هكذا استبق التحالف السعودي التفاهمات في مسقط بالتصعيد في عدن

بقلم : إبر اهيم السراجي 

 

احتاج الشعب السوري لوقت طويل حتى أدرك حقيقة الثورة التي تحولت كما خطط لها إلى معول الخارج متمثلا بالسعودية وقطر وقضى على سوريا ودمر بنيتها التحتية، فهل كان منطقيا أن نتخلص من سوريا ذات الاكتفاء الذاتي مقابل الديموقراطية؟ ثم ماذا ستقدم الديمقراطية للشعب السوري بعد أن ذهبت سوريا؟ وهل من المنطق أن تكون أكبر الدول الديكتاتورية وأكثر رجعية كالسعودية وقطر هي من تدعم الثورات؟ إذا كانت الأولى ماتزال تحرم قيادة المرأة للسيارة والثانية تسجن شاعرا مدى الحياة بسبب قصيدة؟

صحيح أن الشارع العربي كان قد استوفى الأسباب التي تدعوه للثورة ضد الأنظمة ونحن في اليمن كنا جزءاً من الربيع العربي الذي جرى استغلاله والتحكم بمساره كما تم التخطيط له، فهل سنكون كشباب فخورين أننا ثرنا وخلفنا بلدانا مدمرة وما ليبيا وسوريا عنا ببعيد وما يحدث باليمن الا استمرار للتدخل الخارجي في أمر الثورات والربيع العربي.

 

في اليمن أرادوا للثورة أن تنتهي بالتقاسم على أساس المبادرة الخليجية التي اقصت مكونات الثورة وسلمت الحكم لحزبي المؤتمر الشعبي وحزب الإصلاح الإسلامي وهما الشريكين في الحكم أصلا منذ قيام الوحدة، ولذلك عندما استمر الشعب اليمني في ثورته وتجاوز الخطوط الحمراء المرسومة للربيع العربي جاء التدخل الخارجي المباشر بالعدوان الذي تقوده السعودية على مدى أربعة شهور جرى خلالها قتل الآلاف من المدنيين وتدمير بشكل كلي للمصانع والموانئ والجامعات ومحطات الكهرباء وصوامع الغلال.

إن سيطرة المال السعودي على الإعلام العربي وشرائه للصمت الدولي جعل المتابع العربي أمام صورة مزيفة لما يحدث في اليمن خصوصا بعد نجاح النظام السعودي في حجب الوسائل الإعلامية اليمنية رغم محدوديتها، غير أن إعلام اليوم والفضاء المفتوح مايزال يترك فرصة ولو بسيطة لتوضيح حقيقة مايجري.

على سبيل ما يحدث في بلدي اليمن وتحديدا عدن التي يدعي العدوان السعودي تحريرها فقد أصبحت مدينة مدمرة بعد أن قضى القصف على بنيتها التحتية فقد دمرت الغارات صوامع الغلال ومصافي النفط ومحطات الكهرباء بينما تفتك الأمراض وأبرزها حمى الضنك التي قضت وتقضي على المئات من أبناء عدن، فلماذا لم يفك العدوان السعودي الحصار على عدن طالما قد نجح كما يقول في تحرير عدن؟

مالا يعرفه كثير من المتابعين العرب أن الإمارات القت بثقلها في عدن وأرسلت الكثير من المرتزقة الباكستانيين واستقدمت جنود من داخلها ومن الأردن والبحرين بالإضافة إلى مئات الآليات العسكرية والمدرعات التي جرى إدخالها إلى عدن دعما للمليشيات التي تقاتل جنبا إلى جنب باعتراف القاعدة وداعش وليست هذه المعلومة من عندي ومن أراد فليتابع بيانات الجماعتين في مواقعها الإلكترونية أو البيانات المصورة على موقع يوتيوب وأيضا فليراجع التقرير الذي نشرته مجلة وول ستريت جورنال الأمريكية الذي أكد أن القاعدة تقاتل جنبا إلى جنب مع السعودية في اليمن.

ومالا يعرفه المتابع أيضا أنه على مدى عقود سيطرت شركة موانئ دبي العالمية على حق تشغيل ميناء عدن وابقت بلا أهمية رغم موقعه الاستراتيجي الذي يؤهله لأن يكون أهم ميناء في المنطقة وهو ما تخشاه الإمارات أن يكون على حساب ميناء دبي، فلذلك ألقت دولة الإمارات بثقلها في معارك عدن.

 

وقد يتساءل البعض عن سبب التصعيد الذي تقوده السعودية والإمارات في عدن اليمنية مؤخرا؟ وإجابة لهذا التساؤل فإن تحالف العدوان استبق اتفاقا كان يتبلور في العاصمة العمانية مسقط بين الحراك الجنوبي غير الموالي للسعودية من جهة وبين أنصارالله من جهة أخرى وقضى هذه الاتفاق أن يتم تسليم عدن وبعد ذلك المدن الجنوبية للحراك الجنوبي ليتولى تأمينها والمدن الجنوبية الأخرى وكذلك يتولى الحراك الجنوبي المواجهة مع القاعدة وداعش التي تنشط بشكل كبير في الجنوب وبدعم سعودي ظاهر خصوصا في حضرموت التي يسيطر عليها تنظيم القاعدة ويتلقى الأسلحة والمساعدات والمال من السعودية بشكل مباشر علما أن الناطق باسم التحالف السعودي سبق وعلق على سيطرة القاعدة على حضرموت بالقول أن عمليات التحالف ليس من بين أهدافها القاعدة وداعش.

