السيدُ عبدُالملك الحوثي في محاضرته الرَّمْضَـانَية الـ11 “غزوة بدر الكبرى” الجزء الثاني: الذين يحرصون بدافع الرغبة على الراحة والتهرُّب من كُلّ المسؤوليات التي يصحَبُها شيءٌ من المشاقّ هم مخطئون

عندما يكونُ المشروعُ الذي تتحَـرَّكُ به الأُمَّـةُ مشروعَ الحق والتحرُّر من هيمنة الطواغيت والمستكبرين فإنها تحظى برعاية كبيرة

 

صدى المسيرة| خاص:

أكَّدَ السيدُ عبدالملك بدر الدين الحوثي، أن الذين يُوَظِّفون الإسْلَام توظيفاً خاطئاً كعناوينَ وشكلياتٍ لخدمة الطاغوت والاستكبار ولخدمة الظالمين والمجرمين هم يُسيئون إلى الإسْلَام ويعتبرون مجرمين بحق الأُمَّـة، وكذلك طلاب الراحة الذين يحرصون بدافع الرغبة على الراحة والتهرب من كُلّ المسؤوليات التي يصحبها شيء من المشاق هم مخطئون، وإلا لَكان النبي أولى بالراحة وأولى بأن يستقرَّ في منزله فيُعفي نفسَه من تحمُّل المشاق في بدر وفي غير بدر وما بعد بدر وما قبل غزوة بدر وفي كُلّ حياته.

وقال قائدُ الثورة في محاضرته التربوية الرمضانية الـ11 يوم الثلاثاء 18 رمضان بعنوان “غزوة بدر الكبرى” الجزء الثاني، بأنه عندما يكونُ المشروعُ الذي تتحَـرّكُ به الأُمَّـةُ مشروعَ الحق والعدل والخير والتحرّر من هيمنة واستعباد الطواغيت والمستكبرين والظالمين وتعتمدُ على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَـالَى وتتحَـرَّكُ وفق تعليماته وتوجيهاته، فإنها تحظى برعاية كبيرة، ولكن رعاية في إطار تحمُّل المسئولية وليس تأييداً من النوع الذي أراده بنو إسرائيل الذين قالوا لموسى عليه السلام (فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)؛ لأنهم يريدون نصراً بدون فداء وبدون تضحية وبدون شهداء وبدون تحمل للمسئولية.

وأشار السيد عبدالملك الحوثي، إلى أن رؤيةَ بني إسرائيل التي أدخلتهم حالة التِّيه أربعين سنة، للأسف لا تزال لدى بعض المتعلمين وبعض العلماء وبعض المتدينين، وبعض العامة في وقتنا الحاضر، فإذا كان هناك نصرٌ فـليأتِ هذا النصرُ من دون تضحيات ومن دون متاعبَ ومن دون أيِّ تحمُّل للمسئولية ومن دون أيِّ صبر.

 

وفيما يلي تنشُـرُ “صدى المسيرة” نَصَّ المحاضرة:

أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الحَمْدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَـلِكُ الحَـقُّ المُبِيْن، وأشهَدُ أن سَيِّـدَنا مُحَمَّــداً عَبْـدُه ورَسُــوْلُه خَاتَمُ النَّبِـيّين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللَّهُم برِضَاك عن أَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ المنتجَبين وعَنْ سَائِرِ عِبَادِك الصالحين.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ والأخواتُ.. السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه، وتقبَّلْ اللهُ منَّا ومِنَّكُمُ الصِّيَامَ والقِيَامَ وَصَالِحَ الأَعْمَالِ.

تحدثنا بالأمس عن الذكرى والواقعة التأريخية المهمة، عن يوم الفُرقان، اليوم الذي سمّاه الله بهذا اليوم، يوم بدر وواقعة بدر وحادثة بدر الكبرى وما يسمى في التأريخ الإسْلَامي والسير بغزوة بدر الكبرى، هذا الحدَثُ الذي كان حدثاً مفصلياً في التأريخ وأحدث تغييراً كَبيراً في الواقع وأسس لمرحلة جديدة مهمة وأرسى اللهُ به قواعدَ الحق والعدل، يوم عظيم، كُلّ الشعوب وكل الأمم في هذه الدنيا لها أيامٌ مهمة، أَيَّـام تأريخية، أَيَّـام تعتبرها أياماً مجيدة، وأياماً غيّرت في واقعها وتحقّق لها فيها إنجازاتٌ أَوْ نتائجُ كبيرة، نحن كمسلمين يعتبر يوم السابع عشر من شهر رمضان المبارك في السنة الثانية للهجرة يوم حادثة وواقعة بدر الكبرى، يعتبر يوماً مهماً وعظيماً ومجيداً وتأريخيّاً واستثنائياً ومفصلياً وفارقاً، فارقاً في تأريخ الأُمَّـة، فارقاً أسّس لمرحلة جديدة خرجت بها الأُمَّـة المسلمة آنذاك من مرحلة الاستضعاف إلى مرحلة القوة والهيبة والمكانة، وأيضاً كسرت هيبة الطاغوت وكسر الله بها شوكة الأَعْدَاء، وعززت الأمل لدى المستضعفين، وغيّرت النظرة السائدة في واقع الناس آنذاك، غيّر النظرة السائدة لقوى الطاغوت أنها قوى لا يمكن أن تقهر ولا يمكن أن تكسر وأنها أمر حتمي وأمر لا مفر منه.

 

دلالاتٌ مهمة لواقعة بدر: يومٌ فارقٌ في تأريخ الأُمَّـة والبشرية

ونأتي اليوم لنستكمل على ضوء النقاط المهمة التي وردت بالأمس، هذا اليوم الذي أسماه الله يوم الفرقان فكان يوماً فارقاً في تأريخ الأُمَّـة والبشرية بكلها، له أهميّته من جوانب كثيرة، ما ترتب عليه من نتائجَ مباشرةٍ ونتائجَ غير مباشرة وَنتائج امتدت عبر التأريخ إلى اليوم، وما فيه من دروس وما فيه من عبر نستفيد منها نحن، يستفيد منها المسلمون في كُلّ زمن وفي كُلّ مرحلة وفي كُلّ ظرف وفي كُلّ مكان، وتستفيد منها البشرية بكلها.

