صنعاء والقدس تسقطان “صفقة القرن”

المسيرة| إبراهيم السراجي:

صوّتت الجمعيةُ العامّةُ للأُمَـم المتحدة، أمس الأول، على مشروع قرار يدعو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لسحب قراره الذي قضى بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، بأغلبية ساحقة جعلت من أمريكا وإسرائيل معزولتين عن العالم رغم التهديدات التي أطلقتها مندوبة واشنطن للدول التي ستصوت لصالح مشروع القرار، وهي التهديدات التي وُصفت بالهمجية وكانت كافية لتعرية الغطرسة الأمريكية الإسرائيلية أمام العالم.

قبيل التصويت في الجمعية العامة للأُمَـم المتحدة، ظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومندوبة إدارته بالأُمَـم المتحدة “نيكي هايلي” وهما يمارسان “البلطجة الأمريكية” في أوضح صورها، وهما يهددان دول العالم التي ستصوت لصالح القرار الذي ينتصر للقدس المحتلة.

ترامب كتب في صفحته بموقع تويتر عشية التصويت على القرار “يأخذون مئات ملايين الدولارات وحتى مليارات الدولارات ثم يصوتون ضدنا”، مضيفًا في تهديد واضح بقطع المساعدات “دعوهم يصوتون ضدنا، سنوفر الكثيرَ (من المال) والأمر سيان بالنسبة إلينا”.

وعلّق دبلوماسيون عرب وغربيون على تهديدات ترامب بقطع المساعدات المالية للدول قائلين بأن تلك المساعدات في الأصل تحصل عليها واشنطن من أموال النفط العربية.

وعلى خُطَى رئيسها قالت مندوبة واشنطن بالأُمَـم المتحدة “نيكي هايلي” بأنها ستسجل أسماء الدول التي ستصوّت ضد إسرائيل في الأُمَـم المتحدة وكتبت عبر صفحتها الرسمية بموقع تويتر قائلة “عندما نتخذ قراراً بناءً على إرَادَة الشعب الأمريكي بشأن مكان سفارتنا، فإننا لا نتوقع أن يستهدفنا هؤلاء الذين نساعدهم. ويوم الخميس سيكون هناك تصويت ينتقد خيارنا، وسوف تدوّن الولايات المتحدة الأسماء”.

كما نقلت وكالات أنباء دولية عن دبلوماسيين ومندوبي الدول لدى الأُمَـم المتحدة أنهم تلقوا رسائلَ تهديد من المندوبة الأمريكية تحذرهم من التصويت بالجمعية العامة لصالح القرار الذي يدعو ترامب لسحب قراره بشأن القدس.

على الرغم من تلك التهديدات التي وُصفت بأنها انتهاك لميثاق الأُمَـم المتحدة والغرض الذي أنشئ لأجله، فقد وضع مشروع القرار الذي تقدمت به عدة دول للتصويت فكانت النتيجة صادمة بكل معنى الكلمة لواشنطن والكيان الصهيوني بشكل أَكْبَر مما كان متوقعاً، حيث صوتت 128 دولة لصالح القرار فيما امتنعت 35 دولة عن التصويت أما الدول التي صوتت ضد القرار إرضاء لأمريكا، فكانت 9 دول فقط وهي من الدول الصغيرة التي لا تأثير لها على المستوى العالمي مثل جزر مارشال، غواتيمالا، ميكرونيسيا، ناورو، كما أن بين الأصوات التسعة صوتين للكيان الصهيوني والولايات المتحدة بمعنى أن الدول التي صوّتت ضد القرار هي سبع دول في الواقع.

التصويت على قرار الجمعية العامة بتلك الأغلبية لاقى ترحيباً إسلامياً ودولياً واسعاً واعتبر أنه نكسة للبلطجة الأمريكية، فيما قال عدد من مندوبي الدول لدى الأُمَـم المتحدة أن قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني أدّى في نهاية المطاف لنتيجة عكسية، حيث جاء قرار الجمعية العامة بالأغلبية ليضع الكيان الصهيوني في مواجهة الواقع الحقيقي لمكانته كمحتل أمام دول وشعوب العالم رغم الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة لتطويع أنظمة عربية وإسلامية وجرّها للتحالف مع الكيان الصهيوني.

صحيفة الغارديان البريطانية وصفت القرار الذي تم التصويتُ عليه بأغلبية 128 دولة بأنه أظهر “مدى عُزلة واشنطن الدولية”.

وأشارت الصحيفة في تقرير، أمس الجمعة إلى أن “الرفض الذى تلقته الولايات المتحدة للمرة الثانية خلال أسبوع واحد في الأُمَـم المتحدة حول قرار الرئيس دونالد ترامب، يعد بمثابة توبيخ لاذع للرئيس الأمريكى، وذلك بعد أن رفضت أغلبية كبيرة قرار واشنطن أحادي الجانب الاعترافَ بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني”.

كما أشارت الصحيفة إلى أن التصويت الصادم لواشنطن جاء بعدَما صعّدت مندوبتها “هايلي” لدى الأُمَـم المتحدة تهديداتها للدول التي ستصوت ضد الإرَادَة الأمريكية.

