حسرة “الأتباع” شديدة يوم القيامة لمساندتهم الظالمين في الدنيا

المسيرة/ خاص

تناولُ الشهيدُ القائدُ -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ- في الدرس العاشر من دروس معرفة الله حالَ الناس يوم المحشر، وحالَهم في النار، والحوارَ الذي يجري بين أهل النار، والحسرات الشديدة التي تقطع قلوب الأتباع في نار جهنم، ومحاولتهم التبرُّؤَ ممن أضلوهم، ولكن بعد فوات الأوان، حيث لم يعد ينفع هذا في نار جهنم، وأسقط -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ- هذه الآيات على واقعنا الذي نعيشه، إسقاطاً رائعاً، بين ووضح فيه ــ بطريقته السهلة المبسطة التي يفهمها الجميع ــ أن من يريد أن ينجو من النار، ومن الحسرة الشديدة في جهنمَ لا بد أن يتبرأ من الظالمين هنا في الدنيا، حيث ينفعه تبرأه منهم.

شرح الشهيدُ القائدُ -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ- هذه الآية {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} وأسقطها على الواقع الذي نعيشه بشكل كبير، وهي آيةٌ فعلاً تستحقُّ الوقوف عندها كثيراً، وتأملها، وأخذ العبرة منها، حيث قال: [هذا يدُلُّ على أن هذه ستكون بين أطراف كان بينها في الدنيا علاقة قوية جداً: قرين مع قرينه، تابع مع متبوعه، مرؤوس مع رئيسه، أمة مع أمة قبلها كانت تحتذي بها وتسير على نهجها، من كانوا أخلاء في هذه الدنيا، من كانوا أصدقاء في هذه الدنيا، ولكن صداقة لا تقوم على أساس صحيح، صداقة عشوائية، صداقة قد تحكمها، أو تدفع إليها، أو تعزز روابطها مصالح دنيوية لا يلتفت معها الناس إلى خطورة النتيجة، {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ ـ يوم القيامة ـ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}(الزخرف: من الآية66- 67) من كانوا في الدنيا متقين، أصدقاء مع متقين، أتباع لمتقين، قرناء لمتقين، هؤلاء هم من ستعظم فيما بينهم المودة، ويشكر بعضهم بعضاً في ذلك اليوم، ويرتاح بعضهم لبعض].

 

ماذا يتمنى (الأَتْبَاعُ) وهُم في النار؟

وأشار -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ- إلى عدة آيات توضح أمنيات أهل النار من الأتباع الذين تقطع قلوبهم الحسرات ندماً على تفريطهم في الدنيا، وعلى مساندتهم وتصفيقهم للظالمين في الدنيا كالآتي:ــ

 

الأمنية الأولى:ــ {يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ}

تساءل -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ-: [فلماذا تتحول كُــلّ تلك الصداقات إلى حالة عداء؟ ولماذا يتبخر في ذلك اليوم الحديث عن كُــلّ المصالح السابقة في الدنيا؟ يصبح كُــلّ التعبير هو عن خطورة الموقف الذي أصبحوا فيه، الذي لم يعد بإمكان أولئك أن يذكروا الآخرين بأنهم [لكننا في الدنيا عملنا لكم كذا وكذا، وفي الدنيا فعلنا لكم كذا وكذا]؛ لأن هذه لن تقبل إطلاقاً من الطرف الآخر.

عندما ذكَّر فرعون موسى ألم يذكره بنعمة؟ {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ} (الشعراء: 18) ألم يقل هكذا فرعون؟. في يوم القيامة تُنسى كُــلّ هذه تماماً فيما بين الأصدقاء، إذا كان صديقاً ممن يضلك، ممن هو على ضلال في سلوكه، في اعتقاداته، في مواقفه، في توجهاته، قد يعمل لك في الدنيا الشيء الكثير لكن سترى أنه أضلك، وأنه أهلكك وأنه بئس القرين على الرغم مما عمل لك في الدنيا، فتقول له: {يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ}(الزخرف: من الآية38).