 

جرّدوا الإسْلَام من تحمُّل المسؤولية وَالتحَـرّك في مواجهة التحديات

بالأمس كان هناك بعض من الدلالات المهمة التي يدل عليها الحدث من حيث هو، كيف أن النبي صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ من موقعه العظيم في الرسالة الإلهية من مكانته من منزلته الرفيعة عن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَـالَى، لم يكن معفياً عن تحمل المسؤوليات، عن تحمل المشاق وعنائها، عن التحَـرّك في مواجهة الأخطار بل والتعرض لهذه الأخطار وهو يتحَـرّك، يعني عُرضة للاستهداف وعرضة للضرر ومعانيا، وقلنا إن كُلّ أولئك الذين رسموا صورة مغلوطة عن الإسْلَام جردوا الإسْلَام فيها من جانب المسؤولية والتحمل للمسؤوليات العامة والتحَـرّك في مواجهة الأخطار والتحديات هم غالطون.

 

الاقتداء بالنبي: جاهد وضحى وواجه الأخطار

هم مخطئون هم بعيدون عما كان عليه النبي صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، كذلك الذين يوظفون الإسْلَام توظيفاً خاطئاً كعناوين وشكليات لخدمة الطاغوت والاستكبار ولخدمة الظالمين والمجرمين هم كذلك مسيئون إلى الإسْلَام ومجرمون بحق الأُمَّـة وكذلك طلاب الراحة الذين يحرصون بدافع الرغبة في الراحة والتهرب من كُلّ المسؤوليات التي يصحبها شيء من المشاق، هم مخطئون، لكان النبي أولى بالراحة من كُلّ منا، أولى بأن يستقر في منزله، فيعفي نفسه من تحمل المشاق في بدر وفي غير بدر وما بعد بدر وما قبل غزوة بدر كُلّ حياته أَوْ كُلّ مرحلة المسؤولية منذ مبعثه الشريف إلى وفاته كان عملاً وكان جهداً وكان تضحية وكان جهاداً وكان عناء وكان مواجهة للتحديات والأخطار، وكان مواجهة لمشاكل كثيرة وتحديات كثيرة، وأنشطة عدائية متعددة من جانب أعدائه وأَعْدَاء الأُمَّـة وأَعْدَاء الإسْلَام.

نشاط عدائي بشكله الإعلامي وبشكله الثقافي وبشكله الفكري وبشكله الاقتصادي وبشكله السياسي وبخطورته ذات الطابع العسكري والأمني إلى آخره، فإذن نحن كمسلمين معنيون، لاحظوا هذه العبارة، معنيون بأن نحددَ مساراتنا ونتخذ قراراتنا ونحدد خياراتنا ونعتمد خياراتنا على أساس مبدأ مهم هو الاقتداء بالنبي صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.

 

لا اقتداءَ بعالمٍ جامدٍ لا يقتدي بالنبي

من يأتي ليقولَ أنا قدوتي العالم الفلاني، عالم الدين الفلاني، ويختار من بين كُلّ العلماء عالماً جامداً لا إحساس عنده بالمسؤولية، عالمه هذا الذي يقتدي به هو لا يقتدي بالرسول صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، يعني عنده مشكلة، كيف عالم دين لا يقتدي بالنبي صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، يقول لك: لا جهاد، لا حركة، لا مسؤولية، لا أمر بمعروف، لا نهي عن منكر، لا مسؤولية عامة، لا تحَـرّك بأي شكل من الأشكال لمواجهة التحديات والأخطار التي قد ألقت بظلالها على الأُمَّـة وألقت بكل ثقلها وليس بظلالها، بكل ثقلها على الأُمَّـة، يعني أخطار حقيقية ومشاكل حقيقية لا مناصَ للأمة منها، لا مهرب منها، لا مفر منها لا يمكن تجاهلها ولا يمكن أن نُعفيَ أنفسَها من الالتفات إليها، ثم نسلم منها، لا.

 

