السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي في المحاضرة الرَّمْضَـانَية السابعة: الإنذار والعقوبة بالآخرة يهدف لدفع الإنسان إلى الاستقامة في الدنيا

 

أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الحَمْدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَـلِكُ الحَـقُّ المُبِيْن، وأشهَدُ أن سَيِّـدَنا مُحَمَّــدًا عَبْـدُه ورَسُــوْلُه خَاتَمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللَّهُم برِضَاك عن أَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ المنتجَبين وعَنْ سَائِرِ عِبَادِك الصالحين.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ والأخواتُ.. السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.

حديثُنا مُسْتَمِـرٌّ عن يوم القيامة، عن ذلك النبأ العظيم، والحدث المُهيب والمَهيل، الآتي والقادم لا محالة، يوم الحساب، يوم الفصل بين العباد، اليوم الذي هو البداية لعالم الآخرة وللحياة في الأُخْـرَى، الحياة الأُخْـرَى، الحياة الأبدية حياة الجزاء، وكما قلنا في حديثنا السابق فنُذُر الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى لنا في القُـرْآن الكريم ومنها الإنذار بالآخرة، الإنذار بالحساب والجزاء، الإنذار بالعقوبة في الآخرة الهدف منها الدفع لنا إلى الاستقامة هنا في الدينا، إلى الانتباه هنا في الدنيا، إلى إدراك حجم المسؤولية وما يترتب عليها هنا في الدنيا، فعظم أحداث القيامة وهولها الكبير وكذلك عظم الجزاء يدل على مستوى أهميّة المسؤولية، أهميّة هذه الحياة، أهميّة الدور الذي يقوم به الإنْسَـان في هذه الحياة الدنيا، فالهدف أن نستفيد، أن نأخذ العبرة، أن نتعظ قبل أن يصل الإنْسَـان إلى تلك المقامات إلى دار الجزاء، إلى دار الحساب والجزاء ثم يكون غير مستعد غير جاهز، هناك لا يمكن أن يستعيضَ أَبـَـداً بفرصة جديدة فرصة أُخْـرَى ليعوض خسارته ويعوض ما فاته من الحياة الدنيا، فرصتنا هي اليوم، هي هذه الحياة التي لا نعلم متى تنتهي، فلذلك يفترض بالإنْسَـان أن يحرص على المبادرة على المسارعة مع الاستعانة بالله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى.

تقدم لنا في محاضرة الأمس بعضٌ من الآيات القُـرْآنية التي تحدثنا على ضوئها عن أهوال القيامة وعن أحداث القيامة بدءاً من الزلزال العظيم، زلزلة الساعة، وما يتبعها من أحداث هائلة جِـدًّا تفضي إلى دمار هذا العالم وخرابه وإعَادَة تسوية هذه الأرض من جديد للحساب عليها لتكون ساحة مهيأة معدة لاجتماع البشرية واجتماع الخلائق عليها لعملية الحساب كما قال الله عنها: (فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَّا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا)، بالإضَافَة إلى آيات قُـرْآنية أُخْـرَى تؤكّـدُ هذا النوع.

 

