“نيويورك تايمز” تروي تفاصيل مجزرة بئر المياه في أرحب: “مأساة يمنية صُنعت في أمريكا”

المسيرة | ترجمة خاصة

تحت عنوان “مأساة في اليمن، صُنعت في أميركا” رَوَت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في تقرير مطوّل نشرته قبل أَيّام، قصةَ المجزرة البشعة التي ارتكبها تحالفُ العدوان السعوديّ الإماراتي عام 2016، عندما قصفت مقاتلاتُه، بسلاح أمريكي، بئرَ مياه في أرحب بمحافظة صنعاء، ما أدّى إلى استشهاد وإصابة قرابة 75 مدنياً، واستعرضت الصحيفة هذه المجزرة كنموذج من نماذج المأساة الإنسانية الكبرى التي يعاني منها اليمنيون والتي تتحمّل الولايات المتحدة مسؤوليتَها من خلال دعمها لتحالف العدوان بالسلاح والغطاء السياسيّ.

 

تفاصيل المجزرة

بدأت الصحيفةُ بتوضيح ظروف ما قبل الجريمة، مشيرة إلى أن “أرحب كانت تعاني من شحة في المياه، ولم يكن لدى السكان ما يكفي للشرب أَوْ لري الحقول، فكانوا بحاجة إلى بئر”؛ لذا لجأوا إلى المساهمة جميعاً في مشروع حفر بئر، بالرغم من أنه “لم يكن هناك أي ضمان لنجاح المشروع”، “وإذا لم ينجح الحفر سيخسر الجميع أموالاً لا يتحملون خساراتها”.

وبعد أسابيع من الحفر، بدأت المياهُ بالظهور، و”انتشر الخبر في القرية، واستبشر الناس وبدأوا بالتوافد إلى موقع الحفر للاحتفال ببئرهم الجديد”، وذكرت الصحيفة أن بعض السكان كان قد لجأ إلى بيع ذهب زوجته من أجل حصول القرية على البئر.

في وقت الاحتفال – تضيف الصحيفة – كان أحد الطيارين التابعين لتحالف العدوان يستعدُّ لإطلاق قنبلة على مكان البئر الذي يتجمع حوله الناس، وبعد لحظات حدث الانفجارُ في المكان، ليتحولَ الاحتفالُ القروي إلى مجزرة بشعة.

ومن وسط دخان وغُبار القصف، نقلت الصحيفة المشهدَ المأساوي الأول لبعض ضحايا المجزرة على لسان شهود عيان، فـ “ربيع الذي كان يحتفل بنجاح المشروع، قطع رأسَه بالكامل تقريباً، إذ ذهب النصفُ العلوي من وجهه، وبقي منه فقط الفكُّ السفلي المفتوح، أحرقت حرارة الانفجار معظم ملابسه وفتحت جلده، وتركته عارياً، وكان الدخان يتصاعد من جسده، وإلى جواره، كان ابنه القاضي، يحترق حياً، ويصرخ”.

أما “فهد” فأفاق فجأةً ليرى أن الشظايا قد دخلت في ساقه، وجذعه، وفكّه، وعينه، فيما “دخلت قطعةٌ واحدة من ظهره وخرجت من صدره، وكان يختنق”.. “على نحو ما نجا، لكنه كان يكابدُ الموتَ مع كُـلّ نفس، وكان ينزف بشدة. لكنه لم يكن على دراية بأيٍّ من هذه الأشياء؛ لأَنَّ دماغه قد استولى عليه ألم يبدو أنه جاء من عالم آخر”.

“شعر ـ فهد ـ كما لو كان في الجحيم، كما لو كان يوم القيامة. كان عليه أن يهرب، ولكن عندما حاول الزحف على المعدن المحترق، سقط إلى جانبه؛ لأَنَّ سواعده سُحقت. بدأ يتدحرج على أجزاء من جثث أصدقائه. لم يكن يفكر في أصدقائه. لم يكن يفكر في أحد. لم يكن يفكر في عائلته. في تلك اللحظة، نسي حتى أن لديه أطفالاً”.

في الوقت ذاته “استيقظ يوسف على رأس كابينة شاحنة الحفر، بشعور غامض يخبره بأن موجةً من النار حملته إلى هناك، نظر إلى أسفل ورأى أن ساقَه اليسرى كانت قد سحقت إلى خيوط من الدم والعظام، أدرك أنه كان يهتز، تلمس حوله الحطام المتناثر للشاحنة، في محاولة للعثور على شيء لتحقيق التوازن مع ساقه”.

