المرأة بين تكريم القرآن واستغلال أدعياء الحرية.. الحلقة الرابعة

المرأة عند النصارى

عبد الرحمن محمد حميد الدين

إنّ وضْعَ المرأة فيما يسمى بالديانة النصرانية لا يختلف كثيرًا عن وضعها عند اليهود؛ لأنّ عمليات التحريف التي طالت الإنجيلَ كانت ممنهجة من قبل اليهود أنفسهم الذين تغلغل الكثيرُ منهم في النصرانية بغرض تحريفها..؛ لذلك نجد أن النصوص المتعلقة بالمرأة في كُلٍّ من التوراة والإنجيل وملحقاتهما من: تلمود، وعهدٍ قديم وما شابه ذلك، تتفق في المعنى إلى حدٍّ كبير.

فهناك الكثير من أوجه التشابه في أحكام المرأة بين اليهودية والنصرانية، ومنها: الاعتقاد السائد لديهم بنجاسة المرأة، وأنّ نجاسة ولادة الأنثى تكون ضعف نجاسة ولادة الذكر..! والاعتقاد بأن ولادة الفتاة عار، حيث يقول الإنجيل الكاثوليكي: “إنّ ميلاد الفتاة خسارة”(22:3Ecclesiastic us )..!!

فقد عانتْ المرأة كثيرًا وتم اضطهادها واستغلالها من قبل تلك الأنظمة التي اعتمدت ما يسمى بالدين المسيحي دينًا رسميًا لها، وكان الانسجام الحاصل بين ما يعتقده اليهودُ والنصارى في المرأة من العوامل التي عززت ورسخت الكثير من المفاهيم المحرفة والباطلة والظالمة بحق المرأة في المجتمعات اليهودية والنصرانية.

ويقول الدكتور والباحث محمد الصادق عفيفي: أنّ المرأة في المسيحية المحرفة لا قيمة لها ولا وزن، وكانت تحتل مكانة سيئة في المجتمع، وظل هذا الأمر ملازمًا للمسيحية منذ السنين الأولى بعد المسيح وحوارييه، أي منذ بدء عملية التحريف وحتى اليوم..

فكان للزوج في أوروبا الحديثة الحق في بيع زوجته…، وكان معمولًا بهذا القانون في إنجلترا حتى عام 1805م، وقد حرّمَ هنري الثامن على الإنجليزيات قراءة الكتاب المقدس، وظلت نساء إنجلترا حتى عام 1850م غير معدودات من المواطنين، وحتى عام 1882م ليس لهنّ أي حقوق شخصية، أو حق في التملك الخاص.

 

المرأة هي المسؤولة عن الخطيئة الأولى لكل البشر!!:

وقد كان للاعتقاد الباطل بما يسمى “خطيئة حواء” أثرٌ كبيرٌ في العقيدة المسيحية، وبما يضاهي ما يعتقده اليهود في هذا الجانب؛ فيعتقد النصارى أن دور المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام) على الأرض نابعًا من معصية حواء للإله! فقد ارتكبتْ هي المعصية أولاً وغوتْ آدم أن يفعل مثلها، فطردهما اللهُ من الجنة ونزلا إلى الأرض التي حلّت عليهما اللعنة بسببهما. ولم يغفر اللهُ لهما هذه الخطيئة التي انتقلت لكل البشرية، فيولد الناسُ جميعًا مذنبين. ولكي يغفر اللهُ لهم الخطيئة الأولى ضحى بالمسيح، الذي يُعتبر ابن الإله، وقُتل مصلوبًا. وبناءً على ذلك فإن حواء مسؤولة عن خطيئتها وخطيئة زوجها والخطيئة الأولى لكل البشر ومسؤولة أيضًا عن موت ابن الإله. بمعنى آخر تسبب امرأة واحدة في سقوط البشر جميعًا من الفردوس..!!

وفي الإنجيل الكاثوليكي: “لا يوجد خطيئة يمكن مقارنتها بخطيئة المرأة. فأية خطيئة تكون وراءها امرأة، وبسبب المرأة سنموت جميعًا”!!.

 

بناتُ حواء كلهن مذنبات!!:

يقولُ الأبُ بول في العهد الجديد: “لتتعلم المرأة بسكوتٍ في كُلّ خضوع ولكن لست آذن للمرأة أن تُعلِّم ولا تتسلط على الرجل بل تكون في سكوتٍ. لأن آدم كُوّن أولاً ثم حواء. وآدم لم يغو لكن المرأة أغويت فحصلت في التعدي”. (1 تيموثاوس 2:11- 14).