 

الأمنية الثانية:ــ يتمنوا وضع الظالمين تحت أقدامهم

قال -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ- شارحاً قولَه تعالى: {رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ}: [عداوة شديدة، أين هم الذين أضلونا من الإنس والجن نجعلهما تحت أقدامنا في أسفل درك في جهنم، ندوسهم بأقدامنا، من العداوة، من الحقد، من الأسف، من الحسرة، من الندم؛ لأنه لا يدري ماذا يعمل إلا هذا، ذلك الذي أضله [يتركه يدوسه] بأقدامه في نار جهنمَ، وقد لا يحصل هذا أيضاً].

 

الأمنية الثالثة:ــ يتمنون أن يحصل الظالمون على عذاب مضاعف

قال -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ- شارحا لقوله تعالى: {رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ} [لكم ضعف وهم لهم أضعاف، لكم أضعاف عذابي؛ لأنكم كنتم تؤثرون إتباعهم، وكنتم تربطون أنفسكم بهم، وتنصرفون عن الحق، وتنصرفون عن الهدى، وأنتم متمسكون بهم].

 

الأمنية الرابعة: يتمنى الأَتْبَاعُ العودةَ للدنيا ليتبرّأوا من الظالمين

شرح الشهيدُ القائدُ -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ- قوله تعالى: [{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا}(البقرة: من الآية166) الكبار تبرأوا من الصغار، والصغار هم من كانوا في الدنيا يصفقون لهم، ويؤيدونهم، ويدعمونهم بأموالهم وبألسنتهم وبأنفسهم، يوم القيـامة يتبرأون منهم {وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ}(البقرة: من الآية166) كُــلّ الوسائل تتقطع فيما بينهم، تحصل حسرات عظيمة، ولكن في أي طرف حكاها الله سبحانه وتعالى؟ وعن من؟ عن الكبار أم عن الصغار؟ الصغار هم من سيكونون أكثر أسفاً وندماً {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا}(البقرة: من الآية167) عندما رأوا أولئك تبرّأوا منهم في هذا الموقف الصعب، وعرفوا بأنهم أضلوا أنفسهم لما اتبعوهم في الدنيا، يوم كانوا متبعين لهم في الدنيا ؛ بسببِ اتباعهم لهم في الدنيا، ورأوا بأنهم لا يمكن أن ينفعوهم بشيء في ذلك الموقف الرهيب، بل يتبرأون منهم، يعلنون تخليهم عنهم في ذلك الموقف الصعب، تحصل حسرات شديدة، فيقول ماذا؟. {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ}(البقرة: من الآية167) ليت لنا كرة: نرجع إلى الدنيا مرة ثانية نرجع {فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا}. لا يوجد هناك رجعة نهائياً].

 

التَّظَلُّمُ الذي يقدمُه (الأَتْبَاعُ) لرب العالمين

ولفت -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ- إلى أن أهلَ النار من الأتباع سوف يقدمون لرب العالمين طلبات هي عبارة عن (تظلم) ولكنهم لن يجابوا إلى ما طلبوا نهائيا:ـ

التَّظَلُّمُ الأول:ــ {رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ}.

التَّظَلُّمُ الثاني:ــ {رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ}.

قال -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ-: [أليس هذا تظلماً؟. لا يجابون إطلاقاً في تظلمهم، ولا يقدر لهم ذلك الموقف أنهم أصبحوا يكرهون ويبغضون ويباينون أعداء الله هؤلاء الكبار الذين كانوا في الدنيا معهم، فقد تصححت وضعيتهم.. لا.. انتهى كُــلّ شيء، وما ذلك كله إلا نوع من العذاب النفسي لهم أيضاً، عذاب نفسي يعانون منه].

 

ابتعد عن قرين السوء.. هنا في الدنيا

وشدد -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ- على ضرورة أخذ العبرة من القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والخوف من جهنم ومن حسرات أهل النار، والحوار الذي يحصل بينهم، فتساءل قائلا: [ما هو الموقف الصحيح من خلال ما نفهمه من مجموع هذه الآيات التي تتحدث عن مواقف خطيرة من هذا النوع؟ هو أنك وأنت هنا في الدنيا، ذلك الموقف الذي يمكن أن تقفه، وذلك الكلام الذي يمكن أن تقوله، وتلك المباينة، وذلك العداء، وذلك اللعن مكانه هنا في الدنيا حيث سينفعك، فقرين السوء ابتعد عنه]..

