الوعي.. والعودة إلى روح القرآن الكريم.. يؤدي إلى انتشار التسامح والعفو بين الناس

إعداد/ بشرى المحطوري

 (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ)

استهل الشهيدُ القائدُ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَــيْهِ- محاضرتَه بشرح معنى (المسارعة) فقال: [نسارع: أي: نبادر إلى الأعمال التي بها نستحق المغفرة، وَبها نستحق الجنة. المبادرة إلى الأعمال الصالحة، يكون الإنْسَان سبَّاقاً، مبادراً، ما يكون فيه تثاقل].

مضيفاً بأن قضية المسارعة شيء مهم جداً في ميادين العمل في سبيل الله، ولهذا جاء القُـرْآن بعتاب شديد، وسخرية ممن يتثاقلون: {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ}.

 

لماذا المسارعة إلى ميادين الخير؟

وأشار الشهيدُ القائدُ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَــيْهِ- إلى أن من أهم الصفات التي يتصفُ بها رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم هي صفة المسارعة والمبادرة إلى ميادين الخير والجهاد، وضرب مثالاً بمسارعته عليه الصلاة والسلام في غزة تبوك، وتحشيده للمؤمنين، وخروجه لملاقاة الروم، وأن هذه الحركة منه جعلت الروم يتراجعون عن المعركة.

وبيّن لنا أَيْضاً في المحاضرة ما تؤدي إليه المسارعة بقوله: [هذه الصفة مهمة جداً بالنسبة للمسلمين، هي الصفة التي تجعلهم هم السباقين، وهم سادة الأمم، تجعلهم هم أصحاب السبق في كُلّ ميادين العلم، والمعرفة، في كُلّ مجال من مجالات الصناعة، من مجالات الزراعة، وكل المجالات مثل: الطب، والهندسة، وغيرها، لكن مسألة التثاقل، التباطؤ، هي التي تؤخر الأمم، وتؤخر الناس ما يعرفوا أشياء كثيرة، فيسبقهم الآخرون…].

 

معظمُ الأعمال في ميادين الجهاد لا تحسم إلا بالمسارعة

وفي ذات السياق، أضاف -رِضْوَانُ اللهِ عَلَــيْهِ- قائلاً: [لا يحسم الموضوع في الحروب، في المواجهة إلا المبادرة، عنصر المبادرة أهم عنصر، المسارعة، تكون أنت صاحب السبق، تكون أنت سيدَ الموقف، لكن متى يمكن أن تكون سيد الموقف؟ إذا كان من حولك كلهم مبادرين، عندهم حركة المبادرة، المسارعة]، مؤكّداً على أن المسارعة مطلوبة في معظم الأعمال التي تستوجب المغفرة، مستدلاً على ذلك بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ}، فالفاء في قوله (فاستغفروا) تدل على ترتيب الغاية بعد الشرط، بمعنى أنهم ذكروا الله واستغفروا مباشرة دون تأخير.

 

أبرزُ صفات المتقين

مما لا شك فيه أن المتقين لهم صفاتٌ كثيرةٌ رائعة يتصفون بها، لكن من أبرز هذه الصفات ثلاث صفات ذكرها الشهيد القائد -رِضْوَانُ اللهِ عَلَــيْهِ- قائلاً: [وأبرز صفات المتقين التي نريد اليوم أن نتحدثَ عنها أيضاً: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}، هم ثلاث صفات مهمة جداً، لا تتوفر إلا في مَن تذوبُ شخصيتُه في الإسْلَام، تذوب نفسيته في العمل لله، بحيث نفسه هو ما يعطيها أهمية فوق كُلّ شيء].

وبالمقابل، أوضح الشهيد القائد بأنه لا يمكن لإنْسَانٍ أن نصفَه بأنه من (المتقين) وكل همه إرضاء مشاعر نفسه، لا يهتم لدين الله، وأي اعتداء على الإسْلَام لا يحرك شعرة في رأسه، بينما لو اعتدى عليه أحدٌ ولو بكلمةٍ فإنه يُقيمُ الدنيا ولا يقعدها، لا يكتم غيظاً، ولا يعفو عن أحد..

 

الذي يتقي اللهَ لا يترك ميادين الجهاد لأن شخصاً أغضبه:ــ

شدّد الشهيدُ القائدُ علينا من خلال المحاضرة بأن نحاولَ أن نكونَ من المتقين، وأن تذوبَ نفسياتُنا في العمل لله، وفي سبيله، وأن يكونَ كُلُّ همنا هو المسارعة إلى كُلّ عمل فيه المغفرة، والجنة التي عرضها السماوات والأرض، وألّا نتأثر بكلام أحد ضدنا ونترك العمل في سبيل الله، وشرح الآية التالية قائلاً: [{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} لا بأس سيعمل للإسْلَام، سيتحرك في الأعمال الصالحة، في مواقف جيدة، لكن إذا سمع دعاية ضده قال: [ها ما عاد لي حاجة] ويفلت كُلّ شيء، وكأنها تعتبر عنده كما قال الله: {فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ} يعني ما يلحقه من الناس كما لو عذب، {كَعَذَابِ اللَّهِ}!].

