كرنفال التطبيع الخليجي: إخضاعُ الجماهير بالاستفزاز

المسيرة | ضرار الطيب

كما كان متوقَّعاً، فتحَتْ زيارةُ نتنياهو إلى سلطنة عُمان البابَ على مصراعيه أمام عواصم الخليج؛ لإظهار المزيد من خطوات التطبيع مع الكيان الصهيوني، حيث أصبحت العواصمُ الخليجيةُ تعُجُّ بالزوار الصهاينة من مسؤولين وفِرَقٍ رياضية وتستعدُّ لاستقبال المزيد، ويحرص الخليجيون على إبراز احتفائهم وبهجتهم بانتهاء حالة “الكَبْت” الإعلامي خلال استقبالهم للزوار القادمين من تل أبيب..

احتفاءٌ يفسِّرُ تعمُّدَ الكيان الصهيوني تكثيفَ تلك الزيارات وإطلاق التصريحات “الاستفزازية” بخصوص العلاقات “الإسرائيلية العربية”، إذ يبدو مسؤولو تل أبيب مطمئنين بشكل تام لـ “طاعة” الأنظّـمة الخليجية لأمريكا، ويتصرّفون على أساس هذه الطمأنينة بشكل يتعمد إثارة الجماهير العربية والسخرية منها؛ لإقناعها بالرضوخ لـ “الواقع” الجديد.

 

من أجل “القضية الصهيونية”

عُمان التي ظلت بعيدةً عن الأحداث الجارية في المنطقة لفترة طويلة، وتتمتعُ بسُمعة طيبة لدى الشعوب العربية، كانت محطةً مناسبةً جداً لكسر حاجز “الحياء” لدى بقية الأنظّـمة الخليجية التي قد سبق أصلاً وأثبتت تطبيعَها مع الكيان الصهيوني في أكثرَ من مناسبة.

كان التبريرُ الذي رافق زيارة نتنياهو إلى مسقط، هو أنها تأتي في سبيل دعم “القضية الفلسطينية”؛ بحُجَّةِ أن الرئيسَ الفلسطيني كان قد وصل في زيارة سابقة إلى المكان نفسه. تبريرٌ تبناه الناشطون السعوديون والإماراتيون والقطريون أكثرَ من العمانيين أنفسِهم؛ لأَنَّه لا يمثلُ فحسب عذراً للتطبيع مع الكيان الصهيوني، بل تجميلاً لذلك التطبيع وصَبْغه بصبغة جذّابة.

محاولاتُ تجميل التطبيع وتزييف أهدافه تتنافى مع موقف حركتَي فتح وحماس الفلسطينيتين بإدانتهما لاستقبال رئيس وزراء الكيان الصهيوني.

لم يصمدْ ذلك التبريرُ؛ لأَنَّ المقصدَ أصلاً من فتح هذه المرحلة من التطبيع بين الخليج و”إسرائيل” هو تجاوُزُ مرحلة الأعذار والتبريرات المخادعة المتعاطفة شكلياً مع القضية الفلسطينية؛ ولذلك حرص وزيرُ الخارجية العُماني عقبَ الزيارة، على التأكيد أن “إسرائيلَ دولة” وأنه يجبُ قبولُ هذه الحقيقة، بل وحاول أيضاً اللجوءَ إلى الخطاب “الديني” لإثبات ذلك، وهي تصريحاتٌ تشبه إلى حَـدٍّ كبير ما قاله وليُّ العهد السعودي محمد بن سلمان في مقابلته الشهيرة مع مجلة “ذا انتلانتك” الأمريكية.

بالتالي فإن التأكيدَ الخليجي على تجاوز وقتل “القضية الفلسطينية” في إطار ما يسمى “صفقة القرن” ليس خفياً، والمرحلة الآن هي مرحلةُ تبنّي “القضية الصهيونية” إنْ صح التعبير؛ ولذلك يأتي “كرنفال التطبيع” المُقامُ الآن في الخليج بشكل صادم ومستفزٍّ وغير قابل لأيَّةِ تبريرات أُخْـرَى خارج هذا السياق.

