المرأةُ اليمنيةُ تتصدّى للعدوان ولا تُكسَر

صدى المسيرة| أنس القاضي:

صمودُ الشَّعبِ اليمني وحيداً، في مواجهة آلة العدوان وحربة التدميرية الشاملة، مَلحمةٌ العصر الراهن، وبالرغم من الجوانب الإنسانية الصعبة التي عاناها شَعبُنا، اقتصادياً واجتماعيا وخدمياً ونفسياً، من إثر الحرب والحصار، إلا أن الصمودَ اليمني الواقعي كان أسطورياً، إذا ما قُورِنَ بالإمكانات المادية في الصراع، لبلدنا وتحالف العدوان.

 هذا الصمود ما كانَ لهُ أن يتحقق إلا بتكامل الأدوار الاجتماعية للمرأة والرجل معاً، فقد كان للمرأة دورٌ بارزٌ في مواجهة العدوان، وحاضرةٌ بقوة في كافة جبهات المواجهة، عدا الجبهة العسكرية ليسَ لأن المرأة اليمنية غير مُستعدة أَوْ غير قادرة لممارسة هذا الدور العسكري؛ بل لأن الوعي الاجتماعي السائد لا يتصورُها في هذا الميدان.

جسدت المرأة اليمنية حضورَ ((الملكة بلقيس)) والسيّدة ((أروى الصُّليحي))، ومناضلات ثورة 14 أكتوبر منهن ((نجوى مكاوي))، ورسمت صورتَها، جنباً إلى جنب، مع المناضلة الجزائرية ((جميلة بوحريدة)) والمناضلة الفلسطينية ((ليلى خالد))، وغيرها من النساء الوطنيات الثوريات في العالم.

المرأةُ اليمنية ودورُها الاجتماعي الوطني المقاوم

حين نتحدَّثُ عن المرأة اليمنية- في طليعتها الأُمّ – فعن امرأة واقعية من لحم ودم وروح، هي ذلك الكيان الإنساني الكامل، المهتمة بإدارة مطبخها في ظل الظروف الاقتصادية الصَعبة العامة تأريخياً، التي تَنعكس عليها بشكل أكبر، فتثابر أَن تصنع الخُبز وتحافظ على حياة وانتظام الأسرة، بالقليل من الزاد والمال، وتذهب بأولادها وبناتها إلى المدرسة، وترعاهم، وتشارك في الزراعة والتجارة البسيطة، بوجود الرجل فكيف بغيابه، ووفاته؟!.

 إن هذه المهمات والأدوار والجُهد الذي تبذله، بطولةٌ، تفوقُ ما يبذله الرجل، وفي مرحلة العدوان، تعاظَمَت المهمات وازدادت الأعباء، وباعتبار المرأة هي الحلقة الأضعفَ في المجتمع، فكانت الأكثرَ تضرراً، فصمودها لانْتصَار الحياة داخل الأسرة الخلية الأولى في المجتمع، انْتصَار للشعب وتماسكه الاجتماعي، وأكثر من ذلك جَاهدت نفسها أن تدخل في الأنشطة الموجهة مباشرة ضد العدوان.

 

المرأةُ العاملةُ الشهيدة

 كانت المرأة أول الضحايا/الشهداء منذ الغارات الأولى للعدوان في منازلهن، وإضَافَةً إلى المرأة الشهيدة غدراً في بيتها، فقد سقطت كثير من نساء بلادنا شهيدات وهُنَّ في ميادين العمل الإنتاجي والخدمي، والطوعي الإنساني، كشهيدات “مصنع الألبان” في الحديدة، وشهيدات مصنع “العاقل” في صنعاء، وغيرهنَ من النساء اللواتي سَقطن شهيداتٍ في المستشفيات والمزارع، كما في مستشفى أطباء بلا حدود في (حجة)، وغيرَهنّ مِمّن لم توثق قصصُهن، خَاصَّةً في الأرياف قاصية البُعد، أَوْ المناطق المُستهدفة بشكل يومي، كما في مديريات محافظة صعدة.

المرأةُ في المدينة

على صعيد الحِراك الجماهيري المناهض للعدوان في الوقفات الاحتجاجية، والمظاهرات والأنشطة المدنية، شَهدت شوارعُ المُدن حضوراً للمرأة موازياً لمشاركة الرجل في مختلف الفعاليات التي كانت تدعو لها اللجنة الثورية العليا أَوْ فيما بعد المجلس السياسي الأعلى. فكانت حاضرة بذات الفعاليات مع أخيها الرجل، كما كان لها الفعاليات النسوية الخَاصَّة.

وباختلاف موقعها، المرأة الجامعية، أَوْ طالبة المدرسة، كانت حاضرةً، في كُلّ الفعاليات والوقفات، التي تعدّدت بتعدد الظرف المُعاناتي والظرف السياسي المقاوم الذي تمسك به اليمنيون، عديد من الإذاعات المدرسية والوقفات المدرسة خُصّصت من أَجل القضية الوطنية في مقاومة العدوان، وغيرها من وقفات طلاب الجامعات، ومعارض الصور والاطباق الخيرية، والمعارض الفنية رسوم ومنحوتات، بتنوع الفعل الإبداعي الذي أسهمت به المرأة اليمنية الطالبة، في هذه المرحلة من تأريخ شعبنا.