التحَـرُّكُ بأقنعة وعناوين من داخل الأُمَّـة: امتدادٌ للخطر الأمريكي الإسرائيلي

أمامك الخطر الأمريكي والإسرائيلي، خطرٌ قد أتى وخطر هو قائم وخطر دخل أمتنا من كُلّ النوافذ ومن كُلّ الأبواب وبكل الأشكال، عسكريّاً وأمنيا واقتصاديا وسياسيّاً وثقافياً وفكرياً وإعلامياً و.. وَإلى آخره، طال شؤون حياتنا بلا اقتصار، هو امتدادٌ للخطر الأمريكي الإسرائيلي وهو عبارة عن تحَـرُّك من داخل الأُمَّـة، بعناوين من داخل الأُمَّـة، بأياديَ وأذرعٍ وأرجل من داخل الأُمَّـة، بأقنعة من داخل الأُمَّـة، كُلّ أنواع التشكيلات الموالية والمرتبطة بشكل مباشر أَوْ بشكل غير مباشر بالأمريكي أَوْ الإسرائيلي والتي تعمل كُلّ ما هو لصالح الأمريكي والإسرائيلي، يتضح جدّاً يعني أنه يأتي في ظل الأجندة الأمريكية والإسرائيلية، نفس الجبهة نفس الموقف نفس الاتجاه، يعني يضربون من تريد أمريكا ضربه يعادون من تريد أمريكا معاداته، عندما تأتي أمريكا بمشروع التقسيم يكون هو أجندة أَوْ مشروعاً رئيسياً لهم، تختلف فقط العناوين والأشكال واللغات والأسلوب في التعبير، يكون نفس المشروع، مشروع الأمريكي في تقسيم المنطقة، يأتون هم يشتغلون عليه من داخل الأُمَّـة، إن بعناوين قومية أَوْ بعناوين دينية أَوْ بأية عناوين، لكن نفس المشروع، يأتون هم ليفقدوا هذه الأُمَّـة استقرارَها ليشغلوها بكل وضوح عن معركتها الحقيقية عن عدوها الحقيقي، ويحققون نتائجَ في ذلك، تكون النتيجة هي نفس النتيجة، إشغال حقيقي للأمة عن الخطر الإسرائيلي، اليوم ما الذي تفعله إسرائيل في فلسطين، تحقق إنجازاتٍ مستمرة، تعمل بشكل مستمر ضمن خطوات متقدمة، حتى فيما يشكل تهديداً حقيقياً للمسجد الأقصى فيما يسعى الإسرائيليون من خلاله إلى طمس المعالم الإسْلَامية والهُوية الإسْلَامية في القدس، تستمر المسألة، مستفيداً الإسرائيلي من كُلّ ما يحدث في المنطقة، من الذي يعمل له كُلّ هذا، من الذي يشغل الأُمَّـة عن إسرائيل، ويحاول أن يقول للأمة لا داعي للالتفات لإسرائيل، اتركوا إسرائيل، أولاً الرافضة، أولاً الشيعة، أولاً مدري ما هو ذاك، أولاً أولاً، وهكذا عناوين ثانوية أخرى، قضايا أخرى، عناوين باطلة، إثارة النزاعات الطائفية في الأُمَّـة تحت العنوان الطائفي هذا عمل باطل، إثارة النزاعات المناطقية بين الأُمَّـة تحت العناوين المناطقية والقومية أَيْضاً عمل باطل، وهكذا، فإذن نحن في هذه المرحلة في أمس الحاجة كمسلمين؛ لأن هذا الانتماء يفرض علينا التزامات عملية، نحن في أمس الحاجة إلى أن نحدد الخيارات من واقع انتمائنا للإسْلَام على أساس من اقتدائنا بالنبي صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، لم يكن النبي شخصيةً وديعة بالطيبة التي نفهمها ورسمت في ذهنية الكثير عن المتدين، شخص مسكين جبان ضعيف النفس، منكسر النفس، ليس عنده أيُّ تحمّل للمسؤولية في مواجهة أية تحديات ولا أخطار، لا، ها هو النبي من موقعه في النبوة بأمر من الله ربه، يلبس لامة الحرب، يحمل سلاح الحرب، نبي معه سيف معه درع، فيما بعد امتلك درعاً، ويتحَـرّك تحَـرّكاً في كُلّ المسارات، يتحَـرّكُ في المسار العسكري، يتحَـرّك في كُلّ الاتجاهات، لكن على أساس من الحق وبالحق، ولا يخرج عن مسار الحق أبدا، اتخاذ القرار في التحَـرّك على أساس من الحق، المظلومية، القضية التي يحارب عليها، المشروع الذي يحارب عليه حق، ثم الممارسات كلها يحكمها الحق وتخضع لمعايير الحق، ويتحَـرّك النبي صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ عسكرياً، وعلى مسافة بعيدة في غزة بدر، يعني كما يقال إن المسافة أكثر من 160 كيلو متراً، وجزء كبير منها مشياً على الأقدام؛ لأن وسائل النقل لديهم التي هي عبارة عن الجمال آنذاك كانت قليلة لدى المسلمين.

 

النبي تحَـرّك لم يكتفِ بالدعاء

النبي صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ تحَـرّك، لم يكن بالإمكان أن يكتفي بالدعاء، فيقول اللهم عليك بهم، اللهم دمرهم وزلزل الأرض تحت أقدامهم واخسف بهم الأرض، اللهم أهلكهم ولا ننشغل بهم أبدا واكفنا هم حتى لا ننزعج بهم على الإطلاق ولا نحتاجُ إلى أن ندخُلَ معهم في أيّ مشكلة، لا، اليوم أليس الكثير من المنتسبين للإسْلَام والمتدينين يرون أنه بالإمكان الاكتفاء بالدعاء، لا يمكن الاكتفاء بالدعاء، الدعاء يفيد عندما يكون من موقع المسؤولية وفي إطار المسؤولية، تقول ربنا أفرغ علينا صبراً، هذا دعاء يرتبط بالمسؤولية؛ لأنه ليس دعاء من لا يريد أن يعمل، إنه دعاء من يعمل ويستمد من الله أن يمده الصبر لكي يعمل المزيد، هنا الفارق، ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا، دعاء من يريد أن يكون في الميدان، وليس دعاء من لا يريد أن يتحَـرّك في الميدان، ثم يأتي فقط ليدعو على العدو بالزوال والهلاك والفناء والنهاية الحتمية العاجلة المبكرة دون أي اصطدام بالعدو ولا مواجهة أيّ مشاكل ولا عناء، لا، ثبت أقدامنا، دعاء من يريد أن ينزلَ إلى الميدان، وانصرنا، دعاء من يريد أن يتحَـرّك نصرة من موقع الحدث، من موقع المسؤولية، نصرة من يتحَـرّك في الموقف، من له موقف، النبي صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ لم يكن مَثَلاً لا من خلال منزلته الرفيعة يمكنُ أن يكتفيَ بالدعاء ولا من خلال ما عليه من مبادئ عظيمة ومن قيم راقية وأَخْلَاقيات عالية أكمل البشر أَخْلَاقاً، وأرقى الناس قيما، رجل قيم رجل المبادئ رجل الأَخْلَاق، رجل الرحمة، قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَـالَى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلّا رحْمَةً للعالمين)، رجل الفضائل، كُلّ ما هو عليه من الفضائل وهو على أرقى مستوى منها وفي المحل الأعلى والمنزل الأعلى منها، من القيم من الأَخْلَاق الرفيعة والعالية والعظيمة، (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ)، من الحكمة، رجل نستطيع القول بكل اطمئنان إنه لم يصل من كُلّ بني آدم إلى مرتبته في الحكمة بشر، أيها الإخوة لا أَخْلَاقياته العالية ولا حكمته العظيمة وحُسْن تصرفه، ولا مكانته الإيْمَانية على النحو الذي يمكن معه التفادي للمشكلة، ألا يدخل في صراع، ألا يكون له مشكلة مع الآخرين، ألا يكون له خصوم، ألا يكون له أَعْدَاء، لا.