النفخة الثانية في الصور والبعث

نتحدث اليوم عن مرحلة الحساب، تأتي النصوص القُـرْآنية لتؤكّـدَ أن النفخة الثانية في الصور والصيحة الثانية التي هي لإحياء الخلق؛لإحياء الأموات؛ لإحياء الناس بعد أن هلكوا وماتوا وفنوا، تأتي هذه النفخة الأُخْـرَى لتكون هي الخطوة الأولى في عملية البعث والحساب وفيها يعيد الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى الحياة إلى الخلائق، ويخرجهم من حالة الموت إلى حالة الحياة، الواقع الذي يكون البشر قد وصلوا إليه هو بعد النفخة الأولى التي مات فيها من بقي من البشر أجمعين في ساحة الأرض وهلكوا بكلهم، واللهُ أعلم كم هو الزمن الفاصل بين النفخة الأولى في الصور التي هلك فيها بقية الخلائق وبين النفخة الثانية، توحي الآياتُ القُـرْآنية ويُفهَمُ منها أن المدة الزمنية طويلة، وأنها كبيرة بالذات قياساً إلى حياة البشر، قياساً إلى الزمن، زمن الحياة في الدنيا، ثم تأتي النفخة الثانية، ويتحدث القُـرْآن الكريم عن إحياء البشر وإخراجهم من الأرض، فيقول سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى في القُـرْآن الكريم: (يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ۚ ذَٰلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ)، يقول أيضاً: (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ)، يقولُ أيضاً: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ)، فخروجهم من الأرض ثم عودة الحياة فيهم الله أعلم ما إِذَا كانت عملية الخروج مترافقة مع النفخة الثانية أم أنها ضمن النفخة الأولى التي أخرجوا من الأرض كتراب، ثم أعيدت إليهم الحياة في النفخة الثانية، فالآية يفهم منها في قوله تعالى: (تشقق الأرض عنهم سراعا)، خروجهم من الأرض وعودة الحياة إليهم ونشرهم من بين أطباق الثرى فتعود إليهم الحياة فيخرجون بشكل سريع، هذه عبارة سراعا، توحي بخروجهم بشكل سريع، قوله تعالى: (فإذا هم قيام ينظرون) كذلك توحي بعودة الحياة إليهم بشكل عجيب، بقدرة الله الذي هو على كُـلّ شيء قدير، تعود إليهم الحياة فيخرجون وتعود إليهم حياتهم فإذا بهم في حالة القيام، قد نهضوا، تعود إليهم الحياة في ذلك الحال الذي ما إن تعود إليهم حتى نهضوا وقاموا، فإذا هم قيام ينظرون، ينظرون إلى ساحة الحشر، إلى ذلك الواقع العجيب الذي يشاهدونه واقعا جديدا قد تغيرت فيه معالم الحياة ومعالم الأرض بشكل تام، والجميع أَوْ الكل، كُـلّ فرد ما إن ينهض ويقوم ويرى البشرية من حوله بأعدادها الهائلة وقد بعثت جميعا، مشهد رهيب، واجتماع كبير جِـدًّا في ساحة الحشر، الهدف من عملية الحساب في ترتيباتها كلها بعد عودة الحياة وتجميع البشرية، الهدف منها تجلي العدل الإلهي، هذا هدف أساسي في عملية الحشر والحساب، وإلا فالله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى يعلم واقع كُـلّ إنْسَـان، كُـلّ أعماله، يحيط علماً وخُبراً بأعمال البشرية بكلها، بأعمال كُـلّ إنْسَـان، كُـلّ شخص، رجل أَوْ امرأة.

 

الحساب والمحاكمة

ولكن تأتي عملية الحساب لإثبات وكشف هذه الأعمال وإثباتها وإصدار الحكم المترتب عليها بناء على ما قد سبق به الإنذار والبلاغ في الدنيا، حتى تتم حجة الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى على عباده وتتجلى عدالةُ الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى، هذا بالنسبة للأعمال كأعمال، ثم فيما يتعلق بالنزاعات والخلافات والصراعات، تأتي فيها أَيْـضاً عملية الفصل المحاسبة المحاكمة، والفصل بين العباد، كُـلّ هذا يتجلى فيه العدل الإلهي لأنه سيكون هو الأساس الذي بنيت عليه عملية الحساب، الحساب على الأعمال، والحساب فيما يتعلق بالنزاعات والخصومات والاختلافات، عملية النشر والبعث وعودة الحياة كأول خطوة في يوم القيامة في مرحلة البعث بعد النفخة الثانية، بعد الصيحة الثانية، فإذا هم قيام ينظرون، تعود الحياة إلى الإنْسَـان، يدرك هذه المرحلة الجديدة، يرى نفسه حيا في ساحة القيامة، يرى الجميع من حوله كُـلّ البشرية، بل في يوم القيامة أَكْثَـر من ذلك، يعاين الإنْسَـان المخلوقات الأُخْـرَى، ويشاهدها، تلك التي لم يكن يشاهدها في الدنيا، يشاهد الملائكة وهم بأعداد هائلة جِـدًّا ينزلون إلى ساحة المحشر، ولهم أدوار كبيرة ومهمة وأساسية في ذلك اليوم، ويرى أَيْـضاً الجان والشياطين، والمخلوقات والكائنات الأُخْـرَى، يراها أَيْـضاً يشاهدها ويدركها والجميع حضروا إلى ساحة الحساب، وهناك في عملية الحساب، هناك واقع مشترك بين الإنس والجن، واقع مشترك في عملية الحساب ستأتي بعض الآيات القُـرْآنية التي تحدثت عن ذلك، حينما يعيد الله الحياة إلى الخليقة، إلى البشر الكائنات الأُخْـرَى التي لها علاقة بمسألة الحساب والجزاء، ويرى الإنْسَـان نفسه في ذلك الجمع الكبير والهائل، الكل ما إن يتم حشرهم وبعثهم وإعَادَة الحياة إليهم، إلا واتجهوا بكل استجابة بكل خضوع، بكل خشوع منقادين لكل الترتيبات التي ستنضم من خلالها عملية الحساب، عملية التجميع والتنظيم للبشر، على الواقع البشري مَثَـلاً، الكل يتجه منقادين خاضعين، ما هناك أحد يمكن أن يتلكأ، وما هناك أحد لا بمستوى شخصي، ملك زعيم، أمير، قائد، بأية صفة كان في الدنيا، ولا بصفة كيان، أمة جماعة، دولة، جيش، فئة، أي صفة معينة أَوْ مستوى معين مما كان يعبر عن تجمعات بشرية معينة يمكنه في ذلك اليوم أن يظهر في حالة من التمنع والتلكؤ أَوْ حالة الاستقواء، لا، الكل في حالة من الخضوع التام، والاستجابة المطلقة، والكل يتجه منقادا ضمن تلك الترتيبات والإِجْـرَاءات، بكل استسلام، بكل خضوع، ولذلك يقولُ الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى في كتابه الكريم: (مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ)، يقول أيضاً: (كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ)، يقول جل شأنه: (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا)، تظنون آنذاك أنكم لم تلبثوا من بعد وفاتكم إلى حين بعثكم إلا مدة زمنية بسيطة، في بعض الآيات القُـرْآنية يحكي عن بعض التقديرات بساعة، وبعضهم بأَكْثَـر وبضعهم بحسب يوم بعضهم بعشرة أيام إلى آخره.

