السيد عبدالملك الحوثي في أولى محاضراته بذكرى المولد النبوي الشريف 1440هـ:

أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِيْنَ، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَـلِكُ الحَـقُّ المُبِيْن، وأشهَدُ أن سَيِّـدَنا مُحَمَّــدًا عَبْـدُه ورَسُــوْلُه خَاتَمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارْضَ اللَّهُم برِضَاك عن أَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ المنتجَبين وعَنْ سَائِرِ عِبَادِك الصالحين.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ والأخواتُ..

السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه:

بمناسبةِ اقترابِ ذِكْـرَى مناسبة المَـوْلِـد النَّبَوِيّ الشريف حرصنا كما في العام الماضي وكما في المناسبات الماضية أن نستفيدَ من هذه الذِّكْـرَى باعْتبَارها محطة مهمة جِـدًّا نستلهمُ منها أعظمَ الدروس والعِبَرِ التي نحن في أمسِّ الحاجة إليها في واقع حياتنا، بحكم انتمائنا للإسْـلَام وبحكم ما نواجهُه في واقعِ هذه الحياة من مشاكلَ ومن تحدياتٍ وما نتحمله من مسؤوليات، وإذَا جئنا إلى أية ذِكْـرَى أَوْ مناسبةٍ تذكِّرُنا برَسُـوْلِ الله محمدٍ -صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـــهِ- فلا شكَّ أنها ستكونُ المناسبةَ الأهمَّ في ما يمكنُ أن نستفيدَه منها من دروس وعِبَرٍ.

علاقتُنا كأُمّة إسْـلَامية تنتمي إلى الإسْـلَام بالرَّسُـوْل من موقعه كرَسُـوْلٍ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ كرَسُـوْلِ الله علاقة وارتباط مهم جِـدًّا علاقة إيْمَـانية وارتباطٌ قائمٌ على أَسَاس التعليمات والتوجيهات والإرشادات وعلى أَسَاس العقيدة والشريعة وما يتصل بذلك.

علاقةُ الهداية التي تمتدُّ إلى كُــلّ شؤون حياتنا ونحن في أمسِّ الحاجةِ للاستفادة منها والارتباط بها وإلا لم يكُنِ البديلُ ولن يكونَ البديلُ إلا الضلالُ وإلا الضياعُ وإلا التَّيْه.

في هذا العام حرصنا أولاً على إعَادَة الدروس التي ألقيناها في العام الماضي لما تضمّنته من مواضيعَ مهمةٍ جِـدًّا، بحسب الظروف التي نعيشُها والتحديات التي نواجهها، ثم على أَسَاس أن نُكمِلَ من حيث انتهى بنا المطافُ في تلك الدروس ونركِّزُ على بعض المواضيع المهمة وعلى ضوء الآيات المباركة من كتاب الله المجيد الكريم الذي نستهدي به ونستفيدُ منه ونسترشدُ به ونعودُ إليه كأهمِّ مصدرٍ نستفيدُ منه في معرفة الرَّسُـوْل صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ ومعرفة الرسالة الإلهية في طبيعتها في مضمونها في دلالاتها إلى آخر ما يتصلُ بذلك من المعارف التي نحتاجُ إليها كمسلمين؛ ولذلك سنحرص إنْ شاء اللهُ في هذه المحاضرة، على الحديث على ضوء الآيات المباركة من أول سورة الجمعة، يقولُ اللهُ -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ [يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4) مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا، بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ، وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ]، ابتدأت السورةُ المباركةُ بالحديث عن التسبيح لله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- يسبِّحُ لله ما في السماوات وما في الأرض، استنفارٌ شاملٌ لجميع ما في السماوات وما في الأرض لتسبيحِ الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- تنزيهه وتقديسه عن كُــلِّ عيب عن كُــلِّ نقص في مقام ربوبيته وكماله والتسبيح لله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- الذي هو دلالةٌ على تنزيهه وقُدسيته وكماله وتنزيهه عن كُــلّ نقص في مقام أُلوهيته في مقام ربوبيته يمتدُّ إلى موضوع مهم جِـدًّا ويتصلُ في هذا السياق بمواضيعَ في غاية الأهميّة موضوع الهداية للعباد من جوانبَ متعددةٍ، سنشيرُ إلى البعض منها وطبعاً النصوصُ القرآنية واسعةُ الدلالة واسعةُ الهداية وما يمكن أن نستفيدَه منها أَوْ نقدمَه منها هو بلا شك شيءٌ محدودٌ فيما فيها من الهدى الواسع جِـدًّا فيما يمكنُ أن نستفيدَه فيما قد قُدِّمَ من قبلنا، فيما يُقَدَّمُ من بعدنا فيما يمكن أن نستفيدَه مجدداً في أية مناسبات وبالتأكيد أَيْضاً بحسب الظروف والمراحل وبحسب المناسبات.

