القضية الفلسطينية في فكر الشهيد القائد

حسين الحمران:

بسم الله القائل (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)

والصلاةُ والسلامُ على المبعوث رحمةً للعالمين محمد بن عبدالله وعلى آله الطاهرين..

الحاضرون جميعاً..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

القضيةُ الفلسطينيةُ تحتلُّ الحيِّزَ الأكبر من فكر الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- والمرتكز الرئيسي لعقيدة المسيرة القُــرْآنية والمنطلق الأول لتحَـرّكها.

باعتبار القضية الفلسطينية محور القضايا التي تتمحور حولها كُـلّ الإشكاليات القائمة في المنطقة والإقليم، وحلها هو حل جذري وأساسي ينتج عنه استقرار دائم ومستمرّ في العالم.

أشار الشهيد القائد -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- إلى ارتباط بقاء الكيان الصهيوني بوجود بعض الأنْظمة العربية العميلة والتي ترافق تأسيسها مع إنشاء دولة الكيان الصهيوني الغاصب، كان الهدف الأول من إنشاء تلك المشيخات هو حماية اليهود ودولتهم المستحدثة.

 

أساليبُ اليهود في مواجهة الدعوة الإسْـلَامية

اليهودُ معروفون وعلى مدار التاريخ بخبثهم ومكرهم وجرأتهم الشديدة على الله ورسله واحتقارهم للبشرية أجمع.

وقد تكوّن لديهم إرثٌ كبير من التآمر والغدر والخيانة ما لم يكن لدى أي جماعة أَوْ قومية عاشت على الأرض، بمعنى أن لديهم خبرة عالية جِـدًّا في التضليل وتزييف الحقائق وتغيير الواقع وبيع الدين قال الله عنهم (اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً).

فقد سكنوا بالقُرب من المدينة المنورة لوأد النبوة القادمة التي توفرت لديهم مبشراتٌ بقدومها ونبوءات عن مكانها فلم يكن وجودهم بمحيط المدينة المنورة اعتباطاً أَوْ مُجَــرَّد مصادفة، بل كان مُخَطّطاً له؛ لأَنَّهم يريدون البقاءَ لوحدهم بل والسيطرة المطلقة على العالم، وهو ما تحقّق لهم في العصر الحديث بعد عمل دؤوب استمر لقرون طوال.

لكن إرَادَة الله كانت الحاسمةَ في هذا الأمر وأتت الدعوة المحمدية وقوي عودها واضطروا للدخول في صراع مسلح مع النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلّم، في محاولة للقضاء عليه وعلى دعوته بعدما استنفدوا ما لديهم من حيل وألاعيب وإغراء للقبائل المجاورة بمحاربة النبوة ومحاولة إجهاضها إلى زرع الفتن والمشاكل بطريق الدعوة المحمدية، إلى تبنّي تيار النفاق داخل المجتمع المسلم.

كانوا يحاولون جهدَهم النأي بأنفسهم عن المواجهة المسلحة مع النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلّم ودعوته والحفاظ على قوتهم إلى آخر لحظة واستنزاف النبي صلى الله عليه وآله وسلّم في حرب بينية مع العرب؛ ليسهُلَ لهم القضاءُ على الجميع.

لكن وعي النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلّم باليهود وأنهم وراء كُـلّ ما يحدث عجل من المواجهة المسلحة والقضاء على حلمهم.

أخرجهم النبي صلى الله عليه وآله وسلّم من جزيرة العرب بكاملها في محاولة لحماية القاعدة الإسْـلَامية الفتية، ومع ذلك ما انفكت المؤامرات والدسائس والكيد هنا وهناك في محاولة جادة للحد من انتشار الدين الإسْـلَامي ورسالته السامية المهدّدة لليهودية كإثنية عرقية بالزوال.

استمر خبث اليهود في الكيد للإسْـلَام بشتى الوسائل والأساليب، مستهدفين بذلك أهم مقومات الإسْـلَام تحريف وعي الأُمَّـة وتضليله وجرها بعيداً عن الإسْـلَام وروحه.

 

حديثُ الشهيد القائد عن مكون اليهود

لدى الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- فلسفةٌ عن مكون اليهود جديرةٌ بالدراسة والاهتمام.

تكلم الشهيد حسين بدر الدين الحوثي -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- كثيراً عنهم ولا تخلو محاضرة من محاضراته من الإشارة إلى اليهود ويرى بأن اليهودية هي قومية لم تعد ديانةً بمعناها الحقيقي بعدما دخلها التحريفُ والتزييفُ وأنهم لم يعودوا من أهل الكتاب بل كُفّار.

بعدما يأس اليهود من التأثير ومن الحد من انتشار الإسْـلَام وهم مشتتون في بقاع المعمورة، بدأت تتبلور لديهم فكرة استعادة الدولة اليهودية وتجميع اليهود بمكان واحد.

بعدما نضجت لديهم الفكرةُ بقناعة تامة بعدم قدرتهم على التأثير وهم بعيدون عن المنطقة فكان لزاماً العودة إليها تحت مبرّرات عدة باعتبار العودة حقاً إلهياً.

