حصاد الثيران!

د. مصباح الهمداني

بالتأكيد أنَّ العنوانَ مُحيِّر، فالحصادُ لا يكونُ حقيقةً إلا للزرعِ، ولا يكونُ مجازًا إلا للرؤوس، لكنَّ استخدامه للثيران فيه نوعٌ من الغرابة، ولكن دعوني أشرحُ الأمر، ففيه فِعلاً من الغرابةِ والحيرةِ والمُعجِزة، ما يحيِّرُ الأفكار، ويُلهِبُ قريحةَ الشُّعَّار..

في المزارِعِ يتم غرسُ الزرعِ وسقيِهِ وتعهده ورعايته حتى يكبُر، ثمَّ نقوم بعدها بالحصادِ، والآن في الجَبَهاتِ يتمُّ التعامُلَ مع كُلّ جبهةٍ بما يُناسبها، من تضاريسٍ وبيئةٍ ومناخ، فهُناكَ جبهات يتم صيدُ الأعداء وكأنهم أرانبٌ، وجبهاتٌ أُخْرَى وكأنهم قُرود، وجبهاتٌ ثالثة وكأنهم غزلان، وجبهاتٌ رابعة وكأنهم أسماك، وجبهاتٌ خامسة وكأنهم حمائم…

والحديثُ اليومَ عن جبهةٍ عجيبةٍ ومُحيِّرة، قد جرَّب فيها العدو خلال الثلاث السنوات؛ كُلّ وسيلة، وجاء إليها بكلِّ جيش، ودفعَ إليها بالعديدِ من المُرتزقة، من كُلّ جنسيةٍ ولون..

وفي آخرِ المحاولات، قامَ العدو السعودي بإشباعِ مرتزقةِ السودان، وتسمينهِم، لأكثرَ من شهر، وبعدَ أن امتلأت الخدود، وانتفخت الأوداج، وكبُرَت الأرداف، وترهَّلت البطون، ولم يعُد للكبسةِ مكانًا تملأه، جاء الخطيبَ السعودي كالعادة، ليبصُقَ كلماتِ الحِقد والكراهية والتكفير والتبديع بينَ أولئكَ الرابضين، ويردد عليهم كيلَ السبابِ والشتيمةِ لأهل اليمن، وبينما المرتزقةِ يجترُّون الكلمات وهم بين نائمٍ ونعسان ونصفُ يقظان، أتى القرارُ بعدها بأنَّ على هذه الكائنات، أن تهجُرَ النوم، وتستعِدَّ للهجوم..

وبدأتِ الأهازيجِ السودانية ترتفُع أصواتها بأفواهِ كتيبةِ الجنجويد قائلين:

“جايينك يا يمني، جايينك يا حوسي، جايينك يا مجوسي، دايرين ناكلك أكل متلَ الكِسرة، ومتل قراصة بويكا”.

ويجيبها آخرون من نفسِ الكتيبة مُرددين:

“سنقهر من يعادينا، واجب الأوطان داعينا، واجبُ الأوطااااان”

تقدمتِ الجحافِلُ وخلفها صوتُ ذلكَ السعودي بمكبر الصوتِ، يقول:

“أنتم الأبطال، أنتم الأبطال، يا زُولات يا نِعم الرجاااال، نحنُ معتمدين عليكُم، شُدُّوا الهمة لا ترجعوا إلا منصورين”.

تحَـرّكت الجحافِل، وبدا المنفذ البري، وكأنه سحابة سوداء وقعت على الأرض، وتمددت على بسيطةٍ واسعةٍ من الرِّمال..

وكانَ هُناكَ، أتدرونَ ما تعني هُناك!.

تعني الرِّمالُ اليمانيةُ الإيمانية، التي أقسَمَت ألا يطأها الغُزاةَ إلاَّ أذلاء طالَ الزمن أَوْ قَصُرَ…

هُناكَ كانَتِ الأسودُ بانتظارِ أن تتمدد سحابةُ القطيعِ أكثرَ وأكثر، بل وتقترب أكثرَ وأكثر؛ حتى يتبينَ العجلُ الرضيعِ من الثورِ الكبير…

هُناكَ كانَ القائدُ الاستثنائي، والمؤمنُ الربَّاني، والفريدُ من نوعه، دهاءً، وذكاءً، وفطنةً..

