القضية الفلسطينية في فكر السيد حسين (1-2)

الدكتور/ إسماعيل محمد المحاقري*

 

مثّلت القضيةُ الفلسطينيةُ المحورَ المحرّك لكل الرؤى والأفكار التي تضمنها مشروع السيد حسين فهي من عزّزت لديه الشعور بالمسؤولية تجاه الأُمَّـة في ضوء الجرائم والانتهاكات الوقحة والفجة التي يقوم بها العدو الصهيوني طوال خمسين عاماً من الاحتلال ومصادرة الأراضي وفي ضوء المؤامرات والخطط التي يحيكها العدو الصهيوني ضد الأُمَّـة الإسْلَامية والعربية، وقد كانت القضية الفلسطينية حاضرةً في كُلّ تصوّراته الذهنية الفكرية وفي كُلّ استدلالاته العملية عند صياغته لمشروعة القُـرْآني الذي أقام من خلاله الحجة على الأُمَّـة واستنهاضها لمواجهة أعدائها والخروج بها من حالة الذلة والخنوع والاستكانة التي آلت إليها ؛ بفعل تلك المؤامرات وبواسطة ذلك العدو نفسه القديم والحديث.

وقد كان الجديد في فكر السيد عن هذه القضية أنه أعطى مفهوماً وتعريفاً أوسعَ وأشملَ للعدو الصهيوني استنبطه من تأريخ الأُمَّـة ومن قُـرْآنها، بالإضَافَة إلى أن قراءته للأحداث كانت أَكْثَر عمقاً وتحمل أبعاداً ودلالات مختلفة عن حقيقة هذا العدوان، وعلاقة بالأُمَّـة.

ولهذا فقد تضمن مشروعُه القُـرْآني استقراءً دقيقاً للأحداث وتحديداً بليغاً للمآلات ودراسة عميقة لواقع الأُمَّـة، ثم قدم رؤى فكرية وعمليه لكيفية المواجهة والخروج من حالة الذل والاستكانة على مستوى الأُمَّـة العربية والإسْلَامية بل والإنْسَانية.

 

المحور الأول: السيد يستقرئ الأحداث ويعكس واقع الأُمَّـة

عرض السيدُ في أَكْثَرَ من مناسبة وفي أَكْثَر من موضع الحالةَ المزرية التي وصلت إليها الأُمَّـة الإسْلَامية، وتساءل عن الأسباب التي أوصلت الأُمَّـة إلى هذا المستوى من الذل والخنوع والتبعية والاستسلام لعدوهم.. الأسباب التي جعلت وضعنا وضعاً رهيباً ومؤسفاً وأَصْبَح العرب يتصرفون بما يُملى عليهم من العبارات الزائفة عن السلام وعالم مسالم مع أنهم في نفس الوقت يشاهدون عدوَّهم يومياً وهو يرتكب المجازر في فلسطين وبقية بقاع العالم.

لقد نجح الأعداء أن يجمدوا نفسيتنا ويميتوا كُلّ مشاعر العداوة التي يركّز القُـرْآن على خلقها والتي يستدعيها ما نشاهده كُلّ يوم من مؤامرات واعتداءات علينا.

ومن ناحية ثانية يقول السيد: أَصْبَح المسلمون والعرب يتسابقون وراء التنازلات والوعود الكاذبة عن السلام وأَصْبَحت الأُمَّـة الإسْلَامية كلها مستسلمة وتخلت عن الدفاع عن نفسها وعن مقدساتها وعن كرامتها وعن أوطانها وعن ثقافتها مع أن الدفاع عن كُلّ ذلك هي فطرة وغريزة عند الإنْسَان.. ألم ينطلق العربُ ليواجهوا الإسْلَام بما يحمله من قيم إنْسَانية رفيعة كُلّ ذلك ؛ لأنهم اعتبروا أن فيه مساساً لثقافتهم مهما كانت مستهجنة.. لقد غضبوا وَقاتلوا وضحّوا من أجلها وبذلوا الأموال من أجل الدفاع عنها!

من ناحية ثالثة: يتساءل السيد عن أسباب هذه الهجمة والمؤامرات من أمريكا وإسرائيل على هذا النحو من السفور والعلنية التي لم يراعِ فيها اية ذرة من احترام لهذه الأُمَّـة ولزعمائها سخرية، احتقار، امتهان بشكل عجيب وساخر لم يحصل مثلها في التأريخ.

ويتساءل ايضاً كيف استطاع العدو أن ينجح في قتل الروحية الجهادية عند المسلمين فرغم أن المسلمين يتكلمون عن إسرائيل وأمريكا على أنهم أعداء هذه الأُمَّـة، ولكنهم يعيشون لحظات التيه والضلال، لدرجة أنهم لم يعودوا يعرفون معني العداوة وما هي مقتضياتها، فمعَ أنهم يصفونهم بالأعداء نجدهم ينطلقون ليستجدوا منه السلام، بل من تحت أقدامه ويعتزون بل ويتسابقون على موالاته ويعقدون معه المواثيقَ والمعاهدات ويتعاملون معه في شتى المجالات المختلفة.

