محمد بن سلمان: أمير البحار وكواكب الديجيتال

خليل كوثراني

لا شَكَّ في أنه، منذ بدايات وعيه، كانَ مسكوناً بأمل الوصول إلى هذا اليوم. لم يكن للشاب، صاحب الأحلام الكبيرة، دراية بأن القدرَ سيعجّل في منحه كُلّ هذه الأمنيات، دفعة واحدة، وبتلك السرعة الخاطفة، في سنة 2017، وهو الذي لم يجتز بعد الـ32 من عمره.

ما يندر أن تجمعَه سخريةُ التأريخ لشخص واحد، من سلطان وثروة، جمعته دفعة واحدة لمحمد بن سلمان (31 آب 1985)، مُحقّقة بعضاً من «المعجزات» المدرجة على لائحة طويلة من أحلام الأمير الصغير. أن تكون ابناً لأمير من أمراء آل سعود، فأنت لديك فرصةٌ لتعيشَ طفولةً مرفَّهةً، ملأى بالإثارة، تعتادُ معها القدرة على تحقيق المغامرات بما أوتيت عائلتك من ثروة ونفوذ. فكيف إن كنت، كمحمد بن سلمان، مولَعاً بألعاب الفيديو في صغرك، والتي ستطبع لاحقاً الجانب الأَكْبَر من شخصيتك، مُعزِّزة الخيال حدّ الانفصام في بعض الأحايين عن الواقع.

يعترفُ أميرُنا المدلّل، القادم من انتصارات عالم الديجيتال، بهذه الشخصية، ويُفضي ببعضٍ من أسرارها وهواجسها لرئيس تحرير وكالة «بلومبيرغ»، جان ميكلثويت. ينقل الأخير عن ابن سلمان، أثناء دردشة في مزرعة الملك سلمان في الدرعية، قوله بثقة عجيبة: «لقد كنت أمتلكُ خلال نشأتي وسائل أَكْثَر بكثير من تلك التي توافرت لستيف جوبس أَوْ زوكربيرغ أَوْ بيل غيتس. فقط لو أنني اتّبعتُ طُرُقَهم في العمل، فما الذي بإمْكَاني أن أصنعه؟ لقد كان كُلّ ذلك يدور في ذهني عندما كنت صغيراً في السن». وينسب سادس أنجال الملك سلمان بن عَبدالعزيز نفسه إلى «جيل الإنترنت وألعاب الفيديو»، معقباً على ذلك: «نحن نفكر بطريقة مختلفة جداً وأحلامنا كذلك مختلفة».

في مناسبة أُخْــرَى، يبوحُ «أبو سلمان» لمجلة «إيكونوميست» بسر آخر عن طفولته الرغيدة، حين يكشف عن علاقته الخَاصَّــة بالبحر الأحمر، ومنطقة شمال جدة «الرائعة» ــــ كما يصفها ــــ الواقعة بين مدينتي أملج ووج، حيث يتواجد ما يقرب من 100 جزيرة في مجموعة مرجانية واحدة، في مكان قضى فيه الأمير 8 رحلات استجمامية.

أواخر العام 2016، صار للأمير الشاب يختُه الخاص، ذو المواصفات المغرقة في البذخ والرفاهية، بعدما اشتراه من ملياردير الويسكي الروسي، يوري شيفلر، بـ550 مليون دولار، أزيد بـ200 مليون دولار عن ثمنه الحقيقي. وبات بإمْكَان ابن سلمان التمتعُ عبر «سيرين» (اسم اليخت) بالبحر الأحمر وسائر المحيطات. لكن من قال إن طموح صاحب الألقاب التي لا تُحصى (جديدها لقب: رئيس الهيئة العليا لمكافحة الفساد) سيتوقف عند الإبحار مع الحاشية ورهط من الأصحاب والمتملقين على متن «سيرين»؟

قرّر أميرنا بعدَ بُرهةٍ من تسلق السلطة أن يذهبَ بخياله إلى النهاية. فكر ملياً، قبل أن يصرخ في الناس: وجدتها! إنها «نيوم».. مدينة ذكية ستجمع كُلّ أحلامي: تلتقي هنا تكنولوجيا المستقبل مع الإطلالة على البحر الأحمر. لا يخفي ابن سلمان طمعَه في أن تنافس مدينتُه الجديدة مدينةَ فوجيساوا الذكية، الواقعة في اليابان، البلد الذي يقع الأمير في غرامه، وهو معجب بتجربته أشد الإعجاب، وقد اختاره من بين أولى البلدان التي زارها فور وصوله إلى السلطة. لا ينافس اليابان في قلب الأمير سوى وادي السيليكون، عاصمة صناعة التكنولوجيا، الواقعة على خليج سان فرانسيسكو في كاليفورنيا الأميركية… هناك حيث حلّ ابن سلمان، قبل عام ونيف، ضيفاً على «أمير فيسبوك»، مارك زوكربيرغ، والتقط معه صوراً وهو يرتدي اللباس الغربي بلا ربطة عنق، ويستمتع بعروض «فيسبوك» الافتراضية عبر نظارات ثلاثية الأبعاد.