إذن لقد استبق التحالف السعودي ذلك الاتفاق بغية استمرار الصراع في عدن على أن يتم الاتفاق في عدن خارج الإرادة السعودية ولمن أراد التأكد فليبحث في جريدة الأخبار اللبنانية التي سبق ونشرت عن التفاهم الذي جرى في العاصمة العمانية قبل التصعيد الأخير في عدن،

 

القيادي في الحراك الجنوبي “عمر الجاوي” وهو بالمناسبة نجل الشخصية الوطنية الراحل عمر الجاوي كان متواجدا في العاصمة العمانية مسقط ضمن الحراك الجنوبي الذي توصل إلى اتفاق مع أنصار الله لتسليم عدن للحراك الجنوبي يقول عن ذلك “رجعت قبل ايام معدودة من مدينة مسقط عاصمة سلطنة عمان الشقيقة بعد زيارة استمرت 10 ايام للحوار مع اخواننا من أنصار الله حول تسليم المحافظات الجنوبية لأبناء الجنوب وفقاً لاتفاقات سابقة تمت قبل الحرب وبعدها مع عدد من القيادات الجنوبية ”

وعن أسباب التصعيد السعودي الإماراتي في عدن مؤخرا يقول الجاوي أنها تعود إلى :” الرفض القاطع لما يسمى الشرعية وكذلك السعودية لتسليم الحراك ( كل فصائل الحراك دون استثناء ) ادارة الجنوب ورفض تام ومطلق لمبدأ الفدراليتين بل والتمسك بالأقاليم السته وتسليم اي ارض في اليمن وخصوصاً عدن للشرعية حصراً دون الحراك رغم تفهم كثير من الاطراف الدولية والاقليمية لذلك الا ان السعودية كانت متشددة في الرفض بحسب ما نقل الينا .”

 

ولتكتمل الصورة للمتابع العربي فإن ما يسمى بالمقاومة الشعبية التي تقاتل تحت راية السعودية هي مجموعة فصائل تجمع كل النقائض وبينها من الخلافات ما يكفي لإشعال صراعات لانهاية لها غير أن الوقت الحالي جمعها تحت راية المال السعودي وإلا فكيف يجتمع فصيل يطالب بانفصال الجنوب عن اليمن مع فصيل يقاتل تحت راية ما يسمى بالشرعية وبذلك ضد الفصيل السابق المطالب الانفصال، وفصيل يبحث عن إقامة دولة الإسلامية مثل داعش التي تنشط علنا في عدن وتدعي السعودي محاربتها؟

 

إن ما يجري في اليمن بعيد عن أهداف أي فصيل واي قضية تحملها تلك الفصائل إذ أن ما يحدث هو تدمير ممنهج لليمن على غرار سوريا وليبيا باسم محاربة التمدد الإيراني، والسؤال هنا إذا كانت السعودية ودول الخليج قد عجزت عن محاربة التمدد الإيراني كما تدعي في سوريا والعراق فالأجدر بها أن تتوقف عن تدمير البلدان العربية، رغم أن ليبيا الأكثر تضررا من التدخلات الخليجية هي ابعد ما يكون عن غيران فما الذي أوصلها لماهي عليه اليوم؟

والمفارقة أن ما حدث سوريا بدأ باسم الثورة ثم اتضح أن داعش هي من تسيطر على مسارها فإن ما حدث في اليمن جرى بشكل معاكس حيث كانت القاعدة وداعش تتبنى التفجيرات الانتحارية في المساجد والأسواق وكذلك القاعدة فقد تحولت تلك التفجيرات باسم ما يسمى بالمقاومة الشعبية التي صارت تتبنى بشكل صريح وعبر الإعلام السعودي والممول سعوديا تتبنى التفجيرات عبر السيارات المفخخة في صنعاء وغيرها وأحيانا يتم تبني تلك التفجيرات بشكل مزدوج فعلى سبيل المثال فإن تفجير سيارة أمام مسجد بصنعاء قبل أيام جرى تبنيه من قبل داعش وكذلك تبنته ما تسمى ” المقاومة الشعبية ” بصنعاء.

أخيرا فإن السطور السابقة هي محاولة لتوضيح ما يحدث باليمن رغم وضوحه في سوريا والعراق وليبيا وهي أيضا دعوة للشعوب العربية لأن تتخذ موقفا قويا من معول الهدم السعودي الذي يدمر وطننا العربي وهي التي خدعت إعلاميا وتكونت لديها صورة مزيفة للأحداث .

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com