 

كلامُ المتنصلين والمتهربين من المسؤولية

مَثَلاً البعض يقولون أَوْ يتصورون، كثير من الناس غير الواقعيين، يعني للأسف، لا نظرتهم نظرة واقعية ولا نظرتهم نظرة تستند إلى مبادئ ولا إلى قيم ولا إلى دين ولا إلى هدى ولا إلى هدىً منير، ليس لها مستند أبداً، كلام فاضٍ، كلام فارغ، كلام تبريري، كلام المتنصلين والمتهربين من المسؤولية، وحقيقة الأمر أمر آخر، هؤلاء الفئة من الناس يتصورون أنه بالإمكان أن نمتلك من الحكمة ما ندفع به ونتفادى به كُلّ الصراعات وكل المشاكل وكل التحديات وكل الأخطار وكل الخصومات، يعني نمتلك من الحكمة مقداراً إذا امتلكناه والتزمنا به ما يكون لنا مشكلة مع أي أحد في الدنيا، ولا خصومة مع أي أحد في الدنيا، ولا أحد يتعرض لنا بسوء أبداً، ولا أحد يطالنا بمكروه نهائياً، فقط إجراءات حكيمة معينة، تصرفات وسياسات معينة، فإذا بك تصبح آمناً مطمئناً، لن يكون لك مشكلة مع أي أحد على الإطلاق ولن يتآمر عليك أحد، ولن يتكلم معك أحد، ولن يسيءَ إليك أحد، ما شاء الله!!، يعني تعيش واقع الجنة في الدنيا! (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا)، هذا واقع الجنة، ليس واقع هذه الأرض!، ليس واقع هذا العالم، فلنفهم، لا مثاليتك ولا أَخْلَاقك العالية والرفيعة ولا حكمتك وإدراكك، كُلّ هذه العناوين لا يمكن أن تفيدَك في هذا العالم، في هذه الدنيا، في هذا الكوكب الذي هو الأرض لتتفادى أيّ مشاكل، أي صراعات، أي عداوات، لا، المسألة ليست كذلك، بل إن من القيم، من الأَخْلَاق من المبادئ العظيمة ما سيدخلك أصلاً في كثير من العداوات من المشاكل من الصراعات، ميدان الحياة هذه هو ميدان مسؤولية.

 

نظامُ التدافع سُنة إلهية

وهذه الأرض، هذا العالم فيه أصلاً الأشرار وفيه الأخيار، وفيه النزاعات، وفيه الصراعات، وفيه العداوات، وفيه سُنة إلهية تحكم الواقع البشري حتى لا يصل إلى النهاية، لا ينهار الواقع البشري لا يغرق نهائياً تحت سطوة الظلم والطغيان والجبروت، وحتى لا يغيب الحق والعدل من الساحة البشرية نهائياً نظام اسمه نظام التدافع الله يقول في كتابه الكريم: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ) بماذا؟ بأحداث كونية وملائكة مخصصين لذلك ينزلون هم دَائماً ليتولوا العملية بدلا عن الآخرين لا.. ببعض (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ) لوصلت الأمور من السوء إلى حد فساد الأرض وفساد الحياة بكلها لكن هذا النظام الإلهي دفع الله الناس بعضهم ببعض (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ) (ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ).

 

الأحداثُ تُفرَض فرضاً على الناس ولَا بُـدَّ من تحَـرُّكهم

فإذًا هذه سنة إلهية ونظام إلهي لا محيص عنه، ولو حاول البعض أن يشطبه لا ينشطب وأن يلغيه لا يلتغي تأتي الأحداث تُفرَض فرضاً على الناس أن يتحَـرّكوا حتى في كثير من الشعوب وفي كثير البلدان كان خيارهم بالأول وفي البداية خيار عدم المواجهة حصل هذا لدى كثير من الشعوب لدى كثير الأمم لدى كثير من الأقوام أن يكون قرارهم لا مواجهة ولا صراع والرضا بالواقع والإذعان والتسليم للأمر الواقع وتستمر الأحداث تأتي الكثير من المشاكل تتفاقم الأخطار تصل الظروف نتيجة الأوجاع والآلام والمظالم إلى خلق قناعة تامة أنه لَا بُـدَّ من التحَـرّك لَا بُـدَّ من المواجهة لَا بُـدَّ من الموقف ثم يتحَـرّكون استقرئوا التأريخ في الماضي والحاضر، هذه هي النتيجة، يصلون في النهاية إلى قناعة تامة لكن أحياناً بعد وجع شديد بعد آلام كبيرة بعد مآسي كثيرة ويترتب مَثَلاً على التقصير والتأخير في اتخاذ القرار يترتب على ذلك أعباء كبيرة، بمعنى لو كان هناك قرارٌ في مرحلة متقدمة لكان بالإمكان تفادي كثير من الأمور مَثَلاً في الواقع الفلسطيني لو امتلك الجيل الماضي من شعب فلسطين ومن حوله الأُمَّـة مساندة وداعمة الإرَادَة اليوم التي لدى الحركات الفلسطينية المجاهدة واتخذ القرار نفسه وتحَـرّك بالمقدار نفسه لكان بالإمكان دفع خطر اليهود في مراحل لم يصل واقع اليهود في فلسطين الصهاينة إلى ما هو عليه اليوم لم يكن لديهم ما يمتلكونه اليوم من قوةٍ وإمكانات وقدرات وتثبيت لوجودهم على الأرض وترسيخ لقواعدهم على الأرض وووو إلى آخره.

