إتفاق لوزان النووي و”عاصفة الحزم” العدوانية.. أية علاقة؟

بقلم/ عبدالملك العجري : aalejri@gmail.com

هل هي مَحْضُ صدفةٍ أن يتزامَنَ انطلاقُ عاصفة الحزم العُـدْوَانية على الـيَـمَـن عشيةَ الخميس 26 مارس الماضي، مع انطلاق جولة المحادثات الإيْرَانية مع مجموعة (5+1) في مدينة لوزان السويسرية والتي انتهت بتوقيع اتفاق إطاري في 2/4/2015م؟.

على سبيل المثال كاتبٌ خليجي يقولُ: هناك ما يشبهُ الإجماعَ على أن انطلاقَ عاصفة الحزم قبل أيام من إعلان الاتفاق النووي مع إيْرَان كان خطوةً استباقيةً محسوبةً للإمساك بتداعيات هذا الاتفاق في الجزيرة العربية والخليج العربي قبل أن تفرض مفاعيلها على دول المنطقة ككل”.

الخبيرُ في شؤون الشرق الأوسط في الجامعة الأمريكية ببيروت، عماد سلامي بدوره يعتقدُ أن الحربَ في الـيَـمَـن جزء من سياسة سعودية تزدادُ حزماً في المنطقة، وهي موجَّهة في جانب منها بما يصفه المحللون بأنه قلق إزاء اتفاق محتمل بشأن برنامج إيْرَان النووي.

بصرف النظر عن رأي الكاتبَين، مبدئياً الحرب العُـدْوَانية التي تشن عن الـيَـمَـن لا تمكن مقاربتها بمعزل عن سياق الصراع الجيوسياسي بين الفاعلين الرئيسين في الإقْليْم، وأية معالجة للعُـدْوَان الجاري على الـيَـمَـن لا تأخُذُ في اعتبارها الانفراجةَ في ملف المفاوضات النووية الإيْرَانية والتقارُب الإيْرَاني –الأمريكي وتفقد خيوطاً أساسية تهدي لمحفزات هذا التحرك الذي بادر النظامُ السعودي لتزعُّمه بشكل مباشر على خلافِ السياسَة التقليدية المتبعة، إن بالاعتماد على الحكومة الأمريكية في حماية أمن المملكة، أَوْ بالاعتماد على وُكلائه المحليين في تحقيق وتنفيذ سياساته وَأجنداته الخَاصَّةً في الـيَـمَـن.

ولتبين العلاقة بين “عاصفة الحزم” والاتفاق النووي والتقارب الإيْرَاني الأمريكي لا نستغني عن تكوين فكرة إجمالية على أهمية هذا الاتفاق؟ وماذا يعني للفاعلين الإقْليْميين؟ وما هي تداعياتُه وانعكاساته على الصراع الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط؟ والسياقات الدولية والإقْليْمية لتوقيع الاتفاق؟.

 

التداعيات المحتملة للاتفاق

لا زالَ الوقتُ مبكراً بعضَ الشيء على الجزم بمصير المفاوضات، فاتفاقُ لوزان هو اتفاقٌ إطاري ممهَّد للاتفاق النهائي والتفصيلي الذي يترقبُه العالَمُ نهاية الشهر الجاري والطريق إليه لا زال أمامه مطباتٌ صعبةٌ عليه اجتيازها، وفي التفاصيل تكمن الشياطين كما يقال.

التوصُّـلُ لاتفاق ينهي الأَزْمَـة التي أحدثها نووي إيْرَان هو كما وصفه الصحفي الأمريكي فريدمان بـ”الزلزال الجيوسياسي” وبحسبه فإن تأثيرات اتفاق أميركي – دولي – إيْرَاني على المنطقة “قد تفوقُ وقْعَ كامب ديفيد والثورة الإيْرَانية معاً في إعادة ترتيب الشرق الأوسط”. فالاتفاقُ انعطافةٌ سياسية ستكون له تداعيات كبيرة على التوازنات الإقْليْمية والملفات الساخنة، وفي إعادة صياغة المنطقة وتشكيل خارطة التحالفات السياسية وعلى مجمل الأوضاع.

إيْرَانياً هذا الاتفاقُ سيحقِّقُ لها جملةً من المكاسب السياسية والاقتصادية الإقْليْمية والدولية تساعدُها في الخروج من قفص العُزلة الدولية المفروض عليها، وفي التذويب من الجليد الذي ظلّ لعقود يعكّرُ العلاقاتِ بين إيْرَان والولايات المتحدة والقوى الكبرى، الاتفاقُ اعترافٌ من هذه الدول بإيْرَان قوةً نوويةً وفاعلاً إقْليْمياً هاماً بما يعظمُ من نفوذها الجوسياسي، خَاصَّةً وإيْرَان دولةٌ غنية بالطاقة وَتمتلك البنية التحتية المعرفية والتقنية والتصنيعية التي تمكنها من تحقيق قفزة اقتصادية ترفعها إلى مصاف الدول الصناعية.

