العلاقات السعودية- الإسرائيلية تظهر إلى العلن والصهاينة يتباهون: السعوديون ليسوا أعداء

صدى المسيرة/ إبراهيم السراجي

عقبَ تأسيس الكياني الصهيوني عام 1948 بسنوات قليلة نشأت العلاقةُ بين نظام آل سعود وذلك الكيان بصورة سرية، وكذلك فعلت بعضُ الأنظمة العربية، غير أن علاقة آل سعود بالكيان الصهيوني كانت الأخطر؛ نظراً لما كانت تحمله من اتفاقيات للتنازُل عن الأرض العربية التي احتلها الكيان.

وتطوَّرت تلك العلاقة بمرور الوقت باستثناء المرحلة التي تولى فيها الملك فيصل بن عبدالعزيز عرشَ المملكة والذي اتخذ موقفاً معادياً من إسْرَائيْل، حتى أنه دفع حياته ثمناً لذلك العداء، حيث اغتيل عام 1975 لاتخاذه قراراً بإيقاف تصدير النفط خلال الحرب العربية الإسْرَائيْلية أَوْ كما تُعرف بحرب أكتوبر 73 وتسبب قراره بكارثة اقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية التي دعمت الكيان الصهيوني في تلك الحرب.

إذن وباستثناء مرحلة الملك فيصل بن عبدالعزيز تطورت العلاقاتُ السعودية مع الكيان الصهيوني وبقيت محتفظةً بسريتها على مدى عقود تخللها تعمَّد الكيان الصهيوني تسريب أخبار عن لقاءات واتصالات مع أمراء آل سعود، في محاولة لكسر حالة العداء العربية للكيان بشكل تدريجي، ولكن هذه العلاقة تطوَّرت خلال العقدين الأخيرين، وأصبح نظامُ آل سعود وبشكل متعمد يسمَحُ بالإعْلَان عن لقاءات سعودية إسْرَائيْلية علنية مع عدم وجود علاقات رسمية كما هو حال مصر والأردن.

 

  • مرحلة العلاقات السرية

اتسمت مرحلةُ العلاقات السرية بين آل سعود والكيان الصهيوني بأنها بدأت مبكراً في وقت كانت كُلُّ الأنظمة العربية معاديةً للكيان أَوْ تخوض حروباً معه، ولكن آل سعود دشنوا علاقتَهم بإسْرَائيْل منذ الستينيات وبصورة غير متوقعة نظراً لحجم التعاون بينهما وتوقيته.

الباحثُ الأمريكي الدكتور آشيرأوركابي وهو باحثٌ بمركز كراون لدراسات الشرق الأوسط وحاصل على الدكتوراه من جامعة هارفارد الامريكية والتي تعد أقدم وأعرق جامعة في العالم يقول في مقال له: “قد يفاجأ المتابعُ للاضطرابات التي تضربُ الشرق الأوسط بالعلاقات الودية التي يتم بناؤها على نحو متزايد بين إسْرَائيْل والمملكة العربية السعودية، الدولتان العدوتان اللتان تواجهان الآن تهديدات مشتركة متمثلة في البرنامج النووي الإيراني”

وفي المقال الذي حمل العنوان “الإخوة الأعداء: تَأريخ التعاون السري بين إسْرَائيْل والسعودية” يقول الكاتبُ أن العلاقات السعودية الإسْرَائيْلية بدأت منذ الستينيات ويفسر ذلك بالقول إن “أبرز مشاهد التعاون غير الرسمي بين البلدين، هو التعاون غير المسبوق الذي وقع في بداية ستينيات القرن الماضي، حيث وجدت إسْرَائيْل والمملكة العربية السعودية أرضيةً مشتركةً للتعاون في مواجهة البلدان أَوْ الحركات التي تهدد وجودهما بشكل صريح، وفي تلك الفترة لم يقتصر التعاون ما بين البلدين على تقارُب الاستراتيجيات، بل تعداه ليصل إلى مرحلة التعاون على المستوى التكتيكي”.

ويرى الكاتبُ أن سببَ ذلك التعاون هو القلقُ المشترك بين آل سعود والكيان الصهيوني من القومية العربية وخطابات الزعيم المصري الراحل جمال عبدالناصر الذي حظي بشعبيةٍ عربية كبيرة التي استهدف فيها الكيانُ الصهيوني والسعودية وبريطانيا.