اللهُ -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- حكى عن نفسه بعضَ الأسماء الحُسنى المهمة في هذا السياق، الملك القدوس العزيز الحكيم فهو جَلَّ شأنُه المنزَّهُ والمقدَّسُ من أن يترُكَ عبادَه عبثاً، أن يخلُقَ هذا الكونَ الفسيحَ العجيبَ الكبيرَ العظيم المتقن في غاية الإتقان والإحكام والإبداع، وأن يخلقَ هذا الكائن البشري الذي هو الإنْسَـانُ على هذه الأرض بدون هدفٍ بدون أن يرسمَ لهذا الإنْسَـان هدفاً بدون أن يرعى هذا الإنْسَـان في مسيرة حياته ويترك البشرية في حالة من العبث والفوضى لا مسؤولية محدّدة ولا واجبات ولا أهداف لمسيرة حياتهم ولا توجيهات وإرشادات تضبُطُ لهم مسيرةَ حياتهم، فيعيشون في هذه الحياة في حالةٍ من الصراع والفوضى والنزاعات والاختلافات والتباينات لا يرسمُ لهم منهجاً لضبط مسيرة حياتهم، ولا يكون هناك ما يدُلُّهم على الخير والرشاد والصلاح لحياتهم، ولا يكون هناك حسابٌ ولا جزاء ولا ثواب ولا عقاب. اللهُ مُنَـزَّهٌ عن أن يفعَلَ ذلك أَبَـدًا وكذلك مُنَـزَّهٌ عن أن تكونَ طريقتُه في هداية عباده طريقةً بعيدةً عن الحكمة أَوْ بعيدةً عن القُدسية أَوْ بعيدةً عن العزّة، وهذا أَيْضاً ما سنشير إليه في الآية التي تلي هذه الآية [هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ] هو جَـلَّ شَأْنـُـهُ من مقام ربوبيته ومن مسؤوليته كإله وكملك وعزيز وحكيم هو جَـلَّ شَأْنـُـهُ الذي بعث في الأميين رَسُـوْلاً منهم، وهنا يجدُرُ بنا أن نستفيدَ من هذا النص المبارك أننا في واقعنا البشري فيما نعيشُه من مشاكلَ ومحنٍ وأزمات وهموم وتضاربات ورؤىً متناقضةٍ واضطرابات كبيرة في واقعنا البشري يجبُ أن نعيَ أن سبيلَ نجاتنا وحَلِّ مشاكلنا وصلاح حياتنا إنما يكونُ بالعودة إلى الله والتطلُّع إلى الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- في ما يقدمُه لنا ليرسمَ لنا هو جَـلَّ شَأْنـُـهُ مسؤولياتِنا في هذه الحياة سبيل الخير سبيل النجاة سبيل الفلاح الذي فيه صلاح حياتنا وحل مشاكلنا في كُــلّ مناحي حياتنا أن نتطلعَ إلى الله باعْتبَاره جَـلَّ شَأْنـُـهُ هو المصدرَ لذلك لا سبيل إلى ذلك إلا بالعودة إليه وهو جَـلَّ شَأْنـُـهُ يبتدئُنا أَصْــلاً، لا تكونُ المسألةُ مَثَـلاً متروكةً إلى أن نطالِبَه أن نعملَ مظاهرات في الأرض نتجمع ككائنات بشرية ونعمل مظاهرات في كُــلّ أنحاء الأرض، (يا الله نحن نتظاهر لماذا لا ترشدنا لماذا لا تدلنا على ما بهِ حَلٌّ مشاكلنا على ما نصلح بهِ حياتنا على ما يضبط مسيرة حياتنا كمنهج وكنظام لهذه الحياة على كُــلّ ما يتصل بواقع حياتنا التي نعيشها)، لا، الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- يبتدئُ عبادَه منذ بداية وجودهم أول ما خلق الإنْسَـانَ منذ آدم عليه السلام أتى إليه وحيُ الله توجيهاتُ الله تعليماتُ الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- فهو جَـلَّ شَأْنـُـهُ يبتدئُ عبادَه وعلى طول مسيرة التأريخ منذ آدم عليه السلام وأتت الأجيالُ تلو الأجيال من البشر ويترافقُ معها نزولُ الهدى الإلهي مجيءُ الهداية الإلهية إلى الواقع البشري، فاللهُ يبتدئُ عبادَه بالهداية وتأتي إليهم الهدايةُ منه وفْقَ طريقته ووفق سُنّته التي هي مرتبطةٌ بحكمته بعزته بقدسيته -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- ثم ما يأتي منه -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- وهو مشروعُه لعباده في أرضه من موقعه في الملك والربوبية والألوهية هو معنيٌّ بأمر عباده ليس فضولياً يتدخَّلُ في شؤونهم وليست له علاقة بهم فيأتي البعضُ مَثَـلاً يقول لماذا يريد اللهُ أن يفرِضَ علينا في حياتنا منهجاً معيناً ويقدم لنا توجيهاتٍ وأوامرَ ونواهيَ وغير ذلك، لا، هو جَـلَّ شَأْنـُـهُ المعنيُّ بأمرنا؛ لأَنَّه ربُّنا ملكُنا إلهنا وهو كذلك العزيز والحكيم تأبى عزتُه وتقتضي حكمتُه أن يكونَ له في واقع حياتنا تدخلٌ كاملٌ، تأبى عِزَّتُه أن يترُكَنا هَمَلاً وتقتضي حكمتُه أن يتدخلَ في كُــلّ شؤوننا لما فيه الخير لنا فيرسم لنا منهجاً إذَا سِرنا عليه في هذه الحياة كان بذلك فلاحُنا وخلاصُنا وصلاحُ حياتنا، وكان بذلك فوزُنا في الدنيا وفوزنا في الآخرة، هو جَـلَّ شَأْنـُـهُ من موقع مُلكه وقدسيته وعزته وحكمته الذي بعث في الأُمّيين رَسُـوْلاً ويتسم منهجُه ورسالته هذه برحمته بحكمته مطبوعة بطابع أسمائه الحسنى بالرحمة بالحكمة بالعلم بالخير والعزة إلى آخره، فليس فضولياً وليس مُجَـرّد مقترحاتٍ متروكة لمزاجنا إنْ نحن رغبنا أن نعملَ بها فلا بأسَ وإن لم نرغَبْ نتركها ويكون الموضوع عادياً وطبيعيًّا، لا، بل المشروع الإلهي هذا هو مُلزِمٌ، مُلزِمٌ؛ لأَنَّه من الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- الرب الملك للسموات والأرض وللناس، وإذَا لم نعمل ولم نقبل بهذه الرسالة الإلهية هناك عقابٌ وهناك حسابٌ وهناك جزاءٌ، هناك عواقب وخيمة، عواقب وخيمة للرفض لهدي الله والإعراض عن هدي الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- في الدنيا وفي الآخرة.