كما أن رفعَ العقوبات الاقتصادية وإلغاء الحظر على المصرف المركزي وعلى سوقها النفطية وَالتسييل التدريجي لأموال وأصول إيْرَان البالغة وفقاً لتقديرات إيْرَان لمائة مليار دولار سيمكن الاقتصاد الإيْرَاني من التعافي والانتعاش.

صحيفةُ “الغارديان” البريطانية توقَّعت أن يفتحَ رفعُ العقوبات الأبوابَ أمام سيل الشركات الراغبة في الاستثمار، واستشهدت بما قاله رجلُ أعمال إيْرَاني عن تواجُد مؤشرات كثيرة على أن الشركات توجه اهتمامَها صوبَ إيْرَان، وأحد المؤشرات على درجة الاهتمام هي أنك حالياً لا تستطيع أن تجدَ غرفة خالية في فنادق طهران”.

خليجياً يشكّلُ الملفُّ النووي الإيْرَاني كابوساً مزعجاً لدول الخليج، بالذات النظام السعودي الذي تحكمه مخاوفُه أولاً ومصالحه ثانياً، وتنظر للمفاوضات والاتفاق أَكْبَر من أن يكون مجرد نزاع نووي، بل تحول في الموقف الدولي الغربي والأمريكي اعترافاً بإيْرَان قوةً وَشريكاً أساسياً في ترتيب أوضاع الإقْليْم المنطقة لا يمكن تجاوزه أَوْ تجاهله أَوْ تجاهل مصالحه، وهو بحسب الرؤية الخليجية سيفتح شهية الدولة الإيْرَانية نحو مزيد من التغلغل والتدخل في شؤون الدول الخليجية والعربية، واستعادة دورها القديم إبان عهد الشاه، أَي سيجعل منها بمثابة شرطي المنطقة، خَاصَّةً وأن النفوذَ الإيْرَاني-، أصبح يهددُها في حدائقها الخلفية والأمامية ويشكل حزاماً يلُفُّ المملكة في العراق ولبنان وسوريا والـيَـمَـن.

كان الرهان الخليجي قائماً على استمرار حالة العداء بين إيْرَان والولايات المتحدة الأمريكية، وعلى هذا الأساس كانت تعتمدُ بشكل استراتيجي على الاتفاقيات الأمنية مع الولايات المتحدة لحماية أمنها وَتحقيق الردع وَالتوازن الإقْليْمي في مواجهة إيْرَان.

إلا أن احتمالَ تطوُّر التقارُب الأمريكي –الإيْرَاني أوقع دولَ الخليج في مأزق استراتيجي، أَوْ كما يسميه البعض “الانكشاف الاستراتيجي” وأبان أنها غير مهيأة ولا متهيئة لأية مفاجأة تطرأ على العلاقات والتوازنات الإقْليْمية وعلى تراجع اهتمام أمريكا بالشرق الأوسط.

والآن تساورُ الخليجيين مخاوفُ من أن يكرر أوباما نفس السيناريو في تعامل إدارته مع الأَزْمَـة السورية، وذلك باختزالها في الملف النووي، كما اختزلتها في الملف الكيماوي بالنسبة لسوريا من دون التفات لمصالح ومخاوف دول الخليج، وفي هذه النقطة بالذات كانت رؤية إيْرَان أن المحادثات يجب أن تكونَ نووية خالصة ورفضت ربط المفاوضات بأية ملفات أُخْرَى ونجحت في فرض رؤيتها هذه على مجموعة (5+1).

وهو ما يَعتبره الكاتب الأمريكي توماس فريدمان بمثابة هروب أَوْ تنصل من الالتزامات الأمريكية بحماية السعودية من أعدائها الإقْليْميين وعلى رأسهم إيْرَان.

محللون وخبراءُ يَرَون أن الانسحابَ الأمريكي من العراق كانت نتيجته تغييراً في موازين القوى لصالح إيْرَان، وهذا قَادَهم إلى استنتاج أنه في حال قرَّرت أمريكا تقليص نفوذها أَوْ في حال تراجع اهتمامها بمنطقة الشرق الأوسط، فإن إيْرَان ستكونُ القوة الإقْليْمية العسكرية التي يمكنها ملءَ الفراغ.

تتلبَّسُ السعودية مشاعرُ مريرةٌ أن ثقةَ الغرب بالاعتماد عليها كحليف استراتيجي في المنطقة قد اهتزت بعد الهزائم المتتالية لمشاريعها في المنطقة في العراق ولبنان وسوريا والـيَـمَـن في مقابل التقدُّم الذي أحرزه مَن يسمونهم وكلاء إيْرَان في المنطقة.