كانت مرحلة الستينيات من القرن الماضي هي مرحلة انطلاق تلك العلاقات، ولكنها تطورت بشكل سري ويستطيع الباحث أن يبحرَ أكثر في صور تلك العلاقات بعد ذلك فما تقدم مثّل نموذجاً فقط ولم يكن حصراً لجوانب تلك العلاقة.

·       مرحلة العلاقات العلنية

مثلما كانت القومية العربية محوراً لقلقٍ مشترك بين آل سعود والكيان الصهيوني ودفع بهما لإقامة علاقات سرية في الماضي، يبرز اليوم القلق الإسْرَائيْلي السعودي من البرنامج النووي الإيراني الذي اُتخِذ ذريعة لتطوير العلاقة وتعمد التغاضي عن نشر الإعْلَام للقاءات السعودية الإسْرَائيْلية.

في نوفمبر من العام الماضي أعرب علي النعيمي وهو وزيرُ النفط السعودي أن بلاده على استعداد لتزويد إسْرَائيْل بالنفط!!، وذلك في مؤتمر صحفي له وقال فيه أيضاً: “لطالما كان جلالة الملك عبد الله–كان الملك في ذلك الوقت- نموذجاً للعلاقات الطيبة بين المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول، والدولة اليهودية ليست استثناء”.

كلام الوزير السعودي هو تعبير عن رغبة النظام السعودي والجميع يعرف أن لا أحد يستطيع أن يتحدث بمثل هذا المستوى إلا بضوء أخضر من آل سعود، وقد حملت تلك التصريحات اعترافاً صريحاً بدولة الاحتلال.

الأمير تركي الفيصل الذي كان يشغل منصب رئيس المخابرات وسفير السعودية في الولايات المتحدة يعد أحد عَرّابي العلاقات السعودية الإسْرَائيْلية في الوقت الحاضر، ففي عام 2010 قام بمصافحة نائب وزير الخارجية الإسْرَائيْلي “داني ايالون” خلال مؤتمر في مدينة ميونيخ الألمانية وعلّق على ذلك بالقول “من الواضح أن جيران إسْرَائيْل العرب يريدون السلام”.

على مدى السنوات الماضية عمد إعْلَام آل سعود إلى تحسين صورة إسْرَائيْل ووصل بهم الأمرُ خلال العُدْوَان الإسْرَائيْلي على لبنان 2006 إلى دفع مُفتي المملكة إلى تحريم حتى مجرد الدعاء للمقاومة اللبنانية بالنصر على إسْرَائيْل بحجة أنها مقاومة “شيعية”!!.

وقد نجح الإعْلَام السعودي في تحسين الصورة المشوهة لإسْرَائيْل لدى شعبهم الذي صار يصف المقاومة الفلسطينية واللبنانية بالمغامرة وتدمير فلسطين ولبنان باستفزاز الكيان الصهيوني.

ذلك النجاح يتجلى في استطلاع بالسعودية أجراه معهدُ السياسة والاستراتيجية الإسْرَائيْلي مطلعَ الشهر الحالي، وكانت نتائجه أن 53% من السعوديين يرون أن إيران هي العدو الرئيسي وليس إسْرَائيْل، بينما 22% يرون أن داعش هي العدو الرئيسي، 18% هم من يرون في إسْرَائيْل عدواً.

في الرابع من الشهر الحالي جرى لقاءٌ في واشنطن بين اللواء السعودي أنور عشقي وهو مقرَّب من أسرة آل سعود بالمدير العام الجديد لوزارة الخارجية الإسْرَائيْلية دوري غولد وأحد مساعدي رئيس الحكومة الإسْرَائيْلي بنيامين نتنياهو.

قناة أَي 24 نيوز الإسْرَائيْلية التي احتفلت بذلك اللقاء وسائر الإعْلَام الإسْرَائيْلي قالت: إن هناك لقاءاً رفيعَ المستوى سيُعقد بين مسؤولين سعوديين وإسْرَائيْليين في واشنطن لبحث الملف النووي الإيراني.

مصدر إسْرَائيْلي وُصف بالرفيع المستوى علّق على اللقاء السعودي الإسْرَائيْلي في واشنطن بالقول: إنّ العدو المشترك لإسْرَائيْل والسعودية، وسياسة الرئيس الأمريكيّ، باراك أوباما حيالّ هذا العدو، يدفعهما إلى الانتقال بعلاقاتهما إلى العلن وربمّا إلى التحالف ضدّ إيران.