 

حفلةُ استفزاز الجماهير العربية

جاءت زيارةُ نتنياهو إلى مسقط بالتزامن مع استقبال الإمارات وقطر لفرق صهيونية في بطولات رياضية داخل الدوحة وأبو ظبي، وهي ليست المرة الأولى التي يأتي فيها الإسرائيليون إلى فعاليات رياضية في الخليج، لكن هذه المرة وبعد ان فتحت زيارة نتنياهو باب “الوقاحة” تحولت البطولات الرياضية إلى بداية “موسم تزاوج” بين الصهاينة ودول الخليج، وباستفزاز واضح يراد من خلاله إخبار الشعوب العربية بأن هذا هو “الواقع” الجديد المفروض الذي لا مفر منه.

تم رفع علم الكيان الصهيوني وترديد نشيده بوضوح داخل الإمارات وقطر، وتسلم لاعبو الفرق الإسرائيلية ميداليات الفوز في أجواء احتفالية صفّق فيها الإماراتيون والقطريون بحرارة، الأمر الذي بعث في نتنياهو نشوةَ الحماس ليعلِّقَ على فوز أحد لاعبيه بالميدالية الذهبية: “جلبتَ لنا فخراً عظيماً، حيث تم بفضلك عَزْفُ نشيدنا الوطني لأول مرة في أبوظبي”!. تعليقٌ يترجِمُ نفسَه بنفسه ليخبرَ الجماهيرَ العربية بأن تل أبيب فازت بالميدالية الذهبية في “الصراع العربي الإسرائيلي” أخيراً، وبتتويج من العرب أنفسهم.

واستمرَّت حفلةُ الاستفزاز هذه مع نشر صورة تجمع وزيرة الثقافة والرياضة الصهيونية ميري ريغيف، مع رئيس “جمعية الجودو” الإماراتي محمد بن ثعلوب الدرعي، حيث تتشابك أيديهما بصورة وقحة، وقبل أن تحظى تلك الصورةُ بما تستحقُّها من التعليقات، انتشرت صورٌ أُخْـرَى للوزيرة الصهيونية نفسها داخل مسجد “الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان” في أبو ظبي، مرتديةً الزّي التقليدي وواضعةً على رأسها منديلاً أبيضَ، وهي الوزيرةُ نفسُها التي قالت مرة إن الأذان يشبه “نباحَ الكلاب”!.

من جانبٍ آخر، وصل أمس، وزيرُ الاتصالات الصهيوني، أيوب قرا، على رأس وفد خاص إلى إمارة دبي؛ للمشاركة في مؤتمر المندوبين المفوضين للاتّحاد الدولي للاتصالات 2018، بعد أن تلقى دعوةً رسمية من الإمارات، بحسب ما أفادت هيئةُ البث العبرية الرسمية، فيما كشفت صحيفةُ “يديعوت أحرونوت” أنه يجري ترتيبُ زيارة أُخْـرَى لنتنياهو إلى البحرين قريباً؛ لتكون نقطةَ بداية لعلاقات “دبلوماسية” علنية، وقالت الصحيفة: إن ذلك يأتي ضمن مسار تطبيع الدول العربية مع إسرائيل؛ تمهيداً للخطة الأميركية في المنطقة، التي باتت تُعرَفُ باسم “صفقة القرن”.

يقول مراقبون إن هذه الخطواتِ المتسارعةَ والمستفزّة تأتي في إطار ما يشبه “العلاج بالصدمة”؛ لإجبار الجمهور العربي على قبول الواقع الجديد، إذ لم تعد الأمورُ بحاجة إلى تبريرات وتحليلات للتأكيد على أن دول الخليج وكيان الاحتلال ضاقوا ذرعا بالتستر والأساليب غير المباشر في التمهيد لصفقة القرن، وإذا غاب ذلك عن المتابع في زيارة مسقط، فإنه يظهر في الدوحة، وإنْ لم ففي أبو ظبي ودبي، وقريباً في المنامة، وسيظهر في أي مكان وبكل شكل وقح حتى يكُفَّ المواطِنُ العربي عن الاستغراب، وينسجِمُ مع الحفلة ويبدأ الرقص.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com