داعش وشقيقته الكبرى  

حمود الأهنومي

قَدِمَ أحَدُ شيوخ مملكة قرن الشيطان المدعو أبو بلال الحربي إلى الـيَـمَـن؛ للانضواء تحت ما يُعْرَفُ بـ “تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب”، مصطحباً معه سجيناً سعودياً سابقاً اتهم بالانتماء للقاعدة، يدعى همّام الحميد، وقد زكّى الشيخ الحربي هذا الأخير لدى زعماء القاعدة في الـيَـمَـن، ولما أعلن الشيخ البغدادي خلافة داعش وأغضب ذلك أمير القاعدة الشيخ الظواهري، وانشق التنظيم التكفيري عمودياً أعلن الحربي مبايعته لخليفة داعش مؤسِّساً مع آخرين نواةَ تنظيم داعش في الـيَـمَـن، ودشّن ذلك كما هو معروفٌ بتفخيخ مسجدَي بدر والحشحوش، بينما كان مرسوماً للحُميد أن يلتحقَ بالقاعدة مخالفاً شيخه الحربي ليكون بعدها أحد أبرز الإعْـلَاميين فيها.

خلالَ الأُسْبُوْع الماضي أعلنت القاعدة أن (الحُميد) اعترف أنه جاسوسٌ يتبعُ المباحث السعودية والمخابرات الأَمريكية، وأنه قد تسبّب في مقتل عددٍ من قياداتها، وألقى كلا الفرعين في الـيَـمَـن القاعدة وداعش مسؤولية هذا الخطأ الجسيم على الآخر.

هذا هو مجمل ما يعترفُ به التنظيمان التكفيريان اللذان عبثا ويعبثان بحياة الـيَـمَـنيين قتلاً وغدراً وتفخيخاً وذبحاً، والذي تكلّل في نهاية المطاف بهذه الجرائم غير المسبوقة وهذا العبث اللامحدود من العُـدْوَان الهمجي وجرائم الحرب والإبادة الجماعية من قبل شقيقتهما الكُبرى (السعودية) ضد الـيَـمَـنيين، وهو أمر يشير بوضوح إلى تلاعب السعودية وسيدتها أَمريكا راعية التكفيريين في العالم بهذين التنظيمين، اللذين ثبَتَ أنهما ليسا بأقل سوءاً من شقيقتهما الكبرى تجاه الـيَـمَـن والعالَم الإسلامي، وأن لها اليدَ الطولى في صناعة قياداتهم، وإبعاد مَن تريد منهم، والإبقاء على من تريد، في عملية مكشوفة ليس هنا مجال الحديث عنها.

في الجُمعة الماضية تبنّى تنظيم داعش مسؤوليته عن تفجير مسجد القديح في القطيف (السعودية) وعن تفخيخ (حذائي) لمسجد الصيّاح في (صنعاء) وعن تفخيخ (حذائي أيضاً) ولكن فاشل في جامع الإحسان في (تعز)، وفي الجمعة الماضية تبنّى التنظيم التكفيري عملية مسجد الإمام الحسين عليه السلام في الدمام (السعودية) وعملية تفخيخ حذائية لمسجد الكبسي في (صنعاء) والتي أحبطت أيضاً، وهذا كُلُّه في ظل العُـدْوَان السعودي الذي فَخَّخَ جميعَ أجواء الـيَـمَـن وأرضه في عملية دمار شامل وكامل لكل الـيَـمَـن إنْسَـاناً ودولةً ومنشآت، والذي أعطى انطباعاً أن داعش الحذاء والحزام الناسف والسيارة المفخخة التي تستهدف المساجد والأسواق العامة هي هي داعش الطائرة الإف16، وداعش الأباتشي، وداعش صاروخ الكروز، التي لا تُبقي ولا تذر، لقد تبيّن أن داعش ليست أسوء حالاً من شقيقته الكبرى، وأن المفرِّقَ بينهما كالمفرق بين الحية وأخيها الأفعى.

تُسْهِمُ المناهجُ الوهابية بشكل فعّال في خدمة التنظيمات التكفيرية في مرحلة الإعداد الفكري والتربوي، في ما أسميه (مرحلة التغرير) وَ(مرحلة التكفير) السابقتين للمرحلة الأخيرة التي هي (مرحلة التفخيخ والتفجير)، وهي المراحل التي تشكِّل الدورة الكاملة التي يمر بها الفردُ التكفيري في حياته، وحينها يبدو التنظيمان (داعش والقاعدة) كهيكلين يمكن من خلالهما تحويل التعاليم النظرية التكفيرية الوهابية إلى واقع، وهذا ما يفسّر حصرية المنتمين لهما على الفكر الوهابي التكفيري، فلا تجد منتميا لهما إلا وله علاقة بهذا الفكر أَوْ بإعْـلَامه أَوْ قنواته.

