صدى المسيرة تجري تحقيقا ميدانيا من المخا عن جريمة العدوان

 

المسيرة : أجرى التحقيق : محي الدين الأصبحي

ليس الأمر مجرد قصف للمخاء فحسب.. بل إنها جريمة حرب.

عددٌ كبيرٌ من مهندسي المحطة الكهربائية بالمخاء وعائلاتهم لقوا حتوفهم جراء القصف البشع والعنيف الذي استهدفهم من قبل الطيران السعودي الأمريكي.

عامر عبدالحكيم شعلان فقد ابنه هاني وصهره وابن أخيه، والمهندس بجاش عبدالقادر والذي يرقد في العناية المركزة لا يعرف مصير عائلته التي استشهدت بالكامل، أما عبدالوسع عبدالوهاب الحكيمي مهندس في الطاقة الكهربائية في المخاء فقد استشهد ابنه عمار في هذه الجريمة وأصيبت بقية أسرته.

وصادق عبدالله صالح والذي يعمل فني في المحطة الكهربائية بالمخاء قتلته طائرات العدوان الغاشم هو وبقية أفراد أسرته الستة وتم انتشالهم جَميعاً من تحت الأنقاض.

صحيفة “صدى المسيرة” زارت مكان الحادث والتقت بسكان المدينة السكنية وبعدد من الجرحى والمصابين في مستشفيات الحديدة ونقلت للقارئ حقائقَ ما حدث في المخاء فكانت هذه الحصيلة.

 

أول صاروخ على البوفية ومتنزه الأطفال

في العناية المركزة بمستشفى الثورة العام بمدينة الحديدة يرقد المهندس بجاش عبدالقادر، وهو يتوجع من شدة الألم، والهموم والهواجس تملأ مخيلته، إنه ما يزال يتذكر تلك الطائرات اللعينة وهي تقصف وبشكل وحشي الحي السكني الذي يقطنه.

وحين سمحت لنا إدارة المستشفى الدخول إلى غرفة العناية المركزة رأينا بجاش وهو يردد أسئلة كثيرة: أين أخي؟ أين عائلتي؟ أريد أن أعرف ما الذي حل بهم.

وعندما سألنا أحد الزملاء له في المحطة كشف لنا بأن عائلته استشهدت، رددنا جميعنا: لا حول ولا قوة إلا بالله، وحينها تركنا بجاش لمصيره دون أن يعرف أن أسرتَه استشهدت تحت الأنقاض جراء هذا القصف اللعين.

واصلنا التجول في غرفة العمليات المركز، فرأينا محمد أحمد عمر العبسي والذي أصيب بإصابات واسعة في جسده، محمد غير قادر على الحركة وكذلك على الحديث، ووالده لم يتمكن من زيارته لأنه هو الآخر مصاب ويرقد في المستشفى العسكري بالحديدة، الأب والولد كلاهما مكلومان وموجوعان، وكل يبحث عن مصير الآخر.

يا الله يا لهول الجريمة..!! لقد اهتز لها الكون، وأحداثها ما تزال عالقة في ذاكرة سكان الحي لا يمكن أن تبارحهم.

المهندس أحمد سيف الشرجبي الذي أصيب ابنه في هذا القصف يحكي لنا تفاصيل بعض ما حدث، فيقول: “طفلي أحد المصابين في القصف، حيث وصل أول صاروخ على البوفية ومتنزه الأَطْفَــال، وبعدها توقف القصف دقائق فجاءت العائلات لإنقاذ الضحايا الذين ملأوا الساحة ومعظمهم من الأَطْفَــال والشباب، وأثناء محاولة الناس إنقاذ المصابين والضحايا وصل الصاروخ الثاني فأصيب ابني وزميله استشهد، فكان القصف يتوقف دقائق ثم يعود من جديد وكأن الهدف هو قتل عدد أكبر من المدنيين”.

 

الطيران السعودي قصف الوحدات السكنية وتناثرت أشلاء الأطفال في حوش المدينة

استهدف العدوان السعودي الأمريكي أكثرَ من 2500 نسمة في هذه الوحدة السكنية، إضافة إلى وجود بعض الأسر التي نزحت من تعز وعدن فلجأت إلى أهاليهم في هذه الوحدات السكنية فهربوا من المواجهات فلقوا حتوفهم في قصف العدوان السعودي.. هكذا يقول المهندس الشرجبي.

وكأن ما حدث شبيه بيوم القيامة.. خوفٌ وهلعٌ وضجيج وصراخ في كُلّ مكان، هناك طفل ينادي بأعلى صوته: أبي أمي. وهنا أم مكلومة على أبنائها تصرخ والدموع تتساقط من عينيها: ابني ابني.. كان مشهداً لا أحد يستوعبه إلا من شهد هذه الجريمة المروعة، أما أصوات الانفجارات فكانت تهز المكان، وشظايا الصواريخ تتوزع على أجساد الأبرياء.

