أهمية تضافر الجهود الرسمية والشعبية في تفعيل التكافل الاجتماعي لمواجهة الحرب الاقتصَادية

د. خالد أحمد صلاح*

* باحث في التشريعات الاجتماعية

الحمدُ لله تعالى القائل: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة: 2]. والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله الطيبين الطاهرين ورضي الله عن أصحابه الأخيار.

التكافلُ الاجتماعيُّ حسب تعريف بعض الفقه هو: «عبارةٌ عن تكاتف جهود الأفراد والجماعات على وجه الإلزام والاختيار في سبيل تحقيق مصالح العباد والبلاد ودفع الأضرار والمفاسد عنهم.

 

ويقسِّمُ الفقهاءُ الوسائلَ العمليةَ لتحقيق التكافل الاجتماعي إلى قسمين:

القسم الأول: ما يطالب به الأفراد على سبيل الوجوب والإلزام، ويشملُ: فريضة الزكاة، النذور، الكفارات، صدقة الفطر، الأضاحي، إسعاف الجائع والمحتاج.

القسم الثاني: ما يطالب به الأفراد على سبيل التطوع والاستحباب، ويشمل: الوقف الذري والخيري، الصدقة، الوصية، العارية، الهدية أَوْ الهبة، الضيافة، الإيثار.

 

مسئولية الدولة في التكافل الاجتماعي:

حدّد الفقهاءُ مسئوليةَ الدولة في التكافل الاجتماعي بمهمتين: الأولى: تأمين موارد المال اللازم لنفقات التكافل الاجتماعي من خلال: جباية الزكاة. الاستفادة من الوقف الخيري. الاستفادة من وسائل التكافل الفردي. الاستفادة من أموال الأغنياء عند الحاجة. الاستفادة من موارد الفيء والغنيمة. الثانية: توزيع المال على المستحقين.

فمسئوليةُ الدولة في تفعيل التكافل الاجتماعي مسئولية أساسية ورئيسية تتمثل في إدارته وإلزام المكلفين والقادرين من أفراد المجتمع على تمويله. فالإمام الهادي عليه السلام كان يأمُرُ وُلاته برفع أسماء مساكين كُـلّ بلد.

 

التكافُلُ الاجتماعي في حالة الشدّة والضرورة

تصعيدُ قوى العدوان في حربهم الاقتصَادية، قد أوصل الحالة الاقتصَادية للمجتمع إلى وضع لم يعد تنفع أمامه الجهود والمبادرات الفردية للتكافل الاجتماعي أَوْ ما تقوم به بعض الجمعيات والمنظّـمات المحلية والدولية، فقد ظهر اضطرارَ بعضِ الفئات إلى أكل أوراق الشجر، وظهرت حالاتٌ كثيرةٌ من سوء التغذية بين الأطفال والكبار، وقد أصبح من الضروري أن تتدخلَ الدولة وتقوم بمسئوليتها في التكافل الاجتماعي.

ومما لا شك فيه أن الزكاةَ مع الموارد الأُخْــرَى من الصدقات وغيرها، تعتبر كافية لسد احتياجات الفقراء والمحتاجين في المجتمع المسلم في الظروف العادية والطبيعية.

ولكنها قد لا تكفي لسد الاحتياجات الضرورية لغالبية المجتمع في حالة الشدة والضرورة، كما في حالات الحروب والكوارث. فهل يجوز أن تفرض الدولة موارد أُخْــرَى غير الزكاة لسد تلك الاحتياجات؟!

لم تغب عن الفقهاء المسلمين مناقشة هذه المسألة.

فقد ذكر الكثير من الفقهاء والمفكرين بأن من واجب الدولة أن تأخذَ من أموال الناس بقدر ما يدفع الخطر ويحقّق المصلحة، في حالة إذَا لم تكفِ مواردَ بيت المال.

فالإسلامُ أوجبُ في حالات الشدّة والضرورة أن يعودَ القادرُ على المحتاج بما يسُدُّ حاجته، فقد روى أبو سعيد الخدري حال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سفر وشدة فقال: بينما نحن في سفر مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إذْ جاء رجل على راحلة له قال: فجعل يصرف بصره يميناً وشمالاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له»، قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل.

قال رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن الأشعريين إذَا أرملوا في الغزو أَوْ قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم».

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «أيما أهل عَرْصة (أي بقعة) أصبح فيهم امرؤ جائعاً فقد برئت منهم ذمةُ الله تبارك وتعالى».

وعن الإمام علي عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إن اللهَ فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم، ولن يجهد الفقراء إذَا جاعوا وعروا إلا بما يضيع أغنياؤهم، ألَا وإن الله يحاسبهم حساباً شديداً، ويعذبهم عذاباً أليماً”.