 

نظرةٌ مبنية على فهم مغلوط تحمِّلُ الأُمَّـة كلفة باهظة

المسألة أحياناً تكون في نتيجة التأخير في اتخاذ قرارات كهذه ومواقف كهذه بناءً على نظرة غبية بناءً على فهم مغلوط يحمِّلُ الأُمَّـة الكثيرَ والكثيرَ من الأعباء ثم يجعل كلفة الموقف فيما بعد كلفة عالية وكلفة باهظة وكلفة كبيرة جدّاً جداً، فتحتاج بعض الشعوب وبعض البلدان إلى مئات الآلاف في تضحياتها، فإذًا من أهم الدروس على الإطلاق والتي نحتاج إليها في هذه المرحلة كيف يتحقق الحق كيف يدفع الشر كيف بالإمكان إقامة العدل إذا عندك في هذه الحياة مشروع حق مشروع عدل مشروع خير هل سينزل إلى الساحة ويلقى الاستجابة بكل رحابة صدر ثم لا يواجه الأخطار ولا التحديات؟ لا.. يأتي نبي الله محمد صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ خاتم النبيين رحمة للعالمين بمشروع حق في مواجهة خرافة مشروع عدل في مواجهة ظلم مشروع كذلك خير في مواجهة شر وهكذا، ويتحَـرّك بطريقة عظيمة وراقية داعياً إلى الله يمتلك الحرص العظيم على هداية البشرية، يمتلك القدرة العالية في تقديم هذا المشروع إلى الناس بطريقة مقنعة جدّاً يتحَـرّك الكثير من الطغاة والمجرمين فيقومون بمواجهته بكل الأساليب وبكل الوسائل وصولاً إلى المواجهة العسكرية ويتحَـرّكون عسكريّاً ويسعون إلى قتله وقتل كُلّ أنصاره، الله جل شأنه قال في كتابه الكريم: (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) النبي تحَـرّك بالرغم من تخاذل البعض ومعارضة البعض وانتقاد البعض ومجادلة البعض من أنصاره من المنتمين للإسْلَام، وتهويلهم للموقف إنها قريش.. البعض صاح يا رسول الله إنها قريش بكبريائها وووو وأنها ما ذلت منذ عزت يخيف ويصيح، البعض أَيْضاً المنافقون والذين في قلوبهم مرض كان لهم موقف أسوأ، موقف معارض، موقف ساخر مستهتر ومثبط ومخذل في الساحة الداخلية للإسْلَام والمسلمين والإمكانات نفسها إمكانات متواضعة قلة العدد، العدد من الأَعْدَاء أضعاف أكثر من ثلاثة أضعاف، قلة عدة الإمكانات متواضعة في بعض الأخبار وفي بعض السير أن المسلمين كانوا في وقعة بدر يمتلكون فرساً واحداً بينما كان لدى الأَعْدَاء المئات من الخيل، في جانب آخر الدروع في بعض الأخبار وبعض السير أن المسلمين في يوم بدر لم يكونوا يمتلكون ولا درعا واحدا، ما كان عليه دروع بينما كان لدى الأَعْدَاء المئات من الدروع كآلة حرب ضرورية، المسلمون في واقعة بدر لم يكونوا يمتلكون أي احتياطي من السلاح يعني إذا تحطم سيف البعض منهم أَوْ خسر سيفه في المعركة أثناء القتال ما هناك سيوف بديلة لمن يتحطم سيفه أَوْ رماح بديلة لمن يتحطم رمحه، ظروف صعبة، البعض من الذين خرجوا مع الرسول صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ لم يكن قد سبق لهم أي تجربة عسكرية في خوض المعركة ستكون أول معركة يقاتلون بها بالنسبة لهم، وهكذا عواملُ ضاغطة كثيرة صعوبات وتحديات كثيرة، وسائل النقل كان كُلّ ثلاثة يتناوبون على جمل وكل فرد منهم يسير مسافة من الطريق ماشيا والمسافة بعيدة كما يقال في بعض الأخبار أكثر من 160 كيلو مسافة، صعوبات كثيرة ندرة وقلة من الطعام لا يتوفر الطعام المغذي المحتاج إليه إنما قليل من التمر وبعض المواد الغذائية البسيطة اعتماد بشكل رئيسي كما يقال على التمر، بينما في المقابل أتى جيش الأَعْدَاء.

 

أُسُسٌ مهمة انطلق على أساسها الجيش الإسْلَامي

العدد أضعاف مضاعفة بأكثر من ثلاثة أضعاف من عدد جيش المسلمين.. مقاتلون متمرسون وأصحاب خبرة.. يمتلكون العدد الكبير من الخيل وأهميتها كانت كبيرة جداً آنذاك في المعركة.. الفرسان يمتلكون أَيْضاً دروع وأكثر من الدروع بقية لأمة الحرب.

يمتلكون إضافةً إلى ذلك عدداً ضخماً من الجمال التي ينحرونها يومياً ويأكلون اللحم يوميّاً وعندهم المواد الغذائية وعندهم الاحتياطي الذي يحتاجون إليه من السلاح من الرماح من السيوف من السهام، إلى آخره.