ثم يقول كيف لنا أن نقول عنهم إنهم أعداء لنا في الوقت الذي نشاركهم الموقف والرأي والنظرة وسلّمنا لهم ألسنتنا وأجهزتنا الإعْـلَامية ومناهجنا من أجل تجميل صورتهم عند أمتنا.

 

المحور الثاني: السيد يتكلم عن الأسباب التي أوصلت الأُمَّـة إلى هذا المستوى

السبب الأول: الابتعاد عن الثقافة القُـرْآنية ونتائجه الخطيرة في رسم الصورة الخطأ في ذهنيتنا عن العدو وَرسم العلاقة الخطاء والمهينة معه..

حرص السيد حسين أن يوجهَ خطابَه إلى المسلمين لتعريفهم وإرشادهم إلى السبيل لمعرفة عدونا ومعرفة ما يحمله لنا من حقد وكراهية وما يكنه لنا من عداوة لا علاج لها ولا سبيل إلى تحاشيها إلّا بالمواجهة وفقاً لما أرشدنا به ديننا وثقافتنا القُـرْآنية، فيجب العودة إلى الثقافة القُـرْآنية وإلى تأريخنا، فهما من سيدلاننا عن حقيقة العدو وعما يحيكه لنا من مؤامرات وما يتبناه من مشروع لاستئصال وجودنا.

وقد استعرض عدداً من الآيات القُـرْآنية التي عرضت صفات بني إسرائيل وما يحملونه من عداوة لهذه الأُمَّـة، فقد أخبرنا القُـرْآن أنهم أشدّ عداوة للذين آمنوا ولن يرضوا عنا ما لم نسلم لهم ونتبع ملتهم أَوْ يردونا كفاراً وتابعين لهم وأنهم حريصون على إفساد أخلاقنا بما يملكون من قدرة على الباس الحق بالباطل وعلى تحريف الكلم عن مواضعه ولما هم عليه من خطورة بالغة علينا بما يتصفون به من الشر والخداع والمكر والتضليل إلى درجة أن الله سبحانه وتعالى يخاطب نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه لولا فضل الله عليه لهمت طائفة منهم أن يضلوه ((وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ)) النساء اية 13 1 وقال في اية أُخْـرَى ((وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ)) الإسراء آية 73 ويقول هذا بالنسبة لرسول الله فما بالكم بالنسبة للمسلمين؟!.

كما أن القُـرْآن الكريم أخبرنا أن اليهود إلى جانب أنهم قديرون على لبس الحق بالباطل فهم حريصون على مسخ المسلين فهم ينطلقون بحب ورغبة ودافع قوى إلى مسخ المسلمين ((وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارً)) البقرة آية 109، فهم يسعون عبر العصور إلى تضليل المسلمين عن دينهم وعن تأريخهم وإبعادهم عن ثقافة الجهاد وروح الاستعداد الذهني والمادي لمواجهتهم ؛ لأنهم يعرفون أثر الإيمان في روحية المسلم وفي تعزيز روح العزة والإباء الموروثة ويسعون إلى تكريس الجهل وتعزيز الاستسلام والضعف والتبعية وإبعادنا عن كُلّ طريق يؤدي إلى التقدم والرخاء والاكتفاء الذاتي وَالاستقرار السياسي وَالاجتماعي يقول الله عنهم ((وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً)) النساء 44-45 وبعدها يقول ((مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ)) النساء من الآية 46 إلى آخر الآيات ثم يقول في آية أُخْـرَى ((مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنـزلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ)) البقرة من الآية 105.

وقد عرض السيد حسين عدداً من المصاديق لهذا الخطاب القُـرْآني بأنهم سعوا بجد ورغبة في أن يضلوا الأُمَّـة الإسْلَامية وإبعادها عن دينها وعن تأريخها وعن هويتها، واستطاعوا أن يفصلوا بين الأمة ورموزها الدينية الحقيقية والوطنية والروحية وَاستبدالها برموز وشخصيات وقيادات وهمية عملت على صناعتها خدمةً لمشاريعها، بالإضَافَة إلى أن العدو عمل على مصادرة ثقافة الأُمَّـة الإسْلَامية القائمة على قيم الحق والعدالة والمساواة والعزة والكرامة والتكامل والوحدة العضوية والوطنية والإسْلَامية واستبدال كُلّ ذلك بقيم الليبرالية وثقافة الرأسمالية المشبعة بروح الأنانية والنفعية المفرطتين، وللأسف لقد أثمرت كُلّ تلك الجهود التي بذلها العدو نتائجَ كبيرة في إضلال الأُمَّـة في الجانب الثقافي والسياسي والاقتصادي وفي مختلف المجالات يقول السيد حسين: ((قضية أن يبقى الإسْلَام هو المسيطر على مشاعر المسلمين وأمجاده وعظمائه وأحداثه هي الأشياء التي يستوحي منها المسلمون ما يتعلق بحاضرهم)) يوم القدس العالمي ص 7.