 

المشروعُ الإلهيُّ تفاعلي ليس مُجَـرّدَ توجيهات جافة

ثم كذلك هناك نقطةٌ مهمة جِـدًّا أن الهديَ الإلهية والرسالةَ الإلهية ليست مُجَـرّدَ توجيهات جافة ومنفصلة عن الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- ومشروعاً ينزل إلى البشر يرسمُ لهم طريقَ الخير والفلاح ثم يترك الأمر هكذا إن أخذوا به استفادوا وإن لم يأخذوا به يُعاقَبون في الدنيا والآخرة، هذا المنهجُ الإلهي وهذه الرسالة الإلهية تتصل بالله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- في تقديره يعني المشروعُ الإلهي هو مشروعٌ تفاعلي إنْ صحَّ التعبيرُ، يتصل بالله القيوم المدبّر والله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- لم يفصل هذا المنهج عنه يعني يفعل فينا جميلاً ويقدم إلينا رؤيةً جميلة حَسَنة وخلاص وانتهت المسألة عند هذا الحَدّ، لا.

المشروعُ الإلهيُّ هو مشروعٌ تفاعلي يبقى مرتبطاً بالله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- في كُــلّ الجوانب في كُــلّ المجالات في كُــلّ الاتّجاهات وسنذكر بعض الأمثلة على ذلك، مَثَـلاً نجد في القرآن الكريم الأمر بالجهاد في سبيل الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- وهو أمر بما فيه خير لنا عزة لنا كرامة لنا دفعٌ للشر عنا ودلالة على عملٍ هو لصالحنا فيه دفع للظلم عنها ودفعٌ للشر عنا فيه تحقيق للخير لنا لكن هل تكون المسالة فقط عند هذا الحد، لا، المسالة أَكْبَــر الله يقول [إن تنصروا الله ينصركم] المسالة يرتبط بها تدخل إلهي تدبير إلهي، نلاحظ مَثَـلاً الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- يقول [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا] والله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- عندما تتجه أُمَّـة أَوْ قوم أَوْ أي ناس من البشر يجتمعون لينفذوا هذا التوجيه الإلهي كيف يتدخل الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- فيؤلف بين قلوبهم هو جَـلَّ شَأْنـُـهُ القائل [وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ] والقائل [وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا] كيف أن الله يتدخل جَـلَّ شَأْنـُـهُ في كُــلّ اتّجاه نتجه بتطبيق هديه لقبول توجيهاته يتدخل على أَسَاس تنفيذنا لذلك التوجيه فيمدنا -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- يمدنا بمدده في كُــلّ مقام بما يقتضيه [وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ] يأتي التدخل الإلهي مع الهدى هذا فالمشروع الإلهي والرسالة الإلهية لا ينفصل عن الله ليست مُجَـرّد توجيهات طيبة وإرشادات جميلة ينزلها إلينا ونستفيد منها بحسب إيجابيتها في الحياة بحسب بل يرتبطُ بقيومية الله وبتدبيره ويكون لما ننفذه ونطبقه من تعليمات الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- أثر في تدبير الله في تدخل الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- ويمتد بهذا إلى كُــلّ مجالات الحياة كُــلّ واقع الحياة وهذه مسألة مهمة جِـدًّا مسالة مهمة جِـدًّا.