 

تطور إطار التآمر اليهودي

الذي يجب أن نفهمه ونعيَه أن وعَد بلفور وما سبقه لم يكن نتاجَ اللحظة والشعور بالذنب من قبل الغرب بضرورة نصرة اليهود وإنما نتاج عمل دؤوب ومستمرّ من اليهود وباتّفاق تام مع القوى الغربية والشرقية لإنشاء دولة إسرائيل الكبرى لأهداف دينية واقتصادية وسياسيّة بشكل أساسي.

فالتآمر اليهودي مر بمراحلَ مدروسة ومرتبٍ لها بدقةٍ متناهية بدءاً بتأسيس طوق جغرافي محيط بفلسطين لضمان أمن اليهود وإنشاء مشيخات الخليج كجماعات عربية متوحشة لا تحمل أي قيم أَوْ مُثُل إسْـلَامية هدفُها زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة وإخافة الناس ونهب أموالهم وأراضيهم ليتسنى للمشروع أن ينضج.

تطور المشروع ونتج عنه واقعٌ سياسيّ هادم ومعيق لأي توجه رافض لوجود هذا الجسم الدخيل على جسد الأُمَّـة بل تعدى ذلك إلى ميسِّر وخادم لما لم تستطع أن تناله اليد اليهودية بأدواتها القذرة فنشأت مفاهيمُ خاطئةٌ في العمل السياسيّ.

وبالأصح تم إعَادَة إحياء تلك الثقافة التي أدخلها اليهود ضمن ثقافة الحكم الإسْـلَامي في العصور الأولى للدولة الإسْـلَامية.

 

جوانبُ مشروع العودة اليهودي

مشروعُ العودة اليهودي لم يقتصر على جانبه الجيوسياسيّ فقط وإنما حمل أركاناً أُخْــرَى، حيث اهتموا بالجانب الثقافي والديني كمرتكزين أساسيين للأُمَّـة الإسْـلَامية الثقافية وعنصرين مهمين للمجتمع الإسْـلَامي وهما الأُم والقدوة.

هاجم اليهود وأياديهم وأدواتهم هذين المرتكزين (الأم الصالحة والقدوة الحسنة) بشكل كبير وأثّروا في ذلك كثيراً جِـدًّا، بل قد لا نجانب الحقيقةَ إنْ قلنا بأنهم وصلوا لمبتغاهم فأخرجوا الأم التي كانت تُنشِئ الأجيال المؤمنة والواعية من اهتمامها، هذا إلى مجالات أُخْــرَى تُبعِدُها عن مشروعها السامي وحوّلوا العلماء قدوة المجتمع إلى ناعق بحمد السلطان والملك والرئيس ومسبح بحمده ومبرّر له تعاونَه وتماهيَه مع المشروع اليهودي الهادم، وقتله وظلمه لأمته وشعبه، فأصبح العالم بنظر الشعوب مُجَــرَّد خادم للحاكم، ففقد تأثيره وحضوره، والأسوأ من ذلك أصبح يعكسُ نظرةً خاطئةً عن الدين الإسْـلَامي وفقد كثيرٌ من الشباب ثقتَهم بدينهم ومعتقدهم، فسهل اجتذابهم والتأثير عليهم لخدمة المشروع اليهودي والسيطرة التامة عليهم.

اتّجه اليهود للسيطرة على الإعْـلَام والمال، فسيطروا على العالم وأصبحوا هم المتحكمين في قراره السياسيّ والثقافي والاقتصادي وحتى الديني.

 

نتائجُ المشروع اليهودي على الوسط الإسْـلَامي

نتج من هذا كله واقعٌ اجتماعي مستسلمٌ وخانع لا يهمه شيءٌ حتى القيم التي كان يحملها العربي والمسلم، سواء البدوي منهم والمدني، اضمحلت لديهم تلك القيم ولم تعد تلك النفسُ العربية المملوءة بالحمية والغِيرة والنجدة والكرم والشهامة التي تأبى الضيم والظلم وتتعالى على جوعها وفقرها وحاجتها.

بهذا يكون المُخَطّط الصهيوني قد اكتملت اركانه وأينعت ثماره ولم يتبقَ إلّا الإجهاز على هذه الأُمَّـة نهائياً، فهم لم يعد همُّهم أن نصبح ضائعين ومفرقين ولا نشكل أي خطر عليهم، فهذا قد تحقّق لهم، بل أصبحنا حماةً لهم وحراساً لحدودهم بدون أي مقابل بل مبادرين للدفاع عنهم.

 

شرارةُ تحَـرّك الشهيد القائد في مواجهة اليهود

إن تحَـرّكَ الشهيد القائد حسين بدر الدين -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- أتى من استشعاره للخطر الكامن للأُمَّـة ومن المسؤولية الكبيرة الملقاة على عواتق العلماء والمفكرين والأدباء وجميع أفراد الأُمَّـة بضرورة التنبه للخطر الماحق الداهم والذي ليست نتيجته دنيويةً فقط بل وأُخروية تؤدي بالجميع إلى النار والعياذ بالله.