وقال موقع (المصدر) الإسْرَائيْليّ إنّ الكاتبَ في صحيفة “بلومبرغ” الأمريكيّة، إيلي لايك، اعتبر اللقاء الإسْرَائيْليّ- السعوديّ، يوم الخميس في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي في واشنطن، على أنّه مؤشر على أنّ الدولتين اللتين حافظتا حتى اليوم على سرية فيما يتعلق بالعلاقات بينهما، بدأتا تتجرآن أكثر في إشهار هذه العلاقات، في ظلّ السياسة الأمريكيّة في المنقطة حيال إيران.

المسؤول السعودي حاول تبرير ذلك اللقاء والتقليل من أهميته بقوله إن جرى بالصدفة. ولكن الكاتب العربي عبدالباري عطوان في مقال له عن ذلك اللقاء كان له رأي آخر ورداً على تبرير المسؤول السعودي قال عطوان: “الدكتور عشقي وصف اللقاء بأنه صدفة، وقال بأنه التقى غولد بصفته رئيساً لمركز القدس للأبحاث، وليس كمسؤول إسْرَائيْلي، ولكن الدكتور عشقي نسي أن هذا اللقاءَ لا يجوز أن يتم في وقت تتصاعد فيه المقاطعة الأكاديمية لإسْرَائيْل وأساتذتها وجامعاتها، على طول أمريكا وأوروبا”.

 وأضاف عطوان أن” دوري غولد الذي التقى المسؤولَ السعودي قال إن هذا اللقاء الخامس بينهما، مما يضع رواية الدكتور عشقي عنه موضع الكثير من التساؤلات، وعلامات الاستفهام”.

وأشار عطوان إلى أن “الإسْرَائيْليين احتفلوا بجُملة كررها اللواء عشقي الخبير الاستراتيجي وقال فيها “إسْرَائيْل عدو عاقل وإيران عدو جاهل”.

وأضاف “لا أعرف ما هو مفهومُ اللواء عشقي للعقل والجهل الذي تحدث عنه، فهل يرى أن من يحتلُّ المسجد الأقصى ويعمل على تهويد مدينة القدس المحتلة، وإلغاء طابعها التَّأريخي العربي الإسْلَامي، ويوطن 800 أَلف مستوطن في الضفة الغربية، ويقسم الحرَم الإبراهيمي، ويقتل الآلاف ويدمّر 80 أَلف منزل في قطاع غزة، ويشن حروباً على جنوب لبنان، ويحتل أراضيَ عربيةً لبنانية وسوريا هل هذا عدو عاقل؟ ومن هو المجنون إذاً؟ هل هو ما يفعل عكس ذلك؟”

 

 

  • العدوان السعودي على اليمن مصلحة سعودية إسرائيلية

في اليوم الثاني للعُدْوَان السعودي على الـيَـمَـن خرج رئيس الحكومة الصهيوني بنيامين نتنياهو وبشكل علني مؤيداً للعُدْوَان السعودي وقائلاً بأنه يمثل مصلحة لإسْرَائيْل، كما احتفلت وسائل الإعْلَام الإسْرَائيْلية بالعُدْوَان وبعضها قال: إن الحرب على الـيَـمَـن يمثل نقطة انطلاق جديدة لتطوير العلاقات مع السعودية.

ولم يقتصر الموقف الإسْرَائيْلي من العُدْوَان على تأييده، ففي الخامس والعشرين من مايو الماضي كتَبَ الخبير العسكري الأمريكي “غوردوندوف” تقريراً نشره موقع “فيترانس تودي” أكد فيه أن القنبلة التي استهدفت جبل نقم بصنعاء في 20 مايو 2015 تقف وراءها إسْرَائيْل قائلاً إن: “طائرة إسْرَائيْلية مطلية بألوان سلاح الجو السعودي هي من ألقت بالقنبلة النيوترونية على جبل نقم بصنعاء”.

لم تعد العلاقات السعودية الإسْرَائيْلية والكشف عنها مصدر ازعاج لآل سعود، ففي السنوات الأخيرة عمدوا إلى اللقاء بالإسْرَائيْليين علناً اعتقاداً منهم أنهم قد نجحوا في تغيير صورة إسْرَائيْل باختلاق أعداء يقدِّمونهم على أنهم أشد خطراً عليهم من إسْرَائيْل، فكان ذلك العدو في الماضي هو القومية العربية واليوم إيران.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com