المرأةُ الريفية

 العدوانُ الذي وحّد المظلوميةَ، وحّد الفعل المقاوم بالضرورة، فوجدنا المرأةَ اليمنية القَبَلية، وبَدَت المرأةُ الريفية شامخة في الوقفات القبلية، مع أخيها الرجل في ذات الفعاليات، أَوْ في وقفات خَاصَّة، بالساحات العامة، وساحات المدارس، رافعة العلم الوطني والبنادق والشعارات واللافتات، مهتمةٌ بذات الموقف الوطني الذي يحمله الرجل، بوعي سياسي عالي بضرورة التصدي للعدوان وحرية الوطن، وفي حضورها الفعَّال هذا كانت أكثر نشاطاً وتفاعلاً، من غيرها من النساء العربيات، اللواتي تعرضت بلدانهن لمثل العدوان والحصار على بلادنا.

نساءُ الشُّهداء فيضُ عطاء لا ينتهي

المعروفُ بأن المرأةَ أكثرُ مَن تتملكها العاطفة، والمرأة اليمنية العاطفية ايضاً، لم تنتزع مشاعرها لكن قناعاتها الوطنية الايمانية والقَبلية، وسَعت من فضاء عاطفتها، لتضم البلاد، مما حملها أن تُضحي بأحبائها في ميادين المواجهة، وتقدمهم شهداء وقرابين للحرية والكرامة الوطنية، مئات المشاهد التي عرضتها قناة المسيرة، والتي لم تلتقطها عدسة الكاميرا، لم تكن سينمائية، أَوْ سيناريوهات خيالية، بل واقعية تختلط فيها دموع وغصات الحزن بالفرح والرضا.

 المرأة اليمنية الأم والأخت والزوجة، تستقبل شهيدها الأول والثاني والثالث بطلقات البندقية، وتقول بأنها، ما قدمت إلا القليل في سبيل الله والمستضعفين وعزة والحرية اليمن، وهذا الوعي (الإيماني) خَاصَّة للمرأة المنتمية لحركة أنصار الله ليس معزولاً عن موقفها الوطني اليمني ولا يُعيبه. وحين نتحدث عن المرأة المنتمية لأنصار الله، أَوْ عن الهيئة النسائية لأنصار الله التي نظمت جزء من النشاط النسوي في مواجهة العدوان، فنحن نتحدث عن جزء من الكُل اليمني، إذ أنَ النضال بوجه العدوان، شاركت به اليمنيات، بمختلف توجهاتهن. فلم يُعد نشاطاً سياسياً محصوراً، في خدمة مكون، بل ارتقى إلى مستوى التهديد الوجودي الذي يتعرض له الوطن اليمني، بتعدده وتنوعه الثقافي والمناطقي والسياسي.

المرأةُ المُنفقة المُنتجة للجبهة

إذا كان المعروف السائد أن المرأة أكثر تمسكاً بالمُلكية الخَاصَّة وخَاصَّة المجوهرات وتعتبرها جزئاً منها، سواء في مجتمعنا اليمني أَوْ بقية المجتمعات والشعوب، إلا أن المرأة اليمنية كسرت هذه النظرة السائدة وهي تُنفق وتتبرع للمجهود الحربي، وتقدم قوافل الدعم من مجوهراتها ومدخراتها، أَوْ المواشي التي قامت بتربيتها، أَوْ المحصول التي قطفته في مزارعها، ومن حياكة “جُعب” البنادق وملابس المُقاتلين، والملابس الشتوية، واعداد حلويات العيد لهم، آلاف القوافل الداعمة لقوات الجيش واللجان الشعبية قدمتها المرأة اليمنية، كما لعبت الدور ذاته في التكافل الاجتماعي بمساعدة الفقراء والمحتاجين والنازحين، واُسر الشهداء، وفي حملة التضامن ودعم البنك المركزي كان لها الدور المتميز أيضاً.

المرأة الثقافية التوعوية والإعلامية

حضورُ المرأة في ميدان المواجهة الإعلامية الثقافية كان مشهوداً، على صعيد وسائل التواصل الإعلامية ( فيسبوك، واتس آب توتير) وفي حملات (التغريدات)، كما كانت حاضرةً في المواقع الالكترونية، والصحف، وفي التوعية المجتمعية، والمشاركات الثقافية سواءً في اطار الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان التي ترأسها امرأة يمنية، أَوْ في الاطار المنفرد سواء في القصائد والمشاركات التلفزيونية والبرامج التفاعلية، أَوْ كمذيعات في محطات الراديو التي شهدت نهوضاً صاعداً في مرحلة العدوان، كما برزت أسماءُ عديدٍ من النساء ككاتبات بوعي سياسي عالٍ، وفي العموم فإن المرأة وفي هذه الجبهة بالذات، عُرفت بحَسٍّ عالٍ بالشعور بالمسئولية.
ونادراً ما ولجت المرأة الإعلامية دائرة المهاترات والمناكفات السياسية، على عكس أخيها الرَّجُل، واستقامت في توجيه نشاطها الإعلامي في مواجهة العدوان.

المرأة اليمنية سيدةُ كُل جبهة

المرأة اليمنية خلفَ صمود كُلّ جبهة، ولم تقتصر مشاركتها في ممارسة نفس الأنشطة التي يزاولها الرجل في مقاومة العدوان -عدا العسكرية- بل إنها، في كثيرٍ من الأحيان، وخَاصَّة في القُرَى التي ذهب معظمُ رجالها إلى الجبهات، قامت بدورها المحدّد اجتماعياً كامرأة، وبدورها التربوي ونشاطها النسوي المناهض بالعدوان، في ذات الوقت اتجهت إلى تغطية غياب الرجال، ومزاولة الأعمال الاقتصادية والإنتاجية التي كانت من مهامهم، حسب التقسيم التقليدي للعمل بين الرجل والمرأة.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com