 

 عملياتُ التجميع والتنظيم والحشر والخضوع وهيبة الموقف

يقول جل شأنه: (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ)، حينما توجه إليهم النداءات في عمليات التجميع والتنظيم والحشر، والترتيبات للحساب في ساحة القيامة، الكل يتبعون، وينقادون، ويلتزمون بتلك التعليمات، لا أحد يجرؤ أن يخالفها، خلاص، ما عاد أحد باي ينخط ولا يتعيسر، ولا يعمل له آراء وتحَـرّكات مزاجية، حالة من الاستسلام التام والانقياد التام، يتبعون الداعي الذي يدير عملية التنظيم والتجميع في ساحة المحشر، لا عوج له، ومع كثرة البشرية وقد اجتمعت بكلها منذ خلق الله آدم إلى قيام الساعة، أعداد هائلة جِـدًّا جداً، الله أعلم كم ستكون أعداد البشر بكلهم منذ آدم إلى آخر مولود من بني آدم، الكل اجتمعوا في ذلك اليوم عادت إليهم الحياة، والكل في حالة من الخشوع والخضوع والهدوء، حتى على مستوى الضجيج عادة في الاجتماعات الكبيرة والتجمعات الكبيرة للبشر، يكون هناك ضجيج، الكل يتحدث فتجتمع أَصْوَاتهم فتشكل حالة من الضجة الهائلة، أما في ذلك اليوم وبالرغم من كثرتهم مع كثرة الكائنات الأُخْـرَى ومنها الجن مَثَـلاً لكن الحالة السائدة في أوساطهم جميعا هي الهدوء، هي الخشوع، هي الصمت، جلال الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى وهيبة الموقف تجعل الكل في حالة من الهدوء، هادئين، خلاص ما عاد ذاك العسارة والنخيط والضجيج (وَخَشَعَتِ الأصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا) خشوع حتى الأَصْوَات الإنْسَـان خشع قلبه وخشعت جوارحه وهدأ صوته وخشع صوته كُـلّ شيء خشوع خلاص حتى حالة الإنْسَـان في نظره في تعامله في شكله حالة الخشوع هي الحالة السائدة آنذاك حتى الذين كانت قلوبهم في الدنيا قاسية وكانوا يظهرون في حالة من التعزز والاستكبار والتعالي والغطرسة وأَصْوَاتهم مرتفعة جِـدًّا على الناس وعيونهم مفتحة بشدة مبهررين على عباد الله في الدنيا ومنخطين وقاسين وجلفين وفضين وغلظين ومتغطرسين خلاص يوم القيامة انتهى كُـلّ ذلك ما عاد به تلك العسارة كلها انتهت وتلاشت وخشعت الأَصْوَات للرحمن فلا تسمع إلا همسا إِذَا أحد تحدث إلى أحد إنما يهمس إليه بصوت منخفض جِـدًّا قال في آية أُخْـرَى (يتخافتون بينهم) كذلك ما أحد يتحدث بصوت رفيع وعالي ومزعج ولا أحد يظهر حالة من القسوة على الآخرين، لا، خلاص الكل مواطنين متواضعين وهادئين وخاشعين وخاضعين ومنقادين ومستسلمين (يتخافتون بينهم) إِذَا أحد تحدث إلى أحد لا يجرؤ على أن يرفع صوته أَبـَـداً خلاص قد الأَصْوَات مخفض من الأساس حالة الخشوع التي عليها الجميع والخضوع والانقياد بسرعة اتزنت معها أَصْوَات الناس، وغير ذلك (فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا).

