الطابورُ الخامس.. المعركةُ الضرورة والمثيرةُ للجدل!!

عبدالملك العجري

أثارت دعوةُ السيد عبدالملك الحوثي للمواجهة الحازمة مع الطابور الخامس جَــدَلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، الأَكْثَـرُ إثَارَةً للاستغراب أن القلقَ والانزعاجَ من دعوة السيد عبدالملك لم يقتصِرْ على معسكر العاصفة، بل امتد لأَطْرَاف أَوْ أَشْخَاص وكُتِّابٍ محسوبين على الضفة الأُخْـرَى المواجِهة للعدوان، لحد وصل الحماس الساذجُ ببعضهم لإنكار وجود شيء اسمه الطابور الخامس، وكان السيدُ عبدُالملك أولَ مَن سَكَّ هذه المصطلح، أحدُ البلهاء المثيرين للشفقة دفعه الحماس إلى نسبة المصطلح لإيران وثورة الخميني (كذاااك من عيال العاصفة)، مع أن المصطلح صار من أبجديات الأدبيات السياسية والحروب الحديثة، ومن العناد الأبله استمرارُ إنكار وجود هذا الطابور.

ولا أشك للحظة واحدة أنه جزءٌ من استراتيجية العدوان، وأن المعركةَ معه جزءٌ لا يتجزّأ من المعركة الوطنية ضد العدوان.

ومن نافل القول أنه بالتزامن مع إعْـلَان الحرب العسكرية على اليمن دشّن حرباً من نوع آخر، هي حربُ العقول أَوْ حرب الاشاعة، وَأطلق كتائب الدعاية السوداء ولجان ترويج الشائعات وسخّر لها كُلّ الإمْكَانيات والمغريات؛ وذلك بهدف هزيمة الصمود الاجتماعي، وتطبيع الهزيمة وتطويع الوعي العام للتقبل بالهيمنة السعودية، وإضعاف الدعم المحلي للمجهود العسكري والالتفاف الشعبي الداعم للقوى السياسية وبَثّ روح الهزيمة وتشويه الرموز الوطنية، وشل قدرة القوى الوطنية على التفكير وتحقيق الانهيار الإدراكي والمعنوي ونحوها من الأنشطة التخريبية السيكولوجية النفسية والاجتماعية والسياسية التي تُسنَدُ للطابور الخامس باعتبارهم جزءاً من معسكر العدوان؛ لتساعدهم على حسم المعركة.. وإنكار ذلك نوعٌ من السفسطة.

أين المشكلة إذاً؟

المشكلةُ في حالة الهلع التي انتابت بعضَ الأَشْخَاص والكُتّاب أَوْ الأَطْرَاف المحسوبة على جبهة مواجهة العدوان.

دعونا نناقِش القضية برَوِيَّةٍ وبَعيداً عن الأحكام المسبقة والانجرار خلف الغرائزية السياسية وعلى فَرْض براءة جُزء من هذا الجَدَل من شُبهة العلاقة بالعدوان وبعض مَن تورّط لا أشك في موقفهم من العدوان.

وكيف نفسّر حالة الانكار المنفلتة التي انتابت البعض؟

هل التخوُّفُ من خضوع مفهوم الطابور الخامس لتعدّد الاجتهادات يفسّر حالة القلق؟

وما هي الأَدَوَاتُ المناسبة لمواجهة الطابور الخامس والضوابط اللازمة لمنع تسييس قضية الطابور الخامس؟

بهذا الخصوص، ومع افتراض حُسن النوايا يمكن أن نميّز ثلاثةَ أصناف؛ باعتبار مصدر القلق والدوافع، كالتالي:

الفريق الأول: يمكنُ القولُ إن باعثَ القلق لديه أن يشكّلَ “الطابورُ الخامس” مدخلاً لاستهداف الأَصْوَات التي تختلف مع السلطة في صنعاء، وهو تخوُّفٌ معقول، وحَلُّ الإشكال يكونُ من خلال الضبط القانوني بسن قانونٍ للطواري يضبط المفهومَ ويحدد السلوكيات والممارسات التي تشكّل تهديداً للأمن القومي، وهو إجراء تلجأ إليه كُلُّ الدول في حالات الصراع أَوْ تعرّض البلد لعدوان يخوّل السلطات صلاحياتٍ استثنائيةً مؤقتة وتدابيرَ تحد من الحريات الشخصية والمدنية، بما يتناسب مع الوضعية القائمة دُون مبالغة أَوْ إفراط ولا تفريط.. وهذا بالضبط ما دعا له السيد.