وذكر ابنُ حزم في كتابه «المحلى بالآثار» أنه صح عن أبي عبيدة بن الجراح وثلاثمائة من الصحابة أن زادَهم فَنِيَ، فأمرهم أبو عبيدة فجمعوا أزوادهم في مزودين وجعل يَقُوتُهم إيّاها على السواء.

وذكر كُـلٌّ من الغزالي والقرافي والشاطبي وابن حزم والعز بن عَبدالسلام وابن عابدين إذَا اقتضت تأمين حاجيات الدفاع عن البلاد أَوْ الجهاد في سبيل الله بعض الأموال، ولم يكن في الخزينة العامة ما يكفي لسد تلك الحاجة، فعلى الدولة أن تفرض في أموال الناس من الضرائب بقدر ما يندفع به الخطر عملاً بالمصالح المرسلة.

فإذا لم يوجد في بيت المال ما يسد حاجات المحتاجين وجب على الأغنياء سد حاجاتهم قال القرطبي: واتفق العلماء على أنه إذَا نزلت بالمسلمين حاجة بعد أداء الزكاة فإنه يجب صرف المال إليها. قال الإمام مالك: يجب على الناس فداء أسراهم وإن استغرق ذلك أموالهم.

يتضحُ لنا من النصوص النبوية وما ذكره بعض الفقهاء، والمفكرين، أن الوضع في بلادنا قد اجتمع فيه ضرورتان ضرورة الدفاع عن الوطن من العدوان الغاشم، وضرورة إنْقَاذ بعض الناس من الهلاك بسبب الجوع والمرض؛ نتيجة الحرب الاقتصَادية، وهاتان الضرورتان تجيزان للدولة أن تفرض على القادرين تقاسم ما يملكون مع غير القادرين، أَوْ على الأقل في هذه المرحلة أن يتحمل القادرون سد الاحتياجات الضرورية لغير القادرين.

وإلزام الدولة للقادرين يكون من خلال وسائل تتناسب مع العصر، وتتضافر مع الجهود الشعبية في سبيل الوصول إلى تحقيق أَهْــدَاف التكافل الاجتماعي الضرورية لمواجهة الحرب الاقتصَادية المفروضة على بلادنا.

وذلك ما يحرص عليه السيد القائد عبدالملك الحوثي حفظه الله تعالى، فقد أكّـد على تفعيل التكافل الاجتماعي في الكثير من المناسبات، ومما قاله:

  • لا بد أن يأخُذَ الجميعُ وعلى مستوى سلطات الدولة ورجال المال والاعمال والجميع معنيون ومدعوون لأَن يتعاطوا بإيجابية في التكافل والإنفاق لتكون حالة عامة.
  • إصلاح وتوجيه العمل الإغاثي والإنْسَاني، ودعم المشاريع الصغيرة للأسر لعودة البلاد إلى حالة الإنتاج.
  • تطوير آليات العمل الخيري لتعزيز التكافل الاجتماعي.
  • تفعيل وثيقة الشرَف القبَلية الموقّع عليها من قِبَلِ شريحة واسعة من أبناء الشعب اليمني. وقد نصت في البند الأول على مبدأ التكافــل الاجتماعــي.

وتحقيقاً لذلك نقترح آلية استثنائية تهدف إلى تضافر الجهود الرسمية والشعبية من خلال تشكيل مجلس وطني للتضامن الاجتماعي. يتضمن ممثلين عن الجهات الرسمية ذات العلاقة، وممثلين عن رجال المال والأعمال، والشخصيات الاجتماعية. ويكون من مهامه: تنسيق جهود أجهزة التكافل الاجتماعي الرسمية والشعبية، بما يكفل تحقيق أَهْــدَافها في المجتمع. وتشكيل مجالس تكافل اجتماعي على مستوى أمانة العاصمة والمحافظات والمديريات، وإنْشَاء صناديق للتكافل الاجتماعي، وتحديد الموارد المؤقتة الممكن فرضها على القادرين، وإجراء مسح دقيق لمستوى معيشة الأسر والأفراد في المجتمع، يحدّد من خلاله الأسر والأفراد التي تحتاج إلى المساعدة، والأسر والأفراد القادرين على المساعدة. وضع آليات عمل لتحديد الأسر المتعففة. وآلية للاستفادة من الزائد عن احتياجات الأسر. وآلية للتكافل البيئي الاجتماعي. وآلية للتكافل الصحي الاجتماعي. وآلية للتكافل التعليمي الاجتماعي. وآلية لتوزيع مادة الغاز المنزلي والمشتقات البترولية، حسب الأكثر احتياجاً، وتتضمن وضع خطة طوارئ في حالة شحتها بشكل كبير أَوْ انعدامها. دراسة إمْكَانية إنْشَاء مخزون احتياطي للمواد الأساسية على مستوى المديرية.

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com