 

الإعراض والرفض لتوجيهات الله تترتب عليها عقوبات

كذلك على المستوى السلبي حالة الإعراض حالة الرفض لتوجيهات الله والإعراض عن هدي الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- أَيْضاً تترتب عليها عقوبات عقوبات من الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- الشقاء الضنك في المعيشة عقوبات إلهية في الدنيا وعقوبات في الآخرة، فالرسالة الإلهية مشروع إلهي يتصل بتدبير الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- ومشروع تفاعلي ترتبط به إجراءات إن صح التعبير من الله سبحانه وتعالى وتترافق معه أَيْضاً إجراءات كثيرة من جانب الله أمور كثيرة يفعلها الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى-، وهذه سمة مهمة من مشروع الإلهي يجب أن نستوعبَها جيداً وتُمَثِّـلُ أهميّةً كبيرة جِـدًّا في انجذاب الإنْسَـان إلى هذا المشروع الإلهي وإدراكه لأهميته؛ لأَنَّه يُمَثِّـلُ صلة ما بيننا وبين الله نحظى من خلالها برعاية واسعة من الله في كُــلّ مجالات الحياة والإعراض كذلك يترتب عليه مخاطر كبيرة وعقوبات شديدة من جانب الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى-، هو الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- بملكه برحمته بحكمته بتدبيره بقيوميته والذي وبعزته وحكمته بعث في الأميين رَسُـوْلا منهم بعث في الأميين، الحالة التي كان يعيشُها العرب ويعيشها المجتمعُ البشري ما قبل بعث رَسُـوْل الله صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ بالرسالة الإلهية إلى الناس، كانت حالة رهيبة جِـدًّا، الواقع العام الذي يعيشُه البشر كان واقعاً سلبياً وسيئاً بكل ما تعنيه الكلمة، واقعاً ظلامياً وواقعاً ممتلئاً بالظلم والفساد والجور، ومأزوماً بالمشاكل، في الساحة العالمية كان الواقع العربي يتصف بالأُمِّـيَّـة الشديدة والجهالة والبدائية، المجتمع العربي، كان المجتمع الأَكْثَــر جهلاً والأَكْثَــر أُمية والأَكْثَــر بداوة إن صح التعبير، وأتى الهدي الإلهي إلى هذا المجتمع وفي هذا عبر عظيمة ودروس مهمة جِـدًّا، أن عظمة هدى الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- أنه يبني ويصلح المجتمع البشري ويرتقي به إلى أرقى مستوى حتى لو كان في أهبط مستوى، أضعف مستوى، عندما نجدُ أن المجتمعَ العربي الذي كان مجتمعاً أُمياً لا يمتلك ثقافة ولا يمتلك معرفة ولا يمتلك وعياً والأُمِّـيَّـة العربية أُمية شاملة، ليست فقط أُمية في القراءة والكتابة، فتقل مَثَـلاً أنهم كانوا يعانون أزمة في هذا الجانب فحسب، لا يستطيعون أن يقرأون، ليست أُمَّـة متعلمة تقرأ الكتب، وحالة نادرة في أوساطهم وكذلك أُمَّـة لا تسطيع الكتابة والكتابة في أوساطهم حالة بسيطة، ولم تكن هذه المسألة الرئيسية، ولذلك عندما بعث الرَّسُـوْل صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ، لم يكن الموضوع الرئيسي في الرسالة الإلهية أن يكون له برنامج محو أُمية يتجه فقط وبشكل رئيسي إلى أن يتعلم الناس كيف يكتبون وكيف يقرأون وانتهى الموضوع، لم تكن المسألة هذا، الأُمِّـيَّـة