أسبابُ التغييب المتعمَّد عن جولات الحوار: القضيةُ الجنوبيةُ ما بين مشاريع العدوان وطموحات الحراك

صدى المسيرة / خاص

غيابُ القضية الجنوبية عن أجندة جولات المشاورات بين الأطراف الموالية للعدوان والقوى الوطنية المناهضة له أثار تساؤلاتٍ أبرزُها أسبابُ تجاهل القضية الجنوبية، لا سيما من تلك الأطراف التي تحاولُ الاتكاءَ على مطالب أَبْنَـاء المحافظات الجنوبية واسْتغلَال مظلوميتهم في سبيل تحقيق أَهْدَافها السياسية.

ولعل تواجد قيادات جنوبية في دول العدوان، منها من تلقت دعواتٍ من قبل الرياض وأُخْـرَى من قبل أبوظبي وحصلت على وعود وامْتيَازات مقابل تأييدها العدوان، يؤكد التناقض الكبير بين ما تدّعيه دول العدوان وما تحاول تطبيقه على الأرض أَوْ ما تمضي إليه من خطوات ومواقف على الصعيدَين العسكري والسياسي.

فالتجاهل المتعمد للقضية الجنوبية من قبل دول العدوان ناهيك عما يمارسُه الاحتلال في المحافظات الجنوبية كُلُّ ذلك ضاعف من مصداقية الأطراف المناهضة للعدوان والمؤكّدة في خطاباتها الموقف من القضية الجنوبية ومما يعتمل على الساحة الجنوبية تحديداً من أحداث وتطوّرات ومستجدات محاولة القول إن المشروع المعادي لليمن يحاولُ اسْتغلَالَ قضايا اليمنيين لتمرير أجندته، وهو ما يحدث في الجنوب تحديداً من قبل الإمَارَات والسعودية.

ففي الوقت الذي كانت فيه قياداتٌ حراكية تمارس نشاطها من الرياض حتى أبوظبي كانت السعودية والإمَارَات قد تمكّنتا من استهداف القضية الجنوبية ومحاولة الإجهاز عليها ابتداءً بإقصائها من المشاورات، حيث دفعت الرياض تحديداً الوفد التابع لها إلَى تجاوز الكثير من القضايا ضمن محاولات طرح القضايا التي تهم الرياض، لا سيما على الصعيدين العسكري والأمني وتجاهل بقية القضايا.

وقتَها وإزاء هذا التجاهل للقيادات الجنوبية وقضايا المحافظات الجنوبية أصدرت قياداتٌ جنوبية بياناتٍ تطالب بإشراكها في مشاورات الكويت الأولى، ومن ثم الثانية دون أي تلقى أيّة اسْتجَابَة من قبل دول العدوان.

أعقب ذلك خطوات على الأرض انتهجتها الإمَارَات تحديداً في سبيل تعميق الخلافات بين اليمنيين وتجزئة البلاد وتقسيمها من خلال الدخول إلى حضرموت ومحاولة تطبيق سياسة تعمل على إحياء النزعات المناطقية والدفع بالأهالي نحو تأييد المشاريع التقسيمية مستخدمةً من معاناتهم وحاجتهم للمساعدات وما أنتجته المرحلة السابقة من الصراع السياسي المرير بين مختلف القوى، مرتكزاً تبني عليها طموحاتها والتي هي بالأساس أَهْدَافٌ أميركية بريطانية سعودية في حدها الأدنى، فيما كانت محافظاتُ عدن وأبين ولحج وشبوة تعيشُ مرحلةَ فوضى في ظل انْتشَار الجماعات الإرهابية وغياب الأمن وظهور مراكز قوى جديدة ودعم قوى على حساب أُخْـرَى، في محاولة لإشعال فتيل الصراع بين تناقضات الخارطة الجنوبية.

السعودية وضعت هدفها في حضرموت اقتصادياً وفي الشمال اليمني من خلال الدفع بالجنوبيين إلى محارق المعارك المستمرة سواءً من باب المندب أقصى الجنوب الغربي لليمن أَوْ من خلال نقل المئات من المغرّر بهم إلى الحدود الشمالية لليمن، في محاولة لتشكيل سياج من المرتزقة يفصلُ بين الجيش واللجان الشعبية من جهة والجيش السعودي من جهة أُخْـرَى.

وبالتالي نجد أن غيابَ القضية الجنوبية كان متعمداً ليس من قِبل دول العدوان التي سارعت إلى الضغط على القيادات الجنوبية ومحاولة السيطرة عليها واحتواؤها ترغيباً أَوْ ترهيباً، بل ومن خلال الأطراف اليمنية الموالية للسعودية الرافضة لأي دور محوري للحراك الجنوبي خلال الفترة الحالية أَوْ القادمة.

لقد أدى التصادم الأخير بين الحراك الرافض للعدوان أَوْ الذي لم يتخذ موقفاً من العدوان لا مع أَوْ ضد وبين القوى الموالية للإمَارَات أَوْ تلك المدعومة سعودياً إلى دخول القضية الجنوبية طوراً جديداً، فإما الانكماش على نفسها وبالتالي الانسحاب من المشهد أمام القوى المدعومة خارجياً والتي تعمل ضمن إطار مشاريع العدوان أَوْ الاسْتمرَار في حمل القضية الجنوبية سياسياً والسباحة عكسَ أمواج العدوان المتلاطمة والاستفادة من إخفاقات وانْتكَاسات بقية القوى وكشف أَهْدَاف الخارج، وبالتالي كسب المزيد من التأييد الشعبي في تلك المحافِظات، الأمر الذي قد يدفع نحو المواجهة الحقيقية مع قوى الاحتلال ومرتزقته، وبالتالي الانْتصَار للقضية الجنوبية ومطالبها العادلة ضمن المشروع الوطني الواحد.

ولعل التحدّيات البارزة مع أَبْنَـاء المحافظات الجنوبية تتمثل في انْتشَار الجماعات الإرهابية واسْتمرَار الاحتلال الخارجي وغياب الأُفُق الاسْترَاتيجي للقوى الوطنية في تلك المحافظات التي لم تحدد خياراتِها بعدُ ولم تُبدِ رؤيتَها للمرحلة القادمة.

فالحراكُ المنقسِمُ على نفسه ما بين مؤيّد للعدوان وآخر رافض له ساهم أَيْضاً في تراجع مستوى حضور القضية الجنوبية ناهيك عن ممارسات العدوان المستمرة بحق الأرض والإنسان في الجنوب والتي تتجاوز القضية ومن يحملها ومن يتبناها ويناصرها ويحاول تحويلها إلى أداة لتنفيذ وتمرير مشاريعه.

لقد تحول حجم التدخل في القضية الجنوبية من الفاعلين المحليين كما كان قبل سنوات إلى الدول الإقليمية ضمن مشروع العدوان الخارجي، وهو ما يجعل الحراك تحديداً أمام مسؤولية كبيرة فإما أن تستمر القوى المحلية المرتبطة بالخارج في اسْتغلَال القضية الجنوبية ومعها ومن خلالها يتمكن العدوان من تنفيذ مُخَطّطاته أَوْ يتخذ الحراك خطوات جريئة تبدأ بإصلاح المسار بعيداً عن التدخلات وإملاءات الخارج ومشاريعه، وهو ما قد بدأته بعض الفصائلُ الذي كان لها مواقف مهمة خلال الأسابيع الماضية من خلال رفض مشاريع الخارج وكشف أَهْدَافه في المحافظات الجنوبية تحديداً واليمن عموماً.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com