ضمن الطلائع الأولى الذين أشعلوا ثورة 21 سبتمبر 2014م، فقد كان أحد صُنّاعها، فاعتصم في الصباحة وهمدان، ثم جاءته الأوامر بالانتقال إلى أرحب عند الشيخ نزيه أبو نشطان والشيخ فارس الحباري، فتوجهوا جميعاً إلى صنعاء مساندين الثورة والثوار هناك.

وفي يوم 21 سبتمبر دخل صنعاء مع الثوار وكانت له مهمة محددة هو اقتحام الفرقة الأولى مدرع وجميع المباني المحيطة بها والحفاظ على مبنى التلفزيون وحراسته من النهب، فقام بعمله أحسن قيام.

ثم تحرك الجنوب فدخل لحج وعدن وبقي هناك إلى أن قام العدوان.

 

بعد العدوان:

وبعد أن قامت دول العدوان ممثلة في أمريكا وإسرائيل وبريطانيا وفرنسا وجميع أدواتها في المنطقة السعودية والإمارات والسودان ومصر والأردن والمغرب وكل دول الخليج ما عدا عُمان، بعد أن قامت هذه الدول الظالمة بشن عدوان سافر على الشعب اليمني يوم 26 مارس 2015م بهدف استئصاله وإركاعه وإعادته إلى مربع الوصاية وإفشال ثورة 21 سبتمبر التي حررت الشعب اليمني وأخرجته من تحت العباءة الخليجية والوصاية الأمريكية، قام الشعب اليمني بمواجهة هذا العدوان ومقاومته وقتاله، فاشتعلت حروب في الجبهات وفي عشرات الأماكن في الداخل في عدن ولحج والساحل الغربي وتعز والبيضاء ومأرب والجوف وشبوة ونهم وصنعاء وحجة وصعدة، وفي والحدود الشمالية لليمن مع السعودية في نجران وجيزان وعسير بعد أن حوصر اليمن برا وبحرا وجوا.

أبو جهاد هل سيسكت على هذا العدوان الغاشم؟! أم سيهب للدفاع عن وطنه وبلده؟

مثلُه لا يسكت، فقد اختار طريقَ الجهاد سابقاً، وعقد صفقة مع الله سابقا، كما رأينا، ولكن

فأين سيختارُ أبو جهاد جبهتَه؟! وأين سيتجه؟!

لقد جاءته الأوامر بالتحرك للمشاركة في الدفاع عن الوطن وصد جحافل الغازين وتأديب جميع المحتلين

فكانت أول جبهة له ميدي وجيزان.

ثم انتقل بعدها إلى شبوة جبهة عسيلان، وهناك قاتل وصمد واستقر..

وفي يوم من الأيام وبعد زيارة تفقدية لأهله وأصحابه، توجه بطلنا عبده علي فارع إلى جبهته ومعسكره في عسيلان، وفي رداع التقى بزميله ورفيق دربه (أبا فضل) عادل عبده درهم فارع، وهو في إجازة يريد زيارة أهله، فتحادثا قليلاً، وكُلُّ منهم يريد أن ينصرف، عبده إلى الجبهة، وعادل إلى البيت، ولكن نفس عادل رفضت أن تسافر وتترك عبده ينزل لوحده، فقرّرا العودة معاً إلى المعسكر، فعادا.

وفي المعسكر في تلك الليلة ليلة السابع عشر من أغسطس عام 2015م استقرا جميعاً في مترس عبده والذي كانت عليه حراسة البوابة، فجاء لهم في تلك الليلة عشرات الدواعش يريدون الهجوم على المعسكر، فثبتا مكانهما وقاتلا بكل شجاعة واستبسال، وقاوما وصدا الهجوم، وردوه أعقابه.

ولكن كانت هناك رصاصتان غادرتان اخترقتا قلبَ الرفيقين عادل وعبده فاستشهدا على الفور، وكان آخر ما قالاه لزملائهم: “الثباتَ الثباتَ يا رجال”.

وفي يوم 17 / 8 / 2015م ودّعت عُنقان البطل أبا جهاد/ عبده علي يحيى فارع، والبطل أبا فضل/ عادل عبده درهم فارع، وكان يوما مهيبا وحزينا، إذ فقدت عنقان عظيمَين من عظمائها وشابين من خيرة شبابها، فالحزن باقي، ولكن التضحية والفداء والعطاء أبقى.

رحم الله شهيدينا، وعفى الله عنا في تقصيرنا نحوهما.

سلام الله عليهما، وعلى بقية شهدائنا الأبطال.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com