الأَكْبَــر من ذلك والأخطر بكل ما تعنيه الكلمة أنهم لا يمتلكون رؤيةً صحيحة، ولا فهماً صحيحاً ولا معرفة صحيحة في أشياءَ كثيرةٍ جِـدًّا، ينقصهم الوعي، المعرفة الصحيحة، النظرة الصحيحة تجاه معظم الأمور التي تتصل بحياتهم بمسؤوليتهم، وفي مختلف المسائل الدينية منها في المقدمة، لديهم أفكار خاطئة كثيرة، تصورات مغلوطة، ومفاهيم مغلوطة كثيرة ليست صحيحة، وخرافات كثيرة، مساحة واسعة من التصورات والمفاهيم كانت عبارة عن خرافات، ومفاهيم تنحرف بهم في واقع حياتهم، وضياع في هذه الحياة، لا هدف ولا مسيرة صحيحة يتحَـرّكون على أَسَاسها، وهذه الأُمِّـيَّـة كانت قائمة في الواقع العام البشري، يعني لدى غيرهم من الأُمَـم، ولكنهم كانوا أَكْثَــر أُمية من غيرهم، والأُمَـم الأُخْــرَى والأقوام الآخرون كان لديهم نفس المشكلة وبقدر متفاوت، يعني البعض أَيْضاً كانت لديهم حالة من الضلال الرهيب، ولكن المجتمع العربي كان المجتمع الأَكْثَــر أُمية، الأَكْثَــر أُمية والأَكْثَــر بدائية وجهلاً، أتى هذا الهدى إلى هذا المجتمع، غيّر واقع هذا المجتمع بشكل كامل، وكان التغيير في هذا المجتمع من خلال هذا الهدى، من خلال هذا المشروع الإلهي الشامل الواسع الحكيم والصحيح الذي فعلا يمكن أن يعتمدَ عليه لتغيير حقيقي وتغيير مثمر، وتغيير مصلح، وتغيير مضمون نحو الأفضل، فأتى هذا الهدى إلى هذه الأُمَّـة بما تعيشه من أُمية، ليغير واقعها تَمَاماً، تستبدل بالخرافات والمفاهيم المغلوطة والأفكار والتصورات الباطلة مفاهيم صحيحة من نور الله، من هدي الله من رسالة الله، أفكار صحيحة، معارف صحيحة، توجيهات صحيحة، تعليمات صحيحة، إرشادات صحيحة، فتتغير في واقعها بشكل جذري نحو الأفضل، وسيتغير واقع حياتها بشكل تام؛ ولذلك علينا أن ندركَ أن هذه التجربة التي وقعت بالفعل، ولم تكن مُجَـرّد نظرية قُدِّمت في كتاب، بل طُبِّقت على أرض الواقع وأثمرت تغييراً جذريًّا، غيّر واقع هذه الأُمَّـة التي كانت أُمّية وبدائية إلى أن ارتقت وتفوقت على سائر الأُمَـم، وتطلعت إليها بقية الأُمَـم لترى فيها أنها أصبحت أرقى نموذج قائم في واقع الأرض فيما لديها من فكر، فيما لديها من ثقافة، فيما لديها من معالم في هذه الحياة، من اهتمامات من تصوّرات، فيما تحمله من مشروع في هذه الحياة، وتحت قيادة رَسُـوْل الله صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ، رَسُـوْل الله هو تحَـرّك بهذا المشروع الإلهي بعد سنوات معينة بعد فترة زمنية محدودة تغيّر هذا الواقع ليكون هو الواقع الأرقى آنذاك في الأرض بكلها، وليكون ذلك العربي هنا أَوْ هناك في تلك المنطقة أَوْ تلك الذي كان رأسه مليئا بالخرافات، والمفاهيم الخاطئة، وكانت نظرته في هذه الحياة إلى واقعها ومشاكلها وأمورها، وكانت كذلك مفاهيمه تجاه الكثير من الأمور مغلوطة وخاطئة وخرافية قد أصبح متنوراً، لديه مفاهيمُ صحيحة، لديه نظرةٌ صحيحةٌ لديه اهتمامات صحيحة، وطَبْــعاً هذا بقدر تفاعل من تفاعل مع هدى الله، بقدر الاستجابة بقدر ما كان هناك من ارتباط، من علاقة بهذا الهدى، من تفاعل وتأثر مع هذا الهدى وبهذا الهدى.