 مهابةٌ في محضر الله

يعبر القُـرْآن الكريم عن هذه الحالة من الخشوع والخضوع والمهابة والانقياد لجلال الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى والاستشعار لعظمته وقربه بعبارات مهمة وعظيمة قال جل شأنه في كتابه الكريم (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) عنت الوجوه ذلت خشعت خضعت كُـلّ إنْسَـان في وجهه في شكله في واقعه في تصرُّفَاته في صوته ما يعبر عن هذا الواقع من التذلل لله والخضوع لله والخشوع لله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى مقام عظيم مقام مهيب جداً، يقول حتى عن أولئك المتكبرين في الدنيا المتغطرسين الذين رفضوا الحَـقّ رفضوا هدى الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى انطلقوا في هذه الدنيا بحسب هوى أنفسهم كانوا فريسة للشيطان فاستغلهم وخدعهم وأظلهم وانطلقوا في شهوات أنفسهم وأهواء أنفسهم ومزاج أنفسهم ورفضوا الحَـقَّ وتعنتوا عليه يقول عنهم في ذلك اليوم (خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) حتى الأبصار بعضهم كانوا في الدنيا مبهررين بشدة على عباد الله وعلى المساكين وعلى المستضعفين آنذاك لا والبعض كان عندما يذكر بآيات الله ما يخشع أَبـَـداً يبهرر يشتد يظهر حالة شديدة من التمنع من الرفض للهدى من الصد عن الحَـقّ من الامتناع عن قبول الحَـقّ وعن قبول الهدى وعن قبول توجيهات الله وأوامر الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى، أما في ذلك اليوم فلا أبصارهم تلك التي بهرروا بها في الدنيا بحسب تعبيرنا المحلي عندما ذكروا آنذاك لا في يوم القيامة (خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) وتبدو عليهم حالة الذلة في محياهم يعني في وجوههم في أشكالهم حالة من الذلة الرهيبة جِـدًّا (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا) الخيبة والندم والحسرة والأسف والحزن الشديد والشعور العميق جِـدًّا بالخسارة لمن حمل في ذلك اليوم آتى وهو يحمل الظلم رصيده من هذه الحياة سعيه عمله هو الظلم الظلم ظلم نفسه بالمعصية وظلم غيره بالمعاملة فيأتي ذلك اليوم وهو في حالة من الخيبة والندم والتحسر والشعور العميق بالخسارة، (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا)، يتحدث القُـرْآن الكريم عن الجلال وعظم المقام الإلهي آنذاك الهيبة والمهابة لذلك اليوم في محضر الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى حتى فيما يتعلق بالملائكة عليهم السلام (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ) يصطفون وهم كذلك في ساحة المحشر في محضر الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى لا يتكلمون، صامتون لا يجرؤون على أن يتكلمون (إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَقَالَ صَوَابًا) فكُلُّ تلك الترتيبات والإِجْـرَاءات التي يتنظم بها جمع البشر وقد أتوا بكلهم (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا) والملائكة والجن الكل قد انتظموا في ساحة المحشر كُـلّ الكائنات انتظمت آنذاك لتبدأ عملية الحساب.

 