تمَّ تمييزَ السحابةِ بجلاء؛ لأنَّ في نهجِ القائدِ وسياسته الحربية، أن يتمَّ فرز الأعداء، واستخدامُ السلاحِ المناسبِ لكلِّ فئة، فسلاحُ صيدِ الأرانب، لا يشبه سلاحُ صيدِ القرود، ويختلفُ عن سلاحِ صيدِ الغِزلان..

كانت السحابةُ توحي بأنَّ الغُزاةَ من فصيلةِ الثيران، ثيرانٌ سوداء، داكنةُ السواد.. تحَـرّكَتْ السحابة، وكانَ تحَـرّكها كما توقّعَ القائدُ الأسَدُ بالضبط..

فقد توزَّعت إلى سبعُ مجموعات، وكل مجموعة تجرُّ خلفها ما بين ثلاثُ إلى ست مدرعات، وبعدَ أن تباعَدتْ عن بعضِهَا، أطلقتْ العديدَ من القذائفَ في كُلّ اتجاه، وكأنها تُحاربُ الهواء، وحينَ لم يأتيها الردُّ المناسبِ فقد توقَّفَتْ، لأخذِ قيلولةٍ أَوْ لإعادة التموضع وتجهيز المتارس، والمهم أنها توقفت وسكنت وبدا وكأنَّ غاشيةَ النُّعاسِ أدركتها بقوة، فيما كان الطيرانُ يرافقها، وكأنه مظلات تظلل رؤوسها…

وكما هي عادةُ رجال الرجال، في التجهيزِ والإعداد، فقدِ ابتسمَ قائدُ الأسود، وقالَ لأصحابه: فلنُطبِّق الخطة 21 الرُّباعية، توزَّع الجميع، وعرَف كلُّ واحدٍ مكانه، وبلغَ التوجيه كُلّ الأسود المتوثبةِ في كُلّ مكان..

وكانتْ ساعةُ الصفرِ من المجموعةِ الرابعة والأكثرُ قُربًا من مجموعةِ جحافل الثيران السادسة؛ صاروخٌ موجه يخرُجُ من بين الرِّمال ليلتهمَ المُدرعةُ وسطَ الثيرانُ الرابضة، انفجرتِ المدرعة، واشتعلتِ النيرانُ، وتطايرتِ الشظايا، وعلا الصياح بلهجاتٍ غيرُ مفهومة، وانتقلتِ الحرائقُ إلى مجموعة الثيران الثالثة والأولى، في مشهدٍ مماثل، وتوالتْ قذائفُ البازوكا من جِهةِ الأسود، واختلطَ الغُبارُ بالسواد، وتخبَّطَتِ الثيرانُ، في مشهدٍ مُثير، فأصواتُ الانفجاراتِ تتوالى في المدرعاتِ والأطقم، والغبارُ المُنبعِثُ من الفارين أربكَ قادة الثيرانِ أكثر..

تدافعَ الناجون باتجاهِ قائدهم القابعَ في المجموعةِ الرابعة، وكل واحدٍ منهم يصيح ” يا زوول عليكَ الله ورطتنا هذي الورطه ليش” وآخر يصيح” هوَّ الطيران ابن الحرام راح فين” وقائدهم يصيح ” اضربوا العدو لا تضيعوا الكلام” ويجيبه ثالث ” اضرب شنو يا زول أنا أصُّو شايف حاجة” ويصيحُ آخر”يخواننا عصمان وتاج السر وسر الخاتم كتلوا، تعالوا شيلوا معانا ” ويصيح آخر ” يا زوول عليك الله حد يسعف هشام ود حدَّام باقي فيه شوية نفَسْ”، ويأتي آخر ليصيح قائلاً” يا قائدنا: شنان، وكردش، ودشين، والشناوي، وابو سبيكة، والسلاوي قتلوا وتقطعوا قطع”..