 

نقلةٌ هائلة إلى الواقع الأرقى

فحدثت نقلة هائلة، نقلة كبيرة جِـدًّا في الواقع الأُمي العربي من حالة أُمية فظيعة ومتدنية جِـدًّا إلى أُمَّـة تمتلك ثقافة هي أرقى ثقافة، تمتلك وعياً هو أرقى وعي، بين يديها نور الله وهديه وتعليماته التي لا يساويها شيءٌ في كُــلّ الدنيا، فهذه النقلة الهائلة والكبيرة تُمَثِّـلُ نعمة عظيمة من الله سبحانه أنعم الله بها، ولاحظوا ما تعيشه البشرية في هذا العصر من أُمية، في هذا الزمن لا يمكن أن يعالج مشكلة الأُمِّـيَّـة التي نعيشها كعرب في المقدمة قبل كُــلّ الشعوب وقبل كُــلّ الأُمَـم، ثم من حولنا بقية الأُمَـم، نعيش حالة رهيبة وفظيعة جِـدًّا من الأُمِّـيَّـة، غير أُمية الكتابة وغير أُمية القراءة، المفاهيم الظلامية والخاطئة المنتشرة بشكل كبير، والتي لها من يروج لها من ينشرها، والتي لها حضورٌ كبيرٌ في المناهج التعليمية الرسمية وفي وسائل الإعلام وفي الأنشطة التثقيفية والتعليمية بمختلف أنواعها، حضور واسع جِـدًّا، لا يمكن أن تتغير هذه الأُمِّـيَّـة التي جعلت الأُمَّـة في حيرة وفي تخبط وانعكست بآثارها السلبية على واقع الحياة وعلى واقع الإنْسَـان في نفسه، الحالة التربوية الحالة الأَخْــلَاقية، الواقع العملي، الاهتمامات التصرفات، تأثرت، تأثرت بالثقافة السائدة، وهي ثقافة جعلت الأُمَّـة في حالة من الأُمِّـيَّـة الشديدة، أُمية حينما لا يمتلك الناس الفكرة الصحيحة، الرؤية الصحيحة، الرؤية الرشيدة التوجه الصحيح، النظرة الواعية إلى الأمور، هذه مفقودة في واقع الأُمَّـة إلى حَـدّ كبير، ولا يمكن أن يعالجها إلا هدى الله، إلا الرجوع إلى هذا الهدى.

 

مهمةُ النبي تغييرُ واقعِ الناس كافة

هذا الهدى الذي أنقذنا فيما سبق في الجاهلية الأولى وغير الواقع بشكل جذري هو فقط الكفيل في الجاهلية الأُخْــرَى بإنقاذ الأُمَّـة والانتقال بها وانتشالها من هذه الحالة حتى تمتلك من جديد رؤية صحيحة، رؤية في واقع حياتها في شؤون حياتها في مواقفها، لمعالجة مشاكلها لإصلاح وضعها، رؤية صحيحة، رؤية إلهية رؤية ربانية، من هدى الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى-، ” هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ”، بعث رَسُـوْلاً، الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- لم يوكلْ مهمةَ تغيير الواقع الذي عانى منه المجتمع العربي والمجتمع البشري من حوله، البشرية بكلها؛ لأَنَّ رَسُـوْلَ الله هو إلى الناس كافة، وليس فقط إلى العرب، في المقدمة كبيئة أولية انطلقت فيها التعاليم الإلهية وأتت إليها الرسالة الإلهية لتنطلق من خلالها إلى بقية العالم، لم يوكل المهمة الإنقاذية أمام ذلك الواقع المأزوم والظلامي الذي يعاني فيه الناس، لا يمتلكون حتى الفكرة الصحيحة للخروج من ذلك الوضع ولإصلاح ذلك الواقع، لم يوكل هذه المهمة مَثَـلاً إلى زعيم وطني، فيقول مَثَـلاً هو الذي بعث في الأميين زعيماً وطنياً، أَوْ زعيمًا قوميًّا، أَوْ مَثَـلاً يقولُ هو الذي بعث في الأميين عالماً دينياً أَوْ بأي تعبيرٍ من التعبيرات الأُخْــرَى، عندما نتأمل في الواقع البشري في هذا الزمن وقبل هذا الزمن عبر التأريخ بكله، نجدُ أن الواقع البشري دَائِماً ما يكون متأثراً بأشخاص معينين كرموز، ويعتمد عليهم فيما صدر منهم من تعليمات أَوْ فيما تبنوّه من رؤى وأفكار، الواقع البشري قائم على هذا الأَسَاس ولو تأتي اليوم لتتأمل الواقع البشري في أنحاء المعمورة في الغرب والشرق من أمريكا إلى الصين إلى روسيا إلى كوريا إلى الواقع العربي إلى بقية البلدان العربية يتجه الناس في شؤون حياتهم فيما يتعمدونه من نظام فيما يحملونه من تصورات فيما يعتمدون عليه لنظّم أمرهم، فيما ينظرون من خلاله إلى الواقع من حولهم على أَسَاس رؤى معينة من هنا أَوْ هناك، أفكار من هنا أَوْ هناك تتبع أَوْ تنبع من خلال رموز معينين منهم، فالقوم هناك مَثَـلاً يعتمدون الفلسفة الشيوعية ولها رمزها فلان، هناك الرأسمالية ولها رموزها فلان وفلان.