سعى بكل جهده لإعَادَة تذكير المجتمع بواجبه تجاه هذه المؤامرة ونبّه إلى أهدافها الرئيسية: استذلال الأُمَّـة واستعبادها، وأن هذه الأنْظمة معظم الأنْظمة العربية والإسْـلَامية هي أنْظمة صنعها وأوجدها اليهود.

وقد سمعنا مؤخّراً ما قاله الرئيس الأمريكي ترامب ذلك الرجل الذي أظهر ما كان مخفياً لعقود من الزمن بأن إسرائيل ستكون بمأزق وورطة كبيرة لولا وجود السعوديّة.

صرخ الشهيد حسين بدر الدين الحوثي -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- بملء فِيه بضرورة العودة إلى كتاب الله، والسير وفق ما أرشد ووجّه إليه الله، فقد بيّن وكشف لنا نفسيةَ اليهود وتفكيرهم وما يطمحون إليه من تدمير للأُمَّـة واستعبادها والسيطرة على قرارها السيادي ونهب ثرواتها.

لقد نبّه الشهيدُ القائدُ حسين بدر الدين الحوثي -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- إلى كُـلّ ما هو حادث اليوم وهو بكل تأكيد لا يعلمُ الغيبَ وإنما بتأمله للقُـرْآن وما ذُكر فيه وبجمع الأدلة والمؤشرات والتنبه الدائم والمتابعة المستمرّة للأحداث ببصيرة، نتج عنه هذا فهمٌ عالٍ للخطة اليهودية ومرتكزاتها فأصبح يشكل خطراً جدياً على نجاحها فسعوا للقضاء عليه وعلى توجُّهه وفكره.

 

الشهيد القائد.. عواملُ عرقلة تمرير المؤامرة الصهيونية

يذكُرُ الشهيدُ القائدُ حسين بدر الدين الحوثي -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- ويفهم منه أن هناك عواملَ حالت دون تحقّق المؤامرة ١٠٠ % أَوْ أخرت وعرقلت نجاحها، نذكرها هنا سريعاً وإن شاء الله يتاح لنا فرصة للتكلم عنها أَكْثَــرَ في مناسبات قادمة.

من تلك العوامل:-

أولاً:- المقاومة الفلسطينية الأبية التي حمت شرفَ الأُمَّـة وأقلقت اليهود وكيانهم المغتصب وحالت دون أن يأخذَ اليهود الراحة الكافيةَ لبناء دولتهم فقد بقيت واستمرت ولم يفت في عضدها ذلك رغم ما نال المقاومة من غدر الإخوة وتآمرهم.

ثانياً:- ثورة الإمام الخميني رحمة الله عليه التي بحق كانت زلزالاً في المنطقة أثّر بشكل كبير وأعاد الثقةَ المفقودة بنفوس الأُمَّـة عامةً والشباب خَاصَّـة بقدرة الدين الإسْـلَامي على النهوض من كبوته وقدرته على مواجهة الأعداء وإمكانية تأسيس المشروع المفقود لبناء الأُمَّـة في جميع المجالات.

ثالثاً:- الصحوة الإسْـلَامية في عموم الوطن الإسْـلَامي، ولو أنها حُرّفت وركب موجتها بعض القوى المرتبطة بدوائر الاستكبار والهيمنة العالمية إلّا أنها أثّرت وأعادت ولو شيئاً بسيطاً من الوعي والإدراك والانتباه للمؤامرة اليهودية.

رابعاً:- حركة ومشروع الشهيد القائد والتي كانت بحق تاج كُـلّ ما سبق واستفادت منه بشكل كبير وأثْرت الحركة الإسْـلَامية ثقافياً وسياسيّاً، وانتجت جيلاً واعياً وقوياً إسْـلَامياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى يحمل القيمَ والمبادئ والمُثُلَ والثقافة الإسْـلَامية العالية، مشروع استطاع أن يواجه وأن يصمد وأن يستمر بل ويتوسع ويكسب الأنصار والمؤيدين من شتى طبقات المجتمع.

مشروعٌ يعتمد القُــرْآن إماماً ومنهجاً وقائداً لا بديل عنه، وقد هيئ الله لهذا المشروع القبولَ والتأييد في شتى بقاع الأرض.

إنها لمسؤولية عظيمةٌ ومشرفةٌ نالها اليمنيون باحتضانهم لهذا المشروع القُــرْآني وهم له أهلٌ، فهم حَضَنة ومؤيدو وناصرو كُـلّ تحَـرّك لعزة الأُمَّـة، فقد كانوا سيف النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ودرعه وكانوا حُماة الدين ومحرّري الأوطان وكاسري شوكة الأعداء والغزو على مدار التاريخ.

أشكركم جميعاً وأخص بالذكر الإخوة في جامعة صنعاء هذا الصرح العلمي الشامخ وعلى رأسهم رئيس الجامعة على إتاحة الفرصة لنا للحديث معكم

وفّقنا الله وإياكم لما يُحِبُّ ويرضى..

والسلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاته..

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com