 

هناك فرقٌ بين كلمة (عدل) وكلمة (كظم الغيظ، والعفو):ــ

واسترسل الشهيدُ القائدُ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَــيْهِ- في شرحه، مبيناً لنا بأن (كظم الغيظ، والعفو عن الناس) بأنها زائدةٌ على العدل؛ لأن العدل هو أنه إذا حصلت بينك وبين شخص مشكلة فإنكما تتحاكمان إلى شخص يحكم بينكما بالعدل، أما كظم الغيظ والعفو فهو يحصل بصفة اختيارية وليست ملزمة، حتى ممكن أن يحصل منك تجاه شخص آخر حتى ولو لم تتحاكمان، وإنما رحمة منك وتفضلاً على أخيك، وهذه تعتبر بالنسبة للمتقين صفة لازمة، وليست اختيارية، لها فوائد مهمة ذكرها الشهيد القائد بقوله: [هو أنه يكون سريعاً إلى أنه أي شيء يبدر من جانب الآخرين ضده ممكن أن يكظم غيظه، ويقفي وكأنه ما حصل شيء حفاظاً على وحدة الناس، حفاظاً على أن لا تثار مشكلة فيبقى هو منشغلاً بهذه القضية، وهو ذهنه منشغل بالقضية الكبرى، فلا يتحول إلى أن ينشغل بالقضية هذه].

 

القضيةُ الكبرى للمتقين:ــ

وأضاف الشهيدُ القائدُ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَــيْهِ- بأنه عند حصول أية مشكلة بين شخص مُتَــقٍّ لله، وشخص آخر، فإن الذي يتقي الله يكون متسامحًا، لا تأخذه العزةُ بالإثم، فيبادر للصلح، والعفو، ويكظم الغيظ، ويقبل الاعتذار؛ لأن قضيتَه الكبرى هي كما قال السيد: [يكظم الغيظ، يعفو عن الناس؛ لأنه ماذا؟ مشغول، مشغول بالقضية الكبرى، التي يجب أن تكون هي محط اهتمام المتقين: العمل في سبيل الله، العمل على إعلاء كلمة الله، العمل على إنقاذ عباد الله، فيرى مهمة كبرى أن يفرغ ذهنه، وصراعه لهذا الجانب، أن يفرغ قدراته في هذا الجانب، أن يحاول أن تكون وحدة المسلمين قائمة فيما بينهم، فلا يختلف مع أحد، ولا يدخل في شقاق مع أحد مهما أمكن، فسيعفو، وسيصفح، وسيكظم الغيظ].

 

أغلب المشاكل في المجتمع تافهة وليست ذات قيمة:ــ

الشهيدُ القائدُ لم يألُ جهداً وهو يوضح للناس بأن حالة الفراغ التي يعيشونها، وعدم الاهتمام بالقضية الكبرى، التي هي العملُ من أجل دين الله وفي سبيل الله، أَدَّى هذا بهم إلى التنازع على أشياء تعبر بسيطة وسهلة الحل، وأن وعيَهم ويقظتَهم وعودتهم إلى القُـرْآن والالتزام بتعاليمه سيؤدي إلى انتشار روح التسامح والعفو بينهم، وتحل كُلّ مشاكلهم الصغيرة، محاولا اقناعهم بالحجة والبينة قائلا: [حتى فيما يتعلق بالخصومة، أفكر بأن المبلغ الذي يمكن أن أخسره أنا وأنت في شريعة على صخرة، على مشرب صغير، قد لا ينزل منه برميل ماء، عندما يكون المطر قوياً، والتي سنخسرها حوالي ثلاثين ألف، عشرين ألف، أربعين ألف. إذا ما عندي فكرة بأن المفروض أن هذا المبلغ الذي أقوم أحاول أن أوفره، وأخرجه من داخل شمطتي، أَوْ اقترضه، أليس العمل للإسْلَام أولى به؟ إذا كنا من يفكر هذا التفكير فسأتصالح معك بسرعة، سنتصالح فيما بيننا بسرعة، وسيكظم بعضنا غيظه على الآخر، بل سيتحاشى كُلّ واحد منا أن يصدر منه ما يجرح مشاعر الآخر، وعادة ما يجرح مشاعر الناس هو أكثر مما هم مختلفين عليه، هذا هو العادة].

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com