القرار الذي اتخذته الجمعية العامة للأُمَـم المتحدة نص على أربع نقاط رئيسية أهمها التأكيد “أن أي قرارات هدف إلى تغيير طابع مدينة القدس الشريف أَوْ مركزها أَوْ تركيبتها الديمغرافية ليس لها أي أثر قانوني، وأنها لاغية وباطلة، ويجب إلغاؤها امتثالاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وتدعو في هذا الصدد جميع الدول إلى الامتناع عن إنشاء بعثات دبلوماسية في مدينة القدس الشريف، عملا بقرار مجلس الأمن 478”.

ووفقاً لتلك النقطة في قرار الأُمَـم المتحدة فإن محاولة الرئيس الأمريكي تحريكَ ملف الشرق الأوسط خطوةٌ لصالح الكيان الصهيوني تحولت إلى لحظة تأريخية رفضت فيها دول العالم تهويد القدس، بمعنى أن الخطوة الأمريكية التي سعت لتشجيع الدول على اتخاذ خطوات مماثلة أدّت لخطوة معاكسة رفضت الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني.

 

  • أسبوع الدفاع عن النظام السعودي والكيان الصهيوني

قبيل الدعوة للتصويت في الأُمَـم المتحدة بشأن القدس كان مجلس الأمن قد فشل في تمرير قرار يدعو ترامب لسحب قرار الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان؛ بسبب استخدام واشنطن لحق النقض “الفيتو” رغم تصويت 14 دولة من إجمالي 15 لصالح قرار يُلغِي قرارَ ترامب.

وعندما قدمت بعض الدول مشروع القرار لمجلس الأمن خرجت المندوبة الأمريكية “نيكي هايلي” في تصريحات استفزازية بأن الولايات المتحدة ستستخدم حق الفيتو ضد القرار، وهي التي قالت في محاضرة سابقة أمام اللوبي الإسرائيلي في أمريكا أن بلادَها “لن تسمح بعد اليوم بإدانة إسرائيل في الأُمَـم المتحدة ومجلس الأمن”، وأشارت آنذاك إلى أنها ترتدي” الحذاء ذا الكعب العالي ليس من أجل الموضة وإنما للتلويح به أمام أية دول تسعى لإدانة إسرائيل”، مضيفة أن “زمن إدانة إسرائيل قد ولّى”.

ولم تكن من المصادفة أن تطلق هايلي تصريحاتها تلك بعد ساعات من المؤتمر الصحفي الذي أجرته في واشنطن، وهي تعرض أجزاء من صاروخ بركان اليمني الذي ضرب الرياض وتقدم أدلةً كاذبةً على أن الصاروخ صناعة إيرانية، داعية لتحالف دولي لحماية السعودية، غير أن الأدلةَ التي قدمتها لم تقنع أياً من دول العالم، بل إن الأُمَـم المتحدة وعبر المتحدث باسمها “فرحان حق” قال يومها إن السفيرة الأمريكية زعمت أن أدلتها جاءت من تقرير خبراء الأُمَـم المتحدة وأن ذَلك غيرُ صحيح، موضحاً أن التقرير يقول إنه لا أدلة على وجود أية علاقة بين الصواريخ اليمنية وإيران.

كما ذكرت تقارير غربية أن الأدلة التي قدمتها السفيرة الأمريكية بشأن الصواريخ اليمنية قوبلت بسخرية مندوبي الدول ووصفت بأنها غير مقنعة ومحاولة لتقديم دعم للسعودية دون وجود أية أدلة حقيقية.

وخلال الساعات التي سبقت التصويت على قرار الجمعية العامة للأُمَـم المتحدة بشأن القدس وفيما كانت السفيرة الأمريكية “هايلي” تبعث بتهديدات للدول لمنعها من التصويت ضد الإرَادَة الأمريكية فإنها أَيْضاً كانت تطلق تصريحات داعمة للسعودية بعد إطلاق القوة الصاروخية اليمنية صاروخاً جديداً على قصر اليمامة الملكي في الرياض.

ووفقاً لكثير من المراقبين فإن الظهور الفاضح للسفيرة الأمريكية وهي تدافع عن الكيان الصهيوني والنظام السعودي وهما يرتكبان أبشع الجرائم في اليمن وفلسطين لم يكن إلّا ترجمة لـ “صفقة القرن” التي تورط فيها النظام السعودي في تهويد القدس والتنسيق مع ترامب بشأن قراره الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني.

ويعترف المسؤولون الإسرائيليون صراحة بالتطور الكبير للعلاقات بين كيانهم والنظام السعودي بل إنهم يبررون رغبة النظام السعودي بعدم الإعلان الرسمي عن تلك العلاقات خوفاً من رد فعل الشعوب العربية والإسلامية، لكن الموقف الدولي بالأُمَـم المتحدة والصمود اليمني يضعان الصفقة تلك في مهب الريح التي لم تسفر إلّا عن فضح الدور السعودي والأمريكي ضد الدول العربية والإسلامية ومقدساتها.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com