فكانوا في العدد والعُدّة والخبرة العسكرية من التجربة العسكرية والهيبة العسكرية، كانوا متفوقين في كُلّ هذه الاعتبارات على الجيش الإسْلَامي، ولكن كان هناك رصيدٌ مهم وأسس مهمة أنطلق على أساسها الجيش الإسْلَامي، أولئك خرجوا الأَعْدَاء بطراً ورئاء الناس، غرور غرور أمام، يربدون أن يسمع بهم الجميع، أن يسمعهم الجميع، وأن تكون العملية العسكرية من جانبهم كبيرة وناجحة ولها صداها في الجزيرة العربية كلها، أن يمتلكوا بها رصيداً إضافياً من الهيبة العسكرية، وأن تعتبر لهم إنجازاً جديداً يحقّق لهم مزيداً من المكاسب في المنطقة، ويريدونها أن تكون معركة حاسمة ونهائية مع النبي، ولهذا فعلاً كان لها أهميتها بكل الاعتبارات، الأَعْدَاء كانوا يريدونها أن تكونَ المعركة الحاسمة والنهائية والفاصلة، وعندما وصلوا إلى منطقة بدر وشاهدوا المسلمين استقلوهم جداً، قال أبو جهل كما ورد في السير “ما هم إلا أكلة رأس، لو بعثنا عليهم عبيدنا لأخذوهم أخذاً باليد” يعني قال لو كنا نتصور أنهم ليس إلا بهذا العدد، وبهذه الإمكانيات لكنا أرسلنا لهم عبيدَنا فقط من دون أن نحتاجَ إلى أن نأتيَ نحن ولَأخذوهم أخذاً، لَأسروهم واعتقلوهم وأتوا بهم إلى مكة، لأخذوهم أخذاً باليد.

فكان هناك مفارقاتٌ من حيث الإمكانات، القدرات، النفوذ السياسي، الهيبة العسكرية، لكن كان هناك في الجانب الآخر النبي صلى الله وعليه وعلى آله، بما يمتلكه من إيْمَان عظيم، وقدرة قيادية عالية جداً، وإدارة عظيمة للمعركة، وكانت كُلّ خطواته حكيمة، وكل تدابيره حكيمة، وكان هناك من وراءه الرعاية الإلهية.

 

لا نصرَ بدون عناء وَتضحية وَشهداء، وَتحمل المسئولية

عندما تتحَـرّك الأُمَّـة بتلك المبادئ بتلك القيم بتلك الأَخْلَاق، عندما يكون المشروع الذي تتحَـرّك به الأُمَّـة مشروع الحق مشروع العدل مشروع الخير مشروع التحرر من هيمنة واستعباد الطواغيت والمستكبرين والظالمين وتعتمد على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَـالَى، وتتحَـرّك وفق تعليماته وتوجيهاته تحظى برعاية كبيرة، ولكن رعاية في إطار تحمل المسئولية، وليس تأييداً من النوع الذي أراده بنو إسرائيل، كيف أراد بنو إسرائيل أن تكون الرعاية الإلهية، قالوا لموسى عليه السلام (فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)، يريدون نصراً بدون فداء بدون تضحية بدون شهداء، بدون تحمل للمسئولية بدون عناء بدون متاعب بدون صبر بدون كلفة فإن يخرجوا منها فإنا داخلون،.

هذه للأسف لا تزال رؤية بني إسرائيل، التي ضربتهم عليهم بها حالة التيه أربعين سنة، لا تزال هذه الرؤية لدى بعض المتعلمين وبعض العلماء وبعض المتدينين، وبعض العامة لاتزال هذه الرؤية، إذا كان هناك نصر فـ ليأتي هذا النصر من دون تضحيات من دون متاعب من دون أي تحمل للمسئولية، من دون أي صبر، لا.

 

الطريق لإحقاق الحق وإقامة العدل والخير: لا مناصَ عن تحمل المسئولية، وإلا الثمن أكبر

فإذًا الطريق إلى إحقاق الحق، إلى إقامة العدل والخير في هذه الحياة، الطريق للتصدي للشر للطغيان للإجرام للتحديات للأخطار، الطريق هو تحمل المسئولية، لا مناصَ عن تحمل المسئولية، وإلا الثمن أكبر، ثمن الاستسلام ثمن الخنوع ثمن الجمود، ثمن التجاهل للأخطار ثمن رهيب، شعوب كثيرة دفعت ذلك في جيلها الثاني أَوْ في جيلها الثالث أثمان كبيرة، وتحملت أعباء كبيرة، وثمن خطير في الدنيا وفي الآخرة.

 

وعدٌ إلهي للمسلمين بإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ: القافلة والجيش العسكري

فهذا التحَـرّك الذي لا يستند إلى قوة موازية لقوة العدو ولا مكافئة لإمكانيات العدو ولم يتنصل عن المسئولية ولم يتهرب، تحَـرّك كما أخرجك ربك من بيتك بالحق، فـذهب وَتحَـرّك أتى الوعد الإلهي (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ)؛ لأنه كان هناك إما قافلة أبي سفيان وفيها قافلة اقتصادية وفيها هو أَيْضاً كقائد بارز للمشركين، ومعه عدد، وإما الطائفة الأخرى الطائفة الجيش العسكري، الذي كان قد خرج أصلاً من مكة لاستهداف النبي واستهداف المسلمين.

فكان هناك وعدٌ إلهي أن المسلمين سيظفرون إما بأبي سفيان ومعه القافلة الضخمة، وإما بأبو جهل ومعه الجيش العسكري “وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ” بالنسبة للرغبة النفسية والشخصية، كان الكثير من المسلمين يتمنون أن يكون الظفر بالقافلة التجارية، بغير ذات الشوكة، غير ذات في السلاح غير الجيش العسكري، بحيث أنهم يظفرون بأبي سفيان هو بنفسه هدف مهم ومعه القافلة التجارية سيستفيدون منها، لسد العوز والفقر والظروف الصعبة، وللحصول على إمكانات تساعدهم في المستقبل في المواجهة.