هذا وسنحاول أن نعرضَ لعدد من الشواهد التي في مجملها كانت حاضرة في ذهن السيد وفي ثقافته وإنما رأينا صياغتها بالأسلوب المعهود لدى فلاسفة الفكر القانوني.

  1. لقد جرى انحرافٌ في مفهوم حرية الرأي والتعبير حيث حول الأعداء كثيراً من المعتقدات الدينية والنضالية إلى مهزلة وتم استخدام حرية التعبير كذريعة للمساس لرمزنا الدينية والوطنية والتشكيك في ثوابتنا الأخلاقية والقيمية وجعلوها محلاً للاستهزاء والسخرية وذريعة لتطوير العصبيات القومية والعرقية والمذهبية على حساب الثوابت الإسْلَامية تحت مبرر حرية الرأي، ومن خلال رفع هذا المبدأ والتشدق به أوجدوا مسوغاً قانونياً وأخلاقياً لممارسة الكذب وإنكار الحقائق والمسلّمات التأريخية، وفي المقابل تنمية ثقافة التحريض على الحقد بين المذاهب والطوائف الإسْلَامية.. يقول مليتون أحد المفكرين الفرنسيين إن مفهوم حرية الرأي جعلت الحقيقة والكذب في لقاء حُر وعلى المكشوف.. ومن ناحية ثانية نلاحظ أن من المفارقات الغريبة أن هؤلاء لا يؤمنون بما يعلنون من أفكار ومبادئَ عند تعارضها مع مصالحهم، فقد جسد القضاء الأمريكي النزعة العنصرية عندما أصدر حكماً بمعاقبة lepen؛ بسبب شناعة فعله بحسب قول الحكم المتعلق باليهود، حيث أدين بتلاعبه بالكلمات والأصوات بطريقه تؤدي إلى معاني مختلفة للإساءة لليهود وكلنا يعلم كيف أن أغلب دول أوروبا أصدرت قوانين تجرم كُلّ من ينكر محرقة اليهود “الهولوكوست” ولقد قام القضاء الفرنسي عام 1997م بالحكم على “جارودي” عندما تكلم عن حقيقة الصهيونية وأكاذيبها.
  2. وباسم الحرية الإعْـلَامية وحرية الصحافة أرسى العدو الصهيوني والأمريكي مبدأ حرية تدفق المعلومات بدلاً عن حرية تبادل المعلومات والهدف هو إزاحة كُلّ العوائق والموانع أمام تدفق ثقافتهم إلى بلادنا عبر الوسائل الإعْـلَامية المختلفة ووصولها بأثمان زهيدة إلى شبابنا، وقد أوكلوا بالموضوع الثقافي إلى هوليود ووكالات الإعلانات الأمريكية التي استطاعت أن تصرف وعي الشباب عن هويتها وثقافتها وتتلاعب بذهنيتهم واهتماماتهم وإفساد أخلاقهم.
  3. وباسم الحرية الدينية تلاعب العدو بعقائد الشعوب ومقدساتها فالحق في الحرية الدينية وِفْـقاً للفكر الليبرالي والصهيوني ليس احتراماً للدين في حد ذاته، بل هو احترام وتشجيع على احترام اختيار الأشخاص لقناعتها مهما كانت منحطة ومتصادمة مع ثوابت الدين والفطرة السليمة للإنْسَان، أي الليبرالية تساوي بين خيارات المرء الدينية والأخلاقية وخياراته للرذيلة، ومن ذلك اختيارات المرء للزواج المثلي وقناعته بالعلاقات غير المشروعة.
  4. وتحت ستار التعددية الثقافية، استطاع العدو اصطياد واجتذاب الرؤوس النابغة من أبنائنا في شتى ميادين العلوم ثم تتولى الإنفاق عليهم وربطهم بها منذ مراحل الدراسة الجامعية الأولى ثم تعمل على الاستفادة منهم كجنود في تحريك اقتصادها وهكذا بالنسبة للاستقطاب الكفاءات المتميزة وأصحاب رؤوس الأموال وذوى الحرف والمهارات العملية وذلك بهدف الاستفادة منهم لتحريك عجلة الاقتصاد لديهم وحرمان أوطانهم من الاستفادة منهم، فقد نجحوا في استغلال خيرات ومقدرات بلادنا بوسائلهم المختلفة.. نجحوا أَيْضاً في استغلال مقدراتنا من الكوادر النابغة والمثابرة.

*أستاذ القانون المدني بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

عميد ورئيس جامعة سابق

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com