وسائل إعلام الأنظمة العربية: أمريكا أولاً وليذهب العرب إلى الجحيم

صدى المسيرة| زكريا الشرعبي:

وأنت تتابع وسائل الإعلام التابعة للأنظمة العربية، كم مرة نقلت هذه الوسائل تصريحاً ضدّ الاحتلال الصهيوني؟

متى آخر مرة وجدت في هذه الوسائل تقريرا، أنشودة، فيلما وثائقيا عن جرائم أمريكا في المنطقة، والعالم كله أو شيئاً عن القضية الفلسطينية والجرائم “الإسرائيلية” وضرورة مقاومة الاحتلال الصهيوني؟

بالتأكيد لا شيء، لا شيء على الإطلاق، وفي مقابل ذلك ستجد تقاريرَ كثيرةً بشكل يومي تُمَجِّدُ الهيمنة الأمريكية في المنطقة، وتقدح بمناوئيها من حركات المقاومة في سورية ولبنان والعراق واليمن، تقارير تمجد أمريكا أكثر من تلك التقارير التي تبثها قنوات سي إن إن، والفوكس نيوز، وصحيفة النيويورك تايمز، وهو الأمر الذي يضع الآلاف من علامات التعجب.

لقد غاب نشيد “وين الملايين” مع أن الوضع الذي بث فيه النشيد كان أقل فضحية من الآن، واندثر “الغضب الساطع” وأصبحت القضية الفلسطينية قضية زائدة عن الحاجة، وكما تروج وسائل الإعلام فعلينا أن ننظر إلى مشاكلنا الفردية “ففينا ما يكفينا”.

 

هل فكرت يوماً لماذا يحدث هذا؟

وأنت تشاهد قناة العربية تبث الانتخابات الأمريكية بشكل مباشر، بينما يموت ملايين المواطنين في العالم من أثر الجوع والفاقة، هل تساءلت لماذا يحدث هذا؟

كذلك إذ تحولت القنوات العربية إلى أدوات لتنفيذ السياسة الأمريكية في المنطقة وتضع التشخيص الأمريكي على صراعاتها، فتردد تبعاً للإدارة الأمريكية مفهوم الإرهاب، وتحتفلُ بالغزو الأمريكي لبلدان المنطقة تحت هذه اليافطة لسنوات كثيرة، من الغزو المباشر للعراق وأفغانستان إلى انتهاكات طائرات الدرونز للسيادة اليمنية، ثم بعد ذلك التحول إلى سياسة الغزو تحت يافطة دعم الحريات كالعدوان على ليبيا وسورية، وتحت يافطة “إعادة الشرعية” كالعدوان على اليمن، وأخيراً ما تروج له هذه الوسائل من مقتضيات السياسة الأمريكية بتحويل الصراع في المنطقة إلى صراع طائفي بين مَن تسميهم متطرفين ومعتدلين. وأنت ترى كُلّ هذا وتدرك جيدا أنه بعيدا عن الواقع هل تساءلت لماذا يحدث، وما الهدف الذي تسعى وراءه وسائل الإعلام العربية؟

هل تتذكر القصف الأمريكي لقاعدة الشعيرات السورية؟ هو قصف نفذته أمريكا على دولة عربية مسلمة، مثل هذا القصف يجب أن يشعل موجة غضب لدى الجميع، وأن تتحول وسائل الإعلام العربية إلى وسائل إعلام مجابهة مهما كانت خلافاتها مع مسؤولي الدولة السورية، لكن هذا لم يحصل للأسف، وما حصل هو العكس تماما.

قناة العربية تحتفل به كما لو أن دولة عربية تجرأت وقصفت الكيان الصهيوني المحتل، وألحقت به خسائر فادحة.

في المقابل: تحررت قبل أيام مدينة الموصل من عناصر تنظيم داعش، بإمكانك العودة إلى أرشيف هذه القنوات وتقارن بين حجم التغطيتين.

تعرض وسائل الإعلام العربية أفلاما وثائقية، تقارير صحفية، تدير حوارات وبرامجَ، ضد حركات المقاومة، ولكن هل تابعت هذه الوسائل في تغطيتها لزيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؟ لقد وصفت زيارتَه إلى السعودية بالفتح، ودعا له الخُطباءُ في المساجد!. يقول المذيع في وكالة دويتشة فيلا الألمانية، يسري فودة: ترك ترامب احتقاراً في بلده وجاء إلى بلد العرب ليعامل معاملة الإمبراطور.

أما بالنسبة لما تعرض له المسجد الأقصى قبل أيام ولأول مرة منذ عشرات السنوات، وكيف نقلت الحدث وسائل الإعلام العربية وفي مقدمتها وسائل الإعلام الخليجية، فهذا أمر لا حديث فيه. كُلّ شيء محسوم مسبقا ولا صوت يعلو ضد اسرائيل ولتذهب القضية الفلسطينية، وليذهب معها المسجد الأقصى إلى الجحيم.