 انكشافُ الأعمال وآثار أعمال

الحسابُ الأمرُ العظيم، ولاحظوا هول أحداث يوم القيامة مع عظم دمار هذا العالم ثم إعَادَة تشكيل هذا العالم وهول تلك الأحداث وعظمها هو بكله إنما كان مقدمة لهذه الترتيبات والإِجْـرَاءات لعملية الحساب عملية الحساب عملية مهمة جِـدًّا عملية كبيرة عملية خطيرة جِـدًّا على الإنْسَـان إِذَا لم يكن عمل في هذه الدنيا الأعمال الصالحة في عملية الحساب تنكشف أعمال الإنْسَـان وتتضح أعمال الإنْسَـان ليست الأعمال فحسب بل وآثار أعمال الإنْسَـان وقد تفوقُ آثارُ أعمال الإنْسَـان تفوقُ الأعمالَ نفسَها، بعض الأعمال آثاره هي أخطرُ منه هي التي جعلت منه عظيمَ الخطر وكبير الجزاء الله جل شأنه قال في القُـرْآن الكريم: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ) حان أثر عمل معين هو أخطر من العمل بنفسه مَثَـلاً أثر عمل من تنصلوا عن مسؤولياتهم في هذه الحياة من سكتوا وداهنوا وأسهموا بهذا بتمكين الطغاة وتمكين الظالمين من جرائمهم من ظلمهم من إفسادهم من سيطرتهم من استحواذهم في هذه الحياة لاحظوا عملهم كان هو الصمت والسكوت والجمود والقعود أما الأثر فهو المساهمة الفعلية فيما حصل من جرائم يشتركون فيها تلك الجرائم جرائم ومظالم رهيبة جِـدًّا يشتركون في قتل يشتركون العمل هو كان قعود سكوت جمود ليس مباشرة للقتل بأيديهم بأفعالهم ولكنهم أسهموا؛ لأنَّ قعودهم صمتهم جمودهم كان عاملا رئيسيا في تمكين أولئك مما تمكّـنوا منه من ارتكاب لجرائم فضيعة جِـدًّا واعتداءات جسيمة إلى آخره وهذا لوحظ مَثَـلاً في النصوص القُـرْآنية والنصوص عن رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، جاء مَثَـلاً في تعبير عن الرسول صلوات الله عليه وعلى آله يفيد هذا المعنى (لتأمرُنَّ بالمعروف ولتنهوُنَّ عن المنكر أَوْ ليسلطنَّ عليكم الله شرارَكم ثم يدعو خيارُكم فلا يستجابُ لكم) لماذا التسليط جعلت عملية التعطيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جعلت جريمة يستحق الإنْسَـان عليها أن يسلط عليه الأشرار لماذا يسلطون عليه؛ لأنَّها كانت جريمة ساعدت في تمكينهم فسلطوا عليه؛ لأنَّه أسهم معهم في أن يتمكّـنوا وهذا بديهي بديهي وواضح كان لو يتحَـرّك الناس لو يستجيبوا الجميع لمسؤولياتهم هل سيتمكّـن الطغاة والظالمون أن يفعلوا ما فعلوا أن يصلوا ما وصلوا إليه من تمكّـن لا بديهيا بأبسط تأمل بأدنى تأمل يتضح هذا، فالآثار آنذاك ستكون محسوبة مع الأعمال وآثار الأعمال (ونكتُبُ ما قدموا) كما قال الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى (وآثارهم) آثار أعمالهم محسوبة ومحسوبة في الخير فعلا بعض الأعمال الخيرة امتداداتها تأثيراتها ما يترتب عليها يتعاظم به الفضل والأجر والمنزلة عند الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى وفي الشر كذلك المسالة خطيرة جِـدًّا خطيرة جِـدًّا.

 

فصلٌ بين المحسن والمسيء

في عملية الحساب يقول الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا) نور العدالة نور تجلي العدل الإلهي الناس قد اجتمعوا هناك يفرق الله بين المحسن والمسيء بين المطيع والعاصي، كُلٌ ينال جزاءه هناك يقضي الله وينصف بين عباده في مظالمهم في نزاعاتهم، لا ضحوا كم حصل في هذه الدنيا من مظالم مظالم للشعوب بأكملها مظالم لفئات بأجمعها مظالم لأشخاص، كثير من الناس عانوا بشدة من الظلم في هذه الحياة عانوا معاناة كبيرة مظالمهم كبيرة معاناتهم كبيرة هناك يأتي الإنصاف الإلهي، بنور ربها نور العدالة نور الرحمة نور الحكمة نور الفصل بين العباد بالحق والقضاء بالحق والحكم بالحق، (وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) في عملية الحساب والجزاء عملية الحساب الحديث عنها في ساحة المحشر تأتي عملية الحساب الجماعي وعملية الحساب الشخصي فالإنْسَـان في هذه الدينا الإنْسَـان هو مخلوق اجتماعي كان ضمن جماعة ضمن شعب ضمن كيان ضمن دولة ضمن حزب ضمن مذهب ضمن اتجاه معين في هذه الحياة، فالناس يوم القيامة يلحظوا يعني في عملية الحساب الفصل بينهم والحساب بينهم ضمن الواقع الجماعي بالنسبة لهم فيؤتى بهم جماعات كيانات أمم وَأَيْـضاً على المستوى الشخصي الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى في كتابه الكريم على هذا المستوى الجماعي (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً) هول يوم القيامة هول عظيم في الأخير تجثي الأمم يجلسون على ركبهم في حالة من الخضوع والخنوع والاستسلام والخشوع كُـلّ امة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون (هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) يقول أَيْـضاً (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ) فكل أمة لها إمامها ولها كتابها ضمن اتجاهها الجماعي ضمن ما هي عليه في موقفها الجامع لها في اتجاهها الجامع لها في منهجا الذي تحَـرّكت على أساسه في قيادتها في إمامها التي ائتمت به واتبعته والتزمت بتعليماته واقتدت به يوم ندعو كُـلّ أمة بإمامها أئمة هدى وأئمة ضلال الذين اتبعوا في هذه الدنيا كانت البشرية تتبعهم تأتم بهم تلتزم بهم تتجه في اتجاههم تحذوا حذوهم.