ويتحدث الحاج عبدالواسع عبدالوهاب لصحيفة “صدى المسيرة” والدموع تنهمر من خديه أثناء حديثه عن هول هذه الجريمة، قائلاً: بالأمس كنت أنظر إلى الأَطْفَــال وهم يلعبون في حوش المدينة السكنية واليوم رأيتهم أشلاء متناثرة في كُلّ مكان، فما ذنبهم وذنب النساء اللاتي قتلن بهذه الطريقة؟.

ويقول عامر عبدالحكيم شعلان موظف في محطة المخاء الكهربائية –والحزن بادياً على وجه: “الطيران السعودي قصف الوحدات السكنية بشكل جنوني وبشكل مفاجئ، ولم يتوقف حتى دمّر مئات الوحدات فوق ساكنيها”.

ويضيف بقوله “هربت أنا وعائلتي إلى الساحل وهناك المئات من الأسر التي كانت تتواجدُ بالساحل أثناء القصف، وأقل أسرة معها 6 أبناء، وأثناء الهروب كان الهلع والخوف يدب في قلوب الجميع، ولما وصلنا إلى الساحل كانت الطائرات تقصف علينا بشكل مباشر وكأنها ترانا، لكننا واصلنا الهرب ولو كنا جالسين في منازلنا لقتل الجميع؛ بسبب هذه الغارات اللعينة.

ويقول بحرقة: لقد فقدت فلذة كبدي جراء هذا القصف، وقسماً لن نسامح آل سعود.. هؤلاء مجرمون، قتلة، مصاصو دماء.

وأكد شعلان عدم وجود أي مسلحين أَوْ حوثيين في الحي الذي كانوا يسكنونه، مُشيراً إلى أنه وعائلته يسكنون منذ 25 سنة مع الآلاف من الأسر، وجميعهم عائلة واحدة، وأن السعودية وشرعية هادي هي سبب قتلنا وتشريدنا وتفرقنا في الشوارع.

وأضاف شعلان: أنا كنت مؤيداً لهادي، وكان غالبية السكان مؤيدين له.. كنا مغرراً بنا، ونظن أن العدوان هو على طرف معيّن فقط في البلاد، لكن وبعد هذه المجزرة وفقدان ابني لا نؤيد هادي ولا السعودية وهم اليوم أعداؤنا وأعداء الشعب الـيَـمَـني برمته.

كان الطيران السعودي يحلق بكثافة قبل 3 أيام من ارتكاب الجريمة.. هكذا يقول شعلان، وحلقت طائرة فوقَ وحدة سكنية في الليل وأضاءت بفلاش ضوئي، كنا نظن أنها طائرة استطلاعية، لكن وبعد قصف الحي السكني والعائلات والأَطْفَــال وارتكاب هذه المجزرة اتضح لنا في الأخير أنها جاءت من أجل قتلنا وتدميرنا وبشكل متعمد.

 

عدت لإنقاذ ابني فسبقني الصاروخ إليه

ولم يدع العدوانُ الجبان فرصة من الحياة لأَطْفَــال كانوا يقضون وقتهم في حديقة المدينة السكنية يمارسون لعبهم، فجاءت طائرات العدوان الغاشم فأخذت أرواحهم بكل بشاعة.

وبحسب القاطنين الذين نجوا من الجريمة أكدوا بأن كُلَّ من كان متواجداً في هذه الحديقة استشهد وهناك أَطْفَــال حالتهم خطيرة.

الطفلة مرام الناجية من هذا العدوان وجدناها في مستشفى الأمل في الحديدة أجريت لها عمليات جراحية في بطنها وقدمها.

أما عبدالوسع عبدالوهاب الحكيمي مهندس في الطاقة الكهربائية في المخاء فقد استشهد ابنه عمار في هذه الجريمة وأصيبت بقية أسرته.

يقول الحكيمي لـ “صدى المسيرة” “عندما سقط أول صاروخ على المدينة ذهبت فأخرجت زوجتي وأَطْفَــالي إلى الساحل، وعندما سقط الصاروخ الثاني عدت إلى المنزل للبحث عن ابني عمار، فجأة وقبل أن أصل إلى المنزل سقط صاروخ على المنزل، دخلت المنزل لأنقذ ابني عمار بينما كان تحت الأنقاض فحاولت انتشاله، لكن الصاروخ الثالث سقط على المبنى فارتدم المبنى كله على ابني وتأكدت أنه استشهد، فقلت أعود بنفسي وبمجرد خروجي سقط صاروخ آخر فأصبت حينها بشظايا ولم أعلم بنفسي إلا وأنا في المستشفى.