فهذه كانت هي الرغبة الشخصية لدى البعض، وما يودونه، بدلاً عن الاصطدام المسلح والدخول في المواجهة المسلحة والعسكرية، ولكن كانت إرَادَة الله شَيئاً آخر، كانت إرَادَةُ الله هي الاصطدام المسلح والمواجهة العسكرية؛ لأنها هي التي سيترتب عليها نتائج مهمة واستثنائية وفارقة وتؤسس لمرحلة جديدة، مرحلة يبدأ فيها اضمحلال قوى الطاغوت وسقوط قوى الشرك والطغيان والكفر ويبدأ فيها أَيْضاً تصاعد هذه القوة الإسْلَامية، وسيكون فيها الانتصار انتصاراً لمشروع عظيم لقيم الحق والعدل والخير (وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) وفعلاً كان هذا اليوم وكانت هذه الواقعة بكل ما ترتب عليها وقُتل فيها أعداد مهمة وشخصيات أساسية من قوى الطاغوت، كان لها أهميتها المفصلية، المفصلية، فأسّست وجذرت الكيانَ الإسْلَامي والقوة الإسْلَامية وأعطت للأمة المسلمة هيبةً كبيرة، وعززت الأملَ الكبير والعظيم لدى المسلمين ولدى غيرهم، كثيرٌ من الناس الذين لا يزالون أسرى للخوف خانعين نتيجة الخوف واليأس فنظروا أنه في الإمكان في هذا الحق، في هذه القيم العظيمة أن تنتصرَ، ولهذا الكيان العظيم أن ينتصر.