أيضاً على مستوى الكتاب كتاب الحساب إما أنه هنا اسم جنس بمعنى أن لكل شخص كتاب ضمن الحالة الجماعية ضمن هذا المسار الجماعي الذي يجمعه بتلك الأمة في مواقفها التي اشترك فيها واتجه فيها، أَوْ كتاب للأعمال الجماعية والمواقف الجماعية والتوجهات الجماعية غير الكتاب الذي فيه ما يخص كُـلّ شخص بشكل عام يجمع كُـلّ تفاصيل عمله.

هذا على المستوى العام (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ) (كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا) والله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى يفصل بين العباد يوم القيامة في الحساب الجماعي على مستوى الاختلافات، الاختلافات الثقافية والفكرية والدينية التي ابتنى عليها في واقع الحال مواقف وابتنى عليها ولاءات وعداوات واتجاهات ومشاكل وو إلى آخره..

يقول الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى وهو يذكر ذلك (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) يفصل بين الجميع في اتجاهاتهم في اختلافاتهم في ما ترتب على ذلك ترتب على ذلك أشياء كثيرة في واقع حياتهم من مشاكل من نزاعات من من إلى آخره.. انقسامات تباينات، الاختلافات البشرية كانت أساساً لكثير من المشاكل والنزاعات.

على مستوى الفصل بين أيضاً الاتجاه الإيْمَـاني في هذه الحياة اتجاه الخير والإيْمَـان والطاعة لله والاستجابة لله، أتباع الرسل والمؤمنين الصادقين الذين نهجوا نهج الحَـقّ في هذه الدنيا، والآخرين من الظالمين والمستكبرين وقوى الطاغوت التي استكبرت عن نهج الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى واتجهت اتجاهاً شيطانياً بالشر والظلم والإفساد والطغيان في هذه الحياة، والفصل الإلهي آنذاك سيترتب عليه أَكْبَـر عملية انتصار الذين نهجوا نهج الحَـقّ من الرسل والأنبياء وأتباعهم والمؤمنين في هذه الحياة الدنيا واتجهوا في هذه الحياة استجابةً لله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى، تركوا آراءهم وأهوائهم، وإلا كان بإمْـكَانهم أن يفعلوا كما فعل بقية البشر، يشوف الإنْسَـان آراءه شهواته رغباته ميوله هوى النفس ويتجه بناءً على ذلك، لكن لا، آثروا رضا الله وطاعة الله ومنهج الله والاستجابة لله فوق كُـلّ الاعتبارات الشخصية والنفسية والكثير منهم أيضاً في هذا السبيل عانى وضحى وقدّم وأعطى وصبر وصابر، يوم القيامة يحضون بنصرٍ إلهي عظيم ورعايةٍ إلهية كبيرة.

 

حضور الشهود

قال اللهُ جل شأنه في عملية الحساب والجزاء والفصل يوم القيامة (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) نصر عاجل في الدنيا بانتصار قضيتهم بتأييد الله لهم (وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) نصر كبير وعظيم ودائم وأبدي في يوم القيامة يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم تحججاتهم في الدنيا، مثلاً كانوا يستخدمون التبريرات والأكاذيب والتضليل الإعلامي والعناوين الزائفة والتبريرات السخيفة والافتراءات وو إلى آخرة.

لكن يوم القيامة لا يمكن أن يستفيدوا شيئاً من ذلك أن ينظّموا حملة إعلامية أن يرفعوا عناوين لتبرير مافعلوا ويفعلون، لا، ما بالإمْـكَان أن يستفيدوا شيئاً من ذلك كُـلّ تلك التبريرات والعناوين الزائفة والكاذبة والخادعة لا يمكن أن تنطلي على الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى (يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ ۖ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)؛ لأنَّ الله سيفصل ويحاسب ويجازي هناك يوم القيامة في عملية الحساب والفصل هناك التوثيق لأعمال هذا الإنْسَـان الذي يثبت أعمال هذا الإنْسَـان كواحدة من الوسائل التي ستحضر يوم القيامة بشكلٍ كبير ولها دورها الحاسم في الحكم الإلهي على الإنْسَـان أَوْ للإنْسَـان هناك الشهود من الملائكة هناك الشهود من البشر هناك الاعترافات التي ستأتي من داخل الإنْسَـان حتى من جوارحه وأعضاءه.