هناك رؤية معينة تقوم عليها حياة الناس فيما هم فيه من نظام وواقع وأمور كثيرة جِـدًّا يرتبطون بها ورمزهم فيها فلان، زعيم وطني زعيم قومي إنْسَـان متفلسف، إنْسَـان مفكر إنْسَـان مُنَظِّر، هذه مسألة معروفة في الواقع البشري، والشيء العجيب أنك تجدُ في الواقع البشري وفي التجربة البشرية أنهم دَائِماً ما ينطلقون بتفاعُلٍ كبير جِـدًّا، وتمسك وتشبث إلى حَـدّ كبير، مؤمنون برمز معين قدم فكرة معينة أَوْ رؤية معينة اعتمدوا عليها في شؤون حياتهم، أَوْ في مواضيعَ معينةٍ أَوْ في نظامهم، ويتعصبون لتلك الرؤية يتشبثون بها يؤمنون بها، ويمجِّدون ذلك الرمزَ، ويعتبرون تلك الرؤيةَ أَوْ تلك الفكرة أَوْ ذلك المشروع الذي قدمه أنه يُمَثِّـلُ مشروعًا راقياً لا أرقى منه في هذه الحياة، وأنه ينبغي الالتزام به والسير على أَسَاسه، والتمسك به في هذه الحياة، والعمل على أَسَاسه وهكذا يصبح هو الذي يعتمدون عليه، هذه الحالة دائمة في الواقع البشري بشكل كبير، وعندما نتأمل مَثَـلاً في حال الكثير من الرموز الذين فعل البشر معهم هذا الفعل، آمنوا بهم بنظرياتهم برؤاهم، بأفكارهم بأطروحاتهم، واعتنقوها وذابوا فيها وتفاعلوا معها والتزموا بها، والبعض يتجه إلى الآخرين بعدائية شديدة لماذا لم يقبلوا بها، هو يراها هي الأقوم لهذه الحياة والأصلح لهذه الحياة، وتجد أن كثيراً من تلك الرموز كانت في واقعها النفسي والبشري في واقع سلبي، البعض مثلاً كان طاغية والبعض كان جاهلاً والبعض كان متأثراً بثقافة معينة بواقع معين، يمتلك قليلاً من المعرفة والثقافة لكنه يمتلئ جهلاً، البعض مثلاً كان له رصيدٌ سلبي جداً في واقعه السلوكي وأدائه العملي، واقعاً سلباً معظم الرموز الذين اعتمد عليهم البشر فآمنوا برؤاهم واعتنقوا أفكارهم وتشبثوا بأطروحاتهم وساروا عليها في هذه الحياة معظمهم سيئون، كثير منهم، وكثير منهم إما كان طاغية إما كان ظالماً إما كان جاهلاً إما كان مبتعداً عن واقع الحياة، جاهلاً بواقع الحياة أَوْ ينطلق من اعْتبَارات مصلحية شخصية أَوْ فئوية أَوْ قومية في إطار محدود جداً وضيق ونابعة من رؤية معينة متأثرة بواقع شخصي وثقافة معينة.

 

اعتباراتُ أن يأتيَ خَلاصُ البشرية عبر رَسُـوْلٍ من الله

أما الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- فمشروعه وهديه يأتي عبر من؟ والخلاص للبشرية والإنقاذ للبشرية أتى عبر مَن؟ رَسُـوْل، رَسُـوْل من الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى-، وفي هذا دروسٌ مهمة جداً ونقاط وإيجابيات عظيمة جداً لا توجد في أي اعْتبَار آخر:

أولاً: الرَّسُـوْل وهنا يتحدث عن رَسُـوْل الله محمد (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ) وهذه سنة إلهية والرَّسُـوْل محمد هو آخر الرسل خاتم النبيين وقبله الكثير من الرسل في الحُقب البشرية الماضية، أولاً الرَّسُـوْل يحظى بإعداد إلهي، وصناعة إلهية يصطفيه الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- ويعدّه خصيصاً لحمل هذه المهمة والنهوض بهذه المسؤولية، يعدّه على المستوى الذهني والنفسي فيمتلك في واقعه النفسي والذهني من المؤهلات ما يجعله في مستوى هذه المسؤولية فيكون أرقى إنْسَـان لحمل هذه المسؤولية والنهوض بها، على المستوى النفسي على المستوى الذهني القدرات الذهنية والقدرات النفسية والملكات التي يعطيه الله -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى-؛ ولهذا قال عن موسى عليه السلام (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) هذا الإعداد يدخل حتى في عملية الخلق والتكوين، في عملية الخلق والتكوين أنه يمنح هذا المخلوق الذي يريده رَسُـوْلاً مؤهّلات معيّنة يحتاجُ إليها هذا الإنْسَـان الذي سيتحمل هذه المسؤولية؛ لأَنَّها مسؤولية كبيرة وعظيمة ومهمة ولها مواصفاتٌ ومؤهلاتٌ ومعاييرُ خَاصَّـة، خَاصَّـة بها تفوق واقع أي إنْسَـان من البشر ممن لم يخلقه الله لهذه المهمة ولم يصطفِه لهذه المهمة ولم يعده لهذه المهمة، هذا أولاً في عملية الخلق والتكوين، ثم كذلك في الإعداد والتربية الإلهية يحظى بعناية خَاصَّـة ورعاية خَاصَّـة ولذلك عادةً ما يكون الرسل والأنبياء هم صفوة البشر خير البشر أزكى البشر أطهر البشر ويكون سجلّهم في الحياة ورصيدهم السلوكي والعملي نظيفاً وطاهراً ومتميزاً وصالحاً وسليماً ويحظون بالعصمة الإلهية ويحظون بإعداد إلهي خاص، وبالتالي عندما يأتي الرَّسُـوْلُ أَوْ يأتي النبيُّ لا يكون في واقعه النفسي متأثراً بما يتأثر به بقية البشر فلا يكون محكوماً بالمصالح الشخصية ولا الاعْتبَارات النفسية التي يعاني منها بقيةُ الناس فلا ينطلق من خلال ما يتأثر به بقيةُ الناس وهو يؤدي رسالةَ الله، فليؤدي الرسالة الإلهية بتجرُّدٍ تام غير خاضع أَوْ متأثر بأية اعْتبَارات أُخْــرَى خارج مضمون هذه الرسالة خارج مضمون هذا الهدى خارج ما يَدُلُّ عليه هذا الهدى وما تحمله من مضامين وتوجيهات، بل إنه هو يكون أول من يلتزم بتلك الرسالة من يؤمن بها من يتأثر بها من يتحَـرّك من موقع القدوة في تطبيقها والالتزام بها والتأثر بها والتطبيق لها والعمل بها والالتزام بها، فيُمَثِّـلُ هو في واقعه أرقى نموذج لحمل تلك الرسالة عقيدة فكرة روحيةً التزاماً عملياً وسلوكياً إلى آخره.