كان الرصاصُ لا يتوقف، وكانَ الغبارُ والصياحُ يلفُّ بعضه بعضا، وكانَ الموتُ يبيعُ القطيعَ بالجُملة، وجاءت رصاصةٌ مُسدَّدة وكأنها تعرفُ طريقهَا بدقةٍ متناهية لِتُصيبَ كبيرُ الثِّيران السمينة وتخترق جمجمة قائد قطيع المرتزقة…

وتتعالى الصيحات من بقية الناجين:

“يا اخواننا السعوديين الـ… دايرينا نموووت، ليه اختفى الطيران هسَّا في العشر الدقايق دي حامية الوطيس، علينا بالهروب والا إحنا مقتولين مقتولين كلنا عن بكرة أبينا”

ويبدأ صِراعُ الثيران مع صراعُ الحياة، وتطلُقُ السيقان كلَّ قوَّتها، للهروب والفوزِ بأملِ البَقاء، وحينَ انكسرَتِ الثيران، ظهرَ الطيرانُ وحوَّمت ثلاثُ مروحيات، توجِّهُ صليات رصاصها أمامَ القطيعِ الهارِب علَّهُ يعود، لكن القطيعَ يستمر في الهروبِ باتجاهِ المنفذْ، تاركًا خلفه عشرات بل مآت القتلى والجرحى في منطقةٍ مشتعلة، لم يتقدَّم أحدٌ لانتشالِ الجثثِ ولا لإسعافِ الجرحى…

شُكرًا لميدي، ميدان اليمن، وعنوان النصر، وبوابةَ الفخر.

شُكرًا لأولئكَ الأبطال من قائدهم إلى أصغرِ الأسودِ فيهم، ولا صغير!

شُكرًا لحُماة الأرضِ والعِرض.. الذينَ يرسمونَ لوحة المجدِ والشموخِ والبطولةِ والشجاعةِ والإباء!

+++++++++++++++++++++++++

إن جاؤكم فاسق بنبأٍ فتبينوا..

بشرى عبده

تداول ناشطو وإعلاميو العدوان ومرتزقتهم في مواقع التواصل الاجتماعي وفي قنواتهم خبراً كاذباً كعادتهم، كما أنه مملوءٌ بالتناقضات عن حادثة قتل حصلت لامرأة مجهولة الهُوية في محافظة إب، مدعين أن اسمَها هو أمل القليصي، وأنها ناشطةٌ تقومُ بتدريب الفتيات، وأنها حصلت على معلومات خطيرة عن مليشيا الحوثيين، مما جعلهم يختطفونها، ثم يغتصبونها، ثم يقتلونها، ويرمون بجثتها في مديرية الظاهر في طريق فرعي!!

وتداوُلُ مثل هذه الأخبار الغرضُ منها هو إثارةُ البلبلة والخوف والسخط بين الناس، بطريقة تهدِّدَ السلمَ الأهلي، ولا تخدُمُ إلا العدوانَ، بدليل أن من يتناقلونها بشكل كبير هم ناشطو “الشرعية” التي طائراتها تقصفُ نساءَ اليمن ليلاً ونهاراً..

وبالتأكيد أن على أجهزة الأمن القيامَ بواجبها وضبط الجُناة وتقديمهم للعدالة لينالوا جزاءَهم العادل، وبحسب معلوماتي فقد تم القبضُ على مشتبهين، ولكني أوَدُّ هنا أن أتطرَّقَ لهذا الموضوع من عدة محاورَ:ــ

أولاً:ــ الضحيةُ فتاة تُدعى “ت. أ. ب” اختفت قبل أشهر، وأجهزة الأمن تبحث عنها، وبعد إجراء التحقيقات حول الجثة تم التعرُّفُ عليها، فمن أين عرفوا أن اسمها هو (أمل القليصي)؟

ثانياً:ــ أليست مليشيا الحوثي ـــ على حد زعمهم ـــــ هي من أمنها مرتزقة الرياض على عائلاتهم، فكانوا يسافرون بعائلاتهم للسكن في صنعاء، آمنين مطمئنين عليهم، ثم يذهبون بدورهم إلى القتال في تعز وغيرها ضد الحوثيين!!، فكيف تقومُ هذه المليشياتُ بالاعتداء على امرأة، بينما الآلاف من نساء كُلّ المحافظات التي تقع تحت حكم الحوثيين آمنة مطمئنة تخرج فيها النساء إلى الأسواق والمدارس والجامعات والشوارع وهن آمناتٌ بأمان رجال الرجال!!