الوسيلةُ الأولى هي الكتاب الكتاب اسم جنس هنا يعني عبارة عن نسخ كثيرة كُـلّ شخص سيحصل له نسخة كتاب له، وهذا الكتاب يتضمن العملية التوثيقية لكل أعمال الإنْسَـان التي تُحسب في الخير أَوْ في الشر، وهذه العملية التوثيقية – يتضح كما أشرنا في محاضرات كثيرة تحدثنا عنها – يتضح من خلال نصوص قُـرْآنية أُخْـرَى أنها عملية توثيقية حية، بمعنى أن أعمال الإنْسَـان فيها تتجلى واضحة تُشاهد وتُرى ذكرنا في محاضرة أُخْـرَى قول الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى في سورة النجم (وَأَنَّ سَعْيَهُ) يعني الإنْسَـان (سَوْفَ يُرَىٰ (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ) قلنا أن هذه الآية تشهد أَوْ تدل وتفيد على الرؤية للعمل على تجلي هذا العمل ووضوحه بشكلٍ مرئي غير عملية الجزاء؛ لأنَّ البعض من المفسرين يقول الرؤية يعني يرى جزاؤه سوف تأتي عملية الجزاء حتماً، شاهدنا مثلاً في زمننا هذا كيف توثق أعمال الإنْسَـان وتصرُّفَاته بالفيديو بالفيديو فتطلع مشاهدة ومرئية وهذا الاتجاه الذي ذكرناه ذهب إليه كثير من كبار العلماء وأجلاء المفسرين خصوصاً في هذا الزمن بعد أن شوهدت هذه العمليات التوثيقية للإنْسَـان وهو يتحدث أَوْ يعمل عملاً معيناً أَوْ يتصرف تصرُّفَات معينة بل أصبحت جزءاً روتيناً في حياتنا نوثق بها الكثير من الأعمال من الفعاليات من الأنشطة أصبحت توثق بفيديو في هذا الزمن هذا الزمن زمن التوثيق بالفيديو يعني أَكْثَـر الأشياء باتتوثق، فالله أعلم أن الإنْسَـان سوف يشاهد نفسه في ذلك الكتاب ويشاهد أعماله التي أحصيت بشكلٍ تام، ما من عملٍ عمله من الخير إلا وهو موثق وعمله من الشر إلا وهو موثق، تجد الكثير من الناس الذين غفلوا في هذه الحياة فرطوا في هذه الحياة تهاونوا لم يكونوا مبالين كان عندهم الجرأة لعمل الشر وعمل الفسق وعمل الفجور كان عندهم الجرأة لمعصية الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى ومخالفة توجيهاته وأوامره إما في أقوالهم أَوْ في تصرُّفَاتهم في الجانب أي جانب من جوانب الحياة أَوْ من شؤون الحياة ومجالات الحياة، ذلك اليوم عندما يوضع الكتاب يقول الله سبحان وتعالى (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا) منزعجين بشكل كبير جداً؛ لأنَّهم يلحظون أن كُـلّ أعمالهم كُـلّ تصرُّفَاتهم من الإجرام من الأعمال السيئة من المعاصي موثقة في ذلك الكتاب وسيحاسبون عليها ليست فقط عملية توثيق للإرشيف، لا، توثيق لإثبات المعصية لإثبات العمل بناءً على ذلك الجزاء يترتب على ذلك الجزاء وهذه النقطة التي جعلتهم يخافون إلى تلك الدرجة إلى ذلك المستوى.