ويزيد بقوله الحمد لله ابني استشهد، مضيفاً نبكي كثيراً عندما يموت علينا زملائنا من الكفاءات والكوادر الكبيرة، الكثير من المهندسين الذين لديهم الكفاءة والخبرة أقل واحد فيهم 30 سنة فيأتي العدوان ويدمر هذا العقل وهذا الإنسان بكل بساطة، واليوم بعد استشهاد هذه الكوادر فالبلد بحاجة إلى تأهيل وتدريب كوادر جديدة ويحتاجها عشرات السنين لذلك، مضيفا هذا العدوان الجبان استهدف البشر ولم يستهدف شيئاً غير ذلك.

أما أسرة المهندس أحمد الوصابي والتي تتكون من أربعة أبناء فقد تم إخراجهم من تحت الانقاض بعد استهدافهم بصاروخ دمر شقتهم، ولم يبقى منهم إلا الأم وجدناها في مستشفى الأمل بمحافظة الحديدة عند زيارتنا للجرحى والمصابين، الأم لا تتحدث وتعاني من صدمة نفسية كبيرة بعد رحيل جميع أبنائها.

أما أسرة صادق عبدالله صالح والذي يعمل فني في المحطة الكهربائية بالمخاء فقد قتلته طائرات العدوان الغاشم وبقية أفراد أسرته الستة استشهدوا جَميعاً تحت أنقاض، ولم يتبق أحدا على قيد الحياة من أسرته..

ويضيف عبدالوهاب: لقد أصبتُ في دماغي وأجريتُ لي عمليات جراحية، ويواصل عبدالوهاب بكاءَه قائلاً: أثناءَ القصف بالطائرات لم أشعر بإصابتي فقمتُ بإسعاف نفسي للمستشفى رغم إصابتي البليغة. مُشيراً إلى أن ما حدث جريمة حرب وإبادة لمئات من الأَطْفَــال في مكان لا يوجد فيه أية مظاهر مسلحة أَوْ حتى مسلح واحد.

وحين فكر لاعب المنتخب الوطني ونادي أهلي صنعاء تامر حنش التوجه إلى المخاء لقضاء إجازة عيد الفطر المبارك هناك بعيداً عن أزيز الطيران وغاراته في أمانة العاصمة، لم يكن يتوقع أن يشهد أكبر جريمة في حياته، فأثناء تواجده في ساحل المخاء القريب من المدينة السكنية لموظفي المحطة الكهربائية الحرارية سمع فجأة تحليق الطائرات وبشكل مكثف وذلك منذ نهار السبت.

وعندما كان حنش يتجول في الساحل ليلاً، سمع دوي الانفجارات، فتوجه إلى داخل المدينة وهناك رأى الجنون بحد ذاته، أحياء سكنية مهدمة على رؤوس ساكنيها، أَطْفَــال تناثرت أجسادهم على الأرض، ونساء يبكين من شدة الألم.. إنه مشهد يصعب على من حضره.

يقول حنش: “حاولت إنقاذ بعض المصابين، لكن صاروخاً آخر سقط على الحي، فأصبت بشظايا في أضلعي وتم إسعافي إلى مستشفى الأمل العربي التخصصي بالحديدة.

ويضيف حنش كان الضرب متعمداً ودقيقاً، مؤكداً للصحيفة بأن ما حدث لإخواننا جريمة حرب وإبادة جماعية ارتكبته السعودية في حق الأَطْفَــال والنساء بينما كانوا آمنين في منازلهم.

ويؤكد الطفل سهيل المصاب بشظايا متوزعة على معظم جسده أن خمسة من إخوانه ووالديه كلهم مصابون في هذه الجريمة وحالتهم بالغة ويرقدون في مستشفيات الحديدة وتعز.

أما حسين سمير إبراهيم 22 سنة فقد أصيب بشظايا في الجهة اليسرى وجروح في الجسم ووجمة دماغية وكدمات، وجرح قطعي في العين اليُمْنَى وتم إجراءُ عملية لعينه اليسرى، وقد أدخَلَ العناية المركزة، وما يزال يتنفس اصطناعياً حتى اليوم، واليوم يعيش في غيبوبة منذ الجريمة البشعة في المجمع السكني في المخاء.

ومررنا في كثير من مستشفيات الحديدة فوجدنا جرحى في قسم العناية المركزة حالتهم حرجة معظمهم لا يقدرون على الحديث فإصاباتهم حرجة وخطيرة وبعضهم فقدوا نظرهم وبعظهم فقدوا القدرة على الحديث، وبعضهم في حالة غيبوبة منذ الحادث بحسب تصريحات الأطباء، أضف إلى ذلك أن بعضهم يحتاجون إلى إجراء عمليات في الخارج، لكن ذلك لن يتم بسبب الحصار الذي يفرضه العدوان بحراً وجواً وبراً.

 

صحيفة صدى المسيرة العدد 50 الاثنين 3 اغسطس 2015

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com