الراتب.. ومعركةُ تركيع اليمنيين

 

عباس السيد

تعودُ أولى محاولات استخدام الراتب كسلاح لتركيعِ اليمنيين، إلى النصف الثاني من عام ٢٠١٤، حينما أعلن مسؤولون في حكومة خالد بحاح في أكثر من مناسبة، عدمَ قدرة الحكومة على دفع مرتبات الموظفين. وكان الجدلُ يدور فقط حول ما إذا كان العجز سيبدأ في الأشهر الأخيرة من ٢٠١٤، أم من يناير ٢٠١٥.

وقد شارك المبعوثُ الدولي السابق إلى اليمن، جمال بن عمر، في تكرار نفس التوقعات في أكثر من تصريح، وكان بمثابة مكبّر الصوت لتلك التحذيرات كي يتم أخذُها على محمل الجد.

وفي مقال ٍلوزيرة الإعلام آنذاك، نادية السقاف، نشر في صحيفة الجمهورية، أوشكت السقاف أن تختتم مقالها بجملة “لله يا محسنين” لكنها استبدلتها بـ “السعودية لن تتخلى عنا”.

المثيرُ أن تلك التحذيرات والتوقعات جاءت في الوقت الذي كانت فيه الحكومة اليمنية تحظى بتأييد ودعم دولي لم تنله أيَّةُ سلطة يمنية من قبلُ، وفي ظل سيطرة الدولة وإدارتها لكل ثرواتها ومواردها.

فما حقيقة تلك التحذيرات والتوقعات، ماهي أهدافها في تلك المرحلة، وما علاقتها بأزمة المرتبات الحاليةِ؟!.

وبمقارنة الأوضاع الاقتصاديةِ الحالية بالتي كانت سائدةً أواخرَ 2014، يمكن القول إن تلك التحذيرات كانت جزءً من الخطة التي يسعى الخارج لتنفيذها، عبر حلفائه في السلطة، وكان الراتب فيها، وسيلةَ ابتزازٍ وإلهاء لتمرير مُخَطّط الأقلمة ومشروع الدستور بهدوء ودن ضجيج.

فحين تعجز الحكومة عن دفع الرواتب، وتتولى المملكة دفعها، سيلتزم الجميعُ الصمتَ ويحمدون اللهَ والمملكة، ولن يجرُؤَ أحدٌ على معارضة ما يتم الاتفاقُ عليه في كواليس الداخل والخارج. فهو بمثابة مريض، عليه أن يمتثل لما يقرره أطباء السياسة الخبثاء.

أحبطت ثورة 21 سبتمبر 2014 ذلك المُخَطّط، لكن السلطة التي باتت في حُضن حلفائها في الخارج عادوا مرة أخرى إلى نفس الوسيلة ـ الابتزاز بالراتب ـ لاستكمالِ تنفيذ نفس المُخَطّط، بعد أكثر من عام ونصف من استخدام القوة العسكرية.

وبغضّ النظر عن إمكانيات السلطة الحالية التي يقودُها المجلس السياسي الأعلى وقدرتها على استئناف دفع المرتبات من عدمها، فالمشكلة الاقتصادية والعجز في تسليم الرواتب مشكلة معقدة، وهي فوق طاقة أية حكومة وأية جماعة تدير بلداً. كما أن أسبابَ المشكلة وأطرافها الداخلية والخارجية معروفة للجميع.

والمثيرُ للاستغراب، أن يطالبَ البعضُ بالراتب بمعزل عن كُلّ تلك الأسباب وأطرافها، وأن يعتبرَها آخرون مجرد ذرائعَ للتنصل من المسؤولية وابتزاز لمن يطالبون برواتبهم، وكأن العدوان والحصار الشامل المفروض على الوطن مجرد مسلسل تراجيدي يعرض على التليفزيون منذ قرابة عامين.

وبدلاً عن المشاركة في تقديم حلول ومقترحات، انضم كثيرٌ من الإعلاميين والسياسيين إلى طابور المطالبين بالرواتب، وعلى طريقة: أُحْلُبي وِلّا السكين.

نعم الراتب شيءٌ مهمٌّ وقطع الأعناق ولا قطع الأرزاق. ولكننا أمام عدو يقطع الاثنين معاً. يهلك الحرث والنسل. يقتل الغني والفقير، الكبير والصغير يدمر المساكن والمقابر.

متى يعي هؤلاء أنه لولا التضحيات التي يقدمها الأبطال في الجبهات لكانت مطالبهم الآن مختلفة جداً فيما لو تمكن الأعداءُ من اقتحام المدن واستباحة كُلّ شيء فيها.

لم نستوعبْ بعدُ حجم المحنة التي يمر بها وطننا، والتي لم يسبقه اليها أي بلد في العالم. ومن سخرية الأقدار أن يختزلها البعض بتأخر صرف الراتب فيبدو مثل رضيع يصرخ حين تسقط زجاجة الحليب من فمه.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com