لـ «وول ستريت» وعالم الأموال والاقتصاد مكانه أيضاً عند الأمير. إذ حقق الابن الأَكْبَر لثالث زوجات الملك سلمان حلماً آخر بزيارة «وول ستريت» في حزيران من العام 2016، حيثُ عقد صفقاتٍ مع مستثمريها، وهو يستعدّ اليوم لطرح أسهم من شركة «أرامكو» النفطية في أسواقها. خلفية الشغف بهذا القطاع نعثر عليها كذلك في بدايات ولي العهد، حين انكبّ على «العمل التجاري الحر» فور تخرّجه من جامعة «الملك سعود» في الرياض بإجازة في القانون. عملٌ يُقال إنه كان من بين وجوهه تداول الأسهم، وتبادل العملات في البورصة، وتأسيس عدة شركات خَاصَّــة.

عام 2017 كان الأصخب، وبمنسوب غير اعتيادي، في حياة محمد بن سلمان. كيف لفتى في القرن الواحد والعشرين أن يجعل من قصص التصفيات الداخلية للسلاطين الأتراك في القرون الغابرة، مملة وغير صالحة للنشر كأساطير من زمن لا يتكرر؟! في سنة واحدة، شغل ملك «قصر اليمامة» المقبل، العالم بأفاعيله التي لم يسلم منها قريب أَوْ بعيد. تكاد لا تعثر على نشرة إخبارية، عربية أَوْ دولية، خالية من نبأ مثير عن وزير الدفاع السعودي، وملك غابة الألقاب والمناصب. «خذ قبلة وأعطني مملكة». لعلّها تُعدّ القاعدة الأبرز لدى محاولة استخراج ملامح «مدرسة الخيال العلمي» للسياسة السلمانية. قاعدةٌ أخذ بها محمد بن سلمان للانقلاب على ابن عمه ولي العهد محمد بن نايف. سارع بعد الانقلاب على ابن نايف، إلى الانقضاض على باقي أولاد العمومة، زاجّاً ببعض منهم في السجون، ومصادِراً ثروات آخرين، ومُجرّداً جمعاً ثالثاً من مناصبهم. تم ذلك كله… في ليلة واحدة.

لم يبين ميكلثويت في مقابلته أيّ ألعاب فيديو بالتحديد كان ابن سلمان مولعاً بها. لكن، بعد جردة للسياسات الخارجية لولي العهد، يُرجّح أن لعبة «ريد أليرت» أخذت حيّزاً لا بأس به من طفولة الأمير. لا يكفّ الملك المستقبلي عن «غزوات» خارجية تشبه مغامرات «اللعبة الاستراتيجية»، مع فارق شاسع لجهة سهولة الانتصارات التي يؤمنها العالم الافتراضي. أما الواقع، فلم يمنح بعدُ الأمير اليافع متعة الوصول إلى مراحل متقدمة في «غزوتَي» قطر ولبنان، ولا في صفقة بيع القدس، فيما لا تزال جحافل الأمير عالقة في وحول اليمن.

عالمُ الخيال هذا لا يقتصِرُ على «السماجة» فقط كما يظن البعض، بل يقدّم في بعض الأوقات مواقفَ لا تخلو من الطرافة. فمثلاً، يقرر الأمير ابن سلمان، قبل أسابيع، بالتزامن مع إعْلَان هزيمة تنظيم «داعش» وطرده من آخر معاقله في البوكمال السورية، دعوةَ وزراء دفاع دول إسْلَامية جَمَعهم تحت لواء تحالف عسكري، إلى وضع الخطط لمحاربة «داعش»!

بعد أشهر، سيقفُ محمد بن سلمان، في عام 2018، أمام أول امتحان تطبيق عملي لـ «رؤية 2030»، التي أعدتها شركة «ماكينزي» الأميركية للاستشارات، بعيداً من العوالم الافتراضية. وأياً كانت نتائج سياسات ملك جزيرة العرب المقبل، فسيُؤرّخ لها على أنها مرحلة مفصلية في تأريخ المملكة، أعادت صياغة علاقاتها بالأسئلة التأريخية الكبرى: مستقبل العرش، النفط، المجتمع والتشدد الديني، والعلاقة بالولايات المتحدة.

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com