فكان إحقاق الحق لَا بُـدَّ فيه من جهاد لَا بُـدَّ فيه من تضحية لَا بُـدَّ فيه من صبر لَا بُـدَّ فيه من شهداء، لَا بُـدَّ فيه من تحَـرّك جاد، لم يكن في الإمكان أن ينشأ هذا الحق وأن يعلوَ هذا الحق وأن ينتصرَ هذا الحق بكل ما فيه وما يترتب عليه من خير للبشرية بدون عناء ولا متاعب، بل على العكس كان بالإمكان بدون هكذا تحَـرّك أن تزداد سيطرة الطاغوت والعياذ بالله لو حُسمت هذه المعركة بالذات، لو حسمت لقوى الطاغوت لسببت يأسا كَبيراً جدّاً جدّاً لدى البعض لدى الكثير وخُصُوْصاً هي أول معركة مهمة بين الفئتين لكان لها نتائج وتداعيات سلبية جداً جداً جداً. المسلمون في وقعة بدر كانوا قله وكانوا يتشكلون من فريقين المهاجرين فريق والأنصار الأنصار الأوس والخزرج وكان دورهم أَيْضاً مهماً جداً في المعركة والنبي صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ قبل بداية المعركة كان حريصاً على أن يعرف رأي الأنصار ومدى استعدادهم لهذه المعركة فكان لهم الموقف المشهور والموقف العظيم عندما قال كبيرهم وقائدهم سعد بن معاذ قال للنبي صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ: “قَدْ آمَنَّا بِكَ وَصَدَّقْنَاكَ،…، فَامْضِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَا أَرَدْتَ فَنَحْنُ مَعَكَ، فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوِ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ لَخُضْنَاهُ مَعَكَ، مَا تَخَلَّفَ مِنَّا وَاحِدٌ، وَمَا نَكْرَهُ أَنْ نَلْقَى عَدُوَّنَا غَدًا، إِنَّا لَصُبُرٌ عِنْدَ الْحَرْبِ، صُدُقٌ عِنْدَ اللِّقَاءِ”.. لاحظوا هذا الفئة عند الأُمَّـة الصبر عند الحرب الصدق عند اللقاء الذين فهموا معنى هذا الانتماء للإسْلَام معنى هذا الإيْمَان بالنبي أنهُ إيْمَان إتباع إيْمَان اقتداء إيْمَان نصره إيْمَان موقف إيْمَان موقف وليس وفق الفهم الخاطئ لدى الكثير من المسلمين اليوم هم يفهمون هذا الإيْمَان إيْمَاناً وانتماءً لا يلزم معهُ موقف وليس فيه حمل مشروع ولا حمل قضية ولا أي شيء يؤخذ فقط الأشياء المعتادة الروتينية البسيطة جداً السهلة والتي هي لوحدها غير مثمرة أي ثمرة في هذه الحياة، نحن في هذا البلد ونحن نواجه الكثير من التحديات أنا أقول لكم أيها الأخوة والأخوات في شعبنا اليمني المسلم العزيز أهم مشكله ستكون لنا في هذا العصر مع كُلّ قوى الكفر والنفاق قوى الكفر أمريكا وإسرائيل وقوى النفاق القوى العميلة لها في المنطقة وعلى رأسها النظام السعودي، أهم مشكلة والمشكلة الجوهرية والمشكلة الحقيقية، هي مشكلة التحرر طالما نحن نريد أن نكون شعباً حُرّاً لماذا نريد أن نكون شعباً حراً؛ لأنهُ لن يتحقق لنا إسْلَامنا الحقيقي إسْلَامنا بمبادئه بقيمه بأَخْلَاقه بمشروعه في الحياة ونحن شعبُ ننتمي لهذا الإسْلَام في مبادئه وفي أَخْلَاقه وفي قيمه لن يتحقق لنا ذلك إلا ويكون لنا مشكلة مع الآخرين؛ لأنهم يريدون أن يتحكموا بنا أن يسيطروا علينا وتحكمهم بنا وسيطرتهم علينا معناه أن يكون القرار لهم في كُلّ شئوننا في كُلّ شئوننا، ثم أن يأتوا هم لأن يفصلوا واقعنا ويفرضوا سياسات علينا في شئوننا بكلها وفق الاعتبارات التي يريدونها هم والأولويات التي يريدونها هم والأجندة التي يرغبون بها هم، وهم حساباتهم كلها حسابات ظالمة ومفسده وإجرامية ولا إنْسَانية مثلاً النظام السعودي عندهُ رؤيه أن قوتهُ في ضعفنا وأن استقرارهُ في أن نكون بلداً مضطرباً منعدم فيه الأمن والاستقرار شوفوا إذا جئنا لنتجاوب جئنا لنقبل كُلّ الأجندة التي تضعفنا كُلّ السياسات التي تجعل منا شعباً ضعيفاً منهاراً تحت أقدام الآخرين، هذه مشكله علينا هذه مشكله لَا بُـدَّ أن نضحي فيها بإنْسَانيتنا وبحريتنا وبديننا وبأَخْلَاقنا وبقيمنا وأن نقبل أن نكون في هذه الحياة أذلاء ومهانين ولا حرية لنا ولا قرار لنا ولا شأن لنا ومجرد متقبلين من الأخر ما يريد أن يفرضهُ علينا وللأسف ليس بما هو خيراً لنا ليست وصاية الخير، ليست وصاية الشهم الكريم، ليست وصاية الإيْمَان والتقوى، لا وصاية الطغاة وصاية الظالمين وصاية المجرمين وصاية المستكبرين وصاية تفصل سياساتها وفق الأجندة الأمريكية وفق إرَادَة الشيطان الأكبر وفق إرَادَة قوى الطاغوت، نحن معنيون أن نحذو حذو الأنصار إذا كان لَا بُـدَّ في سبيل أن نتحرر أن نواجه قوى الطاغوت التي تعتدي علينا هي ابتداءً تبدأنا بالحرب تبتدئونا بالعدوان، المسألة كيف نصمد كيف نثبت في مواجهة العدوان يجب أن نحمل هذه الروحية أن نكون صُبُراً عند الحرب نصبر؛ لأننا نعي قيمةَ هذا الصبر في سبيل أن نكونَ أحراراً، وفي سبيل أن نحافظ على مبادئنا على قيمنا على أَخْلَاقنا وإلا أفلسنا، لو قبلنا بالذل والهوان وَالاستسلام والهوان والعبودية للسعودي والإماراتي الذي عبّد نفسَه للأمريكي والإسرائيلي هل سيبقى لنا مع هذا الدين والقيم والأَخْلَاق؟ لا، تبقى لنا شكليات من الدين شكليات لا قيمة لها ولا قبول لها عند الله لا يقبل الله صلات الذين عبدوا أنفسهم للطاغوت والاستكبار، ولا يقبل الله صيام الذين ركعوا وخنعوا واستسلموا وأطاعوا قوى الشيطان، عملاء الشيطان، أولياء الشيطان؛ لأنك حينئذ تقول يا الله سأعطيك في حياتي هذه وفي وجودي هذا شَيئاً من ديني صلاةً سهلةً بضع ركعات لكني سأعطي الأخر كُلّ ما يريده مني في هذه الحياة سأخضع له، سأخنع له، سأطيعه فأعمل له ما يريد مني أن أعمل حتى لو كان ظلماً حتى لو كان باطلاً، اليوم البعض يقاتل مع أولئك يصلي لله لكن يقاتل مع أولئك فيعمل لهم أكثر مما يعمله لله أعطاهم روحه، وأعطاهم حياته، وأعطاهم الموقف، وأعطاهم الولاء، ويتصور أنه خلاص بايسلي الله أن الله مضحكة يضحك عليه بشوية ركعات لا لا يمكنك أن تخادع الله هذه النظرة النفاقية، نظرة المنافقين يخادعون الله هم يتصورون قال عنهم القران هكذا يتصورون أن بالإمكان مخادعة الله بأشياء شكلية، لكن أنت في هذه الحياة موقفك مسارك، في هذه الحياة تحَـرّكك في هذه الحياة، في أي اتجاه أنت.. فإذن الأنصار مع النبيّ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وآله الأنصار اليمانيون كان موقفهم هذا الموقف الصلب الموقف الثابت وكان هو الموقف المجدي، النبي صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ هو والمسلمين معه صبروا ثبتوا اعتمدوا على الله إذ تستغيثون ربكم التجئوا إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَـالَى طلبوا منه المدد والنصرة وتحَـرّكوا في أداء ما عليهم وثبتوا وفي الأخير منحهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَـالَى النصر العجيب في تلك الواقعة وقتل من الحاضرين في قوى الطاغوت وجيش الأَعْدَاء أهم قادتهم الموجودين في المعركة، وعدد مهم من فرسانهم، كان القتلى منهم نوعيون، القادة المهمون الفاعلون في القرار الفاعلون في الموقف وكانت هزيمةً مدوية كان لها أثرٌ كبير جداً على مستوى الأَعْدَاء أوهنت منهم حطمت كبريائهم وصدموا بها بشكل كبير جدّاً وفي المقابل كانت لها نتائجُ عظيمة جداً في واقع المسلمين عززت الأمل عززت الثقة بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَـالَى وأعطت الأمل لدى الآخرين انتشر هذا الأمل في أوساط الناس، رفعت المعنويات، أسّست لمرحلة جديدة، عاد بها المسلمون بالنصر وبالعزة وبالأمل وَعادوا أَيْضاً والآخرون الذين خذلوا وثبّطوا وكانوا يائسين كانوا في موقف مخزٍ وكان حدثاً مبدئياً ومفصليا نتائجه وآثاره عظيمة وايجابية إلى اليوم بقي هذا الإسْلَام، تجذر هذا الإسْلَام، وبقي على الأُمَّـة أن تعود إلى مبادئه المهمة وقيمه العظيمة وأن تقتدي بنبيه صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ فإذن من أهم الدروس أن نعي كيف يتحقق الحق، كيف يدفع الشر، كيف نتحَـرّك في مواجهة التحديات والأخطار متأسّين بنبينا، فنحمِل المشروعَ الذي به ننتصر ونتحَـرّك من المبادئ والقيم التي نكسب بها رعاية الله ونصره ومعونته وتأييده ونعي أن لا مناصَ من تحمُّل المسئولية ولا خيار آخر أبداً، نَسْأَلُ اللهَ أنْ ينصُرَنا كشعب مظلوم وأن ينصر كُلّ عباده المؤمنين إنه سميع مجيب الدعاء.

وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه..

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com