 

ما يمتازُ به الرسلُ والأنبياءُ عن غيرهم

ولهذا يمتاز الرسل بما لا يوجد في غيرهم، ويُمَثِّـلُ هذا عاملاً جاذباً فيفترض بنا أن نَنْـشَدَّ إلى الرسل وأن نَنْـشَدَّ إلى رَسُـوْل الله (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ)، ونحن ندركُ هذه الميزةَ التي لن نجدَها في غير الرسل والأنبياء عند غيرهم، بقية الناس مثلاً قد يتّجهُ الناسُ إلى زعيمٍ وطني أَوْ زعيم قومي أَوْ متفلسف أَوْ مفكر هنا وهناك في الشرق والغرب لكن كيف كان ذلك المتفلسف كيف كان ذلك الزعيم الوطني، ذلك الزعيم القومي كيف كانت نفسيته روحيته رصيده السلوكي اهتماماته اتّجاهاته، هل يمتلكُ ذرةً من الرحمة التي تحلّى بها الرسل والأنبياء؟، وهم أرحمُ الناس بالناس بعد الله، هل يمتلك تلك الحكمةَ ذلك النقاءَ ذلك الصفاءَ تلك الطهارة تلك المواصفات الكثيرة والكثيرة؟!، فاللهُ -سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى- لم يجعلْ هذه المهمةَ الإنقاذية موكولةً إلى زعيم وطني أَوْ إلى شخصية هنا أَوْ شخصية هناك أَوْ متفلسف هنا أَوْ متفلسف هناك، كذلك لم يتركها مثلاً إلى حبر من الأحبار، المجتمع آنذاك فيه أحبار من بني إسرائيل ممن يقدمون أنفسهم على أنهم أتباع للرسالة الإلهية، أَوْ كذلك مثلاً قساوسة من النصارى لم يجعل المسألة الإنقاذية هذه متروكة إلى قِـسٍّ هناك أَوْ إلى حبرٍ من أحبار من بني إسرائيل هناك فيقول إليك هذه المهمة؛ لأَنَّهم بأنفسهم من بقي من أحبار وقساوسة كانوا في واقعهم أصلاً قد تحوّلوا إلى جزءٍ من المشكلة القائمة في الواقع البشري، أحبار سيئون لم يعودوا هم بمستوى حمل المسؤولية ولو خارج مستوى أداء الرسل كأتباع للرسالة الإلهية، باتوا يعيشون حالة الانحراف والتحريف وباتوا جزءا من المشكلة وباتوا هم مُسهِمين سلباً في ذلك الواقع، قساوسة وأحبار لم يعودوا ملتزمين بهدى الله ولا بتعليمات الله وأصبحوا يتحَـرّكون فيها بمنطلقات وتأقلموا مع ذلك الواقع فكانوا جُزءاً من مشكلتِه.

نكتفي اليومَ بهذا المقدار، ونُتِمُّ الحديثَ إنْ شاء اللهُ في الغد على ضوء هذه الآيات المباركة.

نَسْأَلُ اللهَ سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يوفقَنا وإيّاكم لما يُرضيه عنا وأن يُوَفِّـقَنا للاهتداء بهَدْيِهِ والاتّباعِ لرسالته والاقتداءِ برَسْوْلِه (صَلَوَاتُ الله وسلامُه عليه وعلى آله).

وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه..

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com