فهذه ثغرةٌ وقع فيها المرتزقة ولم يستطيعوا حَبْكَ كذبتهم وادّعاءاتهم وافترائهم..

ثالثاً:ــ من المعروف أن أنصارَ الله والذين هم من كُلّ القبائل اليمنية ويتمسكون بكل العادات والتقاليد اليمنية الأصيلة معروفون عند العدو قبل الصديق باحترامهم للمرأة، وأنْ لا يمسوها بسوء؛ لذلك استطاع الفار عبدُربه منصور هادي بالفرار إلى عدن متخفياً بلباس امرأة.. حيثُ أنه لا يتم حتى تفتيشُهن، وإنْ كان ولا بد من تفتيش فهناك نساءٌ يقمن بذلك، خيرَ قيام.. فكيف بتهمة (الاغتصاب) البعيدة كُلَّ البُعد عن أخلاق الحوثيين، والتي لا يصدقها أحدٌ، ولا يخاف من هذا الإرجاف أحدٌ؛ لأنهم لو كانوا كذلك، لوقعت عشراتُ الحالات في مناطق سيطرتهم.. وهذه ثغرة أخرى وقع فيها المرتزقة ولم يستطيعوا أن يحبكوا كذبتهم وادعاءاتهم جيداً.. بحيث يصدقها الناس..

رابعاً:ـــ كيف للمقتولة المجهولة الهُوية أن تحصلَ على معلومات خطيرة عن الحوثيين، وهي تعملُ في مجال التدريب للفتيات؟؟!، يعني شيء غريب فعلاً!! هل علمت مثلاً عن القوة الصاروخية، وعن أماكن تواجدها، وعن أماكن مصانع الأسلحة؟!.

ما هذه المعلومات الخطيرة التي يمكن أن تحصلَ عليها امرأة تعمَلُ في مجال التدريب للنساء عن الحوثيين؟!، فنقول للمرتزقة: رجاءً عندما تريدون أن تكذبوا.. اكذبوا كذبةً تكون مقبولةً عقلاً حتى يصدقها الناس..

خامساً:ـــ لماذا يتم تداول مثل هذه القضية بهذا الشكل من قبل بعض الناشطين، وفي المقابل يتم التغافل والتهاون والسكوت عن قضايا كثيرة مشابهة من قتل العدوان السعودي الغاشم للآلاف من النساء اليمنيات بصواريخ الغدر والخيانة ولا يحركون ساكناً، ولا نرى لهم منشوراتٍ ضد قوى العدوان مثلما نراهم متحاملين بقوة على الحوثيين!!، أليست أولئك النسوة أيضاً يمنيات؟!

وأخيراً أقول: فعلاً.. إذا لم تستحِ فاصنعْ ما شئت.. وليعلم كُلُّ مرجِفٍ بأنها سُنة إلهية في الكون هذا كما جاء في القرآن الكريم وهو يتحدث عن بني إسرائيل بأنهم لا يمكن أن يعملوا جريمةً ثم يخفوها ويكيدوا لغيرهم دون أن يتركوا ثغرةً وراءهم، فإننا نرى أن أذنابَ اليهود والنصارى ممَّن يكيلون التهم لأنصار الله قد تركوا وراءَهم ثغراتٍ وثغراتٍ، وهذه هي سُنة الله الفاضحة للمنافقين..

والأولى بمن يتداول مثلَ هذه الحادثة في منشوراته في مواقع التواصل الاجتماعي أن يعمَلَ بقول الله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ].

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com