وتقفُ السعوديةُ وإسْرَائيْلُ على رأس قائمة المنزعجين من نتائج المحادثات الإيْرَانية الغربية، ومثلت نقطةَ التقاء جمعت إسْرَائيْل بالنظام السعودي ودول عربية أُخْرَى، وبحسب رئيس الحكومة الإسْرَائيْلية، بنيامين نتنياهو، “المخاوف من البرنامج النووي الإيْرَاني خلقت فرصةً للتعاون مع السعودية وَدول عربية أُخْرَى”.

وقد مارست الدولة العبرية والعربية السعودية ضغوطاً مكثفة على حلفائهما الغربيين لإعاقة أَي اتفاق بينهم وبين إيْرَان، وبذلا مساعيَ حثيثةً لحَثِّ الغرب لإرغام إيْرَان على تفكيك برنامجها النووي بفرض مزيد من العقوبات أَوْ بالتدخل العسكري أَوْ توجيه ضربات مركَّزة للمنشآت النووية على نحو ما فعلت إسْرَائيْل في العراق.

مع توقيع اتفاق لوزان لم تُخْفِ دولُ الخليج امتعاضَها مما حصل، أما رئيسُ وزراء العدو الصهيوني “بنيامين نتانياهو” فقد وصفه في خطاب له أمام الكونجرس الأمريكي بالسيء وتحدث قائلاً: “أصدقائي، قبل أكثر من عام قلنا لكم إنّ عدمَ التوصّل إلى اتّفاق أفضل من اتّفاق سيء. وهذا اتّفاق سيء، سيكون العالم أفضل دونه”.

ويعد الكونجرس أَحد المنافذ التي تستخدمها إسْرَائيْل والعربية السعودي للتأثير على القرار الأمريكي، لذلك كانت تصريحات أعضاء بارزين في الكونجرس متماهيةً مع السعودية سواءٌ من الاتفاق أَوْ في علاقته بالعُـدْوَان.

وقد أبانت تصريحاتُ كيري لأعضاء الكونجرس عقيبَ الاتفاق عن الضغوط التي يمارسُها الأَخيْرُ لإفساد الاتفاق، الأَمْر الذي دفع كيري إلى القول بأنه “لن يكونَ بمقدورهم تعديلُ أَي اتفاق بين الولايات المتحدة وإيْرَان، على الرغم من تهديدات وجهها أعضاء جمهوريون في مجلس الشيوخ”.

الغموضُ الذي يلف محادثات الملف النووي الإيْرَاني هو ما يعظِّمُ من قلق الخليج ويتخوّفون أن الاتفاق لن يراعي مخاوفَهم ولا مصالحَهم، ومن ثم كان تركيزُ العربية السعودية ودول الخليج ينصب بالحد الأدنى أن يكونوا جزءاً من المفاوضات وأن يربط ملف المفاوضات النووية بالملفات العالقة والساخنة المتعلقة بصراع النفوذ في لبنان والعراق وسوريا والـيَـمَـن، إضافة إلى صفقات الأسلحة والصواريخ التي يمكن أن تسعى إيْرَان للحصول عليها.

وفي تصريح لوكالة رويترز قال مصطفى العاني من مركز أبحاث الخليج في دبي بأنهم لا يعارضون المحادثات الإيْرَانية الأمريكية، لكن لدينا مخاوفُ ضخمةٌ من أن الأمريكيين يمكن أن يقدموا تنازلاتٍ للإيْرَانيين من شأنها تقويضَ أمننا ولن تكون مقبولة بالنسبة لنا، وعلى حده، يجب أن نكونَ جزءاً من تلك المفاوضات. لا نريد أَية مفاجآت. نريد أن نكون شريكاً وأن تكون مصالحنا ممثلة.

توقيعُ اتفاق لوزان كشف أن الجهودَ الخليجية السابقة لم تفلحْ في إعاقة الاتفاق، وفشلت السعودية في إقناع الولايات المتحدة والدول الخمس بخطورة الاتفاق مع إيْرَان على الوضع الإقْليْمي وفي أشراط الاتفاق بالملفات الشائكة أَوْ في فرض نفسها جزءاً من تلك المفاوضات.

وكما يبدو فإن مقاربة الإدارة الأمريكية للاتفاق وأوضاع المنطقة وأولوياتها لا تتطابَقُ بالضرورة مع مقاربة وأولويات الخليج فَضْلاً عن بعض المعطيات التي يرى فيها بعضُ المتابعين مؤشراتٍ على ما يفترضونه نهايةَ عصر أمريكا في الشرق الأوسط, وما يسمى عقيدة أوباما… يتبع في العدد القادم.

 

 

 

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com