هذا ناهيك عن تمييع القضية الفلسطينية والتمهيد لما أسمي بـ “صفقة القرن”، وإيصال المجتمع العربي إلى الحد الذي لا يحركه تطبيع كيانات الخليج مع الكيان الصهيونية.. تأكيد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير وزير الدفاع الصهيوني ليبرمان بأن الصراع لم يعد عربيا صهيونيا، وإنما صراع بين محور معتدل تقوده “إسرائيل” والسعودية ومحور متطرف تقوده إيران، والقبول بتعزية وزير خارجية البحرين في الصهيوني شمعون بيريز، وإدانة عملية الأقصى الجهادية.

 

لماذا يحدث هذا؟

وبالنظر إلى ما تقدمه وسائل الإعلام العربية، باستثناء القليل منها، القليل الذي لا يتجاوز أصابعَ اليد الواحدة، يجد المتأمل أنه لا قشور في المضامين الإعلامية المقدمة وإن كانت تبدو أكثر من ذلك، وأن ما يصل إلينا عبرها من أخبار وقيمٍ منافية لفطرتنا التي جُبلت على الكرامة وعدم الرضا بالضيم، ليس مجرد معالجة آنية لتغطية الأحداث بـ “مانشيتات” عاجلة، ومسلسلات وأفلام عفوية يتم إنتاجُها تحت ضغط الوقت، وندرة الإبداع، وإنما هي سياسة ممنهجة تهدفُ إلى خض أفكار المجتمع وسلبه من فطرته وفكره؛ ليعيش في دوامة من التيه والخضوع.

هذه السياسة لم تبدأ خلال الأعوام الأخيرة بل دأبت عليها وسائل الإعلام العربية منذ تأسيسِها كامتداد لسياسة الأنظمة العميلة التي تتحكم الولايات المتحدة الأمريكية في كُلّ مفاصلها، وما وصل إليه حالنا، ليس سوى نتيجة لهذه السياسة التي عملت بما يطلق عليه منظرو الاتصال “الطلقة السحرية”، فسلخت الأسماءُ من مسمياتها، وحوّلت الصديق المدافع عن الأرض والكرامة ولحرية إلى عدو، والعدو الذي ما ترك مكاناً في العالم إلا وأهدى أطفاله لعبا عنقودية للموت، وخلّف خرابا لا محدود إلى صديق، بل إلى ولي أمر يجب علينا تعظيمه وتبجيله.

يقول تقرير تم تسريبُه عام 2007 ميلادية أي قبل سبع سنوات من الآن وهو تقرير يحتوي على 1900 صفحة وصنف حتى عام 2005م على درجة عالية من السرية: إن هدفين وقفا خلف إنشاء قناة العربية – وهذه القناة نموذجاً لباقي القنوات- على غير ما يظنها المشاهد العادي أولهما تحسين صورة أمريكا في العالم العربي عن طريق تمجيد المبادئ والقيم الأمريكية والغربية، والهدف الثاني تشويه صورة الإسلام عن طريق مهاجمة الثوابت والرموز والأفكار الإسلامية المُعتدلة وخلط المفاهيم والأحكام وجعل الأصول في الإسلام قابلة للتغيير والمناقشة بشكل متدرج، بالإضافة إلى كم هائل من البرامج التحريرية المتدرجة والموجودة في المجموعة الذكية ككل، ومع ذلك فقد تشير بعض الأخبار والتقارير إلى عكس ما ترمي إليه الأهداف، وذلك إنما من أجل التمويه أو من باب تغطية حدث.

وقد أورد التقرير كما نقلته وسائل إعلام دولية حينها أن العربية كانت رائدة في نقل أحداث العنف في العراق ولكن بعيون أمريكية كالتقليل من أخبار المدنيين العراقيين المصابين إثر الهجمات الأمريكية والتضخيم من عمليات الجيش الأمريكي وأثرها في هزيمة المقاومة معنويا.

كذلك استشهد التقرير بتغطية العربية لمأساة (أبو غريب) حيث كان الخبر لا يذاع كخبر أساسي في اليوم الأول بل كان الخبر الثاني أو الثالث وحتى مرور 12 ساعة إخبارية بخلاف جميع المحطات العالمية الإخبارية.

وقال التقرير إن قناة العربية عالجت (العربية) مأساة (أبو غريب) الامريكية بالتقليل نسبيا عن الحديث عنها وبث عدة برامج في الأيام اللاحقة عن أعمال العنف التي مارسها نظام صدام سابقا للتغطية على الفضيحة الأمريكية.

وامتدح التقرير أسلوب تعامل قناة العربية مع الشخصيات المعارضة للفكر الأمريكي والغربي، وأوصى التقرير في نهايته بتقديم دعم لـ(العربية) مقداره خمسمائة مليون دولار على مدى 5 سنوات يكون 10% منه ماديا والباقي على شكل مساعدات لوجستية وفنية وإعلانات مدفوعة.

يظهر تأكيد هذا التقرير من خلال متابعة قناة العربية، ووسائل الإعلام الأخرى التابعة للأنظمة العربية، وسيجد المتابع فيها كُلّ ما يعادي الحرية، ويدعو أمريكا للهيمنة على الشعوب، ولكي تتأكد أكثر عزيزي القارئ ما عليك سوى أن تتابع ما تكشفه هذه الوسائل ضد بعضها بعد انفراط العقد بتصاعد الأزمة الخليجية.

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com