 

تسليمُ صحيفة أعماله

هذا الكتاب الذي يُحصي أعمال الإنْسَـان وتصرُّفَاته يوزع يوزع على كُـلّ إنْسَـان، مثلما قرأنا قولَ الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى في المحاضرة السابقة (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)، كُـلُّ إنْسَـان تسلم له صحيفة أعماله، كتاب أعماله، تسمى صحف وإذا الصحف نشرت تسمى كتاب، ويؤتى هذا الكتاب إما من وراء ظهره ويستلمه بيساره بشماله، وإما من أمامه ويستلمه بيمينه، هذه العملية بنفسها تكون واحدة من العلامات الرئيسية على أن هذا الكتاب كتاب خير، ولربما من حين عملية البعث تتابع المؤشرات والعلامات التي توضح أَوْ تدل على مصير الإنْسَـان بحسب ما كان عليه في هذه الدنيا من اتجاه، مَثَـلاً الإيْمَـان والتقوى يترتب عليه أن يحظى الإنْسَـان من حين بعثه بالطمأنة من ملائكة الله، بالتهدئة من رَوْعه وفزعه وكذلك تتابع الأعمال أَوْ الكثير من المؤشرات والدلالات التي تزيده اطمئنانا وتقدم له البشارات تلو البشارات إِذَا سُلم إلى الإنْسَـان كتاب عمله من أمامه أتى إليه الملائكة، الملائكة سيقومون بعملية التوزيع هذه، فأتوا إليه بصحيفة أعماله قد يكون كما قلنا، فنحن في هذا الزمن عرفنا الكتاب الإلكتروني والله أعلم كيف ستكون تلك الكتب وتلك الصحف هذا في علم الله لكنها أحصت أعمال الإنْسَـان وتضمنتها إِذَا أتى إليك الملائكة من أمامك وأعطوك لتستلم بيمينك فهذه علامة من علامات الخير من البشارات التي بشر بها الإنْسَـان آنذاك يقول الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَىٰ سَعِيرًا) فعملية توزيع هذه الكتب ليرى الإنْسَـان فيها توثيقا مثبتا لتصرُّفَاته وأعماله.

الإنْسَـانُ إِذَا أؤتي كتابه بيمينه كما ذكر القُـرْآن الكريم في سورة الحاقة: (فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ) يستبشر يرتاح، أَيْـضاً يشاهد تلك الأعمال الصالحة التي عملها في هذه الدنيا أثمن شيء وأعظم شيء وأهم شيء آنذاك هو العمل، والعمل الصالح، حينذاك يتجلى أهميّة العمل، هذه الأهميّة التي لا ندركها بالشكل المطلوب في هذه الحياة، كثيرة الأعمال، مسألة عادية، أعمال خير مسالة عادية لا يدرك قيمتها أهميتها، ما يترتب عليها، أَوْ أعمال الشر، أعمال الفسق، أعمال الفجور، أعمال عادية يتهاون بها، لا يدرك كم هو ثمنها باهظ وخطير جِـدًّا، آنذاك لا، أهم شيء هو العمل، فالعمل الصالح عمل الخير، الطاعة والتقوى في هذه الدنيا والإيْمَـان والالتزام والاستقامة والتوبة والرجوع إلى الله والمبادرة في الأعمال التي أمر بها الله والنهوض بالمسؤوليات التي أمرنا بها الله، يرى الإنْسَـان آنذاك في ذلك اليوم في ذلك الموقف، في ذلك المقام عظمة تلك الأعمال، يُسر بها، يبتهج بها، يفرح بها؛ لأنَّه يرى فيها أعمالا فيها نجاته فيها فوزه، بها سلامته، يترتب عليها مع رحمة الله فوزه ودخوله الجنة، فيرى فيها أعمال تبيض وجهه، لا يرى فيها ما يخجله ما يخزيه، لا يرى فيها ما يهينه، لا، حتى أنه يذهب إلى الآخرين فيقول هاؤم، تفضلوا كتابي، شوفوا أعمالي مبتهجاً ومسروراً ومرتاحاً، هاؤم اقروا كتابيه؛ لأنَّ فيه الأعمال الصالحة، أنا كنت أحسب حساب هذا اليوم، (إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ)، كنت أحسب هذا اليوم وأستشعرُه في حياتي، كان يدفعني ذلك إلى أن أعمل الأعمال التي أمر بها الله وهي قربة إلى الله سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَـى، عملية استلام الكتب عملية مهمة جِـدًّا في عملية الحساب وإثبات الأعمال.

نكتفي بهذا القدر في يومنا هذا ونكمل إن شاء الله في محاضرة قادمة.

نَسْأَلُ اللهَ سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى أَنْ يُوَفِّقَنَا وإيّاكم مرضاته وأن يختم لنا ولكم بالحسنى، وأَنْ يَتَقَبَّــلَ منا ومنكم الصيامَ والقيامَ وصالحَ الأعمال.. أَن يَرْحَمَ شُهْدَاءَنا الأبرارَ وأن يشفيَ جرحانا وأن يفرِّجَ عن أسرانا وأن ينصُرَنا بنصرِهِ،.. إِنَّـهُ سَمِيْـعُ الدُّعَـاء.

وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه..

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com