ويتضح أنه حين تستهدف داعش المخالفين في العقيدة (الشيعة مثلاً) فهي إنما تريدُ إضعاف النظام المستهدَف ومداعبة زُملاء العقيدة الوهابية لاستقطاب المزيد منهم، وصناعة توترات طائفية وتشنجات غير محسوبة يمكنه في أجوائها الموبوءة الاستثمار الأوفر حظاً، حتى إذَا تمكّنت من الجميع فإنها لم ولن ترقب إلاًّ ولا ذمة لا في مخالف ولا في موافق في العقيدة، وما العراقُ منا ببعيد.

يتناقَضُ شيوخُ شقيقة التكفيريين الكبرى في التعامُل مع ظاهرة داعش القاعدة، فهم يعتبرون مواطنيهم من الشيعة (مشركين)، لكنهم إذَا استُهدِفوا نتيجةَ التحريض والتكفير وطبقا للتعاليم الوهابية، انبرى هؤلاءِ الشيوخُ خدمةً للسلطان للإنكار، ليس لأن الشيعة أَصْبَـحوا مؤمنين محترمي الدماء؛ ولكن لأن السلطان يريدُ الحفاظَ على كرسيه، وعمليات الأشقاء الصغار ضدهم تهدد بزعزعته، وهو أمرٌ بالغُ التناقض والسخرية من قبَل المنتمين لداعش والقاعدة، حيثُ الشعور المذهبي الديني المتدفق، والمفاهيم الآمرة بعداء (المشركين)، والمأثوراتُ الوهابية التي تحرّض على الأضْرَار بهم وبمحوهم من الوجود ترجِّح موقف الأشقاء الصغار، ولن ينطليَ على هؤلاء الأشقاء إضفاءُ الشقيقة الكبرى الأوصافَ التضليليةَ على عملياتهم في الخارج، حيثُ تصفها في الـيَـمَـن بـ(مقاومة)، وفي سوريا والعراق بـ(ثورة)، ومع ذلك فإن هذه الازدواجية السعودية المتلاعِبة بالنتائج والموظِّفة إياه توظيفاً سياسياً متناقضاً تعتبر نوعاً من تفخيخ مستقبلها وتدمير ذاتها، فما هو ممنوع في السعودية لا يجوز أن يكون مباحاً في الـيَـمَـن، والعكس بالعكس.

إن الشيءَ الذي بات مرجحاً أن الشقيقة الكبرى على أعتاب مرحلة خوض حروب مصيرية مع نسخها المتشابهة، وأشقائها المنافسين، وربائبها التي ترعرعُ تفي بيئتها، وتتجلّى المنافسة المحمومة بين (خادم الحرمين الشريفين) في الشقيقة الكبرى، وَ(أمير المؤمنين) في الشقيق الأصغر داعش، والذي يسعى سعيا حثيثا على الفوز بولاية الحجاز (مكة والمدينة) ليتمكّنَ مَن حصد الزعامة الروحية في العالَم الوهَّابي، الذي هو نهاية التَّأريخ لدى الحنابلة الوهابية.

السؤالُ الآن: هل تستطيعُ السعودية أن تنفذَ نفسَها من نفسها ومن نسخِها المتشابهة وأشقائها الصغار، لا سيما ومجتمع المتدينين فيها يدينُ معظمه بالولاء لداعش ويطرب لإنجازاتها الدموية كما تشير إلى ذلك استطلاعات كثيرة ذات مصداقية، وأدَّى إلى تشكيل لجان شعبية تشكك في القبضة الأمنية السعودية وأجهزتها، والتي هي أداة السلطة السعودية لحكم الشعب.

وبالنظر إلى اتحاد الجذور الفكرية لكل من داعش والقاعدة من ناحية وشقيقتهما الكبرى السعودية من ناحية أخرى، وإلى تعامُل الشقيقة الكبرى مع النتائج وليس مع الأسباب وبصورة خادعة، وبمعايير مزدوجة، وإلى توظيفها توظيفاً سيئاً لخدمة أغراض سياسية تخدم الغرب بصورة أساسية، فإنه من غير المرجّح أن تتخلص السعودية من هذا الداء، وأنه ستُرَدَّ بضاعتها إليها، حيث من المستبعد أن تخلس الشقيقة الكبرى جلدها الدموي الخشن وروحها التكفيرية التدميرية وقيمها الوهابية العنفية.

وحين تواجه شقيقها الأصغر داعش الذي هو أصدق انتماءً للفكر الوهابي العنيف فإنها ستمنى بالهزيمة، ما لم تخرج عن روحها وخصائصها الذاتية، ومن المستحيل أن يتخلص الشيء من ذاته، إلا بانعدامه معه.

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com