ومن مسرح الجريمة إلى مستشفى الثورة العام بصنعاء، انتقلت الصحيفةُ لتنقلَ مشهدَ المعاناة التي يواجهها طواقمُ المستشفى في التعامل مع العدد الكبير من ضحايا الغارات الجوية، ولجوء الأطباء إلى أساليب ارتجالية لعدم توفر الكثير من الإمكانيات الطبية اللازمة؛ بسببِ الحصار المفروض على اليمن، وبينما كان أحد الأطباء يعالج أحدَ الجرحى عقب القصف السابق، تلقى مكالمةً تخبره بأنه حدث قصفٌ آخر على البئر ذاته في أرحب.. “المزيد من الجرحى قادمون”.

تقول الصحيفة: إن الكلمة التي استخدمها الناسُ لوصف القصف الجديد هي “الإبادة”، وهنا تعود مجدداً إلى مسرح الجريمة الأولى لترويَ تفاصيلَ الجريمة الثانية، حيث “كان القرويون في جميع أنحاء أرحب يشقّون طريقهم إلى موقع القنبلة، بعضُهم جاء للمساعدة، والبعض الآخر للبحث عن أحبائهم المفقودين. كان هناك العديدُ منهم، وخاصة الأطفال”، وبعد أن تشكلت “حشود كبيرة” حول موقع الجريمة، جاءت الضربة الثانية بعد ساعات من الضربة الأولى.

لحظة الضربة الثانية “كانت هناك موجةٌ حادة مفاجئة من الهواء والحطام، وبدأ الجميعُ بالركض. ذهب الناسُ في جميع الاتجاهات المختلفة بينما ضجت الطائرات في الأعلى، وبدأت كُـلّ شيء بالانفجار. كانت السيارات والدراجات النارية تندفعُ في الهواء. تمت الإطاحةُ بالأطفال وهم يحاولون الفرار، لاذ الرجال البالغون بحقول الذرة القريبة، استمر الهجومُ لساعات، وبدا الأمر كما لو أن قنبلةً جديدةً كانت تسقط كُـلّ بضع دقائق، وأن كُـلّ واحدة تضرب الناس الذين يحاولون الهرب، كما لو أنها تتبعهم. قال الناس إن ذلك ليس هجوماً، والكلمة التي استخدموها تترجمُ إلى “الإبادة” “.

“أفادت هيومن رايتس ووتش بأن ما لا يقل عن 31 مدنياً قُتلوا، ثلاثة منهم من الأطفال، وأصيب 42 آخرون. لكن من الصعب معرفةُ الأرقام الحقيقية؛ لأَنَّ العديدَ من الضحايا لم يتبقَّ منهم سوى أجزاء صغيرة جداً، بعيدة كُـلّ البُعد عن بعضها البعض”.. “وكان هناك ما لا يقل عن 11 جثةً مشوهة لدرجة أنه لا يمكن تحديدُها، ومعظم القرويين أصيبوا بصدمات نفسية مرعبة، لدرجة أنهم لم يرغبوا بالخارج على الإطلاق”.

وتتابع الصحيفةُ موضحةً مشهدَ ما بعد الجريمة: “كان على أهالي أرحب أن يقيموا الجنازات، لكنهم كانوا خائفين من التجمع في الخارج. لا أحد يعرفُ متى قد تظهر الطائرات من العدم مرة أخرى.. الجنازات كانت قليلة الحضور”.

 

سلاحُ الجريمة: صُنِعَ في أمريكا

بعد تفاصيل المجزرة، انتقلت “نيويورك تايمز” في تقريرها، للإشارة إلى سلاح الجريمة والذي تم فحصُه ميدانياً من قبل باحثة تابعة لمنظمة هيومن رايتس ووتش، زارت مسرحَ المجزرة، وأفضى بحثُها إلى أن القنبلة التي ضربت مكانَ البئر هي قنبلة موجّهة بالليزر صُنِعَت في الولايات المتحدة الأمريكية.

وأوضح التقريرُ أن الشركةَ المصنعةَ للقنبلة هي شركة Raytheon الأمريكية، موضحاً أن أحد المحللين سأل مديري الشركة حول مبيعاتها للسعوديّة، وَإذَا ما كان لها “تداعيات سلبية على أعمال الشركة” فكان الجواب “لا قلق”!

وأكدت الصحيفةُ في سياق عرضها للمسؤولية الثابتة التي تتحملُها أمريكا عن المجازر التي ارتكبها تحالف العدوان في اليمن، أن الولايات المتحدة قدمت قدرات هائلة لدعم الحملة السعوديّة على اليمن، بغض النظر عما ستؤول إليه في المستقبل تحركات الكونغرس الحالية التي ترمي لإيقاف مشاركة واشنطن في “التحالف”.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com