قد يقال إن هذا الإجراء كان يجب أن يكونَ منذ بداية الحرب، وهو كذلك.. لكن باعتقادي أن ما حال دون ذلك هو وجودُ سلطات ثورية من جهة وبعض العوائق المُؤَسّسية، والأهمُّ من ذلك أن وتيرةَ الشائعة المنظمة والعمل الممنهج ارتفعت وتيرتُه في الفترة الأخيرة مع فشل العدوان على الجبهتَين العسكرية والسياسية وتحوله نحو استخدام الورقة الاقتصادية واستخدامها بدرجة رئيسة كتكتيك حربي واستغلال الضغط الاقتصادي والوضع النفسي المتوتر لكسر إرَادَة الصراع، وهو ما استدعى رَفْعَ درجة المواجهة.

الفريق الثاني: هذا الصنفُ هم من يسمّيهم البعضُ الطابورَ السادسَ، وهم الذين يقعون ضحيةً للطابور الخامس، وكذلك لسوء إدَارَة الحربِ الناعمة من قِبَل جبهة مواجهة العدوان، ففي أزمنة الحروب والأَزَمَات الاجتماعية يكون الوضع النفسي لمعظم الأفراد في حالة استعداد لتقبُّل الشائعات والوقوع ضحية لها؛ نظراً لحالة التوتر النفسي الذي يعيشونه.

وإذاً كان ذلك يشكّل مبرراً لإعْـلَان حالة الطوارئ، غير أنه لا يكفي لوَحده، بل يجب أن تواجه بأَدَوَات فاعلة لإطفاء الشائعات فاعلة، ويجب أن نعترفَ أن إدَارَة حكومة الانقاذ لهذه المعركة فيه قصورٌ كبيرٌ، على سبيل المثال إطلاق التصريحات التي تتضمّنُ معلوماتٍ دقيقةً أَوْ إطلاق الوعود التي لا تقدّم معالجاتٍ حقيقيةً أَوْ معالجاتٍ مؤقتةً (كما في التصريح المثير لرئيس الوزراء عن وجود 400 مليار في البنك ووعده بتسليم الرواتب في الشهر التالي، وكذلك بعض أعضاء الحكومة ومجلس النواب)، هذه المعالجات المؤقتة تحدث صدمةً عكسيةً تُعَزِّزُ من صدق الشائعات، ومن هنا تتحملُ الجهات المعنية مسؤوليةَ اختراع أَدَوَات فعّالة لمواجهة الحرب الناعمة والطابور الخامس وتقديم التفسيرات المقنعة وعدم تركها تأخذُ مجراها إلى قلوب وعقول الأفراد وتنال مِن ثقتهم وعزيمتهم.

الفريق الثالث: هذا الفريق هو ضد العدوان، لكن -وأقولُها بأسف- العدوان لا يمثّل أولويةً لديه، هو ضد العدوان لكن لديه معركتُه الخَاصَّــة مع أنصار الله، إما لاعتبارات حزبية ضيّقة، أوْ لطموحات شخصية أَوْ لعُقَدٍ نفسية وتأريخية؛ لذلك تتحوَّلُ المعركة مع العدوان إلى الهامش وتتصدر المعركة مع أنصار الله قائمةَ أولوياته.

وإلا كيف نفسّرُ إصرارَ البعض على استدعاء الأفكار الفاشية وَالتأريخية من حين لآخر، مثل الاستدعاءات الطائفية والعُنصرية العِرقية، والجمهورية والإمامة، والبلدُ يخوضُ معركةً تستهدفُ سيادةَ واستقلالَ وكيانَ اليمن، بينما صاحبُنا عالِقٌ في قُمقُم الصراعِ مع الإمام أحمد يا جناه؟!.

وماذا نُسَمّى حالة التسطيح الفاضح في تناول بعض القضايا الحسّاسة وتوجيهها بوعي أَوْ بدون وعي؛ لصرف الأنظار عن العقوبات الاقتصادية على الشعب للعدوان وتحميل القوى الوطنية عُمُوماً وأنصار الله خصوصاً، مسؤولية الأوضاع المأساوية الّتي خلّفها العدوان؟

وإلى أي طرف ننسِبُ مَن يكتُبُ 99 منشوراً ضد القوى وَالرموز والقيادات التي تتصدَّرُ ميدانَ المواجهة، والتشكيك في كفايتها وإخلاصها، ومنشور واحد ضد العدوان؟!.. أليس من الإجحاف نسبتُه لمعسكر مواجَهة العدوان؟

لهؤلاء أقول وأجري على الله فيما أقول: أنتم تخوضون المعركة الغلط وَفي الترقيت الغلط.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com