 

لا تُجالِسِ الظالمين.. إلا بشرط

حذّر -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ- من مجالَسَةِ الظالمين، حتى ولو ظننا أنهم لن يخدعونا، حيث قال: [ولا تقل:(أنا فاهم وعارف لكل شيء، وما باستطاعته أن يخدعني، وأنا عارف كيف هو وأنا واثق من نفسي) وعبارات من هذه. هذا غير صحيح.. أنت من حيث المبدأ لا يصح لك أن تجالسه وتصادقه، وتكون على علاقة مستمرة معه، وتنادمه فتسمع منه الباطل، وهو يحاول أن يخدعك ويضلك، فتحاول أن تسكت عنه!. قد تحصل هذه تسكت عنه وتجامله ثم تقول أنت في الأخير أنك لن تتأثر، قد تتأثر، وحتى لو لم تتأثر فهذا موقف غير صحيح لا يجوز لك أن تقفه].

 

الشرط.. لجواز مجالسة الظالمين

ووجَّه -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ- أسئلة لمن هو مصر على مجالسة الظالمين بقوله: [إن كان سيقول كلاماً باطلاً هل أنت سترد عليه، وتوضح بطلان ما يقول؟ وإن كان سيقف موقفاً باطلاً هل أنت سترد عليه وتقول: لا، في هذا الموقف لن أكون معك؟. هل إذا كان سيبذل ماله في الصد عن سبيل الله هل أنت ستمنعه وتقول: لا، لن أقف معك، وسأقطع علاقتي معك؟ لا بأس إن كنت من هذا النوع، لكن ما الذي سيحصل؟ مجاملات متبادلة، وسكوت عن باطل عن موقف باطل، عن قول باطل، عن بذل للقول وللمال وللنفس في مواقف وقضايا باطلة، وأنت تسكت وتحافظ على علاقتك معه. إذاً أصبح الدين بكله لا يساوي علاقتك معه، أصبحت علاقتك بالله سبحانه وتعالى ليست بشيء في مقابل علاقتك مع هذا الشخص، أنت أصبحت في باطل، أنت يا من تقول: [بأن ما باستطاعته، أنا فاهم لكل شيء، ولن يستطيع أن يضلني]، هكذا قد ضليت، أصبحت في ضلال]..

وأضاف -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ-: [لا يجوز لك أن تجلس مع من يتكلمون بكلام باطل إلا إذا كان باستطاعتك أن تبين الحق أو تخرج، أما أن ترتبط بهم، وتحسّن علاقتك معهم وأنت تعرف توجهاتهم الخاطئة، مواقفهم الباطلة، فقد جعلتهم أخلاء، ستكون معهم يوم القيامة، وفي يوم القيامة ستكون العداوة بينك وبينهم شديدة، وتتأسف وتندم على علاقتك التي كانت معهم في الدنيا، كيف أودت بك إلى هذا المصير المظلم].

 

لن يجديَنا نفعًا البحثُ عمن أضلونا في جهنم

وصف -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ- آية {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} بأنها آية عجيبة، حيث قال: [بِيدَوِّرُوا فين هم الذين أضلونا؟.. في الدنيا هنا هل كنت تبحث عن المضلين لتطاردهم؟ أم أنت كنت من يصمت، وتعرض نفسك لأي شخص يأتي يضلك، وتكون قابلاً للإضلال وليست مشكلة عندك، ولا قضية أن تصبح تعتقد هذا، أو ترى هذا، أو تقف هذا الموقف الباطل، الإضلال عندك لا يشكل شيئاً، الحرص على أن تبقى في طريق الحق، وعلى أن تبقى مواقفك حق، أن تبقى عقائدك حق، ما كانت عندك قضية كبيرة. لكن في يوم القيامة تبحث أين هم؟ من هم الذين أضلونا؟ تبحث عنهم، [هاتهم، هاتهم، هاتهم، في هذا اليوم نجعلهم تحت أقدامنا ليكونوا من الأسفلين]. اجعلهم هنا في الدنيا تحت أقدامك، اجعل المضلين تحت أقدامك هنا في الدنيا حيث سينفع، كن مهتما هنا في الدنيا أن تعرف منابع الفساد والإضلال، وتعرف رموز الباطل ورموز الضلال؛ لتعمل على أن تجعلهم تحت أقدامك هنا في الدنيا].

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com