أما الأب ترتوليان فكان أكثر قسوة من الأب بول فيقول وهو يتحدث لأخواته “الأحباء في الإيمان”: هل تعلمن أن كُلّ واحدة منكن حواء؟ فما كتبه الله عليكن ما زال مستمرًا إلى عصرنا هذا: والخطيئة مستمرة أيضًا. وأنتنّ الباب الذي يدخل منه الشيطان: وأنتنّ السبب في خطيئة الشجرة المحرمة: وأنتنّ أول من ارتكب معصية: وأنتنّ اللاتي أغوين آدم والذي لم يستطع الشيطانُ أن يغويه. فأنتنّ دمرتنّ العلاقة بين الإنسان والرب. وبسبب معصيتكنّ قُتل ابنُ الإله”.

 

تعليم المرأة:

يقول القديس بول في العهد الجديد: “لتصمت نساؤكم في الكنائس لأنه ليس مأذونًا لهنّ أن يتكلمن بل يخضعن كما يقول الناموس. ولكن إن كنّ يردنَ أن يتعلمن فليسألنّ رجالهنّ؛ لأنه قبيح بالنساء أن تتكلم في كنيسة”(1 كورنثوس 14: 34-35)..!!.

 

إدلاء المرأة بشهادتها:

وفي الغرب المسيحي لم يسمح القانونان المدني والديني للمرأة بالإدلاء بشهادتها إلا في القرن الماضي كما ينقل ذلك الدكتور شريف عبد العظيم. الحقوق المالية للمرأة:

وطبقًا للقانون المدني والكنائسي فإن الزوجة في أوروبا وأمريكا لم يكن لها أي حق في ممتلكاتها حتى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين..!! ويُمنع الطلاق عند المسيحية إلا لعلة الزنى فقط، ومن يتزوج مطلقة فهو يزني..!!(متى: 32:5)

ويرون أيضًا أن الزواجَ يجعل المرأة ملكًا لزوجها وحقًا لا يُنتهك”!! وأي عمل تقوم به المتزوجة ليس له أية شرعية.

 

طاعةُ الأُمّ في العهد الجديد:

وفي العهد الجديد لا تُكرم الأم على الإطلاق بل يعتبر الإحسان للأم عائقًا في الطريق إلى الرب.. ولا يُعتبر المسيحي تبعًا للمسيح إلا إذا كره أمه..!! ويوجد جزءٌ في العهد الجديد يوضح أنّ المسيح كان يسيء معاملة أمه (مرقص 3: 31-35).

 

وظيفة المرأة هي الإنجاب فقط!!:

ويقول (الأب أوجستين): “ليس هناك فرق بين الزوجة والأم، فهي في كلتا الحالتين حواء التي غوت آدم ويجب أن نحذر جميعًا منها… لا أعرف ما فائدة المرأة بالنسبة للرجل سوى أنها تنجب أطفالاً”!!

وبعد قرون من هذا كان القديس توماس أكويناس ما زال يعتقد أن المرأة بلا فائدة: “إن المرأة لا فائدة لها، أما الرجل فيولد صالحًا ويورث لبني جنسه. لكن المرأة مشوبة بالخطأ منذ ميلادها”!!!.

وأخيرًا من يسمى بالمصلح المشهور مارتن لوثر لا يرى فائدة للمرأة سوى إنجاب كثير من الأبناء: “إذا تعبنَ أو مُتنَ الأمر لا يهم. فليمُتنَ بعد الولادة فهذه وظيفتهنَ”..!!.

لكن القرآن لا يفرق بين الرجل والمرأة ويعتبر أن مسؤوليتهما واحدة، حيث يقول الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72))(التوبة). ويقول تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (النحل: 97). وغيرها من الآيات الكثيرة في هذا الموضوع.

 

المصادر:

▪           المرأة وحقوقها في الإسلام – د. محمد الصادق عفيفي.

▪           المرأة في الإسلام والمرأة في العقيدة اليهودية والمسيحية بين الأسطورة والحقيقة – د. شريف عبد العظيم.

▪           المرأة في الإسلام والنصرانية واليهودية – مسلم عبد الله أبو عمر.

▪           مكانة المرأة بين اليهودية والمسيحية والإسلام – ياسر منير (باحث دكتوراه – مقارنة أديان – جامعة القاهرة).

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com